لا ديمقراطية دون عدالة اجتماعية


ابراهيم حجازين
الحوار المتمدن - العدد: 3776 - 2012 / 7 / 2 - 13:38
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

الأسبوع الماضي اقر مجلس النواب الأردني ومن ثم مجلس الأعيان قانون انتخابات تتحدث المادة الثامنة به عن تقسيم المقاعد على أساس الصوت الواحد ومقاعد الكوتا النسائية ومقاعد القائمة الوطنية، ووضح أن الأكثرية في المجلسين تعاند الأغلبية الشعبية وترفض كليا ما طالب به الحراك الوطني الأردني بكل مكوناته بإلغاء مبدأ الصوت الواحد المسمى بالصوت المجزوء لان قوته الانتخابية مختلفة من دائرة انتخابية لدائرة أخرى، فيما اعتبرت المعارضة طرح القائمة الوطنية النسبية للوطن والمكونة من 17 مقعدا محاولة لتجميل قانون الصوت الواحد والذي فرض منذ عام 1993 لتمرير اتفاقية وادي عربة بين الحكومة الأردنية والكيان الصهيوني.
ومن هنا كانت ردود الفعل على هذا القانون قوية وشملت كل المحافظات وأعطت زخم جديد للحراكات الشعبية ، وطالبت الأحزاب وقوى المعارضة وخاصة الجبهة الوطنية للإصلاح وكذلك الأحزاب الوسطية وحتى بعض الشخصيات المحسوبة على النظام رأس الدولة الملك عبد الله برد القانون كما يخوله الدستور لان القانون بهذه الصورة يمثل نجاحا لقوى الشد العكسي والمحافظة من الحرس القديم المرفوضة شعبيا ولن يعكس مطالب الجماهير الرافضة له خاصة وان الصوت الواحد قد جرب ولم يقدم تمثيلا حقيقيا للشعب وهذا من الاستحقاقات التي تفرضها عملية الإصلاح.
قام الملك بالمصادقة على القانون مع الطلب بإجراء تعديل لتضييق قاعدة الرفض للقانون وتوسيع المشاركة الحزبية في ظل التهديدات بمقاطعة المشاركة في الانتخابات المقبلة والتي من المتوقع أن تكون واسعة جدا مقارنة بالمقاطعة في الانتخابات السابقة، وتم التوافق بين الحكومة ورؤساء مجلسي النواب والأعيان على تعديل فقط فقرة واحدة من المادة ثمانية من القانون والخاصة بزيادة حصة القائمة الوطنية النسبية من 17 مقعدا إلى 27 مقعدا، ورفضت المعارضة الرسمية والشعبية ممثلة بالحراكات الوطنية والاجتماعي هذا الطرح واعتبرت انه محاولة فاشلة لزيادة المساحيق التجميلية على ما لا يمكن تجميله. فلماذا ترفض القوى والأحزاب والحراكات المعارضة قانون الانتخابات كما ارته المجلس التشريعية؟
إن الصوت الواحد المجزوء (غير المتساوي) كما يعمل به في الأردن فيه ثلاثة مثالب، الأول انه غير دستوري لان قوة الصوت تختلف من محافظة او دائرة لأخرى بينما ينص الدستور على مساواة الأردنيين أمام القانون، والثاني أن هذا القانون قد قسم وفتت النسيج الاجتماعي الأردني ولكن ليس لتحل محله بنية اجتماعية ارقى بل اتجهنا إلى الأسوأ حيث ظهرت زعامات جديدة محلية مرتبطة بالمال والفساد السياسي والانتخابي وغيرها من طرق غير مشروعة تهمهم فقط مصالحهم الشخصية وهم على استعداد ان يستخدموا العنف والعصبية المحلية لتمرير مصالحهم كما كنا شاهدين طوال الأربعة أعوام الماضية. والثالث يتيح الفرصة لتزوير الإرادة الشعبية من خلاله بطرق عديدة منها التلاعب بعملية الانتخاب والتسجيل والفرز كما جرت العادة ولن تقدر اللجنة المستقلة ان تمنع ذلك، وأيضا بطريقة وصول بصيمة وسحيجة من النواب المطاوعين إلى المجلس، والطريقة الثالثة عن طريق وصول احدهم من الدائرة الانتخابية بأصوات قليلة مقابل ما جمعه غير الناجحين فبعض الدوائر نحج بها نواب بأصوات اقل من أصوات المخاتير مثلا. ولو جمعنا أصوات الفائزين في انتخابات المجالس السابقة مع التغاضي عن التزوير لوجدنا أن أصوات الناجحين كانت قليلة جدا ولا تذكر مقارنة مع أصوات غير الناجحين أي أن أرادة أكثرية الشعب غير ممثلة في مجلس النواب بينما هذا هو الهدف من العملية الانتخابية.
الصوت الواحد مرفوض قطعيا حتى ولو تم تجميله بإضافة عدد ينتخبون بواسطة القائمة الوطنية . لان هذه التوليفة ليس دستورية لسببين الأول أن الصوت الواحد غير دستوري والثاني سيتواجد عندنا صنفين من النواب وكل صنف انتخب بطريقة أيضا مختلفة وهذا يناقض المساواة أمام القانون للأردنيين. وما الحل إذن؟! حيث نبدو أننا نضع الحصان أمام العربية او العصي في دواليب الديمقراطية او كما يتهمون المعارضة انه لا يعجبها العجب. الأساس في مطالب المعارضة تجسيد مبدأ الشعب مصدر السلطات وهذا يتحقق عبر انتخابات تمثيلية حقيقية لمجلس النواب يتمثل فيه الشعب الأردني بقوانين ديمقراطية متساوية التمثيل والثاني أن تشكل الأغلبية الفائزة او المتحالفة الحكومة الجديدة ومثل هكذا مبدأ يفترض أن يسند بتعديل دستوري لممارسته. صحيح أن الوضع يتطلب البدء بمرحلة جديدة تفرض انتخابات لا بد منها ونرى أن مؤسسات الدولة الرسمية تدفع باتجاه إجراءها قبل نهاية العام تحت تأثير ضغوطات دولية. ولكن حتى يتاح لها النجاح لا بد من أن تجري الانتخابات على أساس مقبول وهذا لم يتحقق حتى ألان .
فقد اقر المجلس الحالي قانون ليس مقبولا بدلالة أن رأس الدولة رأى فيه سلوك إقصائي مرفوض ولهذا طلب إعادة النظر فيه. والظاهر أن قوى الشد العكسي في مجلسي النواب والأعيان حتى بعد إرجاع القانون للتعديل عليه مصرين على الحفاظ على أساسه الصوت الواحد المرفوض شعبيا مع وضع بعض العسل في ما يراه الشعب بأغلبيته سم زعاف. وهذا التعديل لن يخفف من التوجه نحو المقاطعة وحتى لو اقر أفضل القوانين الانتخابية فغن دواعي الحراك الأردني ستبقى قائمة ولن تكون مفاجأة إن تفجر الوضع من جديد ولن يجدى حينها أي تجميل او اصلاح. فما دفع الشعب للمطالبة بحقه بتنفيذ إرادته، معاناته طوال العقدين السابقين بسبب السياسات التي أهدرت مقدرات البلد واستولى من خلالها متنفذون طارئون وسطوا على كل ما صنعه المواطن الأردني من انجازات اقتصادية بالفساد والاحتيال والتغاضي عن إرادة الشعب ومصالحه بطريقة أضعفت بقصد الوطن وتركته فاقدا لكل أوراقه وأسلحته في وضع إقليمي خطير، والان بعد أن نضج المواطن وطرح مطالبه باستعادة كل ما نهبه الفاسدون يقومون بإغلاق ملفات الفساد وتهيئ الأرضية لعودتهم على بسط فرشها لهم الحرس القديم. لذا عندما يطالب الحراك بتعديلات تمكن من وضع الأردن على طريق التطور الديمقراطي لا يعني ذلك تناسي الدوافع الاجتماعية والاقتصادية للإصلاح لانها المحرك الأساسي للمطالبة بالإصلاح وعملية التغيير. وكذلك عندما يطالب الحراك باستعادة الثروات المهدورة والأموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين، لا يعني قبوله باستمرار حكم البلاد وإدارتها دون العودة لإرادة الشعب كمصدر للسلطات، إن المعادلة لها شقان يدعم كل منهما الأخر، تغيرات في النهج الاجتماعي والاقتصادي لمؤسسات الدولة في مصلحة أكثرية الشعب ويقابلها ترسيخ مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان كضامن لمصالح الأغلبية الساحقة من الشعب الأردني. فلا ديمقراطية دون عدالة اجتماعية.