هل يحتاج الأردن لدخول مجلس التعاون الخليجي!


ابراهيم حجازين
الحوار المتمدن - العدد: 3362 - 2011 / 5 / 11 - 18:07
المحور: السياسة والعلاقات الدولية     

ذكرت الأنباء أن مجلس التعاون الخليجي قد بحث طلب العضوية الذي تقدم به الأردن للمجلس وكلف وزراء خارجية دول المجلس أن تبحث مع عمان شروط استيفاء هذه العضوية. وبهذا أصبح الأردن عضوا مرشحا لمجلس التعاون الخليجي، فكيف ستكون عليه الأحوال في المرحلة القادمة، خاصة في ظل الأوضاع التي تمر بها المنطقة، إن كان على صعيد الحراك الشعبي في مختلف البلدان العربية بمطالبه الإصلاحية والديمقراطية أو حلقات التدخل الخارجي والتي تهدف لاختطاف هذا الحراك حسب طبيعة النظام السياسية وعلاقاته بالمحور الغربي عدائية كانت أم لا. قد يقول قائل في هذا الظرف أن انضمام الأردن لدول الخليج يجيء في مصلحة هذه الدول من حيث حماية حدودها الشمالية في ظل عدم وضوح كيفية تطور الأوضاع في سوريا وكذلك بالنسبة للعراق وحتى التطورات المتوقعة في الأراضي الفلسطينية خاصة بعد استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويضيفوا أن الموافقة على هذا الطلب يأتي في سياق تردي علاقات دول الخليج مع إيران واهتمام هذه الدول بتحشيد مزيد من الحلفاء في ظل هذا التوتر، خاصة بعد الأنباء عن دعم قدمه الأردن لحكومة البحرين في الأحداث الأخيرة.
لسان حال السياسة الرسمية الأردنية "يبرر فكرة انضمام الأردن الى دول مجلس التعاون الخليجي بانها سوف تساهم في دفع عجلة التنمية الشاملة وتحقيق التكامل الاقتصادي لدى كافة الدول في المنظومة المقترحة وكذلك سيساعد على إخراج الأردن من أزمته الاقتصادية المستعصية، ويستطرد أصحاب وجهة النظر هذه أن في الأردن تقدم ملحوظ على مستوى المنطقة في مجال التعليم والصحة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات وأساليب استخدام التقنيات الحديث وفي العديد من المجالات الأخرى،علماً بـأن التقدم في هذه المجالات متفاوت من دولة خليجية لأخرى" وتنقصها اليد العاملة المختصة والتي يمكن للأردن أن يقدمها، لكن لا يشير من يدعم هذا النهج الثمن الذي يمكن أن يدفعه الأردن بدلا لهذا الانضمام من ناحية التراجع عن التقدم الذي حققه على صعيد البناء المدني للدولة وطموحات الشعب الأردني في تحقيق الإصلاح الدستوري والسياسي الذي سيجعل المواطن صاحب قرار في وطنه تطبيقا للمبادئ الدستورية المتقدمة او على صعيد ما يمكن أن يعطيه كبديل للانضمام من ناحية خدمات أمنية يقدمها لدول المجلس قد تشكل هوة في المستقبل بين الشعب الأردني وشعوب دول الخليج العربي، لأن المطالبة بالديمقراطية تمتد على امتداد الأرض العربية وليس هناك دولة بمنأى عن ذلك، وهذا الدور الأمني سيكون له دون ادنى شك دورا سلبيا على العلاقات المستقبلية بين الشعوب المعنية والشعب الأردني وهذا هو احد التأثيرات السلبية لمثل هذا الانضمام.
إن طلب الانضمام الى مجلس التعاون الخليجي لا يطرح للمرة الأولى فقد سبق وإن طرح مرات عديدة ، لكن طرحها هذه الأيام يكتسب أهمية بالغة نظرا للأحداث التي تمر بها المنطقة في ضوء التغيرات العميقة التي تجتاحها واستحقاقات عملية الإصلاح التي أصبحت مطلب عربي شعبي يحرك الجماهير من المحيط إلى الخليج.
دوما كانت الوحدة العربية مطلب وأمنية للشعب الأردني، وخيار الانضمام إلى تكتل إقليمي عربي مسألة حيوية وضرورة موضوعية بالنسبة للأردن، خاصة بعد محاصرة العراق في عام 1991 ولاحقا احتلاله والذي مثل عمق الأردن الاستراتيجي وجعله عرضة لضغوط مختلفة أمريكية وإسرائيلية بالأساس وعربية في جانب منها ، نجحت في فرض استحقاقات أهمها المسيرة التي دعيت بعملية السلام وترتب عليها دخوله في منظومة دولية من العلاقات والسياسات منفتحة على كل الخيارات التي تضر بأمنه وبوجوده ككيان، فهل سيجعل الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي الأردن أقل عرضة للضغوط الخارجية فيما يخص عملية السلام الآن وللتذكير فإن مبادرة السلام العربية لا تزال مطروحة ولم يعلن عن موتها حتى الآن من الجانب العربي وهذا يعني أن المبادرة والتي دعمت أساسا من دول الخليج قد يتم إحيائها في أي وقت وستشكل بالتالي عبء على الأمن الوطني الأردني إن تم ذلك.
التوجه نحو مجلس التعاون الخليجي خيار مفتوح أمام أوساط الحكم في الأردن والذي لا يأتي بالضرورة في السياق الذي أشرنا إليه أي حماية الأردن بالبحث عن عمق استراتيجي يوفر له قدرا من المرونة في المناورة وفي مواجهة الضغوطات الدولية والإقليمية، وفي هذا مكن الخطر وقصر النظر لبعض راسمي هذه السياسات، وبالتالي قد يستنتج البعض ان خيار الانضمام يأتي في إطار احتواء المطالب الشعبية بإصلاح دستوري وتشريعي حقيقي.
خيار الانضمام جدير بدراسة أكثر عمقا وجدية، وفي الواقع فإن العوامل الجغرافية والتاريخية لها أهمية كبرى في تحديد خيارات الدول الإستراتيجية، وفي حالة الأردن فهو جزء من جغرافيا بلاد الشام والهلال الخصيب وتاريخيا تفاعل مع الأحداث التي تفاعلت في هذه المنطقة وانخرط فيها برغبته أو رغما عنه، وهو لم يكن بذات الوضعية بالنسبة للجزيرة العربية مع أهميته لها وأهميتها له، ومن هنا قد يكون أقصى ما تقدمه دول الخليج العربي في هذه الظروف هي مساعدات اقتصادية تقيه شر تطور الأوضاع الى الأسوأ مع فرض شروط لن تعلن بشفافية للشعب الأردني وستلعب الأدوات الإعلامية دورا في تطمين الشعب الأردني عن مستقبل الخيرات التي ستهل دون أن يتذكروا أن نفس وسائل الإعلام هذه قد روجت بنفس الطريقة لمعاهدة "السلام " عام 1994.
الحل الذي يمكن أن يوفر للأردن الاستقرار على صعيد الإقليم ليس متوفرا حاليا، فالعراق الامتداد والعمق الاستراتيجي للأردن لا يزال محتلا أمريكيا ومخنوقا بامتداد إيراني، وسوريا تعيش ظروفا صعبة قد تؤدي لتغيير معادلات التوازن الداخلي ومستقبلها مفتوح على كل الاحتمالات ولا يمكن المراهنة عليه حاليا، فماذا يبقى أمام الأردن الرسمي لفعله أمام انسداد الآفاق الإقليمية لبناء شبكة تحميه خاصة وان العدو الإسرائيلي على استعداد أن يقلب ويضحي بمخرجات معاهدة وادي عربة على حساب الكيانية الأردنية، فهو يواجه ظروفا لا تقل صعوبة عن قضايا المنطقة يفرضه المأزق الوجودي لهذا الكيان الغاصب، وأمريكيا وبالرغم من أن المبادرة لا تزال في يد الدولة القطب في العالم لكن لا يمكن أن نغفل أن دورها على المستوى الدولي لم يعد كما كان فالتآكل بهذا الدور يبقى مستمرا.
مرحليا واستراتيجيا لم يبقى أمام الأردن إلا أن يقوي جبهته الداخلية مما يجعله رقما صعبا في المعادلات الإقليمية والدولية عبر الاستجابة لاستحقاقات انتظرها الشعب الأردني طوال عقدين، فهي توفر الأمان والوحدة والاستقرار الداخلي مقابل استمرار التوتر وعدم الاستقرار إذا استمرت محاولات الهروب من تطبيق تطلعات الشعب عبر زيادة حدة الاحتقان الذي تسعى له دوائر الفساد والشد العكسي. إن مكافحة الفاسدين ووضع حد للفساد وإجراء الإصلاحات الدستورية والسياسية المطلوبة تتيح المجال أن يتحمل الشعب الأردني نتائج الأزمة الاقتصادية على وضعه المعيشي شريطة تقاسم كل الفئات ذلك بعدالة، بهذه الشروط الداخلية يمكن للأردن أن قادرا على التعامل دون الحاجة لتقديم التنازلات تمس مستقبله وبنيانه الداخلي ونظامه السياسي أمام أية ضغوط قد تظهر مطالبة بتقديم استحقاقات لا يقبل الشعب الأردني بتحقيقها.