الأردن: قانون الانتخابات وتداعياته


ابراهيم حجازين
الحوار المتمدن - العدد: 3809 - 2012 / 8 / 4 - 14:47
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

قصر النظر والحسابات الضيقة تصبغ سياسات الدولة الأردنية منذ أن بدأت المطالب الشعبية تأخذ طابع الحراك الوطني الشامل والذي يمتد طول الوطن وعرضه. هذه المطالب التي تستشعر الأخطار المقبلة على الوطن في أجواء إقليمية تنذر بالخطر،وكذلك تأثيرها على المواطن الذي يعاني من أوضاع معيشية متردية ويتطلع إلى أن يتجاوز الأزمة الاقتصادية والتي تسببت بها سياسات ونهج رسمي فرط وباع مقدرات الوطن بصفقات مشبوهة، وادى إلى انحدار الأوضاع المعيشية والاجتماعية للشعب وخاصة الفئات المتوسطة والفقيرة. في ظل تغييب مقصود للإرادة الشعبية عبر قانون انتخاب انتهك المبادئ الأساسية للدستور الأردني وشكل الأساس لحالات غير مسبوقة من التزوير المادي والمعنوي لنتائج الانتخابات أسفرت عن تشكيل مجالس نيابية مطواعة وخانعة للقوى المتنفذة.
طوال العقود الماضية خبر شعبنا النتائج المأساوية لقانون الصوت الواحد المجزوء الذي يعطي الحق للناخب بانتخاب مرشح واحد في دائرة متعدد المقاعد النيابية. وأدى من خلال التطبيق إلى تفتيت نسيج المجتمع الأردني وتعمق ظواهر العنف الاجتماعي في حنايا الوطن ومؤسساته التي أخذت تفقد دورها لصالح صراعات عشائرية لم يشهد لها الأردن مثيل من قبل. وكان من نتائج هذا القانون ومجالسه النيابية المفروزة منه فقدان الرقابة واستشراء الفساد، فتكرست طبقة من المفسدين والفاسدين قاموا بإلغاء كل ما هو إنساني وايجابي في بنية مجتمعنا لصالح متسلقين ارتضوا على أنفسهم مقابل امتيازات غير شرعية والكسب غير المشروع أن يوافقوا وباسم الشعب على التفريط بكل قيم المجتمع الإيجابية التي طالما تفاخر بها شعبنا و أصبحت اثرا بعد عين.
ورغم هذه النتائج المرعبة نرى إصرارا خطيرا من القوى النافذة على أبقاء هذا القانون كوسيلة لاستمرار هيمنتهم لمنع الشعب من الوقوف الجدي القانوني والقضائي لملاحقة المفسدين واسترداد ما تم نهبه وتبديده بصور غير شرعية، وتابع شعبنا طوال عام ونيف مندهشا ورافضا التلاعب بمعنى الإصلاح ومتطلباته بمناورات شملت تغيير ثلاثة حكومات وتغيير العديد من المسؤولين من شتى المواقع الهامة في الدولة كمحاولات لإسكات صوت شعبنا وشبابه الذين رفعوا أصواتهم في الميادين مطالبين بالإصلاح الحقيقي ومحاكمة الفاسدين التي اقدم مجلس النواب سليل هذا القانون الانتخابي على إغلاق ملفاتهم وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ العالم قام بمنع القضاء من محاكمتهم .
وها هي الحكومة الأخيرة تصر إصرارا غير مبرر على قانونها سيء الصيت والسمعة بالرغم من أن الإرادة الشعبية وغالبية قوى المجتمع المدني والأحزاب والنقابات وحتى بعض الشخصيات السياسية والوطنية المحسوبة على الدولة والنظام أعلنت رفضها له تعبيرا عن المسئولية الوطنية والأخلاقية.
ويدل أن هناك ارتباك في أوساط دوائر الحكم، المطالبة بتعديل قانون الانتخاب وتأجيل الانتخابات المقررة في نهاية هذا العام هذا العام إلى العام المقبل حتى يأخذ الحوار من اجل التعديل وقته الكافي، ولكن المفاجئ أن من يقف على وراء الحكومة من مراكز القوى والنفوذ تقاوم كل منهجيات التفكير الإصلاحي وتصر على تجاهل كل الملاحظات والنداءات التي تقدمت القوى المخلصة للوطن مرة أخرى.
وفي ضوء هذا الإصرار والعناد الرسمي والتعنت الحكومي على هذا القانون ولأنه وضع يشكل متعمد وبدون حوار حقيقي مع قوى الشعب وفعالياته الأساسية ولا يلبي طموح الأردنيين بالمشاركة في صناعة مستقبلهم السياسي ويقوض قواعد تداول السلطة والمساهمة في صناعة القرار ولا يتقدم بأي خطوة نوعية في تطوير الحياة السياسية وتنويع مصادر المشاركة الشعبية في صناعة القرار ويضع الأرضية للاستمرار بتزوير إرادة الشعب حاليا وفي المستقبل .فإن المزيد من القوى والحركات الشعبية تعلن رفضها لهذا القانون وتعلن مقاطعتها للانتخابات القادمة. مع أن هناك بعض من القوى المعارضة للقانون لم توضح موقفها بعد من المشاركة في الانتخابات مما يؤثر سلبيا على النتائج المتوخاة من الضغوط التي تمارس على الحكومة وقوى الشد العكسي لتغيير هذا القانون وإقرار قانون عليه توافق وطني، وهذه القوى مدعوة لن تكون أكثر حزما في التصدي لقانون الانتخابات هذا.
أن التغيير هو سنة الحياة ولن يتمكن أحد من إعاقته، وعلينا أن نعي أبعاده ونعمل لكي يكون هذا التغيير ايجابيا ولصالح مجتمعاتنا وباستحقاقاته التي لا يقدر احد على عدم تلبيتها ومن يتغاضى عنها اعتقادا منه بتمرير إرادته بواسطة وسائل أصبحت مكشوفة، مثله مثل من يخيط جرحا دون تطهير مكانه فسيلتهب من جديد مهما اعتقد صاحب القرار ان الأمور قد مرت كما يشتهي!! إلا أن الثمن الذي سيدفعه الوطن والشعب سيكون اكبر وأفدح في هذه الحالة ويكفي اأن ننظر إلى ما يجري في دول الإقليم نتيجة قصر النظر الذي تم التعامل بع مع مطالب الشعوب .