متلازمة التاريخ: الحركة والتغير


ابراهيم حجازين
الحوار المتمدن - العدد: 3350 - 2011 / 4 / 29 - 14:31
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

لم تمت الحياة بانهيار التجربة المتحققة "للاشتراكية"، بل ولم يتنهي التاريخ بانتصار الراسمالية في السباق مع تلك التجربة، كانت فقط عملية تاكيد ان التاريخ لا يسير ضمن تصورات البشر المبسطة لكن في إيطار قوانين اعقد من مما يتوقعه المرء. فالتجربة التي ظهرت في روسيا ودول أوروبا الشرقية وبعض المناطق في العالم، كانت حالة خاصة فرضتها الظروف التي حددت لحظة الاختيار بين الرأسمالية في تطور روسيا وضعف برجوازيتها عن القيام بمهمتها التاريخية بالمقارنة مع التطور الرأسمالي الهائل في الغرب، فلعب التاريخ لعبته فحمل تلك المهمة لأعداء الرأسمالية الأيديولوجيين البلاشفة الذين طوروا مفاهيمهم النظرية على أساس نظرية ماركس للتناقض بين قوى الإنتاج المتطورة وعلاقات الإنتاج المتخلفة والمعيقة لنمو ونهضة تلك القوى ، وكان ما كان فوجد البلاشفة أنفسهم في بداية حكمهم مضطرين عبر سياسة النيب (السياسة الاقتصادية الجديدة) التي وضع أسسها لينين أن ينهجوا نهجا مغايرا لنظريتهم الاشتراكية ويعملوا على بناء الرأسمالية لتطوير القوى المنتجة وهذا كان من غير الممكن فالرأسمالية يبنيها الرأسماليون ومن هنا جرى الانقلاب على هذه السياسة في عصر ستالين وأخذت الدولة على عاتقها تنفيذ مهمة التاريخ القيام بمهمات الرأسمالية دون رأسماليين، فكان النمو والتطور لكن الأفق لبناء منظومة العلاقات الاشتراكية كما تصورها الكلاسيكيون كان مسدودا ثم جاء السكون والانهيار وهو من أشكال حركة المادة وتغيرها.
اما الرأسمالية فلم تستنفد حيويتها بعد وهي تنمو وتتطور في مختلف المجالات في الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، كما وفي كثير من أوجه ومناحي الحياة الأخرى وحتى في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان ولا يزال أمامها شوطا كبيرا حتى تستنفد نفسها .هذا ما تشير له المعطيات الحالية، وما نراه من ازمات تكاد تقضي عليها او تدخلها في آفاق مسدودة هي حالات مرافقة لها في نموها وتطورها وتكيفها وأيضا في تعفنها وانهيارها، كما أنها من الدلائل ان هذا النظام الذي اعقب نظامين سابقين عليه للملكية الخاصة الرق والعبودية ليس نهاية التاريخ بل هو مرحلة من مراحل مسيرته.ونلحظ أن الأمر لم يصل بعد إلى تلك المرحلة من التناقض بين قوى المنتجة رغم تطورها الهائل وطابع علاقات الإنتاج القائم على الاستغلال والاستحواذ على فائض القيمة التي تتطلب تغير هذا النظام بنظام ارقى. ولم يلد بعد في احشاء الرأسمالية براعم النظام البديل رغم ما قد تشي به بعض الظواهر في نظام علاقات الملكية الرأسمالية. لذا فالمطالبات بإلغاء الرأسمالية في هذا السياق لا يعدو حالة طوباوية لا جذور لها على أرض الواقع. والأزمة المالية الأخيرة والتي لم يخرج النظام الرأسمالي منها كليا بعد لم تؤدي إلى ما توهمه البعض من أنها نهاية هذا النظام القائم على الملكية الخاصة، وفي نفس الوقت لا يعني هذا الاستنتاج الاستكانة بل يتطلب العمل من اجل تحقيق المطالب والمصالح الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية لضحايا هذا النظام الذين يزدادون كما ونوعا واصبح يضم طبقات وشرائح اجتماعية اكثر مما تصور مؤسسو النظرية الاشتراكية من مدافعين عن حقوق الإنسان والبيئة ودعاة الديمقراطية ونقابات عمالية ونقابية وأحزاب وغيرها من حركات جديدة.ومن الجدير بالانتباه أن حركات التغيير في البلدان العربية سيكون لها دورا كبيرا في تنبيه وتحفيز فئات اجتماعية صاعدة وتتمتع بوعي جديد في الدول الرأسمالية أن تأخذ دورها على الصعيد السياسي والاجتماعي في هذه الدول. فالتغيير على المستوى العالمي هو في النهاية محصلة للنشاط البشري الواعي المستند للتطور على الصعيد العلمي والتكنولوجي.