النزعات الفاشية في سياسات دول الغرب


ابراهيم حجازين
الحوار المتمدن - العدد: 4386 - 2014 / 3 / 7 - 18:29
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

الفاشية بشكلها الايطالي وصلت الى الحكم في ايطاليا عام 1922 ووصلت بشكلها النازي الى الحكم عام 1933 وكادت الحركات الفاشية ذات النفوذ في اوساط مهمة ان تحكم كل من فرنسا وبريطانيا في الثلاثينيات وظهرت كذلك حركات فاشية في الولايات المتحدة في نفس الفترة تقريبا وهدفت الوصول الى الحكم أيضا في هذه الدول، كما انتصرت الفاشية في اسبانيا بعد الحرب الاهلية في نهاية الثلاثينات بقيادة حزب الكتائب (لفلانج) بزعامة الجنراك فرانكو.
السبب في نمو وازدهار هذا الاتجاه اليميني العنصري المتطرف يكمن في وجود عوامل موضوعية نمت وتطورت في المجتمعات الاوروبية اهمها تطور الراسمالية ودخولها مرحلة الاحتكار وظهور الراسمال المالي وتمكنه واتساع نفوذه بين الشرائح الراسمالية الاخرى في الدول الراسمالية في الغرب وعامل اخر مهم وهو الازمة الاقتصادية الاجتماعية التي دمرت البنى الاجتماعية وانهكت الطبقة الوسطى وأدت إلى ارتفاع اعداد الفئات المهمشة مما شكل قاعدة واسعة للحركات الفاشية بالاضافة الى عامل داخلي هام وهو ازدياد دور القوى العمالية والديمقراطية المناوئة لسيطرة الراسمال ودخول حكمه في ازمة وجود ان يكون او لا يكون . لعبت هذه العوامل ادوار مختلفة ادت الى انتصار الفاشية في دول بعينها وبقائها خطرا كامنا في دول اخرى . كما كان للصراع العالمي على مناطق النفوذ واعادة اقتسام المستعمرات ومن اجل الوصول إلى قمة هرم الهيمنة الدولية دورا حاسما في تهيئة الظروف لوصول تلك الحركات الى موقع الحكم.
الظروف العالمية اليوم تنطوي على عوامل كامنة وظاهرة تدفع باتجاه تمكن قوى فاشية من الوصول الى الحكم في دول مختلفة خاصة في الدول الاروربية ضعيفة التقاليد الديمقراطية والتي تتعمق بها الازمة الاقتصادية الاجتماعية ووصلت فيها السلطة السياسية إلى افق مسدود بالاضافة إلى كون الحركات الفاشية في الوقت الراهن اصبحت ذات طابع عالمي بفعل قوانين العولمة حيث اصبحت تستخدم من قبل مراكز دولية كادوات للضغط وتمرير سياسات بعينها في ظل الصراع الدولي المحتدم على مناطق النفوذ والانكفاء المرافق لبعض الدول الكبرى بسبب استمرارالازمة الاقتصادية المالية منذ 2008 والتي لا افاق واضحة لتخطيها بقدر ما اصبح خيار الدول التي وقعت فيها ان تتعايش معها وتحلها بانجازات عسكرية او سياسية على المستوى الخارجي حتى تخفف من وطأتها وتؤخر قدر المستطاع من انعكاس نتائجها اجتماعيا بحدة داخل دولها وما يمكن ان يترتب على ذلك من تغييرات سياسية، وهنا لا بد لنا من تذكر ان القوى " الديمقراطية " المسيطرة في الغرب وقفت موقفنا منافقا وفي بعض الاحيان داعما للفاشية الاسبانية خلال الحرب الاهلية بحجة ان الصراع الاساسي في اسبانيا كان قائما بينها وبين القوى اليسارية من شيوعيين واشتراكيين وفوضويين، وهذا يدعونا للتفكر بما يجري اليوم في اوكرانيا من انفلات للقوى الفاشية واليمينية المتطرفة تحت انظار " القوى الديمقراطية " في الغرب التي تغض النظر عن سلوكها العنصري في بعض الاحيان وتدعمه في احيان اخرى وكان ذلك اصبح مطلب لا بل ممارسة لهذه القوى.
إن سلوك القوى الغربية في اوكرانيا في دفعهم الامور إلى مزيد من التطرف والصراع من اجل تحقيق هدفهم المباشر وهو اضعاف روسيا والاطباق على نفوذها من خلال تحريك ودعم الفاشيين لجر البلاد إلى حرب اهلية دموية خطيرة من خلال ممارساتهم والمتمثلة بالاعتدائات السافرة على الخصوم واحزاب اخرى مناوئة لهم يذكرنا بالاساليب التي مارسها هتلر وموسوليني ضد خصومهم خاصة اذا علمنا ان الفاشيين الاوكرانيين تلاميذ نجباء لهم.
لقد جرت حوادث اعتداء متعددة ضد أعضاء بارزين في حركات اليسار الاوكراني ونظمت «مظاهرات» تم الاعتداء خلالها على مكاتب الاحزاب اليسارية وخاصة في المناطق الغربية الأكثر فقراً في أوكرانيا وفي العاصمة كييف تم إحراق ونهب منزل بيتر سيمونينكو الأمين الأول للجنة المركزية للحزب والذي وثمة مجموعات ملثمة ومسلحة تجوب في الشوارع بحثاً عنهم كما كان يفعل اصحاب القمصان البنية والسوداء في ايطاليا وألمانيا.
إن الاخطار واضحة وتهدد العالم اجمع ليس بسبب الاتجاهات الفاشية باوكرانيا ولكن لان حل الاعتماد على الفاشية اصبح خيارا على مستويات عليا في الدوائر الحكمة في الغرب الذي مارس وبكل وقاحة كل الموبقات والقتل والدمار وخرق الشرعية الدولية مئات المرات خلال العقد الماضي في العراق والصومال واليمن وافغانستان وفلسطين ولبنان وليبيا التي دمروا بناها الاجتماعية من اجل خدمة مصالح شركاته الاحتكارية فاليوم نجد ان شركتا شيفرون الأمريكية وبريتيش بتروليوم البريطانية تمولان كل حملة التهويل الهستيرية في اوكرانيا كما حدث في السابق في قارات واماكن اخرى من العالم .
القوى المعادية للفاشية في العالم وفي بلادنا العربية اليوم مدعوة لكي تفهم ميول ونزعات التطور في سلوك الدوائر الحاكمة في الدول الغربية وتعمل على التصدي لها ولاساليبها في بلداننا العربية التي اصبحت مختبر لتجربة هذه التوجهات الجديدة باستخدام ادوات محلية وخارجية