هل نحن أمام مرحلة تحولات كبيرة في بلدان المركز الرأسمالي؟


داود تلحمي
الحوار المتمدن - العدد: 3787 - 2012 / 7 / 13 - 22:21
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

أرسل لي صديق مقدسي مقيم في الولايات المتحدة وصلة لمقالٍ لأميركي اسمه بيل زيميرمان منشور على أحد المواقع الإلكترونية النقدية "تروث أوت" نُشر في مطلع تموز/يوليو 2012، ويتناول الطابع الإستثنائي برأي الكاتب لظاهرة "احتلوا وول ستريت" ومسلسل "الإحتلالات" اللاحقة في أنحاء الولايات المتحدة، معتبراً إياها ذات مردود أهم وأوسع من تحركات الطلاب والشبان المناهضين للتمييز العنصري وللحرب في فييتنام في الستينيات الماضية. وجاء عنوان المقال معبراً عن هذا الرأي: "عواقب حركات إحتلوا ستتجاوز مكاسب نشاطية الستينيات".
ومما جاء في المقال: "صحيح ان الإصلاح الإقتصادي الحقيقي يشكل تحدياً أكبر من المعارك التي خضناها في الستينيات من أجل الحقوق السياسية والإنسانية... ولكن حركة كهذه ستكون لها قوة بقاء هائلة لأن الظروف الإقتصادية التي سببتها من غير المتوقع أن تتغير". وهو يشير هنا بشكل خاص الى البطالة المتزايدة في البلد، بما في ذلك وخاصة في صفوف خريجي الجامعات، الذين لا يجد نصفهم تقريباً فرصة عمل ثابتة بعد تخرجهم في كل عام، وهي ظاهرة لم تكن موجودة في الستينيات الماضية. وبالطبع، يورد الكاتب إشارة هنا الى بعض التقاطع مع أحد مسببات الثورات العربية التي انطلقت في أواخر العام 2010 ومطلع العام 2011.
ويتحدث الكاتب في تناوله لآفاق التحركات في الولايات المتحدة الى أن هناك ضرورة لتكتيكات جديدة لتشجيع مشاركة أوسع في هذه التحركات الإحتجاجية على النظام الإقتصادي... "تكتيكات تتيح للأقل التزاماً للتحالف مع الأكثر نشاطيةً"، على حد تعبيره.
وينتهي الى القول: "إن المشاغبين الشبان العاطلين عن العمل الذين ألقى بهم المجتمع يفهمون أن الفجوات الهائلة في الثروة والسطوة التي هي سبب مشاكلهم لن تختفي من تلقاء ذاتها. فخلف هؤلاء الشبان سيكون هناك ملايين العمال غير الراضين الذين لم يجدوا قسطاً لهم من الحلم الأميركي الذي كانوا يسعون إليه. ولذلك فإن الحقبة الآتية من النشاطية المواطنية من المرجح أن تقزّم ما استطاع جيلي أن يحققه في الستينيات"، كما جاء في المقال.
وما يقوله الكاتب عن الوضع الحالي في الولايات المتحدة، وهو كلام مهم بالتأكيد، ينطبق بشكل أوسع على بلدان أوروبية عدة تشهد مشكلات إقتصادية مستعصية في السنوات الأخيرة منذ انفجار الأزمة الإقتصادية الرأسمالية العالمية وتفاقم مديونية الدول وعجوزات موازناتها وتزايد رهيب لنسب البطالة، خاصة بين الأجيال الشابة، في بلدان مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا، وحتى في بلدان غير تلك الواقعة في الجنوب من القارة الأوروبية.
فهل نحن أمام احتمال إعادة إحياء مقولة ماركس التاريخية حول التحولات في البلدان الأكثر تطوراً في العالم الرأسمالي؟
بالطبع، كل ما يحدث في الولايات المتحدة، المركز الرئيسي للنظام الرأسمالي العالمي منذ أواسط القرن الماضي، على الأقل، وفي بلدان أوروبا المتطورة، وخاصة في المركز منها في ألمانيا، القوة الإقتصادية الأوروبية الأولى، أو فرنسا، القوة الثانية، مهم بالنسبة لشعوب العالم كلها التي ينالها دائماً نصيب من انعكاسات أزمات المراكز الرأسمالية العالمية المدمرة.
ولكن حتى ولو أدت الأزمة الرأسمالية العالمية الحالية، في الأمد القريب، الى نجاحات لليسار ولخيار تجاوز النظام الرأسمالي في بلدان الأطراف، وخاصة أطراف المركز نفسه، كبلدان أوروبا الجنوبية، فذلك لا بد أن ينعكس على النواة الصلبة للمراكز.
ربما الأمر ليس مطروحاً في الأمد المباشر. لكنه يزداد واقعيةً مع الإستعصاءات المستمرة في أوضاع ملايين المواطنين في بلدان المركزين الأميركي والأوروبي، الذين لم يعودوا يجدون أفقاً مرئياً للخلاص من جحيم البطالة والفاقة المستفحلة، ولم تعد ديماغوجية وسائل إعلام وأيديولوجيي النظام الرأسمالي تضللهم كما كانت تفعل طوال عقود طويلة ماضية، سواء عبر إثارة "بعبع" الشيوعية والخطر السوفييتي أو عبر مسكنات الإصلاحات الإجتماعية المحدودة التي لم تعد، في كل الأحوال، بمتناول حكام هذه البلدان، لا بل باتت على جدول أعمال الشطب عندهم.