|
خطان متضادان في السياسة التونسية ..
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 7029 - 2021 / 9 / 25 - 21:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما تفجرت الانتفاضة التونسية في سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر 2010 لم يكن هناك ما يوحي أنها ستتطور سريعا لتكون حريقا عاما بعد أيام قليلة ، كانت شرارة بسيطة في ليل سيدي بوزيد والوطن بأسره ، ثم ما لبثت أن كبرت يوم 24 ديسمبر عندما امتدت النيران الى المكناسي ومنزل بوزيان ، وهو ما ذكر به الرئيس يوم 18 سبتمبر 2021 ، كان ذلك يوما انعطافيا سقط خلاله شهداء وجرحى لأول مرة بالرصاص ، وهو ما مثل سببا مباشرا لاتساع الحريق ليشمل أغلب الجهات ، وصولا الى يوم 14 جانفي 2011 ،الذي دشن ضربة البداية لمسار آخر ، فقد تم خلاله تهريب بن على الى السعودية وليس هروبه ، وافساح المجال أمام سياسيين لا علاقة لهم بالانتفاضة للعبث ببلد بأكمله ، بعضهم من حزب بن على نفسه وأركان حكمه، وبعضهم الآخر حط الرحال فجأة قادما من وراء البحار ، لذلك أعتبر يوم الانقلاب على خط 17 ديسمبر ، حيث تداخلت عوامل مختلفة محلية وخارجية لتنفيذه . ما جاء بعد ذلك التاريخ هو التوغل فيه وفق استراتيجيا مخاتلة ، خرج جراءها المنتفضون مُنكسرين من الحلبة السياسية وعوضهم ثوريون مزيفون أهلكوا الحرث والنسل بعجرفة مُعلنة وعبث لا يُضاهى . هل كانت الانتفاضة التونسية مفتقرة الى الفهم و الفكر و التخطيط والإرادة والتصميم ، مما سهل على أعدائها أخذها على حين غرة ؟ الإجابة هي لا ، لقد كانت كفاحية الشعب عالية على صعيد الممارسة ، مثلما كانت هناك مقالات ومحاضرات ، وخطب في الشوارع ، تحول بعضها الى كتب تشرح ذلك كله على صعيد الفكر، وهى مُوثقة ويمكن العودة اليها ، ولكن كان لأعداء الانتفاضة أدوات ثلاث أساسية رجحت الكفة لصالح خط 14 جانفي ، هي الاعلام والمال والدعم الخارجي فحقق الغلبة . خط الانتفاضة وخط الانتفاضة المضادة اشتبكا في صراع مرير بعد ذلك ، غير أن موازين القوى لم تكن متكافئة كما قلنا ، فقد كان الشعب أعزلا . وعبرت عن ذلك الصراع القصبة الأولى ، التي كانت محاولة لإعادة الأمور الى نصابها من قبل المنتفضين ، وهى التي بدأت بمسيرة طويلة من منزل بوزيان الى العاصمة، قاومت القصبة الأولى، وعندما جاء منصف المرزوقي المُعين رئيسا قبل حتى أن تبدأ الانتخابات طرد بالنعال ، ولكنه أصبح رئيسا فعليا بعد وقت وجيز، كان كل شيء مُسطرا فالمخططون نفذوا برنامجهم ومضوا بعدها الى ليبيا ومصر وسوريا الخ في رحلة صيد الثروات العربية ، مُستغلين مطالب شعبية مشروعة... لم يهدأ بال المنتفضين فكانت القصبة الثانية والثالثة ، و حدثت مواجهات وسقط شهداء وجرحى أيضا في ارتباط بذلك الصراع ، وفي الأخير تم اختراق القصبة عندما هيمن خط 14 جانفي عليها من داخلها ، مُحولا إياها الى ساحة للمدائح والاذكار، وأصبح الجامع القريب وما حوله ساحة صلاة دينية سياسية ، فقد أستعمل الدين كسلاح بكثافة. لقد غُدر بالانتفاضة التونسية وقطع الطريق أمامها ، ووضعت اليد السوداء عليها حتى لا تتطور الى ثورة حقيقية فتكون شرارة تحرق السهل العربي برمته . ومضى وقت قبل أن يأتي قيس سعيد ليفجر منظومة 14 جانفي من داخلها ، في اختراق مضاد تنفس معه المنتفضون القدامي الصعداء ، ورحب به المنتفضون الجدد يوم 25 جويلية 2021 فالتاريخ الانتفاضي التونسي لم تتوقف أيامه ولياليه . واليوم عندما يتحدث قيس سعيد عن التاريخ الحقيقي للانفجار الثوري والانقلاب الذي أجهضه ، وعن التناقض بين سيدي بوزيد والمسرح البلدي بالعاصمة فإنه يعبر عن ذلك التناقض دون لبس ، وهو الذي أدركه مبكرا وكان شاهدا عليه ، منحازا الى خط 17 ديسمبر في مواجهة منظومة فاسدة ، ومن ثمة تأكيده أن الأمر لا يتعلق بتغيير حكومة بل بتغيير منظومة ، وهو ما تندرج ضمنه قراراته يوم 22 سبتمبر 2021 القاضية بمواصلة حالة الاستثناء وحجب المنح والامتيازات عن البرلمانيين المجمدين ، واتخاذ تدابير خاصة لتنظيم السلطتين التشريعية والتنفيذية ، والغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين ، والاستعانة بلجنة لوضع مشاريع اصلاحات سياسية. دون مس بالدستور في أبوابه غير المتعارضة مع تلك التدابير وهي المتعلقة خاصة بالحريات التي كرر مرارا أنها ستظل مكفولة .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاغتيال السياسي.
-
صاعقة في سماء صافية .
-
بيان للحمقى والمغفلين .
-
نصر للأخلاق وهزيمة للسياسة !
-
حنا مينه والعالم الذي يموج .
-
دروس أفغانية .
-
خطة الرئيس .
-
تونس: حول 25 جويلية 2021 وقرارات رئيس الجمهورية
-
. لوحة تونسية : حمة الهمامي .
-
اليوم الذي هز تونس .
-
محمد سبيلا : أفكاره ستظل حية طالما هناك عربي يقرأ.
-
تونس : حركة النهضة والتمكين قطرة قطرة .
-
تونس : حكومة سياسية
-
الحزب الدستوري الحر
-
سعدي يوسف : أمة الكدح ومعبد الجمال وصوت العراق الحزين .
-
الفلسفة والمال.
-
سياسات تونسية .
-
المثلية والاحتجاجات الشعبية التونسية .
-
مسيرة 27 فيفري في تونس ورسائل راشد الغنوشي .
-
مسيرة يوم السبت 6 فيفري 2011 في تونس العاصمة:
المزيد.....
-
بعد تقرير عن رد حزب الله.. مصادر لـRT: فرنسا تسلم لبنان مقتر
...
-
شاهد: حريق هائل يلتهم مبنى على الطراز القوطي إثر ضربة روسية
...
-
واشنطن والرياض تؤكدان قرب التوصل لاتفاق يمهد للتطبيع مع إسرا
...
-
هل تنجح مساعي واشنطن للتطبيع بين السعودية وإسرائيل؟
-
لماذا يتقارب حلفاء واشنطن الخليجيين مع موسكو؟
-
ألمانيا ترسل 10 مركبات قتالية وقذائف لدبابات -ليوبارد 2- إلى
...
-
ليبيا.. حكومة الدبيبة تطالب السلطات اللبنانية بإطلاق سراح ها
...
-
-المجلس-: محكمة التمييز تقضي بإدانة شيخة -سرقت مستنداً موقع
...
-
الناشطة الفلسطينية ريما حسن: أوروبا متواطئة مع إسرائيل ومسؤو
...
-
مشاهد حصرية للجزيرة من تفجير القسام نفقا في قوة إسرائيلية
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|