أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الكريم يوسف - زنوبيا والإسكندر















المزيد.....

زنوبيا والإسكندر


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 7019 - 2021 / 9 / 14 - 00:15
المحور: الادب والفن
    


أنا برونتي
نقل معانيها إلى العربية محمد عبد الكريم يوسف
***
كان المساء لطيفا والشمس زاهية
كانت تشرق في الصحارى والبساتين،
وكانت النسمات حلوة والزهور رائعة،
وكانت السماء من فوق خالية من الغيوم،
وكان المكان في الأرض العربية البعيدة،
وكانت هذه الساعة ساعة صفاء وسلام،
وهنا استلقى شابان وهما متكئين
تحت تعريشة وارفة الظلال.
***
كان أحدهما صبيا في الرابعة عشرة من عمره فقط
جرئ جميل ومشرق،
وقد تعلق شعره الأسود المجعد الناعم على شكل العناقيد على جبين من الرخام الأبيض.
الحاجب جميل والخد أحمر اللون
لنتحدث عن سماء أقل احتراقا
لا يمكن للكلمات وحدها أن ترسم الصورة الظاهرة
في عينيه الداكنتين اللامعتين.
***
وكانت الأخرى فتاة نحيلة
جميلة شابة مزهرة
وكان شعرها الطويل يلقي بظلاله على
عنقها الثلجي الجميل،
وتينك العينين العميقتين ذات اللون الأزرق المائي
تبدوان حزينتين كسيرتي الخاطر
وكل سمة في وجهها
تشي بحزن تأملي دفين.
لحظ الشاب مزاجها الحزين
وابتسم بمرح وقال لها:
ما أحيلى الأرض العربية المشرقة!

يا زنوبيا! لم أر في حياتي
أمسية ألطف من هذه.
لم أشعر يوما بمعنوياتي مرتفعة
مثل هذه الليلة
مع المزيد من النعيم المتواصل.

الظلال عميقة ، والساعات في غاية الهدوء
وكانت النسائم تتنهد بنعومة،
وبدأت فيلوميل عزف ترانيمها
بايقاع إلهي.

والعبير يفوح بحبور
من الزهور بأجمل ألوانها
وأجمل الزهور - زنوبيا
وأنا وحدي معك.

ألسنا هنا سعداء لوحدنا
في هذه البقعة الوارفة الصحية؟
و رمقها بنظرة حبورة
لكنها تجاهلتها تماما.

سألها : لمَ أنت حزينة؟
وتنهد تنهيدة مريرة
سألها ثانية :أخبريني لمَ تتجمع
قطرات الويل في عينيك الجميلتين؟

أجابته قائلة: سأفرح بكل سرور،
لكن الحزن يثقل قلبي.
أيمكن أن أكون سعيدة
وأنا أعلم أننا سنفترق غدا؟

نعم يا اسكندر فأنا لن
أرى هذه الأرض السعيدة مرة ثانية،
وعند خيط الفجر الأول علي أن أعود
إلى شاطئ غوندال البعيد.

في الصباح علي أن أقول وداعا
وعند مساء نفس اليوم
ستتجول وحيدا
وسأكون بعيدة.

سأحزن عليك
وأنا عند البحر الواسع الفسيح
وربما تتجول هنا وحدك
لتجلس وتفكر بي

بكت وهي تقول له:هل سنفترق قريبا؟
هل ستتفرق القلوب التي ربيت معا؟
أعليها أن تفترق وتبتعد
؟في نوى يدوم للأبد.

أعلينا أن لا تلتق مرة ثانية
القلوب التي ترعرعت معا؟
أعليها أن تفترق وتبتعد
في نوى يدوم للأبد؟

نعم! سنفترق يا إسكندر،
ولكن قد نلتقي ثانية،
لأنني عندما غادرت موطني
بكيت بحسرة وضيق.

لن أنسى أبدا اليوم
الذي غادرت فيه شاطئها الصخري
اعتقدنا أننا قلنا وداعا للأبد
وأننا لن نلتقي مرة ثانية على هذه الأرض.

كم بكيت حين افترقنا
لرؤية الجبال الزرقاء
تزداد قتامة وبعدا
حتى تلاشت عن البصر.

وأنت بكيت- فكرنا قليلا
أننا لو التقينا بعد وقت طويل
مرة ثانية فجأة
في مناخ بعيد كهذا.

والتقينا في سهول غراسيا الكلاسيكية،
لنفترق في الأرض العربية
تحت سماء غوندال.

أتذكرين يا زنوبيا
الينبوع الوحيد الصغير
وسط هضاب غابات اكسينا
حيث اعتاد الشحرور الغناء؟

وعندما انتهى اللقاء مع أخر خيوط النهار
وبدء غسق السماء
بدأ العندليب المتأمل
ألحانا لا نظير لها.

اعتادت الأجراس على الرنين هناك
وكانت الأشجار الباسقة تلوح في العلاء
وترسل الريح اللطيفة تنهيداتها
وسط حفيف الأوراق

غالبا ما كنا نلهو في الصباح
بجانب البئر الوحيد
وفي المساء نبقى هناك
حتى يسدل الشفق ستاره.

وعندما يحل عيد ميلادك الخامس عشر
تذكرني يا حبي!
وفكر بما قلته لك
في هذا البستان الحلو الجميل

وعند المساء، تجول حول ذلك الينبوع
واجلس و انتظرني
وأنا قبيل مغيب الشمس
سأعود إليك.

إن مدة سنتين مرهقة
لكنها سرعان ما تنقضي
وإذا لم نتقابل - اعلم
أنني لست كاذبة بل ميتة

* * *
ينحسر نهار الصيف بنعومة
عن الغابات والسهول والهضاب
وفي قاعة القصر الفسيحة تلك
الوحيدة الواسعة الساكنة.

بجانب قوس النافذة المفتوح ،
في هواء المساء الهادئ
بكل توحد العالم تجلس فتاة عظيمة
رشيقة وشابة وجميلة

جفناها ثلجيان ، رموشها طويلة،
تخفي ما في عينيها من نكبة،
تقرأ ، وحتى الٱن مررت
بجانبها من دون أن تلحظني

لكن انظر إليها إنها شاردة الذهن
تذهب أفكارها كل مذهب
تنظر نحو الوادي البعيد،
حيث رقرقة المياه الملفوحة بأشعة الشمس

وحتى روحها ليست منسجمة
مع المشهد الذي تنظر إليه
تسلي نفسها بابتسامة حزينة
على المسرات التي ذهبت مع الريح.

* * *

ثم يسقط بلطف على ركبتها
وينظر إلى السماء ،
بينما تتألق قطرات مرتجفة
عينها السماوية القاتمة.
وهكذا تجلس وحيدة ولا تزال تجلس
يتأمل في السنوات الماضية.

تنظر مرة أخرى إلى الكتاب
الذي قيد أفكارها من قبل
وللحظة تقاوم عبثا
أن تصلح أفكارها مرة ثانية.

ثم يهوي بلطف فوق ركبتيها
فتظر نحو ااسماء
في حين تلمع في عينيها السماويين
القاتمتين دمعة مرتجفة
ولذا تجلس وحيدة ساكنة
تتسلى بالسنوات التي خلت.

ثم تنهض بابتسامة سريعة
وحزينة
وتقفز من النافذة المفتوحة
على العشب أسفل النافذة

لماذا تحلق بسرعة كبيرة الٱن
أسفلا فوق المرج الأخضر
وتطير بلطف فوق التلال النامية
وفوق الوادي الذي بينهما؟

تمر تحت الشجر العملاق
الذي يرفع أذرعته عاليا
ويلوح ببطىء بأغصانه القوية
في سماء المساء الصافية.

ثم تسلك طريقا يتلوى من خلال بساتين
تكسوها الظلال
حيث لا تسمع شيئا سوى تنهد العواصف
وغمغمة حمائم السلاحف

تسرع الخطو في الظلام الحالك
نحو فضاء واسع عريض مفتوح
وحيث نافورة رخامية
وبجوارها أزهار جميلة

وبين المسافات وسط العشب المخملي
تنمو بضع شجيرات دردار
في حين يشق فيض دافىء من النور الأصفر
طريقه من السماء الغربية.

أهو مكان استراحتها؟ أوه..لا
لاتزال تغذ السير نحو الأمام
بينما ترتعد الغزلان أمامها قبل أن تطير
وهي تصعد الهضبة.

وهي لن ترتاح حتى تصل
إلى النبع المنفرد الملفوحة مياهه بأشعة الشمس
حيث الزفير يلوح للأشجار الخضراء
والطيور تزغرد في الحقول في حفلة موسيقية.

تقف هناك وتحدق حولها
عيناها باحثتان مشرقتان
ثم يتلاشى تنهيد الحزن بعيدا
وتنظر نحو السماء الفسيحة.

تجلس على العشب المزهر المنمق
ورأسها بين يديها
حيث يحرك النسيم العليل
ضفائر شعرها الذهبية المجعدة.

ترتسم ابتسامة حلوة لذيذة حزينة على مبسمها
قلبها بعيد بعيد
تجلس بانتظار حلول الليل
مكان النهار.

لكنها عندما تنظر نحو الغرب
وترى أن الشمس قد غربت
وتسمع أن الطيور تلوذ بأعشاشها
ليلا إلا عصفور واحد.

وترى ذلك على وجه الطبيعة
يلقي حجابا كئيبا
بصوت حزين وعين شكرى
تشي بأن كل شيء صار من الماضي

هو لن يأتي! ربما أعلم ذلك .
لكنه كان رجاء أحمقا
وكان لطيفا أن تعيشه
أو أن تتنازل عنه.

قد يكون من الحماقة البكاء
لكن لا يمكنني التحقق من دموعي
عندما ترى في ساعة قصيرة واحدة
دمار أمل السنين المحبوب.

لم يكن مزيفا، لكنه كان يانعا
والزمن يتدحرج بعيدا بسرعة
فهل نسي القسم الذي قطعه على نفسه
في أن نلتقي هنا الليلة؟

كلا.إذا كان يعيش فإنه ما يزال يحبني
ولا يزال يتذكرني،
وإن قصى نحبه،فإن مسراتي
تغرق في بؤس مطلق.

افترقنا في البساتين الجميلة
تحت السماء العربية
كيف أتمنى أن التقي به الأن
حيث تتنهد نسيمات غوندال؟

كان هناك نور نيزك ساطع
تلاشى في السماء
ظننت أنه نجم
يعد نفسه للسطوع

وتمسكت بهذا الأمل الزائف
بيد قوية لكن مرتجفة
لم أتجرأ للوثوق به
أو التنازل عنه.

فكرت فيه في الليل والنهار
و أحببته استمرار
وتضرعت للسماء أن تحفظه
حيث يكون.

هو لن يأتي ، إنه يتجول الأن
على الشواطىء البعيدة
أو ينام في ثبات عميق
ولم يعد بإمكانه أن يراني.

ٱه يا إسكندر! هل الأمر كذلك؟
ما إن نلتقي حتى نفترق؟
سيبقى اسمك محفور
في قلبي ما حييت.

لن أتوقف عن التفكير بك
ما بقي الفكر والحياة
لأنني على يقين
بأنني لن أرى نظيرك أبد الدهر.

تتوقف وتجفف دموعها
لكنها مازالت باقية هناك
تغرق في التفكير الصامت طوال الليل
وتسطع النجوم الفضية.

لكن انظر هناك! شاب بهيئة ملكية
يصعد المنحدر العشبي
وتلمع عيناه الداكنتان ببريق فريد
وقلبه ينبض بالأمل.

لقد سافر بعزيمة لا تلين
من فجر اليوم إلى ساعته
دمه يفور من وجنتيه
والعرق يتصبب من جبهته

استطاع الوصول إلى أعلى الهضبة الخضراء
حيث يمكث الينيوع المتوحد
انظر هناك! إنه يتوقف لدى سماعه
همساته اللطيفة.

لا يجرؤ على الدخول بين الأشجار
أو أن يحجبها عن عينه.
يصيخ السمع في قلق عميق
لعله يسمع صوتا ٱخر.

لكن عبثا! كل شيء ساكن وهادىء،
هل انتهت أحلام النهار البهية؟
هل كان أمله واشتياقه ضربا من ضروب العبث؟
أعليهما أن لا يلتقيان ثانية بعد الأن؟

مضت لحظة أخرى من التشويق الحزين،
لتبتعد تلك الأشجار. وتتراجع
و ينبجس الماء في البئر الوحيد أمام ناظريه
ويلتقيا في النهاية.

العنوان الأصلي:
Anne Brontë,Zenobia and Alexander (trans.2021)



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن والموت
- لا أحد يرضى بواقعه
- كيف نسيطر على عواطفنا
- المرأة الدافئة
- المرأة الجميلة
- ثقافة الإستخلاص في الحياة والعلوم والأدب والسياسة
- المرأة المبدعة
- على هذه الأرض آلهة تصطدم بآلهة
- قطار الثورة
- بيني وبينك
- الخصخصة
- ليدا والبجع
- جيرونشن
- للتشاؤم أهله
- يقطفون زهور الصحراء ... بلا وجل
- الشرق الأوسط بعد مئة عام
- الشعور بالكمال موت حقيقي
- رعشة الحب بلذة الحرية
- هل من الأخلاق أن نترك القبائل المنعزلة لوحدها؟
- الفساد في العلم والمعرفة


المزيد.....




- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...
- تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 على النايل سات وتابع أفلام ال ...
- وفاة الكاتب والمخرج الأميركي بول أوستر صاحب -ثلاثية نيويورك- ...
- “عيد الرّعاة” بجبل سمامة: الثقافة آليّة فعّالة في مواجهة الإ ...
- مراكش.. المدينة الحمراء تجمع شعراء العالم وتعبر بهم إلى عالم ...
- حرمان مغني الراب الإيراني المحكوم عليه بالإعدام من الهاتف


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الكريم يوسف - زنوبيا والإسكندر