أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - مواطنون وأعداء














المزيد.....

مواطنون وأعداء


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6233 - 2019 / 5 / 18 - 13:45
المحور: الادب والفن
    


في النزوح الذي يعيشه السوريون اليوم ملامح لا نجدها في النزوح الذي تفرضه الحروب بين الدول. في النزوح الذي تفرضه الحروب بين الدول، يتقارب الناس وجدانياً كما يتقاربون مكانياً. تكون صورة العدو صلبة وواضحة الملامح. وكذا تصبح صورة الذات. الشعور بالخطر الخارجي يذيب التمايزات الداخلية ويبتكر رابطة طارئة متينة وقادرة على الصمود للمشقات والضيق. وبقدر ما يكون العدو الخارجي مصدر الخطر يكون ابن البلد مصدراً للطمأنينة، فأبناء البلد أصحاب قضية واحدة ومصير مشترك، إنهم يتحسسون بقوة خيط المواطنة الذي يشتد ويجمعهم. من هنا تأتي قسوة رد الفعل تجاه من يتهمون بالتعامل مع العدو، لأن في ذلك غدر صريح لا يغتفر.
نزوح السوريين اليوم جراء الصراع العسكري الملتهب في معظم أرجاء البلاد، هو نزوح مختلف، هو نزوح مجبول بالسياسة والانحيازات المختلفة باختلاف التصورات عن العدو. هنا صورة العدو غائمة ومتمادية وبلا حدود واضحة. هنا تميع الحدود بين الخارج والداخل. تدخل الحدود في الحدود والجنسيات في الجنسيات وتتكون صورة العدو الهلامية الغامضة. وهنا تضطرب الذات في تلمس حدود ذاتها. ويصبح كل آخر مرشحاً لارتداء صورة العدو. في هذه الحال ينحط التعاطف مع النازحين من نار هذا الصراع إلى مستوى الشفقة. وبدلاً من أن تضمحل التمايزات فإنها تتضخم على حساب الروابط الوطنية. هنا لا تشمل خيمةُ "الوطنية" بظلها العائلاتِ النازحةَ إلى منطقة أكثر أمناً كما في الحروب بين الدول. هنا القضية ليست واحدة والشعب ليس واحداً. هنا للحذر وسوء الظن اليد العليا، فكل شارع مرشح لأن يكون جبهة، وكل شخص "غريب" مرشح لأن يكون عدواً.
تحتاج العائلات السورية النازحة إلى عبور حواجز نفسية - سياسية كي تحوز على شيء من القبول في عيون أهالي المناطق المضيفة. حواجز بلا متاريس ولا رشاشات لكنها أكثر وطأة من حواجز المتاريس والرشاشات، فهذه الأخيرة تختبر من هويتك الشخصية ومن مقتنياتك وربما من شكلك وردود أفعالك مدى ملاءمتك لمعايير السلامة الأمنية التي تسمح لك بالمرور، وحين تجتازها تصبح وراءك. أما الحواجز النفسية السياسية التي ينصبها الأهالي فيما بينهم، فإنها أمامك دائماً مهما تجاوزتها، ولها حضور مقيم. كل سؤال يوجهه أهالي المناطق "المضيفة" هو بمثابة حاجز. كل نظرة متأملة إلى هؤلاء النازحين هي بمثابة حاجز، قد يعلق النازح فيه إن هو أخفق في العبور. والعبور يحتاج إلى مهارة في التلون حسبما يشاء السائل الشاك. إنها حواجز منصوبة دائماً تفصل بين النازح وأهالي المنقطة. الاستفسار من المرأة مثلاً عن عدم وجود الزوج أو الأولاد البالغين، يتضمن اتهاماً لهم بأنهم يقاتلون مع المعارضة وأنهم بالتالي وراء مقتل أبناء من المنطقة "المضيفة" كانوا يخدمون في الجيش النظامي، ووراء خطف وتعذيب آخرين، ووراء ما يعيشونه من مآس منذ سنتين ويزيد. والأهم أنه يتضمن اتهاماً بأن الأم أو الزوجة أو الأخت النازحة إنما تؤيد وتناصر ما يقوم به الزوج أو الأخ أو الابن وبالتالي فإنها تصبح على حافة السقوط في صورة العدو.
ولتفادي هذه الحواجز ينكفئ النازحون ويخفضون مستوى احتكاكهم بالأهالي إلى حدود دنيا. هم أيضاً ينصبون حواجزهم النفسية في وجه أبناء المنطقة المضيفة. يتعاملون بحذر مضاد خشية تبعات السقوط في خانة "العدو". أحاديثهم مقتضبة ومغلفة بغلاف سميك من العمومية يحيل الكلام إلى ما يشبه السكوت الذي لا ينبئ عن شيء. هي حالة محزنة من التتارك بين أبناء ما يفترض أنه وطن واحد.

تموز 2013



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلاحو سوريا، التاريخ ما وراء حجاب السياسة 2
- فلاحو سوريا، التاريخ ما وراء حجاب السياسة 1
- أسئلة عن الثورة السورية
- حوار، في البحث عن سوء تقديراتنا 4
- حوار، في البحث عن سوء تقديراتنا 3
- حوار، في البحث عن سوء تقديراتنا 2
- حوار، في البحث عن سوء تقديراتنا 1
- تمرد المرأة السورية على الأطر السياسية الذكورية
- جرائم شرف في الثورة
- نجاحات ومخاطر في السودان
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 8
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 7
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 6
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 5
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 4
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 3
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 2
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 1
- إياك أن تموت مع الرئيس المقبل
- بيتنا والاسفلت


المزيد.....




- فنانة سورية شهيرة ترد على فيديو -خادش- منسوب لها وتتوعد بملا ...
- ينحدر صُناعها من 17 بلدا.. مؤسسة الدوحة للأفلام تعلن 44 منحة ...
- المغربي أحمد الكبيري: الواقعية في رواياتي تمنحني أجنحة للتخي ...
- ضحك من القلب مع حلقات القط والفار..تردد قناة توم وجيري على ا ...
- مصر.. الأجهزة الأمنية تكشف ملابسات سرقة فيلا الفنانة غادة عب ...
- فيودور دوستويفسكي.. من مهندس عسكري إلى أشهر الأدباء الروس
- مصمم أزياء سعودي يهاجم فنانة مصرية شهيرة ويكشف ما فعلت (صور) ...
- بالمزاح وضحكات الجمهور.. ترامب ينقذ نفسه من موقف محرج على ال ...
- الإعلان الأول ضرب نار.. مسلسل المتوحش الحلقة 35 مترجم باللغة ...
- مهرجان كان: -وداعا جوليا- السوداني يتوج بجائزة أفضل فيلم عرب ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - مواطنون وأعداء