ماجد عبد الحميد الكعبي
الحوار المتمدن-العدد: 4529 - 2014 / 7 / 31 - 11:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يرث الابناء من الاباء اشياء كثيرة بدءا من الممالك وانتهاء بالمهالك ، فهذا يرث قصرا وذلك كوخا ، وهذا ينعم بتركة المال وآخر يعيش في ذلة السؤال ، ويشتهر الأعراب بوراثة المشيخة في زعامة القبيلة او العشيرة فمن يكون ابوه شيخا لا بد ان تكون المشيخة من بعده لاحد ابنائه. ولم يستطع نظام التوريث الأعرابي ان يجد له موقعا بين الانظمة البدائية او المتقدمة.
فمثلا تشتهر كثير من القبائل البدائية في افريقيا وغيرها بتنصيب الانسان الاقوى اعتمادا على معاييرهم في تفضيل الاصلح ( تطبيقا لنظرية دارون ) ، حيث من يرد المنافسة علي كرسي الزعامة فعليه ان يصارع الزعيم الحالي ويكون الصراع محتدما ( اما قاتلا فتستحق الزعامة او مقتولا فتدفن) وعلى الرعية ان تخضع لهذا المبدأ فإذا فاز المصارع الجديد يقدم الشعب ولاءه اليه ويكون هو الامر الناهي ، وهذا ما يعرف بقانون الانتخاب الطبيعي .
وفي البلدان المتحضرة يلجأ الناس الى اختيار زعمائهم بالانتخاب الديمقراطي المستند ايضا الى نظرية دارون في الافضلية ، فالبدائي والمتحضر و بصورة او باخرى يخضعان للمبدأ نفسه ، غير ان الفارق بين الاثنين يكون في اعتماد الاول على القوة ( البدنية ) فقط بينما يعتمد الثاني على صفات تمثل القوة ( ليست البدنية قطعا ) جانبا من الجوانب الاخرى ، مثل حسن الادارة ، الشفافية ، الصدق ، النزاهة ، الكياسة ، الحلم ، السياسة وغيرها.
اما في بلاد الأعراب فان نظام الحكم لا يعتمد على اي مبدء من مبادئ الانتخاب الطبيعي او البشري بل يعتمد على فكرة الدماء النقية ، فدم الشيخ او الملك السابع عشر تسري بعروق الحفيد الى الابد ، فهو شيخ ابن شيخ وملك ابن ملك ورثها كابرا عن كابر ، ومن هنا تدخل المشاكل المستعصية التي لا تخضع لقانون التطور ، لان الابن اذا كان حاملا للسمات الوراثية البايلوجية فليس بالضرورة ان يكون مؤهلا بالقدرات و الامكانات النفسية و القيمية التي وجدت لدى الاب ، فالسلوك و العلم و الاخلاق والدين والعادات والقيم تدخل في باب الاشياء المكتسبة وليس في باب الفطرة او النشأة ، ولم تستطع الدراسات التطورية الى الان اثبات اي الامرين اكثر تدخلا في نقل الصفات السلوكية و القدرات العقلية بما فيها نظرية (الميمات).
ومن هنا نلاحظ التفاوت الكبير في حياة الدول بين عهود الاباء و الابناء ، فالدولة محكومة بالهبوط والصعود اي بالتذبذب بين عهدين وليس بالتطور . لذلك لا يكون الانجاز الحضاري تراكميا بل يكون خاضعا لفكرة البناء والهدم . فاما الاباء يبنون و الابناء يهدمون او يؤسس الابناء على خراب الاباء ثم يأتي الاحفاد ليقتفوا ما وجدوه جاهزا فتحافظ الدول على ثباتها وتحجرها عند فكر المؤسس الاول.
#ماجد_عبد_الحميد_الكعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟