|
المراة عندهم ، والمرأة عندنا !!
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4465 - 2014 / 5 / 27 - 14:07
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لقد وعت المرأة الغربية نسبيًّا - بعد طول تاريخ مؤامرات تعريتها من قِبَل الرجل - بأن مفاتنها الجسدية لم تعد مفاتن ، وأن جسدها ليس بمغر في ذاته ما لم يُعرَض ليكون كذلك ، وعرفت بأن الفتنة والإغواء والابتذال ليست في كشفها لجسدها ، بل في كيفيَّة ذلك الكشف ، وفي السياقات التي يأتي فيها ؛ وتيقنت أن لباسها ليس مقياسا لأخلاقها ، وليس معيارا لشرفها وحسبها ونسبها ، ولا يدل على شرف المكانة أو عهرها و دعهرها ؛ فكم من سافرةٍ جميلةٍ جليلةٍ ، مهيبة ، لأن ما في رأسها شيء آخر غير الإغواء والفتنة والتبرج ، وكم من محجَّبة أو منقبة ، لا ترى شَعرة من جسدها ، مهينة الكرامة ، تحوم حولها الحشرات البشريّة ، لأن ما في يملأ رأسها شيء آخر غير التحجب والاحتشام ، وأن بعض التحجُّب هو أكثر فتنةً وأشدّ إغراءً وإغواءً ، وأن بعض التكشُّف لا يبعث إلّا على البساطة والوضوح -كالموسيقى الموحية التي لا يمكن فصلها عن المعنى المراد توصيله - والتي لا يصح إلا مع المرأة السويّة ذات المواقف المبدئية التي لا تتزحزح قيد انملة امام ما يتعارض مع ضميرها اليقظ ومشاعرها السامية وأحاسيسها الإنسانية الراقية ، والتي لم تتحجَّب ، ولم تتنقَّب ، ولم تستر جسدها خضوعا لتدين طقوسي شكلاني ، أو استسلاما لتسلط رجالي ، أو تآمره ذكوري لاإنساني ضيق ، السلوك النمطي الذي تجاوزته المرأة الغربية بانتفاضتها على كل المتخلفين المتحجرين الجهلة الذين اعتبروها مجرد جسد بلا روح أو ضمير ، بعد أن اكتشفت أنها حقا المخلوق الأكثر ظلما في المجتمع ، وأنها دائما الفريسة ، والضحيّة ، والمستسلمة عبر والتاريخ . بينما ما زالت المرأة الشرقيَّة تستميت على تكريس كل ذلك عبر السلوكيّات التي كانت عليها أُمّها وجَدّتها من تخلّف ورجعيّة وانغلاق وزهد في نظام الحياة ومتعها ، لا غاية لها سوى إرضاء غرور الذكر ؛ الهدف النسوي القاصر لمعنى الحُريّة والعصرنة والتقدمية ، في العصر الحديث ، والذي كثيرًا ما يتضخم لدى مَن تحمل مركَّب نقصٍ نفسيٍّ أو اجتماعيٍّ أو جمالي - رغم ان ذلك صحيح ، خاصة في الشرق ، لكننا لا نعترف به.. ونخفيه ونعتبر التصريح به عيبا وكأنه رجس من عمل الشيطان- الذي يدفع بها للإسهام في ابتذال نفسها بنفسها ، بل وربما إهانتها وتحويل ذاتها إلى دُمية في معارض عامة لفُرجة النظّار -من الجنس الآخَر طبعا - الذين تلهث وراء إرضائهم وابتزازهم ، أكثر فأكثر ، بكلّ الطرق وكل الصور وكل اللغات ، بما فيها لغة المؤخرات المتلاطمة إقبالاً وإدباراً ووراء السراويل الضيقة ، والأرداف المكورة المرتعشة خلف العبايات المشفة ، مقابل انتزاع ما يرضي نزوعها نحو إطراء الجَمال فيها ، من غَزَل أو ثناء أو نظرات اعجاب ، حتى لو كانت كاذبة ، أو كانت من رجلٍ أعمى ، كتلك التي قالها "الأعشى" في وصف ملكة جمال: رُعبوبَةٌ فُنُقٌ خُمصانَةٌ رَدَحٌ ** قَد أُشرِبَت مِثلَ ماءِ الدُرِّ إِشرابا. ما يثبت صحة فكرة البيت الشعري الشهيرة : "والغواني يغرّهن الثناء !".. مدار هذا الأمر كلِّه يعود إلى الوعي بما تريده المرأة وما يُراد بها ، من احترام لهُويَّتها ، وشخصيَّتها ، واستقلالها ، وتحرُّرها الحقيقي من أهوائها وأهواء الآخرين ، وتطلعها لكي تكون إنسانًا كاملة الأهليّة ، والثقة ، والإرادة ، والمعنى ، والاستقلال ، والعزوف عن تسليع نفسها ، بنفسها أو برغبة المتاجرين ، وعرضها في أبهى الصور التي تشهق لها الغرائز ، في أسواق النخاسة ، لا فرق بينها في ذلك وبين جواري العصر العباسي اللاواتي لم يكن لهن من هم غير ارضاء مالكيهن من الذكور. وهنا لا شك أنه يحقّ لنا أن نتساءل بكل براءة وموضوعيّة : تُرى لماذا تفعل المرأة الشرقية ذلك بنفسها ؟ وماذا تريد من وراء ذلك ، وما دوافعها وأهدافها ؟ وهي تعلم أن أقصى يبتغيه الرجل من خطاباته الذُّكورية بكل ما تحمل من شِعارات الكرامة والحُريَّة والنسويَّة والعَصريَّة والتحضُّر ، التي يشحن به نفس المرأة ، ويحشو به رأسها ، هو تدجينها بعقليته الفجة ، ومسخ طبيعتها، وقتل ودفن كل جميل فيها ، لاسترقاقها واستعبادها وتحويلها إلى جسد للمتعـة في مخادع شهوانية ، و جارية وخادمة وحاضنة أطفال في بيت الزوجية ، وعورة هامشية معزولة عن المعرفة والوعي في الحياة العامة ، لا تتكلم إلا بإذن ومن وراء حجاب سميك فرضه الظلاميون عليها بكلّ باسم الدين -وهو من ذالك بريء - ضِدّا على كل ما يقتضيه العقل والتحرُّر والتحضُّر ، وتنص عليه كل الشرائع السماوية ، والقوانين الإنسانية الوضعية ، حتى لا يكون لها دورا أو مكانة تذكر في مجتمعها ، مع أنها هي الهبـة الإلهيـة الربانيـة المكونة لنصف المجتمعات البشرية. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصحراء المغربية ودور الجمعيات المدنية
-
شعوب لا تقرأ !!!
-
ظاهرة نكران الجميل !!
-
بلاد تستوطنك ، كما يستوطن العطر أكمام الزهور !
-
أيهم أكثر نضالية ، عمالهم أم عمالنا ؟؟
-
فاتح ماي في فرنسا عيد مزدوج ، -رمانسية ونضال-.
-
رد على منتقد -لولا الجنس لانقطع الجنس -
-
لولا الجنس لانقطع الجنس (5)
-
لولا الجنس لانقطع الجنس (4)
-
لولا الجنس لانقطع الجنس (3)
-
لولا الجنس لانقطع الجنس (2)
-
لماذا فقدنا الابتسامة ؟؟..
-
لولا الجنس لانقطع الجنس (1)
-
لماذا تُذل المرأة نفسها وتتهم الرجل بذلك ؟؟
-
حين تهان المرأة ممن يفترض فيه حمايتها !!؟؟؟؟؟؟؟؟
-
الإنسان السعيد لا يشيخ !!
-
الدراجة الهوائية وسياسينا !!
-
لماذا أدمن ركوب القطار !! (5)
-
لماذا أدمن ركوب القطار !! (4)
-
الإعدام جزاء من جنس جريمة !!
المزيد.....
-
-المرأة التقدمية- في منتدى الاستثمار العالمي لرواد الأعمال -
...
-
فرنسا: توجيه تهمة الاغتصاب ضد وزير التضامن السابق داميان أبا
...
-
مطالبات شعبية في مصر بوقف “أوبر” و”كريم” احتجاجًا على العنف
...
-
anem.dz.. رابط منحة المرأة الماكثة في البيت 2024 وأهم شروط ا
...
-
عداد جرائم النظام الأبوي.. من 9 إلى 17 أيار/ مايو
-
“منحة بقيمة 800 دينار جزائري“.. خطوات التقديم على منحة المرأ
...
-
البرازيل تستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم النسائية في 20
...
-
من بين 3 قضايا.. توجيه تهمة الاغتصاب لوزير المعاقين الفرنسي
...
-
القضاء الفرنسي يوجه تهمة الاغتصاب إلى وزير سابق من حزب ماكرو
...
-
توجيه تهمة الاغتصاب إلى وزير فرنسي سابق
المزيد.....
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
-
الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم
...
/ سلمى وجيران
-
المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست
...
/ ألينا ساجد
-
اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019
/ طيبة علي
-
الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1]
/ إلهام مانع
المزيد.....
|