أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد المسعودي - الانساق الثابتة والمتحولة في المعرفة والحرية















المزيد.....



الانساق الثابتة والمتحولة في المعرفة والحرية


وليد المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 2950 - 2010 / 3 / 20 - 20:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من حيث الاصل والمنشأ ولدت المعرفة وتطورت مع امكانية تطور الانسان وانتقاله من مجال الى اخر ومن حالة الى اخرى ، اي ان المعرفة هي وليدة حرية الانسان وتطورها ، وكلما زادت معرفة الانسان وتطورت كلما ظهرت الحرية بشكل اوسع ، والعكس صحيح كلما توسعت مجالات الحرية اصبحت المعرفة غير محاطة بظواهر المنع والحضر والمطلقات ، ومن ثم اكثر تغييرا وتطورا تراكما على صعيد المستقبل ، وذلك التطور يخضع لاعتبارات البيئة والظواهر المحيطة والمجتمع وكيفية تطورة وانتقاله الدائمين او كيفية ثباته وركوده المستمرين . فالانسان القديم الاولي ولد بلا معرفة منظمة ، واجه الطبيعة مع آليات وقدرات على الفهم والاستيعاب ومع كل اكتشاف تزداد معرفته وتزداد حريته في السيطرة على الطبيعة المعاشة ، فيعرف الموت والخطر والعدو والصديق والاليف .. الخ ، استطاع ان يكتشف الاشياء رويدا رويدا ، وبالانتقال من طور او من مرحلة الى اخرى ، فمرحلة الصيد مكنته من تكوين معرفة حول الطبيعة وان كل ما موجود من اعشاب ونباتات اصبحت لديه في خانة المقدس والمدهش الخلاب الذي يمتلك الاستعمال والفائدة في حياته اليومية ، وهنا تدخل عناصر البيئة في تثبيت وعي اولي معين سوف يتغير مع صعود او تقدم الانسان الى مرحلة الرعي وهي مرحلة بدأت التصورات تتغير والمقدس يتغير من الطبيعة المباشرة والمعاشة الى الطبيعة العمودية ، المرئية ، العاجز عن فهم كيفية عملها ، سيرورتها ، فظهرت عبادات الشمس والقمر والنجوم والكواكب وغيرها من العبادات التي تقدس الطبيعة في شكلها العمودي الفوقي ، والمعرفة لديه هنا في هذه المرحلة بدأت تأخذ طابع التأسيس في شكل القبيلة والمجتمع البدائي الذي يفرض قيما وتصورات معينة ، وبالتالي هذه المعرفة بالرغم من انها اخذت تزيد من سيطرته على مجاله المعاش بشكل بدائي اولي من جهة ، بدأت تفرض عليه قوانين اولية وقوالب جاهزة تورث وتؤسس الثوابت حولها ، وهذه الثوابت لا يمكن تغييرها او سقوطها كنسق اجتماعي إلا في حالة دخولها مع نسق آخر في صراع ، ومن ثم احلال او ولادة نسق جديد ، فكانت مرحلة الزراعة التي بدات تخلق مجالا جديدا في السيطرة وتثبيت دعائم ثقافية مختلفة عن المرحلة السابقة ، وهذه المرحلة لم تتأسس او تنبثق الا مع صراع طويل حول مطلقات ثابتة لا تتغير بسهولة ، ومرحلة الزراعة اخذت على عاتقها نشوء فكرة الالوهية والتوحيد ، بعد ان كانت حياة الرعي تفرض على الانسان تعددية في الالهة والتصورات والبنى الفكرية والايديولوجية ، ومرحلة الزراعة تمكنت من التصعيد والترحيل لما موجود من عياني حسي مباشر ومعاش الى ماهو فوقي متعالي مجرد غير مرئي .. الخ ، ولكن هل احدثت هنا مرحلة الزراعة قطيعة مطلقة مع المرحلة السابقة ؟ نقول انها احدث قطيعة مع ثقافة متعددة في الرؤى والتوجهات الى ثقافة واحدة موحدة مبنية على نسق مشابه الى نسق المرحلة السابقة اي ان القطيعة تحققت مع البنية السابقة وليس مع الادوات في التفكير والتعامل مع المطلقات ، فالحرية اصبحت مقننة مع معرفة ثابتة اكثر فاكثر بالرغم من التطور وامكانية معرفة الانسان وتطورها مع ظهور دولة المدينة وولادة المدن واكتشاف الكتابة ومعرفة الوقت والزمن ضمن آلية حسابية معينة ، ولكن النسق ضل هو نفسه اي نسق المطلقات والثوابت وتوريث الابناء ما يتعلمه الاباء من سلفهم والذين سبقوهم في الحياة ، وهكذا نقول ان المعرفة ما تزال محدودة ومقننة ومقولبة ضمن اعتبارات المؤسسة : دولة المدينة ذات الاثر السلالي ، القبيلة ، الاسرة ، في صورة الثوابت والمطلقات التي لا تتغير إلا من خلال تطور المعرفة وتطور الانسان ، وهنا بدأت المعرفة تنفصل عن الحرية كمفهوم يتيح الانتقال والتطور ضمن الخطة القصيرة الامد لحياة المجتمعات ، اذ احتاجت بسبب ثبات المعرفة وتقديسها الى حقب زمنية طويلة كي تجري عملية الانتقال والتطور من مرحلة الى اخرى ، ولكن بالرغم من الثبات الطويل ذلك ، جاء اليوم الذي يجعل من للمعرفة قيمة بشرية تصاغ من اجلها المصلحة والفائدة البشرية مع مجيء مرحلة التجارة والصناعة ، فالاولى اي التجارة كانت ولفترات طويلة لا تؤمن بالحرية إلا من خلال كونها اداة للحصول على الثروة والهيمنة تحت مسميات دينية وعنصرية الى حد بعيد ، وتجربة الحروب الصليبية في القرون الوسطى ماهي إلا دليل على تأسيس معرفة مصاغة على اساس السيطرة والهيمنة من خلال الدين ، كرؤية مطلقة وصالحة لجميع البشر (1) ، وهذه الرؤية سوف تتغير مع مجيء الثورة الصناعية وبداية ظهور الطبقة البرجوازية الرأسمالية من خلال وجود الابنية التي طبقها الاستعمار بحق جميع البلدان المستعمرة من خلال ربط المعرفة بالحرية وانه لا توجد ابواب مغلقة ، جميع البلدان ، مساحة مفتوحة للاستغلال وزيادة وتكديس الثروة بواسطة مفاهيم الحرية بالنسبة للشعوب المستعمرة . هذا بالطبع هو الوجه السلبي للحرية ولكن ايضا هناك وجه ايجابي تمتلكه البرجوازية من خلال كونها تقدمية وتحررية اكثر من الطبقات التي كانت تحكم قبلها " طبقات النبلاء والاقطاع ورجال الدين " تؤمن بالوقت والزمن كقيمة بشرية عليا للتقدم والتطور ، تؤمن بتقسيم العمل وتراتب المهن والتخصصات ، تؤمن بالمستقبل الذي لا يمكن ان يكون ضمن صور متطابقة مع الماضي ، تؤمن بحرية الانسان في الاختيار كسلوك ثقافي واجتماعي اي انها مع الحرية الفردية بقدر ماهي مع الحرية الجماعية على شرط ان لا تطغى الاخيرة على حياة وسلوك وحرية الفرد ، ولكنها ايضا تمتلك المساوئ ايضا من خلال بنائها الايديولوجي الذي يعلي من شأن الطبقة الاقتصادية الغنية على حساب الطبقات الضعيفة والمستغلة ، وبذلك تكون الحرية والمعرفة متحققتان مع امتلاك شروط الاقتصاد والثروة وليس العكس . ان المعرفة التي انتجتها الحداثة هي معرفة نسقية ثابتة وفقا للنموذج الغربي صاحب الحقوق المعتمدة في الانجاز والخلق والتأسيس ، وبالتالي هي من امتلكت ما يسميه ( و. و. روستو ) بالشروط المهيئة للاقلاع والتطور والتجاوز الى مرحلة ما بعد الحداثة مرحلة التكنلوجية وصناعة المعلومات التي بدأ ذلك النموذج يفقد مركزيته الوحيدة في التطور من خلال وجود مركزيات اخرى متطورة ومحققة لشروط الاقلاع والانجاز الحضاري " تجربة اليابان والصين وبلدان اسيا .. الخ " ( 2 )
ولكن هذا لايعني ان هذه المركزيات قادرة على اللحاق بالنموذج الغربي ، فالاخير اكثر جاهزية في الاقلاع والانجاز من خلال تجاوز مراحلة وتطورها وتغييرها بشكل مستمر بالرغم من الازمات التي قد تعصف بالمشروع الراسمالي والتي تكاد ان تحقق انهياره . ان المعرفة في ازمنة ما بعد الاستهلاك او الحداثة بالنسبة للدول المتقدمة قد اصبحت اكثر حرية في التداول والانتشار من خلال وجود شبكة المعرفة الكونية الهائلة " الانترنيت " والتي بواسطتها تضاعفت المعرفة بشكل عاصف ومتواصل ، فاصبحت من خلال ذلك اكثر سلعية وخاضعة للمعيار المادي كثروة وراسمال من الممكن ان تتصارع الدول الغنية على امتلاكها ، اي ان المعرفة هنا متحررة من قيود السلطة ولايوجد اية خشية من انتشارها وبالتالي هي افقية واقتصادية وتراكمية منتشرة لدى المجتمعات الحديثة .

مجتمعات المعرفة الجاهزة

هذه مقدمة موجزة لعلاقة المعرفة والحرية وتطورها عبر مراحل كثيرة وصولا الى المرحلة المعاصرة التي نعيشها اليوم ، من خلالها اردنا الوقوف على نموذج المعرفة والحرية السائدة لدى مجتمعاتنا موضوعة البحث والدراسة ألا وهي المجتمعات العربية الاسلامية . (3)
فالمعرفة لدى مجتمعاتنا هي معرفة قارة وثابتة الجذور حول طبيعة معينة ورؤية معينة ترتبط بالبيئة المنتجة لها وهي بيئة تنقسم او تتداخل بين مرحلتين مترابطتين في انتاج معرفتنا الا وهي مرحلة الرعي " البداوة " ومرحلة الزراعة ( الاستقرار) وولادة المدن ليس بالمعنى الحديث بالطبع بل ضمن طبيعة المدينة المشكلة على اساس الملك الوراثي السلالي .. الخ ، وهذه المعرفة هي معرفة اقصائية مطلقة ذات نموذج احادي التكوين والخلق مازالت متواصلة الى يومنا هذا اي ان هذه المعرفة تمتلك الجاهز والنسق المطلق في القبول والانتشار ، ومن ثم التوريث المتواصل بين الابناء والاجيال على مختلف الحقب والازمنة . هل هي معرفة تمتلك الحقيقة ؟ وما هي علاقتها مع الحرية ؟ وهل هناك بدائل انتجتها الثقافة العربية تدخل في تنافس معها وربما في زحزحة على صعيد المستقبل ؟ من اجل التشخيص يجب القول ان هذه المعرفة التي نقصدها هنا ليس المعرفة الدينية فحسب بل يدخل معها الاجتماعي ما قبل الديني ذلك المرتسخ في ذهنية الناس من عقد التاريخ والبداوة والعصبية التي اراد الدين ان يطورها وينقلها الى طبيعته وصورته ولكن دون جدوى في التغيير والتأثير الاجتماعي ( 4 )
، هذه المعرفة تمتلك الحقيقة والصواب والصدق ، ليس بشكل علمي اي خاضع الى معايير العلم الدقيقة بل الى معايير الضن والدوافع النفسية الانسانية التي تتجلى من خلالها ابعاد الخوف من المصير والقلق حول المستقبل الانساني ، وبالتالي هي من تمتلك الداينمو المحرك للجماهير سواء ضمن فاعلية الحراك الاجتماعي والثقافي او ضمن فاعلية التنويم والتخدير الاجتماعي والثقافي ، وهذا الاخير كثيرا ما يكون اكثر تواجدا وحضورا على مر التاريخ سواء لدى المعرفة التي تروجها السلطة والقريبة منها او تلك البعيدة عنها ولكنها قريبة من المجتمع بشكل استغلالي مصالحي اي ان مصالحها ليست مع السلطة كحضور مادي دنيوي بل مع المجتمع نفسه ، وهكذا كلما كانت المعرفة تمتلك الحقيقة المطلقة كلما كان نصيب الحرية في داخلها ضئيل اي ممنوع ان تفكر في اصولها المادية والتاريخية وممنوع ان تشك في بنائها وطبيعتها ، وبالتالي لا تستطيع ان تخلق في داخلها النقائض ، لانها في الاساس كبنية معرفية منغلقة على نفسها اجتماعية وثقافيا ، ولايمكن ان تصلها النقائض والاختلافات إلا في حالة انشطارها او انقسامها الى فرق وطوائف واحزاب نتيجة اختلاف الازمنة والصراع على امتلاك الوجود المادي والمعنوي من خلال المعرفة ذاتها ، او من الممكن ان تأتيها النقائض من خلال الدخول في سجال مع بنية مختلفة عنها ومتناقضة معها وربما يتم التداخل والاندماج مع البنية الجديدة لتكوين بنية اخرى ، وهنا يدخل عنصري الجدل والمقارنة بين البنيتين اجتماعيا وثقافيا كما يحدث ذلك الامر في ازمنتنا الراهنة دون وجود عناصر خلق بنية جديدة تمتلك الفرادة والخصوصية في ذلك الامر . ان علاقة المعرفة الدينية مع الحرية ليست علاقة بناء وتفاعل وتراكم معرفي متغير بقدر ماهي علاقة طرد وابعاد وديمومة لتفكير نموذجي معين ضمن سياقها ومفاهيمها التي لا تخرج من لغة المطلق والمتعالي ، وبالتالي هي علاقة هيمنة ووصايا ، تفكر بدلا عن المجتمع وتعطي طابعه النهائي ، بحيث ان الاجيال الحالية ليست هي من تقرر حاضرها الفكري والثقافي بقدر ماهو مقرر وجاهز سلفا ما ان يأت الفرد او الانسان الى هذه الحياة حتى يتمثله بشكل مادي ومعنوي على السواء . وهكذا تعززت هذه المعرفة كإطار شمولي خلال عقدين من الزمن او اكثر من ذلك ( 5 ) ، بحيث وجدت الساحة الاجتماعية امامها في غاية القبول والانتشار ، بالرغم من وجود البدائل التي حاولت ان تكون متنفسا جديدا ومختلفا عنها سواء تلك التي اصبحت متمثلة ضمن اطار السلطة كوعي وشمول سياسي واجتماعي وثقافي او تلك التي وجدت في خانة المعارضة فكان نصيبها الاقصاء والتهميش حالها حال المعرفة الدينية التي ظهرت مع ايديولوجيا الاسلام السياسي .

بدائل السلطة

وهنا نقصد ببدائل السلطة تلك المنبثقة من سلطة الدولة في العالم العربي ، لان جميع البدائل التي نقصدها تمتلك السلطة والتأثيير ، ولكن مع اختلاف ان تكون البدائل مالكة لهوية مزدوجة من السلطة بشكل متعدد من السياسة والاقتصاد والمعرفة والمجتمع ، وبين بدائل تمتلك سلطة التأثير على المجتمع لكنها فاقدة لمقومات سلطة الاولى اي سلطة الدولة . ان بدائل السلطة الموجودة في العالم العربي تشكلت ثقافيا ، بعد زوال الاستعمار وحصول الدول العربية على استقلالها ، على اسس ثقافية مرتبطة بعضها بالجذور القومية العربية ، وبعضها بفكرة الاشتراكية التي طرحت ضمن مفهوم عربي ( نموذج مصر وسوريا ) ومن ثم تبعته نماذج العراق وليبيا ، وبعضها مرتبط بالثقافة العربية الاسلامية ، ولكن مع الاحتفاظ بهوية البداوة وثقافتها ومن ثم تركز السلطة لدى عوائل مالكة مثل نماذج دول الخليج ، وبدائل السلطة ذات النموذج القومي حاولت ان تظهر نفسها في صورة التقدمية والثورية التحررية التي سوف تعمل على انجاز البديل الناهض والمخلص بشكل ايديولوجي لهذه المجتمعات ، وهذه البدائل تبنت فكرة العلمانية التي تطرد الدين من سياق السياسة والمجتمع ، دون اعادة النظر بالمعرفة الدينية واعتبارها هوية الانسان العربي الاسلامي لفترات زمنية طويلة ، بحيث تخلت حداثتها عن الدخول في سجال حواري تقدمي وناهض مع المعرفة التقليدية من اجل بناء الجديد وجعله بنية راسخة على صعيد المستقبل ، ولان البديل المرتبط بالسلطة هنا هو بديل مصالحي لدى اقلية حزبية ضيقة لم يهتم بشأن المستقبل المجتمعي ، ولم يحترم الزمن القادم مادامت السلطة تغنيه عن المعرفة والتطور وانه في منأى عن السقوط والانهيار ، هذه اغلب التصورات التي تمتلكها بدائل السلطة في العالم العربي ذات النموذج الهوياتي المغلق ، ولان نموذجنا هذا تخلى عن فكرة الديمقراطية ( 6 ) في المعرفة وانتشارها لدى المجتمع خوفا من النقد والتعرية للاخطاء والانتهاكات ، اقصيت المعارف المعارضة من دينية وغير دينية ، ومن ثم هنالك الفشل العضوي في انتاج الحداثة في مؤسسات الدولة والمجتمع ، بحيث ان بديل السلطة المعرفي تحول الى رقيب معرفي و" وكاتب تقارير " الى السلطة ، التي بدورها شردت المعرفة الى الدول الاجنبية ، تلك المرتبطة بالعلماء والخبراء والمثقفين والكتاب .. الخ ، ليس نتيجة للطروف السياسية فحسب بل لضروف فقدان القيمة والانجاز في من قبل السلطة ، وذلك لان هذه الاخيرة كما اسلفنا غير معنية بالانسان وامكانية تطوير قدراته المعرفية والثقافية خدمة للصالح العام بقدر ماهي معنية بثبات مواقعها السلطوية لدى الاقلية الحزبية والعائلية المتنفذه والمسيطرة على رقاب المجتمعات بشكل سياسي سلطوي . ( 7 )
ان نماذج السلطة في العالم العربي تنتج معرفة مقننة ومراقبة بشكل دائم ، ولايمكننا ان نتصور ضمن حدود النسبي وجود مؤسسات تتناول طبيعة المعرفة التي توجهها السلطة بالنقد او هي متحررة من الرقابة المفروضة عليها من قبل سلطة الدولة ، ولكن من المؤكد هنالك الاستثناء في لبنان التي تمتلك مساحة كبيرة من النقد وحرية البحث الفكري والعلمي اما بقية الدول فانها كثيرا ما ترتبط بالنظام السياسي السائد او هي لا تستطيع نقد السلطة بشكل غير موارب او مخاتل ، فتجد دائما هناك اللغة المحسوبة سلفا واللغة المشفرة والضبابية في الابتعاد عن النقد المباشر خصوصا بعد ان تحولت اكثر الدول في العالم العربي الى جاهزيات للحكم المغلق سواء في صورة الحزب الواحد او في صورة العائلة المالكة ، وهكذا نقول ان بدائل السلطة تمتلك معارف ومؤسسات تستطيع من خلالها ترجمة وتأليف الكتب المعرفية والعلمية بجميع اشكالها المختلفة عدا من يقف موقف النقد من وجودها السياسي السلطوي اي انها تمنع وجود " النقود " الثلاثة التي ركزها ماركس بحق كل من المجتمع وما يحمل من سلبيات ومشاكل على صعيد التقدم والتغيير نحو الافضل وكذلك بحق الدولة وما تحمل من انتهاكات ومساوئ من حيث الممارسة ماديا ومعنويا ، وكذلك بحق السماء وما تحمل من تأويل متعدد يستغله حراس العقائد من رجال الدين بشكل مصالحي استغلالي الى حد بعيد من خلال جعل المعرفة ذاتها اداة للتنويم الاجتماعي وليس للحراك والتطور الاجتماعي بشكل دائم .
بدائل المعارضة
بما ان الدولة في العالم العربي ضمن حدود النسبي جعلت المعرفة لديها مغلقة نتيجة لطبيعة تكونها السياسي الايديولوجي ، ومن ثم جعلت الحرية بدورها ايضا ، محدودة وتابعة الى خطوطها المستقيمة ، بحيث لم يتأسس هناك اية معارضة فاعلة وعضوية في تداول السلطة ورسم سياسة مختلفة بشكل دائم عن النماذج المهيمنة والواحدة ، الامر الذي جعل معارضتنا غير فاعلة في ممارسة النقد وتأسيس الحرية ليس كسلوك ثقافي اجتماعي فحسب بل كسلوك انساني ممارس في جميع المؤسسات بدءا بمؤسسة الاسرة والمدرسة وانتهاءا بمؤسسات الدولة بما فيها مؤسسات الثقافة والبحث العلمي والثقافي .. الخ ، إذ ان بدائل المعارضة في العالم العربي طرحت ضمن نماذج اشتراكية وشيوعية وديمقراطية ليبرالية معارضة تعمل بشكل محضور وسري للغاية او ضمن حدود الرقابة المباشرة لحركتها وسلوكها داخل الانظمة الدكتاتورية التي تحاول ان تخلق لديها احزاب معارضة بشكل ديكوري تجميلا لصورتها امام الراي العالمي ، ولكن في النهاية الصورة واحدة إلا وهي صورة السلطة في شكلها المعرفي المغلق الذي لا يسمح بوجود صور متعددة اخرى ، الامر الذي جعل المعارضة في اشكالها اعلاه تتماهى مع السلطة في بعض اساليبها لانها تعيش في العالم السفلي من الارض بشكل محضور او تعيش في المهجر وتتلقى دعم من دول اخرى معارضة للنظام السياسي السائد . ان بدائل المعارضة مختفية عن الوجود بسبب ديمومة الانظمة الدكتاتورية ذات النموذج الاحادي الذي لايسمح بالتعدد والنقد وتكاثر المعرفة وتراكمها على صعيد الوجود الاجتماعي والثقافي والعلمي .. الخ ، ونتيجة لاختفاء بدائل المعارضة وانفصالها عن الناس اصبحت غير مرغوبة او غير معروفة ومن ثم هنالك البدائل " الجديدة " للمعارضة إلا وهي بدائل الاسلام السياسي التي تريد العودة الى الماضي وتأبيد ثقافة ومعرفة مغلقة مختلفة عن نسق معرفة السلطة وربما اكثر تراجعا واندماجا في رفض الغريب والمختلف ، الآخر الذي يختلف معها في الشكل والصورة ، في المادة والروح .

العلاج
ان صورة العلاج تبدو في غاية الصعوبة وربما تأخذ في الحسبان الزمن الطويل من التحقق والانجاز خصوصا وان السياسة تتمسك بمعرفة مغلقة ومنتهية الوجود ، وهذه السياسة مرتبطة بالاقتصاد العالمي وبالقوى الكبرى التي تتدعي انها سوف تعمل او تساعد على نشر الديمقراطية والتطور الداخلي لدى المجتمعات العربية الاسلامية ، ذلك الامر يدخل ضمن معيار الوهم والزيف ، لان السياسة ضمن حدود النسبي ، دائما ما تقوم على المصالح وليس على المبادئ ، ولكن كل ذلك لن يثنينا عن طرح البديل المستقبلي الذي من الممكن ان يشكل الحداثة في المجتمعات ذات المعرفة المغلقة والجاهزة ، وهذا البديل من الممكن ان نطرحه في عدة محاور كالتالي

1- محور التربية
كان الاجدر بنا البدء بمحور يسبق محور التربية ويشكله من حيث الاسس والاستمرار ، ولكننا ارتأينا هنا تقديمه على جميع المحاور التي سوف نطرحها بسبب اعتقادنا ان التربية عنصر فعال في بناء المستقبل وفي رسم الصور الايجابية للاجيال القادمة في حالة تحولها من كونها جهازا معرفيا يقوم على التلقين والحفظ الى جهازا معرفيا يقوم على الفهم والاستيعاب والحرية في طرح وتبادل الافكار والمعلومات ، ومن كونها جهازا معرفيا يتبع مسارات السلطة السياسية الى كونها جهازا قادرا على جعل المعرفة متحررة من القوالب الجاهزة ومن الانغلاق الذي يبثه الوعي السياسي والمعرفي التقليدي . ان التربية في العالم العربي تبدأ من الاسرة كخلية صغيرة وتكبر من ثم الى المدرسة ومن ثم الى تأثير المجتمع والدولة ، وكل هذه المسارات التي يمر بها الفرد لا تعلمه سوى ان يكون طيعا وخاضعا ومسلما لجميع المعارف سواء تلك المرتبطة بالدولة او تلك المستقلة عنها من معارف تغيب الدماغ البشري عن الحضور والفاعلية ، وهذه المعارف تعلم الناس الجهل وعدم التفكير بالمستقبل لانه باختصار كل شيء مقدر ومرسوم سلفا وان الزمن لا يوجد فيه انحناءات او تغيرات هو زمن الماضي الذي يجب ان يكون متبعا ومختلفا عن زمن الحاضر والمستقبل على حد سواء ، خصوصا بعد التراجع الكبير من جعل المعرفة العلمية معاشة اجتماعيا وثقافيا من خلال ربط العلمي بالاجتماعي ، إذ كثيرا ما تدرس المناهج العلمية وهي منفصلة عن واقع منشأها العلمي والاجتماعي وطبيعة الصراع الذي قادته البشرية من اجل الوصول الى هذه الحقائق التي هي بالطبع ليست مطلقة بل قائمة على المراجعة والدراسة والتراكم . ان علاج التربية في مجتمعاتنا يكمن في محاولة الانتصار لقيمة العلم في داخل الخلية الثانية من المجتمع ألا وهي المدرسة من خلال عدم ربطها بالايديولوجيا كمعرفة مطلقة يستغلها النسق السياسي السائد لصالحه ، فضلا عن كونها غير معرضة او متأثرة بطبيعة السلطة ، بحيث تكون ضمن تصورنا قائمة على مجموعة اعتبارات نوجزها كالتالي :
1- التخلي عن جذور التقديس وامتلاك الحقيقة المطلقة : وذلك الامر يتم من خلال الاهتمام بكتب التاريخ والتربية الوطنية والقومية بعيدا عن لغة الادلجة واحتكار الحقيقة لدى جهة معينة ، فالتاريخ كثيرا ما يكتب على شكل احداث ووقائع وحقائق بواسطة تأثير السلطة الرسمية ، الامر الذي يكسبه المزيد من الوهم والزيف ، ولانه لا توجد منافذ واسعة للمعرفة والحرية يضل ذلك التاريخ اسير الاعتبارات الكيفية لدى هذه الطائفة او تلك اي بعيدا عن ربطه بالازمنة التي انتجته بشكل واقعي تاريخي ، كذلك الحال مع التربية الوطنية فانها كثيرا ما يتم ربطها بالاحداث والوقائع السياسية التي ينتجها القادة السياسيون وهؤلاء قد يمتلكوا الاخطاء والانتهاكات الخطيرة بحق المجتمع ، فيتم في النهاية ربط الوطن بالقائد وليس بالوطنية والمواطنة والحرية والرفاه واحترام الكرامة الانسانية . ان التخلي عن جذور التقديس ( 8 ) يجعلنا نحترم الزمن المعاش ومن ثم نحترم الوقت والعمل والعلم ، خصوصا اذا كان ذلك التقديس يعيق الاهتمام بالحياة " الدنيا " الارض وامكانية تطوير حياة الانسان فيها بشكل هادف وانساني الى حد بعيد من خلال مقولات الفناء وعدم البقاء إلا لزمن قليل وبعده يأتي الزمن الطويل الا وهو الزمن الاصيل ، الزمن الديني الذي يحسب له الانسان في مجتمعاتنا الف حساب .
2- التخلي عن جذور العنف المدرسي داخل المؤسسة التربوية : وذلك من خلال العمل على اعادة تأهيل المدرسين انفسهم بثقافة حقوق الانسان وان العنف بحق الطلبة مهما كانت الاسباب لا يبرر إلا على اساس ضعف العقليات التي تملكها الهيئة التدريسية في التعامل مع الطلبة ، فذلك العنف من المؤكد يمتلك الجذور الاجتماعية التي اوجدته بسبب تعاقب الانظمة السياسية التي لم تتعامل مع الانسان كذات وجسد " دماغ " قادر على التنمية والابداع والعطاء بشكل دائم ، وهذه الانظمة اوجدت وما تزال الكثير من الاستلاب والتغريب لجميع مكامن الابداع وعدم محاولتها وتنميتها بشكل حقيقي . ان التخلي عن جذور العنف يجعل الطلبة مخلوقات مبدعة ومتساءلة ومتحررة من الخوف ، ومن ثم مؤمنة بقيمتها العلمية التي تكتسبها من خلال الحفظ والفهم والابداع .
3- الايمان بالنظرة العلمية وقيمة العلم واهميته في تطور الانسان : وذلك من خلال تعزيز المواقع العلمية بواسطة الاهتمام بالجانب العلمي من المكتشفات والعلوم الحديثة وليس الاهتمام بالجانب الادبي العاطفي الروحي ، بالرغم اننا في بعض الاحيان نفضل عملية التوازن فيما بينهما لكننا نجد مع الاسف ان الاخير اي الادبي اكثر هيمنة على العلمي والتقني ، فالاهتمام بالعلم يجعلنا ندخل الى الحداثة التكنلوجية والعلمية والمساهمة قدر الامكان في توسيع الفضاء العلمي وتعزيزه كهوية اجتماعية وثقافية ، ففي البلدان المتقدمة نجد الاهتمام بالعلوم كبير جدا فهناك نخب كبيرة من العلماء في مختلف التخصصات التي قد تتداخل مع بعضها وحتى ضمن العلوم الانسانية والادبية نجدها مرتبطة بالعلم ، منهجا ورؤية وبحثا علميا دقيقا وهنا نشير الى ان الكثير من مصطلحات العلوم الانسانية مستعارة من العلم ومكتشفاته الحديثة . (9)
فالايمان بالعلم يمكننا من تقويم العمل وتقسيمه على اساس التخصص المهني الفعال والحر في الابداع والتراكم المستقبلي ضمن حدود النظرة النسبية لذلك العلم دون اية موجهات للحقيقة المطلقة التي عادة ما تمنع العلم عن الاستمرار والتواصل بشكا دائم .
4– الايمان بمجتمع المعرفة داخل المؤسسة التربوية : وذلك من خلال جعل التربية ذاتها ليست عملية حفظ او فهم واستيعاب للمادة الدراسية بقدر ماهي عملية بناء معرفي للمجتمع القادم ، فتحول التربية الى مساعد رئيسي في مجتمع اللمعرفة يجعلها مرتبطة بالعلوم التكنلوجية وبالتقنية وامكانية الاشتغال على ذهنية الطالب علميا ومعرفيا ، وذلك من خلال تشجيع الطلبة على الابداع والتفكير المستقل والاتيان بالغرائب والجديد عما هو معروف وموجود اي العمل على جعل الطلبة علماء صغار يمتلكون الخيال المبدع في بناء المدن القادمة والمؤسسة على التطور العلمي والمعرفي .
محور السياسة :
لا تشكل مفردة السياسة بالمعنى الحديث سواء ادارة شؤون الناس وفق اهداف وستراتيجيات معينة يتبعها السياسي من اجل الوصول الى السلطة وهذه الستراتيجيات قد تحمل جانب المساومة والصراع الازلي بين المختلف السياسي ولربما وجود الكثير من الدسائس والتحالفات والتغير في القيم والمبادئ وفقا لطبيعة الصراع وما يحمل من مصالح معينة بين المختلف السياسي ، وذلك الصراع الازلي هو جوهر التقدم المتراكم في المجتمعات الحديثة بعد ان افرغ من محتواه العنفي ليصل في النهاية الى صراع طبقي واقتصادي وثقافي واجتماعي .. الخ بالرغم من ان ذلك الصراع هو في النهاية يدخل ضمن سيطرة الطبقات المهيمنة والمنتصرة اقتصاديا ، إذ لايمكن ان تجعل الرأسمالية على سبيل المثال ذلك الصراع اداة لنهايتها او تجاوزها الى ماهو اكثر تطورا على صعيد المستقبل ، ولربما يحدث ذلك الامر في المستقبل ، خصوصا مع التطورات الهائلة في مجالات العلوم المختلفة ، تلك التي من الممكن ان تجعل حياة الانسان اكثر تطورا من حيث تحقيق مستويات عالية من الرفاه الاقتصادي والصحة الجيدة والاستهلاك العالي المستوى ، كل ذلك من الممكن ان يجعل فكرة الاشتراكية تعود من جديد ولكن ضمن صيغة اخرى اكثر تطورا مرتبطة بالديمقراطية وتحقيق قيم العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة بين جميع المواطنين ، فضلا عن القيمة الاساس والاكثر جوهرية لهذه المجتمعات وجود الحرية بجميع اشكالها وصورها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية .. الخ ، وكل ذلك لا يمكن ان ينهي من مسألة الصراع الازلي بين جميع الاختلافات البشرية لان الانسان منذ ان وجد على الارض هو كائن اختلافي ، ولكن جميع السرديات الكبرى والنظريات الشمولية بما فيها الاديان بالطبع ، حاولت ان تنهي مسألة الصراع وتصور الانتصار النهائي لطبقة وحيدة وواحدة بشكل دائم مثلما تفعله اليوم الراسمالية التي تتدعي نهاية الصراع ونهاية التاريخ . ان السياسة مثلما هي مهنة هي في الوقت نفسه فن استثمار الزمن والصراع لغايات بشرية انسانية . هل السياسة لدينا هي استغلال للزمن البشري سلطة ومعرفة وحرية ؟ وهل هناك سياسة عربية مستقلة عن حركة الاقتصاد العالمي ؟ وكيف يمكن تجاوز وتغيير العقل السياسي العربي اليوم ، خصوصا واننا كمجتمعات عربية لم نعش التحولات والتغيرات في مجال السياسة والاقتصاد والعلم .. الخ وامامنا تجري وتحدث المزيد من التحولات المعرفية الهائلة والانتقال من مرحلة الى اخرى وهنا نشير الى الانتقال من مرحلة الصناعة الى مرحلة مابعد الصناعة مرحلة التكنلوجيا الهائلة للمعلومات في المجتمعات الحديثة ؟ كما هو معروف كل الازمنة لا تعيد نفسها لدى المجتمعات التي مرت بمراحل متراكمة من التطور والتغيير عدا المجتمعات العربية الاسلامية (10) التي تتواصل في انتاج واجترار الازمنة نفسها من حيث انعدام قيمة الانجاز والابداع والاعتراف بهوية الاختلاف داخل كل مجتمع عربي ، وهنا لا نذهب بعيدا عن التصنيف والتشخيص نقول ان دولا مثل السعودية وليبيا وسوريا على سبيل المثال ينعدم فيها الصراع السياسي المعرفي ، وكذلك الحال مع اليمن ومصر الاردن ، فان الصراع يكاد ان يكون معدوما بسبب هيمنة الانطمة الحاكمة او تواصلها الدائم في الحكم والسيطرة ، وهكذا تكون السياسة في عالمنا العربي فاقدة لاستثمار واستغلال الزمن البشري ، لانها بنيت في الاساس على فقدان الشرعية الاجتماعية ، ومن ثم لا يمكننا وصف هذه السياسة سوى كونها سياسة الغنيمة والسرقة من الشعوب وثرواتها بيد عوائل مالكة لا تفقه من السياسة والمعرفة شيء يذكر ، وهذه السياسة مع المفارقة الهائلة تمتلك التأييد والقبول العالمي وذلك كما اسلفنا اعلاه من ان المصالح تتقدم المبادئ في السياسة بشكل عام ، الامر الذي يجعل هذه السياسة مرتبطة بالاقتصاد العالمي ولا يوجد لها اية استقلالية او تأثير على ذلك الاقتصاد بالرغم من الثروات الهائلة التي تملكها الدول العربية ، الامر الذي يجعلها شريكا فاعلا في ادارة مستقبل شعوب المنطقة ككل لولا وجود السلطة وتركزها لدى حفنة اقلية من الاشخاص سواء كانت لدى دول " جمهورية زائفة " او ملكية عائلية . ان تغيير العقل السياسي في العالم العربي يحتاج الى تضافر مجموعة جهود حثيثة تتعاون فيما بينها لتغيير طبيعة السياسة من الغنيمة الى الفاعلية والمشاركة الاجتماعية ، وذلك من خلال 1- تفعيل دور المجتمع المدني : ان المجتمع المدني هو وليد تجربة الحداثة الغربية القائمة على وجود المؤسسات العاملة داخل المجتمع بشكل ثقافي واجتماعي وسياسي ورقابي للسلطة وطبيعة سيرورة الدولة ونظامها ولا توجد دولة حديثة دون وجود المجتمع المدني ، وذلك الاخير هو من يدعم استمرار الحرية ويحافظ على التوازنات الموجودة من خلال صيانة الاختلاف والاستقلال لحرية الفرد بكافة اشكالها السياسية والاجتماعية والثقافية ، وبما انه في اغلب البدان العربية توجد بعضها قوى مؤثرة من المجتمع المدني في سوريا ومصر والمغرب العربي وبعضها تشكل بذور نامية للمجتمع المدني مثل دول الخليج ، وغيرها من الدول ، كل ذلك يشكل جذورا اولية لنمو مجتمعات الحرية والمدنية الحديثة بالرغم من ان بعض هذه الانظمة لا يقر اسلوب التعددية والاعتراف بحقوق الانسان في شكلها الحديث ، إلا انه كلما تطور المجتمع المدني المرتبط بتكوين ونشوء طبقات اقتصادية متصارعة فيما بينها كلما انتج لدينا مجتمعات تعي قيمة الملكية وطبيعة السلطة ونظامها الذي لا يحمل المشروعية والقبول ، وهكذا نقول ان تفعيل دور المجتمع المدني يعمق من قضية الايمان بقدرة الانسان على التغيير وانتاج البدائل المختلفة والمتغيرة بشكل دائم . 2- العمل على بناء قاعدة دعم واسناد عالمية للتغيير : وذلك الامر يتم من خلال بناء منظومة سياسية وثقافية تجد لها الدعم والاسناد العالمي خصوصا من المؤسسات المعنية بالديمقراطية وحقوق الانسان في العالم ، وهذه المنظومة المؤسساتية تعمل على تعرية الانظمة العربية ذات الاطار والحكم الغير الشرعي بالنسبة للمجتمعات المحلية وللقوانين الحديثة ، وهذه المنظومة المؤسساتية تعمل على وقف الاسناد العالمي من قبل الدول الكبرى لدول الاستبداد هذه من اجل اتاحة الفرصة للتغيير على نطاق المستقبل نحو حياة مجتمعية افضل واكثر حرية وتطورا . 3- العمل على نشر الديمقراطية كتجربة ناجحة للحكم الاجتماعي وتبادل السلطة على اساس الصراع السلمي بين مختلف مكونات المجتمع ، وذلك العمل يعرقل صورة السلطة ويشوش على افكارها الجاهزة التي عادة ما ترتبط بالقبيلة والتاريخ والدين .. الخ من الاوهام من اجل الاستمرار في السيطر والهيمنة على هذه المجتمعات .

محور الثقافة

تشكل الثقافة ذلك البعد الذي يمثل حصيلة المجتمعات من التطور الحضاري والتراكم المعرفي ومدى الانجازات التي حققتها في مختلف العلوم المتنوعة والمتخصصة ، تلك التي يشيع فيها اجواء الحرية والتطور بشكل دائم ، والثقافة تختلف من مكان الى اخر وفقا لطبيعة المجتمعات ومدى ارتباط الثقافة او المعرفة بالسلطة ، فاذا كانت هذه الاخيرة اي السلطة تخشى الثقافة والمعرفة فقل انها سلطة غير شرعية او تخاف على نفسها الزوال وهي في النهاية سلطة اقلية او اشخاص ، وطبيعة انتاج الثقافة يختلف من مكان الى اخر ، والمقارنة بين مجتمعاتنا العربية الاسلامية وبين المجتمعات الحديثة في طبيعة وكيفية انتاج الثقافة تكاد ان تكون معدومة من حيث ان مجتمعاتنا تعيش على ثقافة التوريث وما يخلفه الاباء للابناء وتلك في جميع الاحوال ثقافة اجترارية اي لا يوجد لدينا ثقافة التراكم والاختلاف والتغيير ، بالرغم من اننا كمجتمعات نعاصر ونعيش في ازمنة ثورة المعلومات والثقافة والمعرفة ، ألا وهي ثورة التكنلبوجيا ، التي مازلنا لا نحسن اختيارنا فيها من حيث الدخول اليها وتعميمها اجتماعيا وثقافيا ، ولان ثقافتنا هي ثقافة السلطة وليس ثقافة متبادلة بين السلطة والمعارضة كما هو الحال في المجتمعات الحديثة ، فان هذه الثقافة مصابة بالجمود والتكلس والثبات الى حد بعيد ، بالرغم من وجود الكثير من المؤسسات المعنية بالتأليف والترجمة والابداع ، لكنها في النهاية لا تستطيع الاقتراب من المشاكل الحقيقية لمجتمعاتنا وما تعاني من امراض مزمنة مرتبطة بطبيعة السلطة التاي تخشى القول والرأي المختلف والفكرة الجديدة ، انها سلطة عمياء لا ترى او انها سلطة تتعامى امام التغيرات الحاصلة في العالم ككل . ان التغيير في طبيعة الثقافة مرتبط ايضا بطبيعة التغيير في السياسة والاقتصاد والتربية وكما اسلفنا اهمية عوامل التغيير اعلاه يبقى لدينا اضافة الى تلك التي ذكرناها سابقا ، مجموعة شروط من شأنها ان تحدث او تساعد على التغيير في عامل الثقافة من كونها تحمل الثبات الى كونها متغيرة ومتحررة من الزمن الاني الثابت وهذه الشروط هي كالتالي : 1- العمل على تحقيق شرطية الثقافة اجتماعيا : وهنا نقصد ان تصبح الثقافة بما انها حصيلة التطور الحضاري والمكتسبات الانسانية الحديثة ان تكون وتصبح اكثر اجتماعية في الانتشار من خلال تخلي الثقافة عن شكلها النخبوي الذي يفرض اقلية مثقفة متكلمة بعيدة عن الواقع الاجتماعي ومشاكله الحقيقية ، فان اكبر بلاء ابتلت به الثقافة العربية هو ثقافة النخبة من شعراء وكتاب وادباء وفنانين و" مفكرين " وغيرهم ، وهذه الثقافة كثيرا ما تستغلها السلطة لصالحها او تجعلها تقف على الحياد لا تقول كلمتها المبدعة والمنجزة بشكل فاعل واكيد ، فثقافة النخبة تخلق بيئة ثقافية غير موجودة على سطح الارض من خلال تصورات خيالية وافكار طوباوية وغيرها من اللغة التي تبتعد عن الواقع ولا تعلن ترديه وتراجعه بشكل فاقد لاية ثقافة يكون نصيبها الانجاز والابداع . ان تجاوز ثقافة النخبة الى ثقافة الاجتماع او المجتمع يجعلنا نملك ادوات النقد المتعددة والمتنوعة ، فابمكان الطبيب ان يكون مثقفا ويعطي رايه في السياسة والدين والاخلاق .. الخ كذلك الحال مع ذوي الاختصاصات الاخرى الذين يملكون ثقافة متنوعة وليست قائمة على توجه ثقافي معين ، وهكذا نقول ان اجتماعية الثقافة تقود الى بلورة الاختلاف والتنوع بعد تصفيتها من عناصر احتكار الحقيقة المطلقة وتشويش مصادر الاعلام والثقافة المرتبطة بالسلطة من اجل ان تكون الثقافة الاجتماعية اكثر حركية وقدرة على النقد والتغيير بشكل مستمر . 2 - شرطية الاحتفاء بالابداع وصناعة النجوم : كل ثقافة لا تمتلك الابداع وصناعة النجوم هي ثقافة لا تنتمي الى الازمنة المعاصرة التي نعيش ، فالابداع هو سمة العصر التاكنلوجي والعلمي ما بعد حداثي ، لذلك فان صناعة الابداع وخلق عناصر النجومية يحتاج الى جهود مؤسساتية تتبنى فكرة الحرية كعامل اساس للبناء والتطور وصناعة الابداع يمكننا من التقارب من الازمنة الحديثة والعيش في الحاضر وربما في المستقبل وليس الماضي فحسب ، ان صناعة الابداع يعتريها الكثير من المعوقات سبق ان كتبنا حول هذا الموضوع واهم معوقات ثقافة الابداع هي 1- عامل السلطة السياسية : التي من خلالها تعمل وفقا لثقافة المصلحة والفائدة التي تساعدها على البقاء ، ومن ثم هناك المنع والحب والحضر ومقص الرقيب بشكل دائم اي ان السلطة تراقب الثقافة وتجعلها اداة لخدمتها بشكل مستمر 2- عامل المؤسسة الثقافية : وهذا العامل من المؤكد مرتبط بالعامل الاول ضمن حدود النسبي ، وان وجدت هناك مؤسسات تملك بعض الاستقلال النسبي فانها في النهاية تريد الحفاظ على هويتهات وديمومتها اي انه لا يعنيها مسألة التطور والتغيير الاجتماعي ، وكثيرا ما تربط المؤسسة ، الثقافة والمثقف ضمن حدود ضيقة من القول والابداع واتيان الجديد والغريب عن الواقع الثقافي الذي تفرضه السلطة السياسية والمؤسسات التي تدور في فلكها . 3 – عامل المثقف : كثيرا ما تجد السلطة ادواتها من المثقفين الذين تحيطهم بهالة من التبجيل والتقديس ونحن كمجتمعات لم نعرف ثقافة التغيير والنقد كشكل اجتماعي وثقافي مزمن ومتجذر ضمن حدود الحاضر والمستقبل على حد سواء ، لذلك فانه تبقى لدينا مسألة المثقف التابع الى السلطة السياسية والمؤسسة الثقافية دون وجود الامكانية في الاستقلال والابداع ، ولان مفهوم المثقف مايزال خاضعا لدينا الى الشكل التقليدي من المثقف الذي يمدح ويبجل ومن ثم ترمى له الهبات والعطايا ، فان ثقافة الابداع هنا تعيش حالة الغياب وعدم الحضور ، وليس السلطة سبب وحيد في صيرورة المثقف في كونه معوقا لثقافة الابداع بل هناك ما اسميه بسيطرة السوق الثقافية بين الكتاب والمثقفين اي ان الثقافة لا يدخل فيها التنافس الابداعي على اساس القيمه الفكرية والعلمية والادبية كمعيار للتفاضل والتمايز بل على اساس التقارب من السلطة والبحث عن المناصب والامتيازات ، وذلك الامر يشمل حملة الفكر من اساتذة الجامعات الذين يشتغلون على انتاج الفلسفة والثقافة فالغالب عليهم ليس الابداع وقيمة تأثيره على المجتمع بل ما يحصل عليه المثقف الاستاذ الجامعي من منصب او مكانة شخصية معينة ( 11 )
4- عامل المجتمع : وذلك الاخير صنيعة السلطة السياسية والاجتماعية تلك التي تجعله خاضعا لمعايير وقيم ترفض الغريب والجديد ، ومن ثم يغدو كل ماهو مختلف عن سياق المجتمع التقليدي يحمل رهابا معنويا وثقافيا خصوصا اذا كان الامر مرتبط بالثقافة الغربية الحديثة ، فمهم جدا ان نستورد التكنلوجيا وجميع اشكال والوان التقنية الحديثة ، لكن ان نستورد التفكير الحديث والعقلية العلمية الحديثة صانعة التكنلوجية ذاتها يدخل في مجال المحرم والمدنس الى حد بعيد ، فعامل المجتمع الذي يرفض الابداع يحتاج الى زحزحة الكثير من المفاهيم التي يمتلك ، تلك المرتبطة بعقدة الاصل الثقافي ، ومسألة احتكار الحقيقة واحادية التفكير فضلا عن وجود الزمن المستقيل عن الابداع والتجديد لدى ذلك المجتمع .

محور الاقتصاد

مشاكلنا مع الاقتصاد هي ذاتها مشاكلنا مع طبيعة انتاج السلطة وكيفية توزيع الثروة ، إذ ان الاخيرة قانونا ودستورا وعرفا هي من املاك المجتمعات والشعوب ، ولكن طبيعة انتاجها واستثمارها والحصول عليها والتمتع بها يبتعد عن نسق القانون ذاك ، إذ تتوزع هذه الثروة بين الخاصة من الناس والاقلية من العوائل المالكة او الحزب الشمولي ذات المفاهيم " الثورية " التقدمية الزائفة . وهكذا تضيع الثروة ، وما يبقى لدى المجتمعات والشعوب سوى القوانين المفروضة عليهم ، تلك التي تطالبهم بالخضوع والطاعة والصبر .. الخ من مفاهيم التخدير الاجتماعي السلطوي ، وهذه القوانين ضمن صورة اخرى تشرع الفقر والجهل والتطرف وانغلاق الانسان ضمن تصور واحد ووحيد ، بسبب ان الاقتصاد لا يحرك الانسان ولا يستفاد منه في تحقيق مستويات عالية من الرفاه والصحة الجيدة والتعليم الجيد والاستهلاك العالي المستوى بسبب وجود السياسة التي تستغل الاقتصاد والتربية والثقافة لصالحها ولاجل شحن الجماهير بكافة الخرافات التي تؤبد واقعهم الحياتي المتردي الى حد بعيد . فالاقتصاد لا يعني ضمن صورته المادية امتلاك المواد الخام من الثروات والخيرات والتكنلوجيا المساهمة في استخدامها فحسب بل تعني ايضا امتلاك البنى الفوقية في شكلها البشري القادر على الاستمرار والتطور ضمن خطط مستقبلية مرتبطة بالمدة الزمنية الطويلة الامد ، وهذه البنى الفوقية ليست قواعد واسس فكرية وعلمية فحسب بل هي جماهير صناعة وعمال معرفة تتمتع بالحرية والابداع والرفاه الدائمين ، ذلك الامر مع الاسف الشديد غير متحقق على ارض الواقع ضمن حدود النسبي بسبب فقدان الشروط المهيئة للتطور الاقتصادي ، وهذه الشروط تكمن في وجود العوامل التالية . 1 - شرطية الاعتماد على التغيير السياسي نحو الديمقراطية : وهذا الشرط يساعد كثيرا على تحول الاقتصاد لدينا من الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على مكتسبات الارض وما تحمل من ثروات الى الاقتصاد الحر الذي يمكننا من استيراد التقنية والصناعة والمعرفة الحديثة وامتلاكها ، ومن ثم العمل على اعادة تأهيل الكثير من المشاريع الصناعية الاكثر اهمية في توفير فرص العمل والقضاء على البطالة ضمن مشروع اولي لاستيعاب القوى العاملة والمعرفة العلمية والتقنية وعدم تسريبها الى مؤسسات ودول اجنبية . 2 - شرطية الاعتماد على المعرفة كراسمال اقتصادي : وهنا نقصد الاعتماد على العلم والتكنلوجيا في تطور الاقتصاد من خلال صيرورة المعرفة والمعلومة سلعة ضرورية بحاجة الى الاحتواء والاهتمام ، الامر الذي يجعل لدينا الزمن في غاية الاهمية لايمكن احتكاره لغايات واساليب لا تنمي وتطور قدرة الانسان المعرفية ، وكلما تطورت معرفة الانسان التقنية كلما ساعدت على تطور الكثير من مجالات الحياة ومن بينها المجال الاقتصادي الذي يعتمد اليوم كثيرا على تكنلوجيا صناعة المعلومات وكيفية استخدامها وتطورها . 3 - شرطية الاعتماد على سياسة مستقبلية للقضاء على الفقر والبطالة : وذلك من خلال تبني سياسة معرفية تدرس طبيعة ومستوى انتشار الفقر وكيفية معالجته من خلال وضع الحلول المستقبلية لذلك الامر تلك التي تكمن في تكوين سياسة متعددة الجذور والاتجاهات من سكنية وتعليمية وصحية وتوفير فرص عمل تلييق بكرامة الانسان وتعمل على تطوير امكانياته وقدراته البشرية . 4- شرطية وجود فلسفة حديثة للدولة قابلة للتطور والتغيير : وهذا الشرط يجعل العلم ينصب بشكل دائم في خدمة الانسان وليس العكس اي انه كلما كانت الدولة حاملة لفلسفة علمية متغيرة كلما اثرت بذلك في كيفية ادارتها بشكل مساعد وليس مطلق على جميع مجالات التقدم البشري من صناعية وعلمية ومعرفية . (12)

الهوامش
1- هذه التجربة طبقها الاسلام مع توسع الفتوحات والغزوات التي ابتعدت عن المعرفة كبناء ايديولوجي واستقرت مصاحبة للمصلحة في صورة الغنائم والحصول على الثروات .
2- يحدد روستو خمسة مراحل للنمو الحضاري التطوري وهي بالتأكيد مرتبطة بالحداثة الغربية وطبيعة الظروف المنتجة لها وهذه الشروط او المراحل هي 1- وجود التهيؤ للاقلاع اي المتطلبات التي تجعل المجتمعات قادرة على الاقلاع من خلال كونها تمتلك قدرة التطور والتغيير وفق اساليب مختلفة عن الماضي المعرفي والثقافي والعلمي .. الخ يتمكن من خلال التخلص من التقليد والعوامل المجهضة للتطور تلك المؤسسة في مجتمع ما قبل الدولة وقوانينها كالعشيرة والقبيلة او سيطرة الكنيسة بشكل يقسم العالم الى مؤمنين وغير مؤمنين بعيدا عن اثر ودور المواطنة في الدولة الحديثة 2- الاقلاع : وهنا وجود الاعتماد على العلم وبداية مرحلة التصنيع وتكوين المدن بالمعنى الحديث ووجود المخترعات والمكتشفات التي بدأ الانسان يستخدمها وهنا نخص الذكر ظهور المطبعة التي غيرت شكل المعرفة في العالم وازدادت قيمة الكتاب واثره وانتشاره ، إذ يقول بيل جيتس انه كان يوجد قبل ان يكتشف جوتنبرج الطابعة ( 30) الف كتاب معظمها تمثل نسخا للانجيل او شروحا لتفاسيره ، ولكن بعد اكتشاف الطابعة اصبحت القارة الاوروبية تملك ما يزيد على 9 ملايين كتاب بحلول عام 1500 ، وهكذا كانت هذه الشروط المهيئة عوامل مهيئة للاقلاع والتطور بشكل مستمر . 3- الدفع الى النضج 4- مرحلة الاستهلاك الجماعي العالي المستوى 5 – مرحلة ما بعد الاستهلاك ( تيمونز روبيرتس – من الحداثة الى العولمة / رؤى ووجهات نظر في قضية التطور والتغيير الاجنتماعي – الجزء الاول – سلسلة عالم المعرفة - الطبعة الاولى 2004 – ص 153 / كذلك كتاب بيل جيتس – المعلوماتية بعد الانترنيت – سلسلة عالم المعرفة - الكويت / الطبعة الاولى 1998 – ص 20)
3- لايمكن اختصار موضوعة المعرفة والحرية في مقال او دراسة بسيطة بهذه السهولة بل يحتاج الامر الى بحث مطول يندرج في مشروع مستقبلي ربما يسعفنا الوقت للمساهمة في العمل به وترسيخ مفهوم جديد ومعاصر حول العلاقة بين المعرفة والحرية
4- ان دليلنا بشكل قريب هو المجتمع العراقي الذي تتداخل في تركيبته الاجتماعية عناصر الثقافة الدينية وما قبل هذه الثقافة ، إذ يشكل الدين كحضور ثقافي ظاهري في المرتبة الاولى والوحيدة ولكن في الاعماق والحقيقة " غير المطلقة " هناك ثقافة ما قبل الدين تلك التي تشكل وعي المجتمع ضمن ثقافة العيب والخوف من الغرباء والخوف على المراة وغيرها من عادات غير موجودة في مجتمعات مثل ايران على سبيل المثال وغيرها
5- بعد ان كانت موجودة كبنية راسبة في ذهنية مجتمعاتنا وسلوكها ، تعطلت عن البروز كقوة سياسية مهيمنة وكنسق قابل للمقارنة مع المعرفة الحديثة بسبب طغيان البدائل الجديدة التي بدات تفرض نفسها على المجتمعات العربية الاسلامية مع حصول الدول العربية على استقلالها ، وهذه البدائل انقسمت بين قومية واشتراكية وشيوعية
6- لا يمكن ان تنهض اية معرفة اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية .. الخ دون وجود الديمقراطية التي لا تعني احترام حرية الانسان ووجودة فحسب بقدر ما تعني احترام العلم والعمل الانساني الذي من خلاله تتطور المعرفة وتغدو متحررة من القوالب والاطر الاجتماعية السائدة
7- وهنا نتذكر في العراق كيف حول البعث الكثير من الناس الى حراس عقائديون ضمن شبكة استخبارتية هائلة من كتبة التقارير والجواسيس الذين بامكانهم ان يحسبوا اية واردة وشاردة تمر امامهم ، ولم يستثن من ذلك الامر حتى " كتاب السلطة " في كتابة التقارير والوشاية بالمثقفين والكتاب المعارضين للنظام وزجهم في السجون وممارسة التعذيب بحقهم نتيجة لاخبار ومعلومات كاذبة "
8- ان جذور التقديس التي نقصدها هنا ليس تلك المرتبطة بالدين كمعرفة انسانية وايمان بشري يمتلك الخصوصية والحرية في ممارسته بل ما نقصدة ابعاد الانسان بواسطة التقديس عن الايمان بالحياة الموجودة وتركيز قيمة العمل فيها ، فهناك قول للامام علي يقول " اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت ابدا " وهنا ضمن صورنا اهتمام كبير بقيمة العمل ومحاولة جعله ركنا اساسيا للعلم والعقل على حد سواء
9- وهذه المصطلحات مثل ، الفضاء المعرفي ، الساحة الاجتماعية ، الطبقة الفراغية ، الهندسة الاجتماعية وغيرها من المصطلحات
10- لا ننكر ان هناك استثناء وحيد في مجال السياسة وتداولها ومثالنا هنا لبنان ، البلد الوحيد الذي يتبنى فكرة الحرية والديمقراطية حتى في مناهجه التربوية ، وكل ذلك منعكس على الشعب اللبناني وتمدنه الكبير ، اما مجال التكنلوجيا فهناك الكثير من الدول العربية تطورت في استيراد التكنلوجيا ولكن ليس في استيراد العقل الذي انتج التكنلوجيا الا وهو العقل التقني العلمي القائم على حرية البناء والتراكم المستمرين .
11- في مجتمعاتنا العربية الاسلامية يكون المنصب او مجال النفوذ لدى المثقف اهم من انتاج الثقافة والابداع ، لذلك عادة ما يوهم المثقف نفسه عندما يجلس في برجه العاجي بانه رمز من رموز الابداع والنجومية وانه صاحب التأثير والتغيير .. الخ من الاوهام التي ساعدت السلطة التقليدية على صناعتها ، وهنا عكس ما موجود في المجتمعات الحديثة التي يتساوى لديها المنصب او المكانة مع الابداع ولايمكن ان يكون بينهما فارق معين ، ومثالنا هنا نيوتن الذي شغل كرسي االرياضيات في جامعة كامبردج عن جدارة و امكانية علمية فائقة بحيث اصبح المكان والاسم متقاربان في الابداع والانتاج العلمي ، ومن بعده ايضا شغله علماء مثل عالم الفيزياء ستيفن هوكنك الذي يمثل بدوره رمزا للفيزياء الحديثة ، كذلك الحال مع هيدغر الذي شغل كرسي الفلسفة في جامعة فريبورغ ، وقد كان قبله الفيلسوف هوسرل ، كذلك الحال مع ميشيل فوكو وجان بول سارتر وبرتراند راسل .. الخ .
12- نحن نؤيد كثيرا ان لا تكون الدولة موجهة للمعرفة والعلم والتقنية بشكل مطلق ، وبالتالي تملك القدرة المتعددة الرؤوس من التأثير والانتشار ، بل يترك ذلك الى وجود مؤسسات متخصصة في علوم شتى ، تعمل تحت اشراف ورقابة الدولة من خلال القوانين والاسس المعتمدة في عمل المؤسسات العلمية والصناعية والتكنلوجية .. الخ






#وليد_المسعودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الخطأ ومراجعة الذات
- المدينة والفلسفة من القطيعة الى التواصل ( 1- 2 )
- المدينة والفلسفة من القطيعة الى التواصل ( 2 - 2 )
- قواعد السؤال الوجودي للذات
- الايديولوجيا في مناهجنا التربوية
- مسارات التنوع الثقافي في العراق
- المثقف والحرية واسئلة المستقبل
- أطفال في الشوارع بين التسول والضياع
- مفهوم الحقيقة بين العلم والدين
- معوقات ثقافة الابداع في العراق
- في تاريخية الكتابة والموت ( قلق الكاتب من محو الذاكرة )
- فاعلية المثقف من العزلة والرفض الى الممارسة الاجتماعية
- نحو علمنة الزمن الثقافي العربي
- أزمة العقل السياسي العراقي ( بين الخضوع الايديولوجي وإعادة ا ...
- البحث عن مهمة اجتماعية للفلسفة.. فكر لا يغادر مدارج الجامعة
- الذات والاخر في صورة النقد المزدوج
- معوقات مجتمع المعرفة في العالم العربي
- سياسة الاندماج الاجتماعي الفعال في بناء الدولة العراقية
- حرس بوابة الاخبار
- مشروع ديكارت الفلسفي وإعادة ترتيب الوجود


المزيد.....




- كواليس قرار الجنائية الدولية بشأن كبار القادة في إسرائيل و-ح ...
- الجيش الأميركي: أكثر من 569 طن مساعدات سُلمت لغزة عبر الرصيف ...
- مسؤول أممي: لا مساعدات من الرصيف العائم في غزة منذ يومين
- بايدن: هجوم إسرائيل في غزة -ليس إبادة جماعية-
- مصدر: مستشارو السياسة الخارجية لترامب التقوا بنتنياهو
- 7 مرشحين يتنافسون في الانتخابات الرئاسية الموريتانية
- من تبريز إلى مشهد، كيف ستكون مراسم تشيع الرئيس الإيراني؟
- نيبينزيا: إسرائيل عازمة على الاستمرار بعمليتها العسكرية على ...
- سيناتور روسي: في غضون دقائق ستترك أوكرانيا بدون رئيس
- مادورو: الرئيس الإيراني كان أخي الأكبر ورمزا للثوري الطامح ل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد المسعودي - الانساق الثابتة والمتحولة في المعرفة والحرية