|
اعتزال بائع الروبا بيكيا ..
محمد إبراهيم محروس
الحوار المتمدن-العدد: 2807 - 2009 / 10 / 22 - 10:51
المحور:
الادب والفن
اعتزال بائع الروبابيكيا تنتابني حالة من الهدوء لرؤيتها ، ملامحها الطفولية ، ابتسامتها العذبة ، الشفتان المكتنزتان عن صفين من الأسنان التي تعتني بهما اعتناء خاصا ، فتشعر بصفاء الضحكة ولمعانها ، أرى وميض عينيها لثوان قبل أن أبتسم في وجهها :- عاملة إيه يا حبيبة .. تضحك فتتسع ابتسامتها : كويسة .. حبيبة إحدى بنتين لعم أحمد الشامي ، الأخرى سماح . البنتان لديهما ما يشبه الإعاقة الذهنية . حبيبة هي التي تجلب لي السعادة بطريقة ما ، وهي تحمل أشياء في يديها عندما يمر بائع الروبابيكيا / ضاحكة وأنا أقول لها : إيه اللي شيلاه دا .. - دا الخلاط بتاعنا هبيعه ، تشتري.. - ها ها ها .. وهتبيعيه ليه ، مش شغال . - شغال بس هبيعه . يقلب بائع الروبابيكيا في الأشياء ، ويدفع الثمن الذي تحدده ، والذي يعرف أنني سأدفع له ضعفه لأنه عادة لا يزيد عن ثلاثة جنيهات كل مرة . وكأنني مشترك مع بائع الروبابيكيا وحبيبة في لعبة لا تنتهي ، هو يشتري أشياءها ،وأنا أشتريها منه ، ثم أعيدها لعم أحمد عندما يعود من شغله مكدودا ، مشغول البال على البنتين .. التي تضحك دائما ، لا تشرب الماء ..تقول إنه ملوث. التي تضحك دائما ، تدمن الكولا . التي تضحك دائما ، جسد امرأة وعقل طفلة . التي تضحك دائما تبيع أطقم المطبخ بصورة شبه يومية . التي تضحك دائما تتخانق معي ، عندما أعيد الأشياء لعم أحمد . التي تضحك دائما ، تقول : إنني عبيط ومش فاهم . التي تضحك دائما ، تجمع كل مجلات سماح لتبيعها . التي تضحك دائما .. نضحك عليها أنا وبائع الروبابيكيا . حبيبة التي تضحك دائما ، تغضب مني لأنني أعيد لأبيها الطبق البلاستيك الكبير المخصص للغسيل وهي تقول : إنها شافت فيه صرصار . أصالحها أحيانا بزجاجة كولا .. حبيبة التي تضحك دائما ، جاءتني باكية اليوم ، قالت : إن عم أحمد مش عايز يصحى . أتساءل ، تجيبني :فاتح بقه ومش بيرد علي ، وبديله صفار البيضة مش عايز يبلعه . يركبني الفزع ، أجري ، أخبط على جارتها لتأتي معي ، أدخل لعم أحمد غرفته ، أحدق في عينيه المفتوحتين ، أتذكر قلقه وكلامه وخوفه على البنتين ، وكلامي معه إنه زمن لا يرحم ! أتذكر سفر سماح مع خالتها من أسبوعين ، ورفض حبيبة للسفر ، أتذكر كل هذا ، وأنا ألمح جلال الموت يطل من عيني عم أحمد .. أطلب من حبيبة نوتة التليفونات ، أتصل بمعارف عم أحمد ، أنتظر بجواره ، أحلم بأشياء مستحيلة ، أن ترد له الروح ، ليقف ويتحرك ليحضنني وأحضنه . حبيبة تقف فاغرة الفم ، تمسك البيضة تنتظر أن يفيق ، ليفتح فمه ليأكل . تهرب الساعات ، أحضر الغسل ، ترانا حبيبة نجهز الكفن ، تذهب بعقلها لتودع عم أحمد في مكان بعيد عن أحلام البشر . التي كانت تضحك دائما ، جف وجهها وهي تعطي لي البيضة التي ظلت تمسكها بيدها طوال النهار . حبيبة التي كانت تضحك دائما ، أراها اليوم تجلس أمام بيتها تحتضن طبق الغسيل البلاستيك ، الذي كانت تنقل لنا به الماء أثناء غُسل أبيها ..أسألها : عايزة تبيعيه . تنهمر الدموع من عينيها وهي تحتضن الطبق بخوف رهيب .. التي كانت تضحك دائما ، لم تعد تكلمني وتتهمني بأنني سرقت أباها وأخفيته .. حبيبة التي كانت تضحك دائما خاصمتني للأبد .. ولم أعد أرى بائع الروبابيكيا .
#محمد_إبراهيم_محروس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيام خريفية ..
-
رجل لا تعرفه الشوارع !!
-
شات
-
شوارع سالم ..
-
قرار بالمواجهة ..
-
عنوان سياسي..
-
جبل الحكايات
-
نظرة امتنان
-
روح الدنيا
-
مزامير الحي
-
امرأة اللؤلؤ
-
صانع التماثيل..
-
نور وقطعة الشيكولاتة
-
الرجل الذي لم...
-
فتاة الشيكولاتة
-
حدود مملكته
-
في انتظار المهدي ..
-
حادثة
-
دير العاشق ..
-
أتوبيس (6)
المزيد.....
-
الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا
...
-
تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر
...
-
كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
-
المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر
...
-
دور النشر العربية بالمهجر.. حضور ثقافي وحضاري في العالم
-
شاومينج بيغشش .. تسريب امتحان اللغة العربية الصف الثالث الاع
...
-
مترو موسكو يقيم حفل باليه بمناسبة الذكرى الـ89 لتأسيسه (فيدي
...
-
وفاة المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد عن 70 عاما
-
بسررعة.. شاومينج ينشر إجابة امتحان اللغة العربية الشهادة الا
...
-
بكين تستقبل بوتين بأغنية -أمسيات موسكو- السوفيتية (فيديو)
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|