يتخذ الباحث الاكاديمى المصري حسن نفاعة في مقالة منشورة له في موقع الحياة بعنوان الشجاعة والحكمة على الطريقتين العربية والغربية من موضوعة اسلحة الدمار الشامل الليبية نموذجاً كان من المفروض اساساً توظيفه للخروج بالاستنتاجات عن مفهوم الشجاعة والحكمة على الطريقتين العربية والغربية ..لكنه اذ يعد القارىء بذلك نجده لا يصل الى اي استنتاج مفيد ونافع البتة .. بل يستعرض الموضوع ليكرس هدف المقال الى مقترحات تتبنى وجهات نظر اسقاط النظام الليبي.
ان قرار القذافي التخلص من اسلحة الدمار الشامل اثر مفاوضات سرية استغرقت شهورا مع الادارتيين الاميركية والبريطانية وصف من قبلهما بالشجاعة والحكمة ، الحقيقة المنطقية الاكيدة ان العقل العربي وصل الى مرحلة التشويه للحقائق او عجزه عن ادراكها واستيعابها ، فلا تزال الشجاعة في المفهوم العربي هو التحدى والتصدي والعنترية الفارغة حتى مع الادراك التام ان هذا التحدي سيواجه الهزيمة الساحقة لخلوه من عوامل انتصاره اساساً كما حصل لمفاهيم الشجاعة الصدامية التى اندحرت لقيامها على اسس فارغة مغلوطة ، برهن الواقع والمصير الذى انتهى اليه صدام انها كانت استغلال لمفهوم الشجاعة التى انتهت الى الاختباء في وكر.
في حين الشجاعة في المفهوم الغربي هو امتناعك عن الفعل الاحمق في الوقت المناسب ..عندما تدرك العجز التام عن الاستمرار في طريق مسدود لهذا هم يصفقون لشجاعة الفرد الذى يتراجع عن القاء نفسه من قمة بناية عالية لانه استجاب لنداءات المحيطين به او من جاءوا لانقاذه . لكن المثقف العربي يحث أحيانا على ركوب موجة التهور او اللامعقول او البعد عن الواقعية ، ويعتبرها أقداماً ً في طريق البطولات الوهمية التى اعتاد عقله على تقبلها . والمثقف العربي لا يزال مصراً على تشجيع الحماقة مادام هو لن يكون جزء من الضرر في استمرارها. فالمثقف المصري يشجع على دفع الليبي بالسير في طريق الحماقة ولو ارادت غدا السعودية او سلطنة عمان او تونس امتلاك السلاح النووي فستجد الاف المثقفين العرب الحمقى يهللون لهذه الدول ويشجعونها رغم ادراكهم ماذا يعنى هذا الاقدام.. وسوف يشجبون اي صوت مناهض ينطلق من مثقفى تلك الدول ويعدونه جبانا وانهزامياً.
مشكلة العقل العربي عجزه عن المواجهة الشجاعة مع الذات: ماهي الجدوى من قيام دول مثل العراق وليبيا وسوريا من امتلاك اسلحة نووية ؟ اذا كانت القضية امتلاك اسرائيل لأسلحة الدمار الشامل وتفوقها ، فلماذا لم تفكر مصر عند توقعيها كامب ديفيد في زمن السادات من الاتفاق على نزع اسلحة نووية متبادل ؟؟ والعمل على اخلاء منطقة الشرق الاوسط منها؟؟ وكامب ديفيد تعتبر "أم الاتفاقيات"!!
السؤال الاخر لماذا لم تقدم دول اخرى مثل : مالطا أو قبرص او بيرو او الفلبين او اليمن على امتلاكها؟؟ ستقول لي هذه دولا فقيرة ، نعم ، اتفق معك ، لماذا لا تحاول دول اخرى مثل البرازيل ، السعودية، ماليزيا ، كوريا الجنوبية ؟ وهذه دول اغنى؟
الشعوب عادة ليس لها حق الاختيار في هذه المسالة فالامر تقرره قياداتها سراً وتعتبره من ضمن اولويات امنها الوطني ، شأنه شأن التسلح ، رغم ادراكها عدم الحاجة اليه ، وتهدر تلك القيادات مبالغ طائلة هي اجدى بصرفها في تحقيق برامج اخرى لشعوبها.. وخير مثال ان ايران التى تقع على خطوط زلزالية لم تستطيع ان تنقذ سكان احدى مدنها من زلزال اهلك مايقارب 5000 انسان واتضح انها لاتملك حتى كلاب مدربة للكشف عمن يمكن أنقاذهم من تحت الانقاض، في حين تسعى لامتلاك قنابل نووية!!. ولو ان صدام حسين استفتى شريحة علمائه أو اعضاء حزبه بنزاهة وأمانة وموضوعية عن مثل ذلك التوجه فانه حتما سيتلقى حكمة، لكنه بالتالي سيرفضها كما فعل مع خبراء النفط عام 1971-1972 الذين شرحوا له ان تأميم النفط سيعرض العراق الى مشاكل عديدة مستقبلية ، كان رايهم يتسم بالحكمة بأن مثل تلك المسالة يجب ان تدرس بعناية فائقة والا ستكون باهظة الثمن كما حصل لناصر بعد تأميم القناة عام 1956 ، وها نحن نكتشف ان مافعله صدام حسين في مسألة تأميم النفط (راجع كتاب عندما تكون وزيرا مع البكر وصدام لمؤلفه الدكتور جواد هاشم وزير التخطيط في حكومة البعث في السبعينات) لم يكن من أجل العراق بل كان من اجل الاستيلاء على ثروة النفط لتسخيرها لأمنه ولحزبه وعائلته ولشغال جيش العراق في حروب عديمة الجدوى او بمعنى أخر(حرق هذه الثروة الهائلة ) فهل كان تأميم النفط بطريقة صدام شجاعة وحكمة او حماقة فردية دفع الشعب العراقي ثمنها على مدى ثلاثة عقود؟ وماذا جنى العراق من تأميم نفطه لكي تجنيه ليبيا من أمتلاك اسلحة الدمار الشامل؟؟ وهاهو العراق الغني يصبح فقيرا مكبلاً بديون تسعى امريكا لتحريره منها لكي تكون أرباح المستقبل في خزائنها وليس تسديداً للديون.
اليس مطلوباً من العقل العربي السياسى التراجع عن المضى في الطرق المسدودة مادام الاعتراف بالخطأ فضيلة وشجاعة في الموروث الثقافي العربي، وعدم النظر دائما بتطرف : أما المضى الى انتصارات صار العرب عاجزين عن الوصول اليها وباتت اوهاماً وتهويمات لذر الرماد بعيون السواد من المواطنيين او في ادراك المسألة على انها استسلام .
والقذافي بغض النظر عن الاسباب التى دفعته لأتخاذ القرار وبغض النظر عما سيجنيه من الدول الغربية مقابل القرار، وقد تكون وسيلته للبقاء في السلطة ، فهو تراجع سليم من السير في طريق ارتكاب الحماقات العربية الكثيرة . فامريكا وبريطانيا لم تطالب القذافي بالغاء مشروع النهر العظيم وردمه ولو طالبته بذلك ووافق على مطالبهما فهذا يعتبر استسلام لانه تسليم بمشروع حيوي يخدم الشعب الليبى ومستقبله ، لكن المشروع النووي لن يضيف شجرة واحدة في صحارى ليبيا ولن يوفر الامن الغذائي لشعبها.
لماذا ينظر العقل العربي الى مسالة الغاء المشاريع العديمة الجدوى : على أنه جبن واستسلام ؟؟لو ان فردا منكم قام بتاسيس شركة واكتشف انه يمضى بطريق مسدود وغير منتج سينتهى بخسارة فادحة فماذا ينبغى ان يفعل؟ هل يستمر نحو مزيد من الخسائر والافلاس وفقدان السمعة المالية ؟ ام التوقف والمراجعة واتخاذ القرار السليم بقبول مامضى من الخسائر والتوقف واعادة استثمار الاموال المرصودة لمثل تلك الشركة الفاشلة الى مشاريع اخرى اكثر جدوى؟؟
دعونا نرى كيف سوف تتصرف سوريا وايران والمطرقة قاب قوسين منهما بحجة موضوع اسلحة الدمار الشامل؟؟ هل سوف تستخدم سوريا العقل والحكمة الاموية كما فعلت في قضية عبدالله اوجلان؟؟؟ أم ستختار المواجهة مع عدوين من أمامها وخلفها؟؟