أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باقر جاسم محمد - لطفية الدليمي: هجرة الإبداع














المزيد.....

لطفية الدليمي: هجرة الإبداع


باقر جاسم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2055 - 2007 / 10 / 1 - 10:01
المحور: الادب والفن
    



كم يكون الأمر محزنا ً حين نجد بعضا ً من أنفسنا يهاجر، فنتوزع أشلاء بين خارج غريب و داخل أكثر غرابة، و نعيش غرباء و مغتربين في آن ٍ واحد. فما هذه هي البلاد التي عرفناها! و ليست هي ما كنا نأمل أن تكون! أما حين يكون المهاجر مبدعة أصيلة و مفكرة كبيرة مثل لطفية الدليمي، فإن الأمر يصبح أكثر إيلاما ً، فنحن ندرك هول أن ينزف البلد مبدعيه الكبار واحدا ً بعد الآخر.، مرة بالقتل، و مرة بالهجرة أو التهجير. فإذا ما تذكرنا بأن بلدانا ً قليلة هي التي لديها مبدعات بمنزلة لطفية الدليمي، عرفنا مقدار جسامة الخسارة حين نراها تترك عراق روحها على الكراهة كما يقول الجواهري الكبير. و لطفية ليست ممن يتنكرون لبلادهم. إنما هي الكاتبة العراقية الأصيلة التي جعلت من الإبداع شرطا ًَ وجوديا ً و أساسيا ً مستمدا ً من حضارة وادي الرافدين في كتاباتها في القصة و الرواية و النص الأدبي و المقالة؛ و ذلك منذ أن بدأت في نشر نتاجاتها الأدبية في القصة و الرواية و الترجمة. و لقد حرصت كاتبتنا على صوغ نصوصها الإبداعية كافة بلغة رصينة تمتاز بجمال أخاذ و إحساس مكين بأسرار اللغة العربية، و هو ما يجعل منها متميزة بين كثير من الكتاب. و قد كانت لطفية الدليمي و ما زالت إنموذجا ً متفردا ً للمثقفة و الكاتبة التي تحرص على أن تجسد مشكلات الواقع، و أن تمتلك رؤيا كونية في الوقت نفسه. فهي ابنة العراق، ابنة دجلة و الفرات، ابنة سومر و نينوى، و لكنها في الوقت نفسه تكتب للإنسان في كل زمان و مكان. و هذا أمر لا يتوفر عليه إلا قلة من كبار المبدعين.
إذا كانت لأفعال كبار المثقفين دلالات رمزية، فإن مغادرة لطفية الدليمي ليست تعبيرا ً عن نزعة هروب، إنما هي صرخة احتجاج على ما يجري في العراق. صرخة تطلقها امرأة لم يعد لديها ما يعصمها من القتل المجاني و دونما ذنب. فالحياة توشك أن تتبدد بفعل ماكنة الإرهاب التي لم تتوقف أبدا ً منذ أن جاء السيد بوش بجنوده ليحتل بلادنا و ليجعل منها ساحة لمحاربة الإرهاب. على أية حال، أنا على ثقة مطلقة بأن لطفي الدليمي ستعود، لأنها مسكونة بهاجس كونها عراقية. و بما أن من الأفضل أن يكون المرء عراقيا ً و نبيلا ً و حيا ً، حتى يدافع عن الحياة، هاجرت لطفية الدليمي إلى فرنسا. و إني لعلة ثقة أيضا ً بأنها إذ تحترم فرنسا التي منحتها جنسيتها، لن تتعامل مع تلك البلاد من موقف الضعف أو الوهن، بل ستكون ندا ً حقيقيا ً لمثقفي فرنسا. كما إنها لن تقبل أبدا ً بأن تدير ظهرها لبلاد الرافدين. فها هنا يغوص جذر النخلة السامقة لطفية الدليمي( عفوا ً، أعني السيدة لطفية الدليمي ) عميقا ً في تربة العراق. فعسى أن لا تطول غربتها الإجبارية.
على أن المشكلة التي كان لها وقع المأساة هي أن يكون بيت السيدة لطفية الدليمي، ذلك البيت الذي دخلته منذ زمن بعيد لزيارة السيدة لطفية و زوجها المرحوم كامل العزاوي، البيت الذي هو عبارة عن متحف مصغر يعبر أصدق تعبير عن اهتمامات صاحبته و ذوقها الرفيع، معرض لنهب و تبديد كل ما يحتويه المنزل من لوحات فنية و منحوتات لأبرز الفنانين العراقيين، و ما تضمه مكتبته من كتب نادرة و مهمة، و من مخطوطات. فهذا البيت إذن ليس بيتا ً خاصا ً بلطفية الدليمي بالمعنى الضيق، إنما هو متحف وطني عراقي مهم يرتبط بمرحلة مهمة من تاريخ الفكر و الإبداع في بلادنا. و لأن البلدان الحية تهتم بكل ما يخص مبدعيها حتى و إن كان عاديا ً، ناهيك عن كونه متحفا ً وطنيا ً كما هو حال بيت لطفية الدليمي، نطالب الحكومة ممثلة بدولة رئيس الوزراء، و نطالب فخامة رئيس الجمهورية، و نطالب اللجنة الثقافية في البرلمان بأن يبذلوا كل جهد ممكن لبسط حماية الدولة على بيت السيدة لطفية الدليمي. فهو بيت لكل العراقيين ما بقي إبداع لطفية الدليمي. ذلك الإبداع الذي هو تعبير عن الارتباط الوثيق بين الواقع الاجتماعي و السياسي في حياتنا المعاصرة و أعمق ما في النفس البشرية من إرث حضاري كبير انحدر إلينا من حضارات بلاد وادي الرافدين، أعني حضارات سومر و أكد و بابل و نينوى. و إذا كنا نريد لبلدنا أن ينهض من رماده مرة خرى، و أن يبني نفسه، و من ثم يسهم في تشكيل حضارة عالمنا المعاصر، فإن خير من يتقدم لينجز ذلك هم علماء العراق، و مبدعوه، و فنانوه، و مفكروه، و رياضيوه الكبار و أبناء شعبه الطيبون، و إذا ما قصرنا الكلام على المبدعين المفكرين، فإن لطفية الدليمي ، تلك السيدة الكبيرة، قد جمعت في أهابها شخصيتي المبدع و المفكر معا ً. و هذا أمر قل نظيره، و هو ما يجعل منها تستحق عناية خاصة في محنتها. أليس كذلك؟
باقر جاسم محمد
ناقد و أكــــاديمي
جامعة بابل/ كلية الآداب



#باقر_جاسم_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الميثوبي و السرد الغنائي
- بين مربدين
- كان شامخا ً مثل نخلة عراقية
- أدلجة سوسور: قراءتا بلومفيلد و تشومسكي لمحاضرات سوسور
- ما تستحقه الكلمات
- نظرية النشوء: نحو منهج مادي تاريخي في تأريخ اللسانيات
- هدف الرغبة الغامض البعيد: علم اللغة
- نزع الميثولوجيا عن اللسانيات الاجتماعية
- من الذي سيكون سيدا ً تأسيس السلطة العلمية في علم اللغة
- الأيديولوجيا و العلم و اللغة
- أبواب
- محو الغربة و تدوين الاغتراب
- مسألة السلطة السياسية هي جوهر الخلاف بين العلمانيين و القائل ...
- جدل الشكل و لامحتوى في السرد الوائي: ( حديث الصبح و المساء إ ...
- العلمانية و الدين و المجتمع
- لحية كارل ماركس
- في أخلاقيات الحوار و شروطه المعرفية
- حول اللغة و سوء التفاهم
- مفهوم الهوية الوطنية: محاولة في التعريف الوظيفي
- مرة أخرى، حول وجود قوانين للتطور الاجتماعي


المزيد.....




- حرمان مغني الراب الإيراني المحكوم عليه بالإعدام من الهاتف
- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...
- مصر.. الفنانة دينا الشربيني تحسم الجدل حول ارتباطها بالإعلام ...
- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...
- معرض -بث حي-.. لوحات فنية تجسد -كل أنواع الموت- في حرب إسرائ ...
- فرقة بريطانية تجعل المسرح منبرا للاجئين يتيح لهم التعبير عن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باقر جاسم محمد - لطفية الدليمي: هجرة الإبداع