أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - باقر جاسم محمد - حول اللغة و سوء التفاهم















المزيد.....



حول اللغة و سوء التفاهم


باقر جاسم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 1565 - 2006 / 5 / 29 - 09:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لئن كانت اللغة أداتنا الأهم و الأكثر فاعلية في التواصل مع الآخرين، و ذلك بالتعبير عمّا يدور في عقولنا من أفكار و ما يعتمل في دواخلنا من انفعالات و تأملات و رغبات أيضا ً ، فإنها ، حسبما يرى بعض الباحثين، من أهم مصادر اختلافنا و صراعنا الأبديين بوصفنا كائنات اجتماعية. فمنذ أن ازدهرت الفلسفة السوفسطائية في اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد و اكتشفت إمكانية اللعب بالكلام لأغراض متضاربة و دونما اعتبار للواقع الموضوعي و للحقيقة، صار واضحا ً أن اللغة من أخطر المقتنيات الإنسانية لكون مستخدميها من البشر قد ينحرفون بها، و هم غالبا ً ما يفعلون ذلك، عمّا يفترض أن تؤديه من وظائف تسهم في إزالة سوء التفاهم و تحقيق التواصل بين الناس. و التواصل هنا مشتق على صيغة التفاعل التي تعبر بصيغتها و بمعناها الذي تفيده عما ينبغي أن تنجزه اللغة أعني التحاور، وهو الهدف و الوظيفة المنشودة الأكثر أهمية بين أهداف استعمال اللغة.
إن النتيجة النهائية لخضوع اللغة بالكامل لإرادة البشر هي فشل التواصل و تفشي سوء التفاهم و قيام الحواجز بين الناس في الثقافة الواحدة ذات اللغة الواحدة ناهيك عن اللغات المختلفة و الثقافات المختلفة. و لقد حاول أفلاطون و من بعده أرسطو، في مسعى منهما لإعادة الاعتبار لعملية التواصل بوساطة اللغة أن يضعا أسسا ً للاستعمال السليم للغة من خلال علم المنطق و ما يتضمنه من حدود و مقدمات يمكن أن تسهم في توضيح صدق عبارة ما من عدمه. و لكن المنطق الأرسطي لم يسلم من النقد لأنه كان منطقا ً شكليا ً قد ينتج تطبيقه العملي عبارات سليمة منطقيا ً و لكنها فاسدة الدلالة. و هو فضلا ً عن ذلك كان ممارسة محصورة في نطاق ضيق من النخبة الفكرية المهتمة بالفلسفة. أعني إذا كان المنطق أداة نافعة للتثبت من صدق العبارات فهو متاح فقط للنخبة من الفلاسفة و المفكرين و المثقفين في سياق الجدل الفكري و الفلسفي بينهم؛ و لكـن الحقيقة الماثلة أمامنا هي أن التواصل باستعمال اللغة يجري بين أفراد المجتمع و طبقاته الاجتماعية كافة. و هؤلاء هم من يقررون، وفقا ً لخلفياتهم الاجتماعية و السياسية و الأيديولوجية وأغراضهم و دوافعهم و الشخصية الذاتية و النفسية، كيف يستعملون اللغة و لماذا. أمّا الفلاسفة و المفكرون الذين يمثلون نسبة قليلة العدد داخل المجتمع فهم ذوو تأثير ٍ ضئيل ٍ في هذا الشأن؛ فضلا ً عن أن الفلاسفة و المفكرين أنفسهم قد لا ينجحون، و هذا ما يحصل غالبا ً، في تحقيق التواصل فيما بينهم. إذ يشير باحث في الفلسفة الحديثة إلى أنه " يكفي أن نستعرض التصورات المختلفة للفلسفة التي يعبر عنها المفكرون المعاصرون من البلدان المختلفة، لكي نقتنع بأن الغموض لصيق بطبيعة الفلسفة نفسها". ( 1 ) و هذا يعني أن أصل الداء، أعني الغموض و ما يولده من التباس، كامن في الفكر معبرا ً عنه بالفلسفة التي هي من أهم مظاهر الفكر.
لقد قطع فهم الإنسان لطبيعة اللغة و وظائفها أشواطا ً بعيدة منذ أن عرف السوفسطائيون ’ نشوة اكتشاف قوة التأثير للكلام على الجماهير‘(2). فقد أسهمت تأملات و بحوث و دراسات فلاسفة و لسانيين، مثل أفلاطون و أرسطو و الفراهيدي و سيبويه و إبن جني و سوسور و سابير و بلومفيلد و تشومسكي و هاليداي و كثير سواهم، في تطوير تصورات الإنسان حول أثمن مقتنياته، أعني اللغة. فأصبح لدينا مدارس لسانية مختلفة. و أنتجت هذه المدارس علوما ً متخصصة تدرس مختلف مستويات بنية اللغة من صوتية و صرفية و تركيبية و دلالية، فضلا ً عن أنماط اللسانيات المختلفة من نفسية و اجتماعية و نظرية و تاريخية. كما تكونت لدينا نظريات في اللغة مختلفة في المنطلقات و متباينة في النتائج في أغلب الأحيان. بيد أن هذا التقدم في فهم اللغة لم يصاحبه تقدم مواز ٍ في تحسين فرص استعمال اللغة الناجح في تحقيق التواصل الكفء، أو تبديد احتمالات سوء التواصل أو سوء الفهم الناجمة من سوء استخدام اللغة ( و عذرا ً لاستعمال بعض الكلمات المعيارية). فأين تكمن إذن المصادر و الأسباب الحقيقية في مثل هذا الفشل؟ من الناحية المنهجية، يتفرع هذا السؤال إلى الأسئلة الآتية:
1. هل يكمن الفشل في طبيعة اللغة نفسها و ذلك لكونها أداة قاصرة عن التعبير الدقيق عن الفكر؟
2. أم أنه يكمن في الفكر نفسه لأنه لم يعد فكرا ً ذا أسس عقلانية واضحة و على شيء من الثبات؟
3. أم أنه يكمن في المستعمل الفرد للغة كونه لا يتورع عن استخدامها استخداما ً مفرطا ً في الذاتية للتعبير عمّا يريد دونما اعتبار للحقيقة الموضوعية؟
4. أم أنه يكمن في الصراعات الاجتماعية التي ما انفكت تؤثر في اللغة حين تدفع الناس إلى استعمالها لأغراض أيديولوجية تجعل الخطاب اللغوي وثيق الصلة بالمواقف المستمدة من الأيديولوجيا و ليس بالحقائق الموضوعية؟
5. أم أنه يكمن في عدم وجود أسس اجتماعية ، من أعراف أو قواعد أخلاقية أو قانونية، تحول دون سوء استعمال اللغة أو تخفف منه؟
قد تتداخل الإجابة على هذه الأسئلة نظرا ً للترابط الوثيق بين أسباب ظاهرة فشل التواصل و سوء التفاهم و مظاهرهما المختلفة. ففي الإجابة على السؤالين الأول و الثاني ،هناك اتجاهان، الأول منهما يوجه اللوم للغة نفسها في فشل التواصل بين الناس. و الثاني يضع اللوم على الجماعة اللسانية و نظامها الفكري و السياسي. فقد ذهب فلاسفة التحليل اللغوي و مدرسة كامبردج الفلسفية بين الحربين العالميتين الأولى و الثانية إلى التوكيد’ بأن اللغة هي المشكلة الرئيسية في الفلسفة‘(3) . كما ذهب مفكرون آخرون إلى أن ما تعانيه الفلسفة و اللاهوت و الأدب و العلوم الاجتماعية و التاريخ من ارتباك و تشوش و إشكلات إنما يعود إلى مرض اللغة و فشلها و إن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على ارتباكنا في فهم أنفسنا و فهم الواقع الإنساني [التوكيد من كاتب المقالة] (4). و لعل التناقض واضح في هذا النص المقتبس. إذ أنه بعد أن عدَّ اللغة فاشلة و مريضة، عاد ليقرر بأن دلالة هذا الفشل و المرض في اللغة تعود إلى ’ ارتباكنا في فهم أنفسنا و فهم الواقع الإنساني‘ و هذا يعني بالضرورة أن أمراض اللغة و فشلها انعكاس لتبلبل أفكارنا و لعجزنا نحن عن الفهم. و الحق أن العيب أو الفشل أو المرض أو سمه ما شئت ليس في اللغة التي هي أداة طيعة بأيدي مستعمليها. و هي في ذلك مثل كل أداة ؛ فالمستعمل هو من يقرر كيف و متى و لأي الأغراض يستعملها. و اللغة، من حيث هي، تصلح لأن تكون وسيلة ممتازة للتواصل في شتى الحقول المعرفية بالقدر نفسه الذي تصلح فيه للتشويش و الإرباك و خلق الاشكالات في وجه أية محاولة للتواصل .
من هذا نتوصل إلى أن من يجب أن ينسب إليه الفشل و الإرباك و الاشكالات هو مستعملي اللغة أفرادا ً و جماعات و ليس اللغة التي ليست هي بالمريضة و لا بالسليمة؛ و إنما هي تؤدي الوظيفة التي يمليها عليها مستعملوها فحسب، سواء أكانت تلك الوظيفة سلبية أم إيجابية. فإذا شاء المرء أن يلوثها بالأيديولوجيا المغلقة على ذاتها و بالتدليس ، و أن يجعل منها منطلقا ً لرسم صورة لفظية مغرقة في الذاتية عن الواقع، استجابت لـه و أعطته من طاقاتها التعبيرية ما يجعل ُ الحق َ باطلا ً، و القبح َ جمالا ً و النور َ ظلاما ً. و إذا شاء أن يحرص على أن تكون واضحة و دقيقة في تصويرها للواقع وفقا ً لمنهج يستبعد، قدر الإمكان، العناصر الذاتية و يعكس أكبر قدر ممكن من مكونات الواقع بشكل موضوعي، لن تبخل عليه اللغة بما لديها من طاقات تعبيرية في معاونته في هذا الأمر. إذن على قدر كفاءة مستعمل اللغة الذي يفهم أسرارها و طاقاتها و إخلاصه لما يريده منها، تكون جسامة المسؤولية الأخلاقية المترتبة على العمل الذي تنجزه اللغة سلبا ً أو إيجابا ً. و من الواضح أن هذه المسؤولية الأخلاقية لا يمكن أن تـُعزى إلى اللغة نفسها و لكن إلى مستعمليها.فالفشل إذن يرجع إلى سوء استعمالنا للغة و ليس إلى مرض متأصل فيها.
و تنجدنا سوسيولوجيا المعرفة في معرفة السبب الحقيقي في الزعم أعلاه. فإذا كان المبدأ الأساسي في سوسيولوجيا المعرفة هو أن ’ كل معرفة، ما عدا العلوم الطبيعية " تتأثر بموقف القائم بالمعرفة"‘ أي أنها نسبية من الناحية الاجتماعية‘ كما يقول مانهايم، (5) جاز لنا البحث في أسباب هذا الموقف المتشائم من اللغة في سياق الظرف التاريخي الذي أنتجه. فقد ازدهرت البحوث التي تؤكد على فشل اللغة و مرضها في الفترة بين الحربين العالميتين الأولى و الثانية و تحديدا ً عند صعود النازية في ألمانيا و الفاشية في إيطاليا و دخول أوروبا في عمق الدوامة الأيديولوجية التي بدأت مع ثورة أكتوبر 1917، و تفاقمت تلك الدوامة و اشتدت بعد الحرب العالمية الأولى لتنتهي بكارثة الحرب العالمية الثانية. و إذا ما تذكرنا بأن الخطاب اللغوي هو من أهم الميادين التي يتجلى فيها فعل التشويش الفكري الفاشي و الشمولي، و هذا يصدق على حالة الخطاب اللغوي في ألمانيا و إيطاليا و الاتحاد السوفيتي السابق، و إذا ما تذكرنا أن بعض المفكرين قد تورطوا في زيادة بشاعة فعل التشويش الفكري و الأيديولوجي هذا، كما هو حال مارتن هيدجر في ألمانيا النازية، و برونو ميجيلوريني في إيطاليا الفاشية، حُقَّ لنا أن نقبل ما ذهب إليه هابرماس الذي يرى أن" مما لا شك فيه أن فلاسفة العشرينيات و أوائل الثلاثينيات يدخلون حكما ً في سياق الفكر الذي سبق النازية و مهد لها. وليس بإمكانهم أن يتظاهروا بعدم الاهتمام بما حصل بد ذلك. و بعد 1945، على كل حال، لم يعد باستطاعة هؤلاء الذين اتخذوا موقفا ً يدعى الحياد، إظهار البراءة"(6) ، و استنادا ً إلى مثل هذه الخلفية الفكرية و السياسية و الاجتماعية الملتبسة و المحبـطة، يمكن لنا أن نصف ذلك الزعم بأنه تعبير عن اليأس من اللوغوس ممثلا ً في اللغة. و إذا ما علمنا بأن اللوغوس كان واحدا ً من أهم العناصر في التكوين الثقافي للعقل الغربي، و هو المكون الذي يفترض أنه يفصح ’عن التماثل الأساسي بين عمل الكلام و عمل الفكر ‘ كما يقول كاسيرر(7) ، نستطيع أن نستنتج بأن الزعم القائل بمرض اللغة و فشلها قد جاء تعبيرا ً عن لحظة تحول حاسمة من اليقين المطلق إلى الشك العميق في صحة ذلك العنصر الأساسي في الثقافة و العقل الغربيين، أعني اللوغوس .
و يمكن أن نلاحظ بأن التركيز على مشكلات فشل التواصل و علاقتها بطبيعة الخطاب اللغوي يزداد مع ازدياد حدة الصراعات الأيديولوجية. و هي الصراعات التي ما انفكت تتصاعد بعد أن انتقل مركزها الأساسي من أوروبا (الشيوعية ضد الرأسمالية بين الحربين العالميتين الأولى و الثانية ثم الليبرالية و الشيوعية ضد الفاشية أثناء الحرب العالمية الثانية ثم عودة إلى الشيوعية ضد الرأسمالية بعدها، و أخيرا ً بين أمريكا و كل من يرفضون هيمنتها ) إلى العالم جميعه بعد انهيار المجموعة الاشتراكية. فقد تشكلت بؤر جديدة متعددة للصراع و ذلك لمواجهة أخطار القطبية الواحدة و ما تفرضه العولمة من تغييب للهوية و إلحاق قسري بالآخر. كما يمكننا القول بأن الصراعات صارت تجري بين الغرب الرأسمالي بوصفه مركزا ً و أغلب دول العالم بوصفها محيطا ًُ. و بين طرف من الغرب هو الولايات المتحدة تحديدا ً و دول معينة تتبنى مناهج مناهضة للعولمة في آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية. وكما تعددت جغرافيا الصراع و اختلفت كذلك تعددت أسبابه و اختلفت: فكانت هناك صراعات سياسية و اقتصادية و دينية و ثقافية تحركها جميعا الرغبة في الهيمنة و ضمان الحصول على الامتيازات. و هذا ما يجعل أزمة فشل التواصل و تفاقم سوء التفاهم بين البشر تصل حدودها القصوى لأنها غدت ظاهرة كونية دون أن تفقد صفتها المحلية أو الداخلية. فهي إذن تتجسد بالاختلاف بين أبناء الثقافة الواحدة من جهة؛ فنجد تناشزا ً في الخطاب السياسي و الأيديولوجي في البلد الواحد بين ما تقول به القوى القابضة على نحو مؤبد على السلطة و القوى التي تنازعها ذلك التأبيد من جهة أخرى، و بين ما تقول به قوى توصف بأنها تقدمية أو علمانية و ما تقول به قوى توصف بأنها محافظة و دينية يصل إلى حد القطيعة. و يمثل ذلك تعبيرا ً عن عمق الصراع و تجذره و تحول مظاهره في الخطاب اللغوي السياسية إلى نوع شامل من التخندق اللغوي المعبر عن القطيعة في التواصل و ليس عن الرغبة فيه . و كذلك تتجسد الأزمة في ما نشهده من مظاهر سوء التفاهم و فشل التواصل على مستوى العالم جميعه بفعل الاختلافات الثقافية و الحضارية و الاقتصادية و السياسية. و هذا ما يضفي أهمية متزايدة على دراسة تأثير فشل التواصل كما يتجسد على صعيد دور اللغة نفسها في مثل هذه الأزمة.
لقد حفزت المشكلات التي أثارتها الآراء المشككة بصحة اللغة و قدرتها على التعبير، و القائلة بأنها سبب جوهري من أسباب الارتباك و التشوش في العلوم الإنسانية عامة، نقول حفزت تلك المشكلات الباحثين إلى بذل جهود علمية مكثفة مكرسة للبحث و التقصي في كثير من جوانب اللغة المهمة في حقول فلسفة اللغة و اللسانيات الاجتماعية و التطبيقية و مناهج تحليل الخطاب. و قد أدى هذا بدوره إلى تطورات مهمة للغاية جعلتنا على دراية أعمق و فهم أدق لطبيعة اللغة. و تجلى ذلك في جهود كثير من المفكرين و الفلاسفة و الباحثين كما في أعمال مدرسة كامبردج الفلسفية، و أعمال المدرسة الوظيفية ( مدرسة براغ ) و دراسات أوستن و سيرل. و عمل تشومسكي المهم اللسانيات التحويلية التوليدية. و كذلك الأعمال المؤسسة لما يعرف باللسانيات التداوليةpragmatics. غير أن ذلك كله لم يؤد إلا إلى تأثير محدود في التقليل من الارتباك والتشوش في الحقول المعرفية المشار إليها أعلاه، كما لم يؤد ِ إلى تحسن ملحوظ في سبل التواصل و إزالة سوء التفاهم. كما أنه لم يستطع صد المغيرين على المنجم اللغوي لأسباب أيديولوجية محضة. فاللغة ملكية اجتماعية مشاعة لا يمكن لأية سلطة أن تمنع الآخرين من استعمالها أو استغلالها بالكيفية التي يريدون. و أية محاولة لمنع الآخرين من استخدامها أو تحديد الكيفية التي يجب اتباعها في كلامهم المنطوق أو المكتوب إنما تقع في باب الحجر على حرية التعبير التي تتضمن بالضرورة حرية التفكير. و بذلك فهي تـُعـَبـِّرُ بالضرورة عن إرهاب فكري صريح. كما أنها منزلق خطير قد يؤدي الوقوع فيه إلى موقف فاشي في الفكر و السياسة. و هو ما يجب أن يتجنبه كل مسعى لتحسين سبل التواصل الإنساني.( 8 )
و تحظى العلاقة بين الفرد بوصفه مستعملا ً للغة و اللغة ذاتها باهتمام المفكرين و الفلاسفة و الباحثين الشديد. و هم حين يتحدثون عن مفاهيمهم للغة يزيدون الأمر تعقيدا ً. إذ يذهب لودفيج فتجنشتاين، وهو أحد أهم الباحثين في فلسفة اللغة، إلى حد القول ’إن حدود لغتي هي حدود عالمي‘(9) . و هو ما قد يفهم على أنه نوع من النسبية اللغوية Linguistic Relativity، و هي نسبية ليست فقط بين اللغات المختلفة كما ذهب إلى ذلك سابير و ورف في فرضيتهما المشهورة التي تقيم توازيا ً بين اللغة و الفكر إذ تؤكد’ بأننا نحلل الطبيعة على وفق خطوط وضعتها لغاتنا الأصلية ... بوساطة أنظمة لسانية في عقولنا‘(10) ، بل هي أيضا ً نسبية بين الأفراد اللغة الواحدة أنفسهم. أي أنها ليست ذات جوهر عابر للغات و المجتمعات و الثقافات فحسب و إنما هي تشمل أفراد المجتمع الواحد. و هو ما سيقلص من طاقة الإمكانات التواصلية للغة إلى أدنى حد ممكن. فما دام الناس يختلفون في قدراتهم اللغوية، و ما دامت حدود اللغة الخاصة بكل فرد تحدد عالمه الخاص، فإن كل مستعمل للغة سيعبر عن عالم خاص به. و هو عالم يختلف بهذه الدرجة أو تلك عن عالم الآخرين. بمعنى أننا سنتكلم عن عوالم مختلفة لا عالم واحد. و لعل ذلك هو أحد أهم مصادر سوء التفاهم و فشل التواصل من الجانبين الوجودي و الاجتماعي. و نعتقد بأن أي علاج تربوي مستنبط من طبيعة هذا العامل المهم سيكون ضروريا ً و لكنه يبقى محدود الأثر لنظرا ً لتعدد صور فاعلية عامل اختلاف العوالم المعبر عنها بوساطة اللغة و تعقيدها و لكونه عاملا ً ذا وجود ثابت ملازم للكينونة الاجتماعية.
و لعل البحث في أسباب المشكلة سيكون أكثر نفعا ً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الاضطراب و التشوش الحاصلين في العقل و العلم و أصولهما المعرفية. إذ مع ملاحظة أن التقدم العلمي أستمر بوتائر عالية في القرن العشرين، إلا أن الأسس المعرفية للعلم في صيغته التي عرفتها البشرية منذ عصر النهضة و الثورة الصناعية قد اهتزت كثيرا ً. و لذلك يستحق القرن العشرين أن يوصف بأنه قرن انكفاء العقل و النزعة العلمية التقليديين. فلقد انتهى عصر الفكر القطعي دونما رجعة. ذلك الفكر الذي يصفه وندهام لويس بالفكر المكاني أو السكوني، ليحل مكانه فكر زماني حركي مرتبط بالصيرورة و التحول. و حلت نزعة نسبية المعرفة محل المقولات المبنية على المطلقات. و يوضح ذلك ميشال سارتو قائلا ً: ’ ما تؤسسه فترة معرفية معينة هو بنيتها اللاشعورية ... حينئذٍ تهتز الأرضية التحتية لينهار كل ما على السطح من بنيات و أنساق و أنظمة العبارة و الكلام لتترك المجال لميلاد " نسق إمكاني " جديد ... . مثلما تنهار الحقيقة و التاريخ ليصبحا قطعا ً مجزأة و دلالات محددة و تصورات محلية، ينهار العقل ليرتد إلى مجرد باعث تنظيمي خاص بفترة معرفية معينة. و ينهار أيضا ً اليقين ليعبر عن " قلق اللغة ". (11) و بهذا لن تكون التهمة موجهة للغة بقدر ما هي موجهة للأنساق الفكرية و السياقات الاجتماعية المنظمة لعمل اللغة. و هي الأنساق التي ليست من صميم مفهوم اللغة و إن كانت ترتبط بها عضويا ً. إذ كما نجحت اللغة، في مراحل تاريخية معينة، في التعبير عن(اليقين) و (الحقيقة) و عن ( أنساق فكرية مستقرة) لأن ما عبرت عنه كان موجودا ً و قائما ً في واقع الممارسة الاجتماعية و الفكرية في حينه، نجحت أيضا ً في التعبير عن الاضطراب و التشوش و انعدام اليقين الماثل في واقع الممارسة الاجتماعية و الفكرية الراهنة. و كان ذلك بسبب التحول من العقلية المكانية القديمة، و هذا ما يفسر ثبات الأشياء و المفاهيم المعبرة عنها، إلى العقلية الزمانية الحديثة التي "... استغنت عن الكينونة، و تركت الناس يهيمون بلا علامات طريق يسترشدون بها،... و على نهاية القرن التاسع عشر، أصبحت الصيرورة مقولة كبرى بالفعل في الفكر، بالمعنى المتدهور و المعنى الخلاق معا ."ً(12)
و لعل أهم مصادر التشوش هو عدم وضوح حدود المصطلحات اللسانية. فمثلا ً نجد أن مصطلح المتكلم – السامع المثالي في اللغة، مثلا ً، هو مصطلح غاية في التجريد و العمومية لحالة شديدة الذاتية و الخصوصية حتى ليمكن القول أنه نوع من الأسطورة في حقل العلم. و هو إذ يشير إلى القدرة في استعمال اللغة في التعبير و الفهم معا ً، فإنه يعجز عن وضع عملية التواصل في سياقها الاجتماعي و التاريخي. و السبب هو أن النموذج المتبنى، كما يقول روي هاريس يقترح في الأساس صحة وشرعية ثلاثا ً من عمليات التجريد:
( i ) فهو يتجرد من هويتي كل من المتكلم و السامع,
(ii ) و هو يتجرد من السياق الاجتماعي المحدد لفعل الكلام،
(iii) وهو يتجرد من مضمون ما يقال. ( 13 )
و هكذا يغدو المصطلح الذي كان المرجو منه أن يقربنا من فهم بعضنا بعضا ً أداة تجريدية تترفع عن أهم ما ينتظره منها مستعملو اللغة، أعني الإسهام في تدعيم فرص التواصل و تدعيم سبل التفاهم بدلا ً من تبديدها بزعم أنها تقلل من المكانة العلمية للبحث اللساني الذي نرى أن من أولى مهماته أن يدرس اللغة في سياقاتها الاجتماعية المحددة و ليس في فراغ نظري محض. فنحن لا نستطيع أن نضع علامة مساواة بين استعمال أدونيس للغة بوصفه شاعرا ً على دراية عميقة بأسرار العربية و استعمال قائد الطائرة للغة حين يقدم تقريرا ً لبرج المراقبة أثناء القيادة. فأدونيس شاعرا ً يستخدم اللغة لتنقلِ حمولة لسانية ليست بالمعرفية تماما ً، و إنما هي حمولة مفعمة بأقصى الحالات الذاتية و الميتافيزيقية تألقا ً. في حين يستخدم قائد الطائرة أعلى درجات الدقة في اللغة عندما يتصل ببرج المراقبة. و كل منهما ينجز وظيفة لغوية ناجحة على وفق السياق الخاص بكل مهما. و لكن المسألة لا تـنتهي عند هذا الحد. فإذا كنـَّا على يقين بأن رسالة قائد الطائرة ستـُفهم على الوجه الذي أراده منشؤها، فإن الوضع مختلف تماما ً بالنسبة لرسالة أدونيس الشعرية لأننا نستطيع الجزم بأن رسالة أدونيس ستتـُفهم من قرائه على صور متعددة و متباينة. و هي صور ليس بالإمكان، نظريا ً، حصرها. لأننا نعرف أن ما أراده أدونيس ليس قفل باب التأويل لنصه الشعري، بل هو يريد أن يبدع كل قارئ فهمه الخاص للنص الشعري.و هذا الموقف يعبر عن قناعة بأن تعدد القراءات و التأويلات نظرا ً سيثري النص بمعان ٍ قد لا تكون خطرت على بال الشاعر أصلا ً. و إذا كان هذان المثالان يتعلقان بنوعين مختلفين من الخطاب و بمرسلين هما شخصان يتفاوتان في القدرات اللغوية و في الغرض من استعمال اللغة، أي في طبيعة الوظيفة اللسانية المنجزة، فإن الشعراء أنفسهم يختلفون في اللغة التي يستخدمونها في خطاب بعينه و لوصف تجربة معينة مثل تجربة الحب. فلغة عمر بن أبي ربيعة الشعرية، في هذا السياق، أكثر احتفاء ً و تركيزا ً على ما هو حسي من لغة صاحب بثينة التي لا نكاد نعثر فيها على شيء من ذلك لأنها تنحو إلى التعبير عن حب مثالي. و الواقع أن المصطلحات و المفاهيم في العلوم و الفنون و الحقول المعرفية جمعيا ً قد غدت أقل موثوقية و أكثر تعبيرا ً عن التعددية في الدلالة، فصارت توصف بأنها خلافية سواء أكان ذلك المصطلح أو المفهوم أدبيا ً مثل مفهوم الشعر نفسه أو ثقافيا ً مثل مفاهيم اللغة و الثقافة و الفكر أو سياسيا ً مثل مفاهيم الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان.
و لا ينفرد الشعراء عن غيرهم بالنسبة لتفاوت قدراتهم في الفهم و التعبير باستعمال اللغة، أو حتى بالنسبة لما يصفه البعض بسوء استخدامهم للغة أو سوء فهمها. ذلك التفاوت الذي قد يراه البعض نتيجة لطبيعة الخطاب الشعري نفسه مما يؤدي إلى وجود ظاهرة الغموض في الشعر. بينما يرجع آخرون مسألة الغموض في الشعر إمَّـا إلى إفراط الشعراء في التركيز على ذواتهم أو لعدم تمكنهم من أدواتهم اللغوية. و لكن يشاركهم باحثون لسانيون في علوم اللغة في هذا الأمر. ففي حقل اللسانيات نجد أن عالمين من أكبر علماء اللسانيات في القرن العشرين و هما الأمريكيان ليونارد بلومفيلد(1887-1949) و نعوم تشومسكي( ولد في 1928) يقدمان قراءتين لنص كتاب محاضرات في اللسانيات العامة لفرديناند دي سوسور. و كل قراءة من القراءتين اتخذت شكل تقويم متعدد المراحل و عبر سنوات عديدة للكتاب نفسه. و إذا كان من المتوقع، , و إن كان ذلك نادرا ً، في القراءة المنهجية العلمية التي يجريها مختصون في حقل علمي هو اللسانيات أن تقع هذه القراءة في التناقض أو إساءة القراءة و الفهم، فإن مواقف بلومفيلد و تشومسكي من آراء سوسور قد ذهبت إلى أبعد من ذلك. فقد تباينت آراءهما بين الإطراء و التبني في مراحل معينة، و النقد و النبذ و الهجوم في مراحل أخرى! و الغريب في الأمر أن تتضمن قراءتاهما شيئا ً من التناقض و سوء الفهم! و هو تناقض قد يقع فيه أشخاص أقل كفاءة و خبرة في استخدام اللغة من هذين العلمين البارزين في حقل اللسانيات. و يذهب باحث معاصر إلى أن ذلك التناقض و سوء الفهم في قراءتي بلومفيلد و تشومسكي كان نتيجة لدوافع أيديولوجية و عوامل ذاتية و موضوعية تخص تطور الموقف النظري لكل من بلومفيلد و تشومسكي من اللغة؛ فضلا ً عن أنه يؤكد على أن إساءة القراءة خصيصة متأصلة في الخطاب اللغوي نفسه.(14) و على حال، يمكننا القول بأننا لا نعتقد أنه يمكن لوم الفرد أو تأنيبه إذا ما نحى في استخدامه للغة منحى ذاتيا ً أو لأن ذلك جزء أساسي من حقوقه الخاصة.
في الإجابة على السؤال الرابع نقول: تـُعـَدُّ الصراعات بين مكونات المجتمعات من أهم دوافع السعي لامتلاك القدرة على استعمال اللغة على نحو يعبر عن مصالح خاصة. إذ ’ قبل أن تصبح البلاغة [ و البلاغة أهم مظاهر الاستعمال الجيد و الفعال في التعبير عن الأفكار]" تقنية محظوظة تسمح للطبقات المسيطرة بأن تتأكد من امتلاكها للكلام" حسب تعبير بارت، و قبل أن يكون لها معلموها و فئات تدافع عنها، ولدت البلاغة في القرن الخامس قبل الميلاد من محاكمات حول ملكية الأرض. ...، وهكذا بدأ الغربي يتفنن في الكلام و يفكر في اللغة لا حبا ً بالتفنن أو في معرفة لذاتها بل دفاعا ً عن ممتلكاته‘( 15 ). منابع التشويش على إمكانية التواصل بين البشر. و قد ارتبط نشوء علم البلاغة في الحضارة اليونانية القديمة و هذه الصراعات قد تكون طبقية أو سياسية أو فكرية أو عرقية أو دينية أو طائفية. و هي في كل الأحوال تعبر عن نفسها في أطروحات و صيغ و مقولات أيديولوجية ثابتة و تهيئ نفسها للدفاع عن تلك الأطروحات و الصيغ إزاء أية أطروحات أخرى عبر الاستثمار الأقصى لطاقة اللغة التعبيرية دونما التفات إلى مسألة كون ما يقال يعبر عن حقائق أم أوهام و أكاذيب . و الواقع أن للأيديولوجيا منطقا ً خاصا ً لا ينتمي بالضرورة إلى أبواب المنطق الصوري من استدلال و قياس و استقراء كما يقول محمد سبيلا.لأن ’ العقل الأيديولوجي – إذا جاز التعبير – لا يرتبط بنظام معرفي واحد و لا بآليات واحدة بل يلجأ إلى كل ما يخدم غرضه من استدلال و بلاغة و إيحاء(...) إنه يوظف ما يناسب قضيته و يخدم قناعاته: يوظف البيان ( التشبيه و الاستعارة و التمثيل و التورية و القياس) و يوظف العرفان( المماثلة...) [ كذلك يوظف الميثولوجيا و الدين و الحجج الغيبية. الكاتب ] وكما يوظف الاستقراء و الاستنتاج‘ و كل ذلك لأن ’ هدفه إقناع الغير. و من خلال سعيه لإقناع الغير يزداد هو نفسه اقتناعا ً و إيمانا ً بقضيته.‘( 16 ) و هذا يعني أن عبء اللغة سيكون ثقيلا ً للغاية لأنها تخدم، مرغمة ً، أهدافا ً متباينة بل متناقضة أحيانا ً. و مع ذلك فإنها ستجد من يقبل منها ما تقدمه لـه من وصفات فكرية جاهزة لأن ’ الميل الطبيعي للإنسان هو أن يعرف و يستعمل معارفه. و أن يعتقد و ليس أن يفكر. و الفارق كبير بين المعرفة و الاعتقاد و التفكير.‘( 17 ) و هكذا تتحول اللغة من وسيلة لتجسيد الفكر إلى وسيلة لكبح التفكير و تجسيد الصراع الاجتماعي. بمعنى التحول من وسيلة تواصل إلى وسيلة تعويق للتواصل. و لأن كل الأيديولوجيات تتوفر على هذا القدر أو ذاك من التناقض و التدليس و القفز على الحقائق، تقبل الأيديولوجيات مسألة التناقض بين القول و العمل بدعوى أن الواقع يفرض شيئا ً من التسامح إزاء أهمية أن يصدق الفعلُ القول َ و ينسجم معه. ولهذا ينصح لينين ’ بضرورة الانتباه إلى ما يفعله رجل السياسة لا إلى ما يقوله، و الأصح أن ننتبه إلى أيادي رجال السياسة بقدر مما ننتبه إلى أفواههم.‘( 18 )
يبقى السؤال الخامس حول عدم وجود أسس اجتماعية ، من أعراف أو قواعد أخلاقية أو قانونية، تحول دون سوء استعمال اللغة دون إجابة شافية على الرغم من كونه من أهم الأسئلة. فهو السؤال الذي يوجه انتباهنا إلى ضرورة تجاوز حالة القطيعة الفكرية و السياسية، أعني حالة انعدام التواصل شبه التامة التي نعيشها الآن. و إذا كان هناك من يقول بأن الأخلاق هي العربة الأخيرة في قاطرة السياسة، و التواصل في صلب السياسة كما رأينا يقع، فإننا نؤكد بأن عربة الأخلاق يمكن أن تكون العربة الأهم في وضع تاريخي بعينه. فهل نقبل، بدعوى أن هذه هي طبيعة السياسة، بأن نعيش في زنزانات منفردة صنعناها بأنفسنا و لأنفسنا؟ و هل يحقق ذلك أيا ً من طموحاتنا و مصالحنا؟ أم أننا سنبحث عن السبل و الوسائل و المناهج و الأفكار و الخطط التي يمكن أن تخرجنا مما نحن فيه، و تعيد للغة دورها الفعال و الحقيقي في دعم الصيرورة الاجتماعية التي لن تتحقق إلا عبر جعل التفاهم و التواصل الناجع ممكنا ً؟
و ما دمنا قد توصلنا إلى أن جذور فشل اللغة لا تكمن في اللغة نفسها و إنما هي في مستعمليها و في السياقات الاجتماعية و السياسية التي تكتنف ذلك الاستعمال، فإن مهمة التصدي لمنابع الفشل في التواصل اللغوي هي مهمة اجتماعية على قدر كبير من الجسامة و هي تتطلب وعيا ً حقيقيا ً بأهميتها الحاسمة و الاستثنائية في الارتقاء بالأداء السياسي و الاجتماعي من جميع المهتمين بالشأن العام و من المختصين بالحقول المعرفية ذات الصلة؛ تلك الأهمية التي حاولنا هنا أن نلقي عليها شيئا ً من الضوء في هذه المقالة. و هذه المهمة المجتمعية تتطلب جهدا ً واسعا ً و مخلصا ً تشترك فيه مؤسسات الدولة كافة، و القوى و المنظمات الاجتماعية الفاعلة و الأحزاب السياسية فضلا ً عن المؤسسات العلمية و الأكاديمية و البحثية و منظمات المجتمع المدني و وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المفكرين المستقلين. و لن يكون ذلك دون خطط واضحة تعتمد برامج و أسسا ً موضوعية تستطيع في نهاية المطاف أن تجعل اللغة ممثلة بالخطاب السياسي أكثر التزاما ً بهدفها الأساس الذي يتجاوز الاكتفاء بمجرد التعبير عن القناعات الفكرية و الأيديولوجية و الدفاع عنها حقا ً أو باطلا ً إلى غرض آخر أسمى و أهم ألا و هو إرساء التواصل بين المختلفين و تعزيز سبل التفاهم بين الناس. و لعل من المناسب أن نقول أن تفعيل الوعي باللغة و دورها الخطير في شتى مراحل التعليم، و تطوير أساليب الحوار و الحجاج الفكري و أسسهما الأخلاقية و المعرفية، و ضمان حرية القول و التعبير هي من المبادئ الأساسية في هذا الصدد. و لأن مثل هذه المهمة خطيرة و آنية لا تتحمل التأخير و ذات جوهر ثقافي و حركي و علمي فعال، لا بد و أن يشرع بها المجتمع كله.
المصادر
1. بوس، جليبر ( 1994) مدخل إلى الفلسفة ترجمة د. رجب بو دبوس. الدار الجماهيرية. مصراتة، ليبيا.
2. روجيي ل. (1973) الميتافيزيقا و اللغة( ص 79-83) ضمن كتاب اللغة . و هو الحلقة الخامسة من دفاتر فلسفية الصادرة في العام 1994. إعداد و ترجمة محمد سبيلا و عبد السلام بنعبدالعالي. دار توبقال للنشر. الدار البيضاء . المغرب.

3.High D.M.(1967) Language, Person and Belief .Oxford University Press. New York.(p 6-7)
4. الدكتور محمد مهران رشوان (1998) دراسات في فلسفة اللغة . دار قباء للطباعة و النشر و التوزيع. القاهرة. ( ص 114).
5. باومر، ل. فرانكلين(1989) الفكر الأوروبي الحديث: الاتصال و التغير في الأفكار من 1600-1950. الجزء الرابع. ترجمة د. أحمد حمدي محمود.( ص107) الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة.
6. هابرماس، يورغن(1995) الفلسفة الألمانية و التصوف اليهودي. ترجمة نظير جاهل. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء- بيروت.
7.أرنست كاسيرر اللغة و المنطق (66-67). ضمن كتاب اللغة المذكور في (2) أعلاه.
8. هاريس، روي (1990) حول حرية الكلام . الصفحات 153-161 في كتاب:
Joseph, John E. and Taylor, Talbot J.,(editors) (1990) Ideologies of Language.(pp51-78) Routledge .London.
9.لودفيج فتجنشتين رسالة منطقية فلسفية (76-77). ضمن كتاب اللغة الذكور أعلاه.
10. يمكن الرجوع إلى نص فرضية سابير- ورف في مراجع متعددة. و قد أخذنا النص من كتاب:
Crystal, David(1997) A Dictionary of Linguistics and Phonetics. Blackwell Publishers. London. (4th edition)
11.ميشال سارتو، الاختلاف و حفريات الخطاب: النص المركز و الهوامش. ترجمة الزين محمد شوقي. (ص 79-88) من مجلة كتابات معاصرة العدد33 المجلد التاسع 1998. بيروت
12. المصدر في 5 أعلاه. الصفحات 6-8.
13. هاريس، روي: حول حرية الكلام. مصدر سابق. الصفحة 153.
14.الدراسة هي ’ أدلجة سوسور: قراءتا بلومفيلد و تشومسكي لكتاب محاضرات في اللسانيات العامة‘ للباحث جون إ. جوزيف. الصفحات 51- 78. و قد انتهينا من ترجمتها توا ً و هي في طريقها للنشر الآن. و قد نشرت في الكتاب المشار إليه في 2 و6 أعلاه.
15. لبيب، الطاهر: سوسيولوجية الثقافة. دار ابن رشد، عمان. 1986.
16. سبيلا، محمد، الأيديويوجيا: نحو نظرة تكاملية. ( ص 121) المركز الثقافي العربي، بيروت 1992. و أنظر كذلك محمد عابد الجابري: العقل السياسي العربي. المركز الثقافي العربي، الرباط. 1993.
17. المصدر في 14 أعلاه. ص 146.
18. المصدر في 14 أعلاه. ص 146.








#باقر_جاسم_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الهوية الوطنية: محاولة في التعريف الوظيفي
- مرة أخرى، حول وجود قوانين للتطور الاجتماعي
- حول احتمال وجود قوانين للتطور الاجتماعي
- تعاريف ليست سياسية
- جناية محمد الماغوط
- حول حرية الكلام
- قصائد قصار
- الخطاب السياسي و اللغة العادية
- صمت الجميل ، فهل سيصمت كل جميل في حياتنا!؟
- قراءة جهرية في نص مسرحية صامت
- رسالة محبة للدكيور سيار الجميل
- أصدقاء الديمقراطية و أعداؤها
- حياة جديدة في كيريفاسو
- الأيديولوجيا و السلطة السياسية
- قريبا من الفن بعيدا عن السياسة
- نظرية الاحتمالات و نظرية المؤامرة
- الديمقراطية و الإصلاح السياسي بين الواقع و الطموح
- الكتاب المقدس: حول أصل اللغة و أختلافها
- أرسطو: حول الاستعارة
- من أغاني العاشق القديم


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - باقر جاسم محمد - حول اللغة و سوء التفاهم