أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير دعيم - سقى الله تلك الايام














المزيد.....

سقى الله تلك الايام


زهير دعيم

الحوار المتمدن-العدد: 2044 - 2007 / 9 / 20 - 06:49
المحور: الادب والفن
    


كثيرا ما أتحسّر على هاتيك الايام ، الأيام الخوالي ، ايام البساطة والفقر " والقلة " وخبزنا كفاف يومنا ... أيام كنا نقضي الصيف كله حفاة نركض خلف النورج شهرا كاملا حتى نتمكن من الحصول على " شروة " من الحبوب نبادلها بحفنة أو أكثر من السكاكر الحمراء الشهية ، وٍأيام كنا نتربّص لدى جيراننا ساعات حتى نحصل على ملء صحن من البليلة فنحّليها بالسكر الابيض النادر تارة والاحمر تارة اخرى .
سقى الله تلك الايام ، ايام يا حامي الحمى تحمي البيت وأصحاب
البيت ، حين كانت الامطار امطارًا والرعد رعدا والبرق وميضًا يمّزق وينهش السماء ، وحين كان وادي قريتنا يُعربد ويزبد ويرغو فلا نأبه به ونحن نزرع جانبيه بالمصائد ، ونروح ننتظر اسراب الزرزور والقطا والسمن وعرائس التركمان حتى نملأ منها جرابنا وبطوننا الخاوية .
سقى الله تلك الايام حين كانت شعرة الشاربين كمبيالة مقدسة ، وكلمة الرجل وثيقة فتبيع وتشتري وانت مطمئن ، وتنام على سطح البيت
آمنا ، وتصحو على زقزقة الدّوري والشحرور والحسون والابواب ُمشّرعة للشمس والهواء .
سقى الله تلك الايام حين كان الفقر " المقدس " يستحوذ على حياتنا فلا نتأفف ولا نتذمر ، بل نروح ننتظر الوالد عائدًا من حيفا معطفاً كمعطف غوغول اشتراه من سوق الخرداوات أو حذاءً مستعملاً أخذ مقاسه بخيط معقود الحاجبين !! كانت أياما لذيذة ، تملؤها المحبة ويملؤها الذوق البكر رغم ضيق اليد ، ورغم التعب ، فمنظر الراعي يسوق قطيعه الى المرعى لوحة رائعة قلّ ما يقدر على رسمها فنان ، ومرأى الحاصدين والحاصدات وهم يزرعون الحقول عتابا وميجانا ، تقف أمامه فيروز حيرى !

سقى الله تلك الايام وذكرها بالخير ابدا ، يوم كان الخضار يشدك برائحته ، فيسيل لعابك على حبة بنادورة لوّحتها شمس الصيف ، أو حبة تين غزالية تملأ كفك عسلا ولا أحلى ، ناهيك عن القطين والزبيب والسدة الملأى بخيرات الشرق .

أما اليوم يا صاحبي ، فإننا نكاد نصول ونجول في الفضاء وعلى سطح القمر والمريخ ، وقد أضحت الدنيا بلدة صغيرة وأضحى اختراع الأمس بائتاً عتيقاً اليوم ، وطغت التقنية على كل حياتنا ووجودنا ، في هذا اليوم فقدنا كل شيء ، فقدنا المحبة هذه التي نفتش عليها بألف فتيلة فلا نجدها ، وخسرنا الطمأنينة أما القيم والشيم والمروءة فحدّث ولا حرج ، فقد اختفت كما اختفى السمن والزرزور والامطار الهادرة وجاء الجديد .. !! ومن قال أن لا جديد تحت الشمس ، فالجديد يملأ كل اكناف المعمورة .

فانظر يا رعاك الله اينما وكيفما شئت ، تجد الاغاني المائعة والاجساد المتأوّه " المتفزعة " والرجولة المخنثة ، والاقراط تزين آذان الشباب ، والهيروين سيّد الموقف ، والسرقات تدب في كل ليلة في الاحياء والبيوت والمصانع ، أما العنف بأنواعه وأشكاله فلا يهدأ أبداً ، فتراه يتمرّغ في وعلى ارضية حياتنا ليلا ونهارا صبحاّ ومساءّ ، في النوادي والمدارس والمعاهد والشوارع والبيوت .

لقد أضحى العنف جزءاً من حياتنا ، وحيّزاً من وجودنا ، فامّحت هيبة المعلم وديست كرامته تحت وطأة ما يسمى بالتربية الحديثة ، فانقلبت الاية وغدا الطالب يعتدي على معلمه في حين كان المعلم مُربّياً يزرع الاخلاق الحميدة ويسقيها بالحنان والأبوة وأحياناً بالعقاب المعقول !

أما الابن البار فقد انقلب بقدرة قادر الى عاقّ ، يسرق مخصصات تأمين أمه وجدته وجده ولا يتورّع من استعمال العنف ان اقتضى الامر .

لقد اضحى العنف بيت القصيد ، وصار الظلم سيدا مطاعا يلوّنونه تارة باللطف ويسمونه احيانا ديمقراطية !!
ً لستُّ متشائماً وحقك ، فالدنيا رغم كل هذا بألف خير ، فالخير رغم سوء توزيعه يملأ الارض وما حولها ، والحضارة المرنان في كل زاوية من زوايا البيوت والحياة ،

فما أحيلى عادات الامس ودفء الامس تتعانق مع حضارة اليوم ، ووهج اليوم وعلم اليوم ، عندها قد نقول : " ورأى الله ذلك أنه حسن".



#زهير_دعيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غفران وعاصي
- نريدها نمنمات جليلي
- الزجل حضارة
- بين صلاة جبران واسلوب غاندي
- ما اجمل المحبة
- شمس وطني
- براءة-قصة للاطفال
- رسالة الى الشاعر الكبير سعيد عقل
- احسان
- فيروز صداحة الشرق
- الشعر في المزاد العلني
- انفلونزا الشرف
- الغزل بين الامس واليوم


المزيد.....




- فيودور دوستويفسكي.. من مهندس عسكري إلى أشهر الأدباء الروس
- مصمم أزياء سعودي يهاجم فنانة مصرية شهيرة ويكشف ما فعلت (صور) ...
- بالمزاح وضحكات الجمهور.. ترامب ينقذ نفسه من موقف محرج على ال ...
- الإعلان الأول ضرب نار.. مسلسل المتوحش الحلقة 35 مترجم باللغة ...
- مهرجان كان: -وداعا جوليا- السوداني يتوج بجائزة أفضل فيلم عرب ...
- على وقع صوت الضحك.. شاهد كيف سخر ممثل كوميدي من ترامب ومحاكم ...
- من جيمس بوند إلى بوليوود: الطبيعة السويسرية في السينما العال ...
- تحرير القدس قادم.. مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 25.. مواع ...
- البعثة الأممية في ليبيا تعرب عن قلقها العميق إزاء اختفاء عضو ...
- مسلسل روسي أرجنتيني مشترك يعرض في مهرجان المسلسلات السينمائي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير دعيم - سقى الله تلك الايام