عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1944 - 2007 / 6 / 12 - 12:20
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ما هي حقيقة أن قريش هم أهل الخلافة , وأن محمداً أقرّ ذلك , ثم هل علي بن أبي طالب وذريته هم أهل الخلافة , وما حقيقة ذلك في العرف المحمدي , وهل الذي يجري الآن في الإسلام مفاده الرسالة المحمدية ؟
( تكلمنا في ما بعد عن كون الأئمة من قريش , ثم ذكرنا من هم قريش , فمن المناسب بعد ذلك أن نجيب على هذا السؤال بالنفي لسببين :
أحدهما : أن محمداً كان مأموراً بالمشاورة في كل الأمور , ففي القرآن ( وشاورهم في الأمر ) (2) , وفي الحديث عب أبي هريرة : (( ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله )) (3) , ومثله عن عائشة قالت : (( ما رأيت رجلاً أكثر مشاورة للرجال من رسول الله )) (4) 0
والذي يستنتج من هذا أنه بالفرض والتقدير لو أراد أن يعين أحداً لهذا الأمر العظيم – أعني الخلافة – لشاور فيه أصحابه علانية كما كان يفعل فيما دونه من الأمور , ولا يجوز أن يستبد برأيه في تعيينه من دون مشورة , ولكنه لم يذكر ولم يشاور فيه أحداً , ولو كان ذكر لرواه لنا الرواة لتوفر الدواعي إلى نقله وروايته لأنه كما قلنا أمر عظيم 0
هذا من جهة ومن جهة أخرى نرى أن محمداً كما سن بفعله التشاور لأمته قد وضع لهم مبدأ التشاور ليعلموا به في جميع أمورهم إذ قال في القرآن : (( وأمرهم شورى بينهم )) (5) فتعيينه أحداً للخلافة من دون مشورة يناقض هذا المبدأ كما يناقض ما كان ديدنه /35/ في أفعاله من مشاورة أصحابه في كل ما جل ودق من الأمور , والخلافة وإن كان قد اختص بها قريشاً إلا أن ما وضعه من مبدأ (( الشورى )) يمنح بالضرورة كل فرد من الأمة حق التصويت بالرأي خصوصاً في مثل هذا الأمر العظيم 0
الثاني : أن أمر التعيين لم يقع إذ ليس في القرآن ولا في الأحاديث المأثورة عن محمد ما يدل بصراحة على أنه عين أحداً ليكون خليفة من بعده 0 نعم ! وقعت من إشارات على ذلك وتلميحات وأقوال سرية خاصة بينه وبين بعض أزواجه , فمن إشاراته أمره أبا بكر أن يصلي بالناس في مدة مرضه , مرض الوفاة , إلا أن ذلك ليس بقطعي الدلالة على تعيينه للخلافة لأنها أمر جلل يجب التصريح به وإعلانه على رؤوس الأشهاد 0 وقد ذكروا من إشارته إلى ترتيب الخلفاء من بعده وضع الأحجار يوم بنائه المسجد بعد قدومه المدينة 0
ففي السيرة الحلبية قال : (( وقد أخرج أبن حبّان أنه لما بنى رسول الله المسجد وضع في البناء حجراً وقال لأبي بكر ضع حجرك إلى جانب حجري , ثم قال لعمر ضع حجرك إلى جنب حجر أبي بكر , ثم قال لعثمان ضع حجرك إلى جانب حجر عمر , ثم قال هؤلاء الخلفاء بعدي (1) )) , وفي رواية : هؤلاء ولاة الأمر بعدي (2)0 قال أبو زرعة هذا الحديث إسناده لا بأس به فقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه , وقال أبن كثير : وهذا الحديث بهذا الإسناد غريب جداً , وقال بعضهم أن هذا لم يجيء في الصحيح (3) وقال البخاري في تاريخه : أن أبن حبان لم يتابع على الحديث المذكور لأن عمر وعثمان وعلياً قالوا /36/ لم يستخلف النبي أحداً (4) , وقال بعضهم أن المراد بالخلافة هنا الخلافة في العلم والإرشاد (5) , وقال أبن حجر الهيتمي : إن هذا رأي وضع تلك الأحجار وقول النبي هؤلاء الخلفاء بعدي مع احتماله للخلافة في العلم والإرشاد متقدم على وقت الاستخلاف عادة , وهو قرب الموت فلم يكن نصاً سالماً من المعارض (6)0
أمّا أنا فلا أتردد في كون هذا الحديث موضوعاً أو متلاعباً فيه بزيادة (( هؤلاء الخلفاء بعدي )) , إذ من المستبعد بل من المستحيل أن يكون محمد وهو حديث عهد بالهجرة قد فرض أن أمره قد تم بمجرد هجرته إلى المدينة حتى أخذ يعين له خلفاء ثلاثة لا خليفة واحداً , وهو لا يدري ماذا سيلاقي من القوم بعد هجرته ولم يستوثق من دعوته بالنجاح , فمن المضحك أن يفكر إذ ذاك في من يكون الخليفة من بعده 0
ومن أقواله السرية ما جاء في سورة التحريم من قوله ( وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حدثا) (7) الخ 00 فقد قال المفسرين أن المراد ببعض أزواجه هنا حفصة , وأن الحديث الذي أسرّه إليها هو تحريم مارية على نفسه وخلافة أبي بكر وعمر من بعده , وذلك أنه واقع أم ولده مارية في يوم عائشة , ولما أطلعت عليه حفصة أسرّ إليها هذا الحديث واستكتمها الأمر (8) فهذا إن كان صحيحاً فليس فيه دلالة على التعيين , إذ يجوز أن محمداً إنما قال ذلك استرضاءً لعائشة بنت أبي بكر ولحفصة بنت عمر 0 وأيضاً أن أمر الخلافة أعظم من أن يكون سراً بينه وبين بعض أزواجه لأنه عام يهم المسلمين كافة , وهو أساس المصلحة العامة فيلزم أن يكون علناً لا سراً , ولا حكم لوقوعه سراً فتعيين الخليفة سراً على هذا الوجه كلا تعيين 0 وأما حديث غدير خم الذي تتمسك به الشيعة في خلافة علي بعد /37/ محمد فليس فيه من التعيين شيء , ولا ورد فيه تصريح بالخلافة بل كل ما فيه أنه قال : (( من كنت مولاه فعلي مولاه )) (1) ولنورد لك هذا الخبر باختصار لتكون منه على بصيرة فنقول : أن محمداً قبل خروجه لحجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة كان أرسل خالد بن الوليد إلى اليمن لهمدان يدعوهم إلى الإسلام و ثم بعث بعده علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالد بن الوليد وأن يكون هو مكانه , ثم لما خرج محمد لحجة الوداع وكان من مكة قدم عليه من اليمن , علي بن أبي طالب بعد ما أسلمت همدان وكان قد حصل شيء من النزاع والخلاف بين علي وبين أصحابه الذين كانوا معه في اليمن , وكان منهم رجل اسمه بريدة بن الحصيب فجعل بريدة هذا يشكو علياً للنبي ويذكر ما حصل له منه من جفوة , وجعل وجه النبي يتغير من كلام بريدة , فقال له : يا بريدة لا تقع في علي فإن علياً مني وأنا منه , ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم , قال : بلى يا رسول الله , فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه , وكان المخاطب بهذا الكلام بريدة لا غير , ثم لما وصل محمد إلى غدير خم مرجعه من مكة أحب أن يقول ذلك للصحابة عموماً تبرئة لعلي ممّا تكلموا فيه , فجمع الصحابة وخطبهم خطبة بيّن فيها فضل علي وبراءة عرضه ممّا تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جوراً وبخلاً , وكان الصواب مع علي لا معهم (2) فقال في خطبته :
(( أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب , وإني مسؤول وإنكم مسؤولون فيما أنتم قائلون , /38/ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً , فقال أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله , وأن جنته حق وناره حق , وأن الموت حق , وأن البعث حق بعد الموت , وأن الساعة آتية لا ريب فيها و وأن الله يبعث من في القبور , قالوا بلى نشهد بذلك قال : اللهم أشهد , ثم حض على التمسك بكتاب الله ووصى بأهل بيته فقال : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن تتفرقا حتى تردا على الحوض , وقال في حق علي بعدما كرر عليهم أليست أولى بكم من أنفسكم ثلاثاً , وهم يجيبونه بالتصديق والاعتراف , ورف يد على وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه , اللهم وال من والاه , وعاد من عاداه , وأحب من أحبه , وابغض من أبغضه , وانصر من نصره , وأعن من أعانه , واخذل من خذله , وأدر الحق معه حيث دار)) (3) 0 هذه خطبة محمد يوم غدير خم وهي كما تراها ليس في أمر الخلافة في شيء 0 ولو كان مراده تعيين علي للخلافة لكان خيراً من هذا الدعاء الطويل العريض أن يقول ولو على طريق الاستشارة أن علياً هو خليفكم من بعدي فماذا تقولون ؟ ومهما يكن فإن هذا الحديث رواية من الروايات وخبر واحد من الأخبار ولم يدون في الكتب إلا بعد أن تداولته الألسن وتنازعته الأهواء التحزبية أكثر من مائة سنة , وقد صححه بعض رواة الحديث , وقدح في صحته بعضهم كأبي داوود وأبي حاتم الرازي , وقال بعضهم أن ما جاء في من قول اللهم وال من والاه إلى آخر , من الجمل الإنشائية الدعائية زيادة موضوعة إلى غير ذلك ممّا يدل على أن الأهواء التحزبية قد تلاعبت فيه بالزيادة والنقص بالقدح والتصحيح حتى أن /39/ الشيعة رووا فيه أنه قال لعلي أخي ووصيي وخليفتي في ديني , وأنه قال سلموا على علي بإمرة الناس إلى غير ذلك من الأحاديث الموضوعة , فأفضل طريق لطلب الحقيقة في هذه المسألة هو أن يترك هذه الأخبار الملفقة ويرجع إلى ما يؤيده العقل والنقل ومن أن محمداً لا يليق به أن يعين أحداً للخلافة على هذا الوجه الذي يناقض ما وضعه لأمته من مبدأ (( الشورى )) , كما يناقض ما كان هو مأموراً به من مشاورة الصحابة في جميع الأمور المهمة 0 وقد سئل الإمام النووي هل يستفاد من قول النبي من كنت مولاه فعلي مولاه أن علياً أولى بالإمامة من غيره , فأجاب : أنه لا يدل على ذلك , بل معناه عند العلماء الذين هم أهل هذا الشأن وعليهم الاعتماد في تحقيق ذلك ! من كنت ناصره ومواليه ومحبه ومصافيه
فعلي كذلك ) (1) 0
* المصدر – العودة إلى مقالاتنا السابقة 0
(2) سورة آل عمران, الآية 159 0
(3) سنن الترمذي , كتاب الجهاد , الحديث رقم : 1636؛ مسند أحمد , مسند الكوفيين رقم 16373 0
(4) لم نعثر في ما لدينا من كتب الحديث 0
(5) سورة الشورى , الآية : 38 0
(1) السيرة الحلبية : 2/66 0
(2) المصدر نفسه 0
(3) المصدر نفسه 0
(4) المصدر نفسه 0
(5) المصدر نفسه 0
(6) السيرة الحلبية : 2/66 0
(7) سورة التحريم , الآية : 3 0
(8) انظر كتب التفسير في تفسير الآية الثالثة من سورة التحريم 0
(1) الحديث متواتر , وانظر السيرة الحلبية , 3/274 –
(2) السيرة الحلبية 3/275 0
(3) السيرة الحلبية 3/274 0
(1) السيرة الحلبية 3/276-277 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
