أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام عبدالله - إعادة محاكمة سقراط















المزيد.....

إعادة محاكمة سقراط


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1934 - 2007 / 6 / 2 - 11:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان ” جورج سوريل ” - أول من سعي إلي تأصيل العنف فلسفيا وأخلاقيا ، وتقنينه والتنظير له ، فضلا عن إضفاء سمات البطولة والنبل والشرف والمجد عليه …. فالعنف ضرورة انسانية وأخلاقية ، وهو البنية الكامنة وراء التاريخ ، وقوة الدفع المحركة له ، ولايمكن مواجهة العنف الذي يمارس ضد الانسان الا بواسطة العنف المضاد ….. هكذا صراحة وبدون مواربة .
ورغم ان أفكار سوريل حول العنف قد رسمت الخطوط الفاصلة بين الفلسفة الكلاسيكية والفلسفة السياسية المعاصرة ، فانها وبالمقابل ، أحدثت صدمة كبيرة ، وماتزال تحدث نفس الصدمة الي الآن ، لدي الكثيرين ، لأنها ” تدفعنا للتخلي عن كل أمل كاذب وخداع ، مفتعل ، وكل تفاؤل زائف ، فالعنف واقع نعيشه ، والعنف المضاد نتيجة طبيعية ولازمة له . بل تاريخ العالم يبدوكأنه تاريخ العنف والعنف المضاد .
ويبدو ان التشاؤم عنده فلسفة للسلوك والفعل أكثر من كونه نظرية للعالم ، وهي فلسفة تضع في اعتبارها أهمية المضي قدما تجاه التحرر من مأساوية الحياة عن طريق المعرفة التجريبية الصحيحة بالعوائق التي تعترض تخيلاتنا من جهة والوعي العميق بضعفنا الطبيعي من جهة أخري ”
الأهم من ذلك انه طرح مجموعة من التساؤلات تنم عن جدة وأصالة فلسفته في العنف ، تدور حول العلاقة بين العناصر العقلية واللآعقلية في الواقع نفسه ….مثل : هل العقل وحده هو الذي يحكم حياتنا الانسانية ؟ وما هي العلاقة بين العقل واللاعقل في حركة الواقع ؟ وما مقدار فعالية الفلسفة في توجيه الواقع ؟
هذه التساؤلات ضمنها كتابه ” محاكمة سقراط ” – le proces de socrate عام 1890 ، الذي أعاد فيه سوريل محاكمة سقراط - علي أسس جديدة وحيثيات مغايرة . ” فقد نصب سوريل من نفسه قاضيا ، وكانت التهمة التي وجهها لسقراط هذه المرة ليس ” إفساد الشباب ” ، وليست تجديفه أو ألحاده ، وانما هي أغرب تهمة في تاريخ الفلسفة الحديث ، وهي انه : وضع أسس العقلانية في تاريخ الفلسفة ؟ .
تهمة سقراط انه أعلي من شأن العقل وأخضع كل الأشياء لقبضة العقل وتجريداته وبذلك فصل بين العقل وحياة الفعل والممارسة . مما يعني ضمنيا عدم ايمان سوريل بقدرة العقل علي تغيير الواقع والحياة الانسانية أو قل تسيير ودفع الحياة الانسانية ” .
وهو في ذلك يعكس روح عصره ، ويتجاوزه بالنقد في الوقت نفسه ، فقد كانت أبرز مظاهر العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر ، التمرد علي العقل ، فالثورة علي العقل في تلك الفترة سارت في خط مواز للتمرد والثورة علي المذهب الوضعي المنتشر آنذاك ، ومن أبرز زعماء تلك الثورة : ” نيتشه وفرويد اللذان حاولا النفاذ الي ما وراء الواجهة العقلانية ” . وتركزت مهمتهما في الكشف عن الجانب القاتم المحتمل من حياة النفس البشرية .
من هنا وضع سوريل كل ثقته في الفعل الثوري الذي يتخطي كل محاولة لصياغة الأشياء صياغة عقلية ، وكأن ايديولوجية التقدم تتناقض مع متطلبات العمل الثوري ، بل انها قد تؤدي الي تخدير كل عمل بطولي باسم العقل وتقدم العقل . ويشير عنوان أحد كتب سوريل صراحة إلي ذلك وهو : ” أوهام التقدم ” عام 1908 ، الذي أعلن فيه ، معبرا عن رأي الغالبية العظمي من معاصريه ، أنهم يحيون في عصر تدهور .وكتب ” موريس بارس ” – Barres في مذكراته يقول : ” أنه عصر يدعو للأسف …. لأنه العصر الذي قبلنا فيه أن نقوم بدور الممثلين للتدهور . ”
ونسب التدهور غالبا ، الي الفساد البورجوازي الذي بلغ قمته في تلك الفترة . ولم يفق الأوروبيون إلا علي أهوال الحرب العالمية الأولي عام 1914 ، والتي أطلقوا عليها : ” الحرب العظمي ” ، وهي الحرب التي هزت أسس الحياة والفكر الأوروبي ، ودشنت قرنا جديدا من خلال ” العنف ” ، هو القرن العشرين .
ورغم ان أهوال هذه الحرب لم تبدأ في التغلغل إلا عام 1914 بسنوات ، ورغم أن أسبابها كانت تتهيأ للإندلاع منذ أمد بعيد ، فإن عامه الأوربيين لم يصدقوا وقوعها ، تماما مثلما لم يقتنعوا بالنظرات الثاقبة لكل من نيتشه وماركس وفرويد وسوريل وبارس ، وغيرهم ، ربما لانهم كانوا مخدوعين بوعود عصر التنوير في التقدم ، وشعاراته الرنانة عن : الحرية والإخاء والمساواة ، وبأفكار ” العدل الطبيعي ” المغروسة فيهم بواسطة نظام التعليم القائم آنذاك … فاذا كانت فلسفة العدل الطبيعي في اتفاق تام مع القوة فانها من ناحية أخري لا تتفق مع تصور الوظيفة التاريخية للعنف.”
لقد كان جورج سوريل علي النقيض من هوبز وروسو معا ، رغم ما بينهما من أختلاف ، فاذا كانت نظرية ” الحق الطبيعي ” صحيحة ، فاننا يجب ان نتوقع وجود مجموعة من القوانين متفق عليها من الجميع ، ولكن الواقع يكشف لنا عن منطق مغاير كلية لتوقعاتنا ، فالعديد من مظاهر السلوك الطائشة التي نحكم عليها ونصفها بالاجرام تبدو في بعض العصور علي درجة عالية من الفضيلة والطهارة وكأن العدالة – علي حد قول بسكال – لها عصورها ومواسمها . وكان يردد : ان كل جهود العنف لاتستطيع ان توهن الحقيقة ، بل هي تنهضها أكثر فأكثر . وكل أنوار الحقيقة لاتستطيع أبدا أن توقف العنف ، بل هي تثيره أكثر فأكثر .والحق ان بسكال تأثر تأثيرا قويا بالتغيرات التي تعرض لها تصور العدالة علي مدار الزمن ومثل هذه التغيرات أربكت الفلاسفة أنفسهم وجعلتهم في حيرة من نظراتهم ”
باسم العدالة وباسم الحقوق الطبيعية كثيرا ما تنتهك العدالة ذاتها . كما قال ” كارل بوبر ” في كتابه : ” بحثا عن عالم أفضل ” ، فإن أشنع أنواع الجرائم ارتكبت أيضا باسم : الحرية والإخاء والمساواة ، شعار الثورة الفرنسية فى القرن الثامن عشر ، وهى جرائم لم تختلف فى شناعتها عن الجرائم التى ارتكبت باسم المسيحية فى الحروب الصليبية ، وفى مطاردة الساحرات وتعذيبهن ، وفى حرب الثلاثين عاماً . لقد كان حكم الإرهاب فى عصر روبسيير هو الذى علم “كانط” أن “التعصب” إثم دائماً ، ومن ثم أعيد طرح السؤال القديم المتجدد : هل يمكن أن نتجنب التعصب وتجاوزاته ؟ .. ألا يبين لنا تاريخ كل الديانات وكل الثورات أن الإيمان المتعصب بفكرة أخلاقية – كما يقول “بوبر” – لن يحرف هذه الفكرة فقط بل أنه يحولها أكثر فأكثر إلى نقيضها تماماً ؟ إنه يجعلنا نفتح باسم الحرية أبواب السجون ؟! وسيجعلنا ننادى بالمساواة بين كل البشر ، لنغلقها على الفور ومن خلفها الأعداء الجدد لحريتنا الجديدة إن التاريخ يعلمنا أن كل الأفكار الأخلاقية خبيثة ، وأن أفضلها ، كثيراً ما يكون هو الأكثر خبثاً .





#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الانتقام
- التعصب وسنينه
- تفكيك الأصولية والهوس الديني
- الأصولية .. هنا وهناك
- الهوس الديني والفتن الطائفية
- الإيمان والعلم
- موت الحداثة في مصر
- اختفاء البكوش
- الفعل التواصلي
- جزيرة العقلاء
- يوتوبيا ما بعد الحداثة
- لا وعي اليوتوبيا الباطن
- اليوتوبيا ويوتوبيا الضد
- الانتماء - ما قبل - الوطني
- العولمة والهوية الثقافية
- اللعب في الثقافة
- الجسد بين الثقافة والإعلام
- دريدا وصديقه الياباني
- صداقة المفاهيم
- نظرات علي عالم اليوم


المزيد.....




- مسؤول أوكراني يكشف لـCNN حقيقة وجود قوات كييف في كورسك الروس ...
- وزير خارجية فرنسا ينتقد إسرائيل بشدة بسبب خطة توسيع العمليات ...
- في مبادرة مؤثرة.. -مروحيات روسيا- تقيم فعالية -الفوج الخالد ...
- طهران: مواقفنا خلال مفاوضات الملف النووي ثابتة ولن تتغير
- بن غفير: إسرائيل يجب أن تخوض الحرب حتى تحقيق النصر الكامل
- لرفض مطالبها.. إدارة ترامب تعتزم تجميد منح لهارفارد
- مخابئ محصنة للعائلة المالكة والحكومة.. بريطانيا تحدث خطة الط ...
- قوات -اليونيفيل- تدعو إسرائيل إلى الانسحاب الكامل من الأراضي ...
- الخارجية الروسية: الأسبوع الماضي كان الأكثر دموية بالنسبة لل ...
- تقارير: تركيا أحبطت شحنة مفخخة من أجهزة -البيجر- إلى لبنان


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام عبدالله - إعادة محاكمة سقراط