أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عصام عبدالله - اختفاء البكوش














المزيد.....

اختفاء البكوش


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1907 - 2007 / 5 / 6 - 03:05
المحور: سيرة ذاتية
    


في إحدي أمسيات معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1988 ، ألقي عبد الحميد البكوش رئيس وزراء ليبيا الأسبق ، والمعارض الليبي الأشهر آنذاك ، مجموعة قصائد عاطفية ووطنية نالت اعجاب جمهور الحاضرين وانتزعت التصفيق طويلا ، في أول ظهور علني له خارج اطار السياسة ، بعد المباراة الشهيرة التي جرت في الثمانينيات بين مخابرات الجارين العربيين الشقيقين .

وعقب انتهاء فقرته الشعرية التي طالت قليلا ، هبط البكوش من علي منصة الإلقاء ليلتف حوله مجموعة من المثقفين والدبلوماسيين العرب ونفر من الجمهور منعه الأمن من الوصول إليه ، وبقدرة قادر وفي ثوان معدودات انسلت البكوش من الجميع واختفي اختفاء مريبا في العاشرة والنصف مساء ، وسط ذهول عام طال الجميع ، أين ذهب ؟ وإلي أين ؟ ومع من ؟ وكيف ؟ . خاصة وان أمنه الخاص وسائقه وسيارته الخاصة وعناصر تأمين مروره ، كانت في حالة تأهب وانتظار لتوصيله سالما إلي منفاه الإجباري بإحدي ضواحي القاهرة الراقية .

وتكهرب الجو وسادت حالة من الهيجان الأمني وصل إلي حد الإنفلات والتطاول علي رئيس هيئة الكتاب وقتئذ الدكتور سمير سرحان ، ناهيك عن الاستنفار في أروقة معرض الكتاب بمدينة نصر وشارعي صلاح سالم والأوتستراد ، وكان الكل في الخارج يسأل عما يجري داخل معرض الكتاب إلي هذه الساعة المتأخرة من الليل والتي امتدت حتي فجر اليوم التالي ، وفي الداخل كان الكل متهما ومحتجزا حتي تظهر حقيقة اختفاء البكوش ،بسؤال الجميع واستجواب المسئولين والحرس والجمهور عن أي معلومة تخص البكوش ، واستمر الحال حتي الثالثة فجرا .

كانت العلاقات الليبية المصرية سيئة في تلك الفترة ، وكانت لعبة اغتيال المعارضين السياسيين علي أشدها ، مما اضطر العديد منهم للهرب بأعجوبة إلي خارج ليبيا ، وطلب اللجوء السياسي إلي مصر وغيرها من الدول ، ومنهم البكوش بطبيعة الحال الذي جاء إلي مصر سنة 1977 فى عهد الرئيس أنور السادات، وأقام بها حتى سنة 2001، إلا أن تحسّنت العلاقات بين العقيد معمر القذافي والرئيس حسني مبارك ، مما اضطره إلى مغادرة مصر والإقامة فى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث توارى عن الإنظار وتوقف عن الكتابة في الصحف العربية الدولية التى كان يكتب فيها مثل: الحياة والشرق الأوسط.

أول محاولة اغتيال تعرض لها البكوش فى القاهرة سنة 1982 ولكن السلطات المصرية أحبطت المحاولة فى الحين، وألقت القبض على المتورطين فيها . وبعد سنوات قلائل من هذه المحاولة الفاشلة وكنوع من الحرب والخداع المخابراتي والإعلامي في تلك الفترة ، عرض التليفزيون المصري صورا للبكوش وهو مدرجا في دمائه ، مقتولا في بانيو الحمام الخاص بشقته ، ليؤكد هذه المرة نبأ اغتياله ، والذي لم تعلم عنه القيادة الليبية شيئا ! .

ويبدو ان اتقان حبكة الأغتيال الزائف للبكوش ، والرغبة في رد الاعتبار الليبي مع أحد أبرز المعارضين المطلوبين جعلت الإعلام الليبي يهلل فرحا بنجاح المخابرات الليبية في اختراق الأمن المصري والوصول إلي رأس البكوش في قلب القاهرة ، دون بذل أدني جهد للتحقق من صدق المعلومات التي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية .

في اليوم التالي خصص التليفزيون المصري حلقة مدة ساعتين ، تناولت خلفيات وملابسات ونجاحات الأمن المصري في التكتيك والمراوغة في قصة اغتيال البكوش المزيفة ، وعرض يومها وزير الداخلية المصري تفاصيل هذه المؤامرة كاملة في مؤتمر صحفي ، وكيف احبطت وكيف تم تضليل الأخوة في ليبيا ثم كشف زيف الخطاب الإعلامي الليبي ، عن طريق اجراء حوار مطول ومباشر مع عبدالحميد البكوش نفسه ، الذي ظهر عبر شاشات التلفزيون المصري سعيدا ساخرا من ان ينال منه النظام الليبي .

كل ذلك كان حاضرا في أذهان المحتجزين داخل قاعة مستطيلة بمعرض الكتاب في تلك الليلة الليلاء من شتاء شهر " طوبة " يناير ، وكنت واحدا من هؤلاء التعساء ، الذين لا ناقة لهم ولا جمل ولا ذنب اقترفوه غير حبهم للثقافة والكتب وأشياء أخري . فقد كنت بحكم وظيفتي أحد الصحفيين المسئولين عن تغطية أنشطة المعرض لمجلة القاهرة التي كانت تصدر عن الهيئة ورأس تحريرها علي التوالي : عبد الرحمن فهمي وابراهيم حماده وغالي شكري ، إلي ان تحولت لجريدة اسبوعية يرأس تحريرها الآن صلاح عيسي ، فضلا عن انني كنت أحد العاملين في المطبخ الإعلامي الرئيس للمعرض ، وكانت اسئلتي الصحفية وتحركاتي المهنية في تلك الليلة لاستجلاء الموقف مثار شك وريبة من الأمن .

حتي جاء الفرج في الثالثة فجرا بعد العثور علي البكوش في ضيافة أحد أقرباءه بضاحية مصر الجديدة القريبة من المعرض . فقد توجه البكوش إلي دورة المياه الملحقة بمكان الأمسية الشعرية ، ومنها تسلل مع قريب له في غفلة من كل المحيطين به ليقابل أحد أفراد أسرته الذي وصل سرا إلي مصر مساء تلك الليلة ، علي وعد من هذا القريب بعودته مرة أخري لأرض المعارض قبل انتهاء آخر فقرات المعرض ، لكن يبدو ان اللقاء قد طال وعند العودة ارتبك المرور وتعقدت الأحوال فعاد البكوش مرة أخري إلي منزل قريبه الذي أبلغ الأمن بصعوبة العودة، وكان علي الأمن ان يتأكد من المكالمة ومن المتحدث ، حتي يفرج عنا.
رحم الله عبد الحميد البكوش وكل المعارضين السياسيين ، الأحياء منهم والأموات ، من المحيط إلي الخليج .



#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفعل التواصلي
- جزيرة العقلاء
- يوتوبيا ما بعد الحداثة
- لا وعي اليوتوبيا الباطن
- اليوتوبيا ويوتوبيا الضد
- الانتماء - ما قبل - الوطني
- العولمة والهوية الثقافية
- اللعب في الثقافة
- الجسد بين الثقافة والإعلام
- دريدا وصديقه الياباني
- صداقة المفاهيم
- نظرات علي عالم اليوم
- شباب وأحزاب‏..‏ ولغة سرية وعولمة
- دعوة إلي كتاب الحوار المتمدن
- في الذكري الخمسين للعدوان الثلاثي علي مصر
- جدلية القمع والتخفي
- الارهاب يستعين بالمقدس... وقائع أوروبية


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عصام عبدالله - اختفاء البكوش