أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عصام عبدالله - موت الحداثة في مصر















المزيد.....

موت الحداثة في مصر


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1910 - 2007 / 5 / 9 - 11:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


فجأة ... ضرب سوق الغناء في مصر بموجة جديدة من المغنيين والغناء الشعبي «البيئة» ... وهي لفظة طبقية متداولة في مصر الآن ، ولا علاقة لها بالبيئة بمعني الطبيعة ، إلا من حيث التلوث والانحطاط فقط . سعد الصغير صاحب الأغنية المشكلة " بحبك يا حمار " و" الحنطور " وعماد بعرور الشهير بأغنية «العنب» وعبدالوهاب الأسمر الشهير بـ«هوبا» و«سكسكة» صاحب أغنية «كعبو.. كعبو» وبلة صاحب أغنية " لا أنت قلبي ولا أعرفه " ومريم جمال صاحبة أغنية «الديك والوزة» وممدوح الأصيل صاحب أغنية «أنا سعيد الهوا» ، وغيرهم .

وتعود الريادة لهذا اللون من الغناء ، الذي ترفضه النخبة من المثقفين والكتاب،‏ وترميه بالإسفاف والسوقية فضلا عن اعتباره الدليل الأمثل علي انحدار الأغنية والذوق العام في مصر‏، إلي المغني الأشهرالآن " شعبان عبدالرحيم " .‏

والواقع ان شعبان نفسه قد فوجئ‏ ، مثلما فوجئ هؤلاء ،‏ بهذه الضجة الاعلامية المثارة حولهم في الفترة الأخيرة ، فشعبان موجود علي الساحة منذ الثمانينات بشريطه الأشهر "أحمد حلمي أتجوز عايده‏" ،‏ فليس صحيحا انه نجم نجوم الغناء في مصر حتي ولو كره اسرائيل أكثر من كل المغنين‏، كما انه يصعب اتهامه بالسوقية والابتذال حتي ولو غني أنا نمت علي الرصيف ، أو تنافس مع سعد الصغير علي" حب الحمار " فهو كما يبدو من أحاديثه وشخصيته شديد البساطة والتلقائية ، يغني كلاما بسيطا ودارجا‏، حتي لو تأفف منه البعض، وهو يردد هذا الكلام كما يسمعه‏(‏ هراهوطة =‏ هلا هوطة) ، (‏ أميص بردان‏ =‏ امستردام‏) ، ولم يدعي شيئا أو يخجل من أي شيء ويفاخر بأنه مكوجي رجل‏ ، وأحيانا يهدد في أغانيه بانه اذا لم ينصلح حال المغني فسوف يتركه عائدا للمكواة .‏
هذه الصفات وغيرها‏ ، جعلته ماده للتندر والسخرية عند البعض‏ ، ولكنها زادت من شعبيته وقربته من كثيرين‏ ،‏ ورغم أنه لم يدرس الموسيقي‏ ، يستطيع أن يؤدي الموال علي طريقة عبده الاسكندراني‏ ، والأغنية العاطفية والسياسية بالدرجة نفسها‏.‏

ويقدم الحكمة والنصيحة (‏ حبطل السجاير‏,‏ كفاية شرب شيشة )‏ والفكاهة والسخرية (‏ خمسة انس في ستة بلنص‏ ،‏ بلية الدكش‏)‏ بنفس الكفاءة ، بل والنقد اللاذع للاعلانات والمغنين والممثلين وأسماء الأفلام والمسرحيات‏ ، كل ذلك في شريط واحد‏ .‏
علاوة علي ذلك فإن شعبان ورفاقه من المغنيين هم الأفضل في الأفراح الشعبية والبلدية ، والأكثر طلبا وحضورا وامتاعا ، ليس بسبب ايقاعاته المنغمة وجرسها العالي وشطراتها القصيرة (‏ علي واحده ونصف‏)‏ المحببة الي معظم الناس خاصة في الأفراح والمناسبات ، وإنما أيضا لانهم الأذكي في مغازله الناس بترديد الأسماء المتداوله والشهيره بينهم‏ .‏بدءا من زينهم ودهشان واللول والباشا والمعلم والكبير ومرورا ب أم سعيد و أبو مينا وخالتي أم سيد والحاجة وحتي فوزي وشوقي وجمال وجرجس ، هذا الي جانب أسماء الأحياء الشعبية والمدن المراكز والمحافظات‏.‏
هذا اللون من الغناء‏ ، علي تعدده وتنوعه‏ يختلف عن الغناء الشعبي الراقي المعروف‏ ، النابع من أعماق الريف المصري ومن أرباب الحرف والمهن التقليدية ومن الأحياء الشعبية التقليدية :‏ علي الأصل دور لمحمد طه‏ ، عدوية لمحمد رشدي‏ ، بهية لمحمد العزبي‏ ، خوخة شفيق جلال‏ ، أو حتي أم حسن وبنت السلطان لأحمد عدوية ، وإنما هو لون يعبر عن شرائح مختلفة داخل المجتمع المصري‏ ، تمتد من الأحياء شبه الراقية والمدن الجديدة حتي الأحياء الشعبية والعشوائيات‏ ، وهي لاتضم المهمشين أو العاطلين فقط‏ (‏ في القاهرة وحدها 300 ألف بائع متجول نصفهم خريج جامعة )‏ وإنما أيضا بعض رجال الأعمال والتجار والحرفيين وسائقي الميكروباص وطلبة الجامعات وغيرهم.‏‏
هولاء جميعا علي تباينهم واختلافهم تجمعهم ثقافة أخري اليوم وذائقه فنية مختلفة ، أزعم اننا نجهلها إلي حد كبير‏ ، وبالتالي فإن الحكم علي هذه الثقافة وتلك الذائقة من خلال نموذج ثقافي معين خطا كبير ، كما ان اتهامها بالإسفاف والسوقية (‏ وخلاص‏)‏ حتي نريح رؤوسنا لن يجيب علي علامات الاستفهام الكبيرة التي ستظل فارغة فاها‏.‏

والسؤال من وجهة نظري هو‏:‏ لماذا هذه الثقافة الأخري التي تشكلت في الثلث الأخير من القرن العشرين‏ ،‏ وبالتحديد من‏1967‏ وحتي ‏1982 ، هي محط ازدراء واحتقار من المثقفين والأكاديميين بينما هناك شغف دائم بالثقافات الأجنبية (‏ الغربية)‏ الرفيع منها والهابط علي السواء بل والمتوسط في كثير من الأحيان ؟
ثم ... لماذا يبرز هذا النوع من الثقافة إلي السطح في مراحل التحول‏ (‏ أو الاضطراب‏ )‏ الاقتصادي السياسي بحيث تبدو كموجة جلبتها الحاله الاقتصادية السياسية للبلاد ؟

ماهو سر تركيز الاعلام خاصة الفضائيات في الفترة الاخيرة علي بعض رموز هذه الثقافة حتي ولو من باب السخرية منها‏ ، هل هو توجه عام أم من باب مجبر أخاك في عصر السماوات المفتوحة وتكنولوجيا الاتصالات (‏ والسي‏.‏ دي‏)‏؟
لقد صدر في هذا السياق كتابان مترجمان‏ ،ومرا مرور الكرام‏,‏ الأول صدر عن مركز الأهرام للترجمة وهو بعنوان الدرب الاخر ل فرناندو دوسوتو ترجمة شوقي جلال عام 1998 ، والثاني بعنوان الثقافة الجماهيرية والحداثة في مصر‏ ، لوولتر أرمبرست ترجمة محمد الشرقاوي وصدر عن المشروع القومي للترجمة بالمجلس الأعلي للثقافة عام‏2000 .
الكتاب الأول "الدرب الآخر" من أوائل الدراسات المتعمقة والعميقة في دراسة تلك الشرائح الإجتماعية من مختلف الجوانب والزوايا‏ . وعلي الرغم من انه لم يتناولها في مصر تحديدا وإنما في البيرو ، فإنك تشعر منذ الصفحات الأولي أنه يتحدث عن إناس تعرفهم في إمبابة وشبرا الخيمة ومدينة السلام ومدينة نصر وغيرها‏ ، مما يؤكد وجود الكثير من التشابهات‏ ، بين دول العالم الثالث أو دول الجنوب إذا شئت‏ ، وهم يمثلون في رأي المؤلف الطريق الثالث‏ ، ربما علي منوال ماطرحه‏ (‏ كلينتون- بلير‏)‏ وهو مايدعونا إلي أن نأخذ هذه الشرائح الإجتماعية وثقافتها الأخري مأخذ الجد .
أما الكتاب الثاني فهو يتوجه أساسا للقارئ الأمريكي ويعطي صورة نمطية عن الثقافة الجماهيرية فضلا عن الحداثة في مصر‏ ، وهو يذكرنا بتلك النوعية من الكتابات التي بدأها اللورد كرومر عام‏1908‏ في كتابه الشهير مصر الحديثة ، والفرق بين المعتمد البريطاني في أوائل القرن العشرين والباحث الأمريكي في نهاية القرن‏ ، هو أنه بينما زعم الأول أن الإسلام إذا لم يكن ميتا فإنه في طور الاحتضار‏ ، وانه لابديل عن التحديث‏ (‏ الغربي‏)‏ الكامل بدون الإسلام‏ ، فإن الثاني ينعي خبر موت الحداثة في مصر‏ ، حيث أن الجماهير ازدادت تخلفا وتدينا ولاتستطيع فهم الحداثة لأنها لم تزل في مرحلة العصور الوسطي ، والمفارقة في رأيه ان خطاب الحداثة ، (‏ بمعني قطع كل الصلات بالماضي والاعتماد علي العقل والتفكير النقدي )‏ في كتابات المثقفين المستنيرين يدور حول الثقافة بالمفهوم الغربي بينما بقي الجمهور الواسع العريض الذي يجب ان (‏ تحدثه‏)‏ تلك المجهودات غير مستجيب وخاملا‏ ، ووقع فريسة للثقافة التقليدية بشقيها الديني والشعبي ، ولان الجماهير لم تتحدث بعد وتشعر بالإهمال علي يد المؤسسة الرسمية والحكومات المتعاقبة ، فهي تلجأ إما للتدين الزائف ، أو تردد كلمات الأغاني الهابطة التي يستنكرها نمط الذين يسيطرون علي تلك المؤسسات‏ .



#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اختفاء البكوش
- الفعل التواصلي
- جزيرة العقلاء
- يوتوبيا ما بعد الحداثة
- لا وعي اليوتوبيا الباطن
- اليوتوبيا ويوتوبيا الضد
- الانتماء - ما قبل - الوطني
- العولمة والهوية الثقافية
- اللعب في الثقافة
- الجسد بين الثقافة والإعلام
- دريدا وصديقه الياباني
- صداقة المفاهيم
- نظرات علي عالم اليوم
- شباب وأحزاب‏..‏ ولغة سرية وعولمة
- دعوة إلي كتاب الحوار المتمدن
- في الذكري الخمسين للعدوان الثلاثي علي مصر
- جدلية القمع والتخفي
- الارهاب يستعين بالمقدس... وقائع أوروبية


المزيد.....




- -لكلماته علاقة بأيام الأسبوع-.. زاخاروفا تعلق على تصريحات ما ...
- سيارة وجمال.. هدايا مقدمة لسعودي أنقذ مواطنيه من سيل جارف (ف ...
- -المسيرة-: 5 غارات تستهدف مطار الحديدة الدولي غرب اليمن
- وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية
- وثيقة سرية تكشف عن أن قوات الأمن الإيرانية تحرشت جنسيا بفتاة ...
- تقارير مصرية تتحدث عن تقدم بمفاوضات الهدنة في غزة و-صفقة وشي ...
- الكرملين يعلق على الضربة المحتملة ضد جسر القرم
- مشاهد جديدة من موقع انهيار طريق سريع في الصين أدى إلى مقتل ا ...
- سموتريتش يشيد بترامب في رفض حل الدولتين
- -وفا-: إسرائيل تحتجز 500 جثمان فلسطيني بينهم 58 منذ مطلع الع ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عصام عبدالله - موت الحداثة في مصر