أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - فارس كمال نظمي - الطفل العراقي .. ورأسمالية الحروب .. وسيكولوجية الثورة















المزيد.....

الطفل العراقي .. ورأسمالية الحروب .. وسيكولوجية الثورة


فارس كمال نظمي
(Faris Kamal Nadhmi)


الحوار المتمدن-العدد: 1933 - 2007 / 6 / 1 - 12:04
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


أمتعني شاعر المعاني الخفية "رابندرانت طاغور" بحديثه الشفاف عن طفله:
(( كم أتمنى أن أحتل مكاناً هادئاً في قلب طفلي.
إني أعلم أن لقلبه نجوماً تناجيه، وإن له سماءاً تطاطيء رأسها له وتمتـّعه بسحبها القاتمة وأقواس قزحها.
كم أتمنى أن أقطع الطريق الذي يعبر عقل الأطفال لأسبر غوره وأعرف مداه. ذلك الطريق الذي لا معالم له ولا حدود )).

وتعاطفتُ مع فيلسوف الطبيعة "جان جاك روسو" في نظرته التربوية العميقة:
((أنا لا يعنيني أن يكون مصير تلميذي الانضمام الى الجيش أو الكنيسة أو الاشتغال بالقانون. فالطبيعة تـندبه قبل كل شيء للحياة الانسانية. والحياة هي المهنة التي أريد أن ألقنه اياها. وحين يتخرج من يدي، لن يكون جندياً أو قسيساً أو قاضياً، بل يكون إنساناً قبل كل شيء، بكل ما ينبغي أن يكون عليه الانسان!)).

وأدهشتني صوفية "جبران خليل جبران" في مخاطبته للآباء والامهات:
(( أولادكم ليسوا بأبنائكم
أولادكم أبناء وبنات تلهف الحياة لنفسها
ولقد أتوا من خلالكم ولكن ليس منكم
ربما تمنحونهم محبتكم، ولكن ليس أفكاركم
لأن أفكارهم مُلك لهم )).

وتأملتُ ممتناً لوائح حقوق الطفل الصادرة في القرن العشرين، ابتداءاً من ((اعلان حقوق الطفل)) في العام 1923، ثم ((اعلان جنيف)) الذي تبلور عنه في العام 1924، ومروراً بـ((الاعلان العالمي لحقوق الطفل)) الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1959، ثم اعلان العام 1979 سنة دولية للطفل، ووصولاً الى العام 1989 الذي صدرت فيه ((اتفاقية حقوق الطفل)) والتي تضمنت المادة (19) منها حماية الطفل من كل أشكال العنف والايذاء البدني والنفسي والاستغلال الجنسي وغيره، ووجوب اتخاذ الدولة الاجراءات الكفيلة بمنع ذلك، بما فيها تدخل القضاء.
فإلى أي حد كانت البشرية مخلصة لتعاليم فلاسفتها الاجتماعيين المتنورين، وللوائح القانونية التي وقعت عليها معظم دول العالم؟
يعيش في الهند وحدها اليوم ما يقارب (11) مليون طفل في الشوارع، وإن هناك (200) ألف طفل مشرد في البرازيل، فيما يعيش (600) ألف طفل في شوارع موسكو دون مأوى. وهناك ما يقرب من (50) مليون شخص من المرحّلين حول العالم بسبب الحروب، نصفهم من الأطفال. ويقدر أن ما يزيد على مليوني طفل قد لقوا حتفهم في المنازعات التي نشبت في العقد الماضي، وإن (6) ملايين آخرين أصيبوا بجروح. ويعيش أطفال في (87) بلداً بين (60) مليون لغم أرضي. ويعمل اكثر من (300) الف طفل في الوقت الحاضر جنوداً حول العالم، ويقل عمر كثيرين منهم عن عشر سنوات. وتسبب مرض "الإيدز" في مقتل اكثر من (3.8) مليون طفل، وأصبح (13) مليوناً آخرين أيتاماً بسببه. وهناك ما يقدر بـ(1.2) مليار شخص على نطاق العالم يعيشون بأقل من دولار واحد يومياً، نصفهم من الأطفال. ويموت (10) ملايين طفل دون الخامسة سنوياً، معظمهم من سوء التغذية ومن أمراض يمكن الوقاية منها.
وفي مراجعة لإحصائيات ترصد أحوال "الطفل العراقي"، نشرتها هيئات ومنظمات ومراكز أبحاث عراقية ودولية، علماً إن الأطفال والمراهقين دون سن (18) سنة يشكلون نسبة (40 -50)% من مجموع سكان العراق، بمعنى إن هذه الاحصائيات تشمل حوالي (12 -13) مليون طفل ومراهق في العراق، وجدتُ الآتي:
• إن طفلاً واحداً من بين كل ثمانية أطفال في العراق يولد بعجز خطير، وإنه قد يموت قبل سن الخامسة، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم. وإن ربع أطفال العراق يعانون من أمراض سوء التغذية
• إن (56%) من المصابين بأمراض السرطان في العراق هم من الأطفال تحت سن الخامسة بالمقارنة مع نسبة (13 %) قبل (15) سنة. وهذه الاصابات هي واحدة من نتائج استخدام الجيش الأمريكي لـ (300) طن من اليورانيوم المنضب في حرب الخليج الأولى 1991 وما يزيد على الإلف طن من اليورانيوم خلال الأيام الثلاثة الاولي من الهجوم على العراق في العام 2003 .
• سجلت في حزيران 2003 أي بعد شهرين من احتلال العراق أكثر من (2000) حالة تيفوئيد، وارتفاع معدلات الإصابة بالإسهال والكوليرا والدزنتريا والتيفوئيد بمعدل (2.5) مرة عما كانت عليه في الوقت نفسه من العام 2002. كما انتشرت أمراض معدية أخرى، كالسل والتهابات الكبد الوبائي والسحايا الدماغية وذات الرئة والحمى السوداء والملاريا والسرطان والسكري والتشوهات الولادية والعلل العصبية والعضلية الوخيمة.
• عشية الحرب الأخيرة في العام 2003م، قدّرت احصائيات وجود (5) ملايين و (300) ألف طفلاً يتيماً، وقرابة (900) ألف من ذوي الإحتياجات الخاصة، من المعاقين جسدياً وعقلياً، وأكثر من مليون ونصف المليون أرملة، عدا مئات الآلاف من المطلقات. وكانت أغلب تلك النساء يقمن بإعالة أطفالهن، الذين شكلوا نحو (7) ملايين طفلاً، وجميع هؤلاء يعيشون بمستوي مادي متردي جداً. ولم تتوفر لتلك الأسر موارد مالية منتظمة، ولا برامج محددة وثابتة لإعانتها. وإن أعداد هؤلاء الأيتام هي في تزايد يومي نتيجة أعمال الاغتيالات والتفجيرات.
• ضاعفت الحرب الأخيرة في العام 2003من مستويات المعضلة النفسية والعقلية، التي كانت سائدة سلفاً في العراق عشية الحرب، مسببة إزدياد أعداد الأطفال العراقيين الذين يعانون من حالات الصدمة، والخوف، والقلق، والإكتئاب، والضغط النفسي، والكوابيس، والتبول اللاإرادي، والتي يمكن أن تنعكس على شخصيات الأطفال وتدوم لفترات طويلة، ومن نتائجها جنوح الأطفال،والسلوكية العدوانية، والعنف، وإنتشار الجرائم.
• إن من بين (1000) طفل عراقي تم دراستهم، وجد ان (89%) منهم لا يحملون في أذهانهم سوى مصطلحات مثل: السلاح، والرصاص، والمتفجرات، وأن (92%) يواجهون معوقات في التعليم بسبب الأجواء السائدة من الخوف وعدم الأمان، وأن الخوف من الاختطاف كان السبب الرئيسي للتعثر في تعليم ما نسبته (64 (%. وطبقاً لهذه الدراسة، فإن (50 %) من الأطفال العراقيين وصلوا إلى حالة حرجة من الخوف قد تسفر عن (تأخر عقلي) في حالة عدم علاجهم. كما إن هناك (9) أطفال تعرضوا للخطف من بين كل (50) طفلاً في العراق، وإن (18%) يعانون الشلل المؤقت والحركات اللاارادية والصمم المؤقت والهستريا وأمراض نفسية وبدنية أخرى.
• وفي احصائية صادرة من وزارة المهاجرين والمهجرين في بغداد نشرت قبل ايام، يوجد اليوم (43) ألف عائلة عراقية مهجرة داخل بغداد وحدها. وبحساب بسيط نستطيع الاستنتاج بأن هناك ما لا يقل عن (100) الف طفل مهجر اليوم في عاصمة العراق يعانون من مشاعر الفزع والضياع والصدمة النفسية!
• إن نصف الأطفال الذين هم بعمر التسجيل في المدارس العراقية لا يداومون الآن، وتزداد النسبة في حالة الإناث منهم، إذ باتت أيام الغياب من المدارس تزيد على أيام الدوام والتعليم، وزاد الأمر سوءاً غياب المدرسين ومغادرتهم العراق حرصاً على سلامتهم. ويقدر وجود مليون طفل متسرب من المدارس في العراق، ونفس العدد من الأطفال المعاقين والنازحين، و (80 %) من المدارس في العراق بناياتها غير لائقة تماماً لممارسة العملية التربوية، كما إن (50 %) من المدارس
تعاني من شحة المياه الصالحة للشرب ولا تتوفر فيها الخدمات الأساسية الضرورية.

وفي مقابل كل ذلك، بلغ حجم الانفاق العسكري العالمي (1) ترليون و(400) مليار دولار في العام 2004، وهو مبلغ باستطاعته ان يطعم ويحمي بيئة ملايين الفقراء في العالم؛ فيما بلغت تكاليف الحرب الأمريكية في العراق أكثر من (430) مليار دولار حتى يوم 30/5/2007 طبقاً لموقع "كلفة الحرب" http://www.costofwar.com ، بمعدل تصاعدي مقداره (200) ألف دولار في الدقيقة، أي بمعدل (288) مليون دولار في اليوم الواحد. وهذه الكلفة الكلية للحرب تفوق المبلغ المخصص للرعاية الصحية للأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بـ (1670) ضعفاً؛ فيما بلغ مبلغ التعويض عن حياة الطفل العراقي الذي تقتله القوات الأمريكية (500) دولار فقط!
وإذا علمنا أن كلفة بناء مدرسة تتألف من (24) صفاً دراسياً تتسع لحوالي (500) تلميذاً هي (460) ألف دولار حسب الصندوق العراقي للإغاثة، وإن كلفة تعليم الطفل الواحد في الشرق الأوسط تبلغ (139) دولار سنوياً، وإن توفير السعرات الحرارية لـ(800) مليون انسان في العالم يعانون من سوء التغذية يتطلب (3) مليار دولار سنوياً، فنستنتج إن مجموع ما أنفقته الآلة الرأسمالية العسكرية لأدامة مشروعها العولمي في العراق ولتشغيل آلاف الشركات الأمريكية المقتاتة على دماء العراقيين، كان يمكن أن يستثمر لبناء حوالي مليون مدرسة في العراق، ولتمويل التعليم لـ(12) مليون تلميذ عراقي لمدة (64) عاماً قادمة، ولإشباع جياع العالم لمدة (143) عاماً قادمة إذا افترضنا عدم زيادة أعدادهم مستقبلاً!

* * *


قادتني كل هذه المعطيات الرقمية الى إجراء مقارنة ذهنية سريعة بين ما أختزنه في ذاكرتي من تصورات عما ينبغي أن يكون عليه عالم الطفولة، وبين ما هو كائن فعلاً في أرض الواقع البشري، فوجدتني أمام استنتاج محدد: ((إن عالم الكبار يعيد انتاج رذائله على الدوام، والأطفال حتماً هم الوارثون لها لأنهم كبار الغد !))
فأمام ركام هذا التدمير السادي الذي لحق بحقوق الطفولة العالمية من جراء الانفاق الهذياني لرأسمالية الحروب، يقف الطفل العراقي عابثاُ بقنبلة غير منفلقة، أو منقباً في الأزبال عن بقايا طعام، أو متسولاً في شوارع نخرتها السيارات الملغمة، أو في أحسن الأحوال يلهو ببندقية ألعاب يقتل بها أعداءاً افتراضيين! هكذا أفرغت قيمة الطفولة من مضامينها الارتقائية الكامنة، وتحولت الى هيكل بدني خاوي إلا من آلام نفسية ونزعات عنفية باحثة عن التفريغ.
وليس لي هنا إلا أن أعيد إلى الأذهان عمق التحليل المادي التأريخي لجدلية التطور الاجتماعي. فالرأسمالية المتوحشة المعاصرة تقتات في أرباحها وترفها الاسطوري على افتعال الحروب والأزمات والكوارث وإدامتها بكل ما تنطوي عليه هذه الادامة اللاعقلانية من تدمير لحقوق الإنسان الأساسية وهتك لكرامته ومسخ لصحته النفسية؛ إلا إنها من جانب آخر، توظف أقصى حدود تفكيرها "العقلاني" لإدامة وتطوير الأنساق التركيبية لبنيتها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية. إنها تصنع الشر بأدوات خيّرة، ثم تعود لتصنع الخير بأدوات شريرة!
لكن عظمة هذه الجدلية وأفقها التأريخي الواعد والمنفتح على آفاق تغيير العالم وإصلاحه على الدوام، لا تصمد للحظة أخلاقية واحدة أمام راهنية عذابات الطفولة العراقية، وأمام ازدحام الألم البشري واحتقانه في ملامح طفل عراقي صار متشبعاً بفكرة أن هدير الطائرات وعصف المتفجرات ورسائل التهديد والتهجير وتبعثر الأشلاء البشرية في الشوارع، إنما تشكل جميعاً الصورة الوحيدة الآنية لهذا العالم الذي وجد نفسه فيه!

ولكن ماذا عن الشخصية المستقبلية لهذا الطفل؟ وماذا عن ادراكاته المتوقعة للعالم لاحقاً؟!

إن النزعة الأنانية للرأسمالية العولمية في احتكار الثروات ورؤوس الأموال وتكديسها وتوظيفها بأكثر الوسائل عدمية ووحشية ضمن آلية شمولية غامضة الحدود والغايات، لا تولد في الضفة الأخرى إلا مزيداً من الألم النفسي المحتقن في مشاعر ملايين البشر المساقين من أزمة الى أزمة، ومن عنف الى عنف، ومن حرمان الى حرمان.
وفي مقابل ذلك، إذا كانت النزعة الثورية الجمعية لإصلاح هذا الخلل البنيوي في الحضارة البشرية، قد تراجعت في الوقت الحاضر إلى حدود الشك والعجز وارتباك البصيرة نتيجة نجاح الجهود العبقرية التي بذلتها الرأسمالية لاقتحام المسافة السببية المنطقية في النفس البشرية بين عنصري "الشعور بالحرمان" و "سلوك الاحتجاج والثورة"، وإغراقها لهذه المسافة بعوامل الخوف واليأس وضمور الوعي الاجتماعي؛ فإن مفهوم "الثورة" بوصفها سلوكاً سيكولوجياً باحثاُ عن التوازن له مساراته على الصعد الفردية والجمعية والاجتماعية، وله تفاعلاته الموقفية الجدلية مع عناصر المكان والزمان، من المرجح أن يتخذ مسارات مستقبلية أكثر تعقيداً وتشابكاً من الناحيتين النظرية والعملية، وسيجد له تموضعات وتمظهرات أكثر جدة ً وعمقاً من الناحيتين المعرفية والانفعالية. ولعل جيل الأطفال المقهورين في العراق الحالي لن يكون خارج هذا الاطار، إذ تشير الملاحظات اليومية الملموسة إلى احتمالية توافر (4) عناصر من بين عناصر أخرى في عقلية الطفل العراقي، يجب الانتباه لتطور مساراتها لاحقاً:
1- ارتبطت كل من فاشية النظام السابق، والاحتلال الأمريكي، والدين السياسي، في وعيه بالرعب والحرمان وافتقاد الأمان وفقدان الأحبة.
2- تنامى شعوره ووعيه بالهوية الوطنية العراقية على نحو ملفت للنظر بالمقارنة مع الأجيال السابقة، ما دامت هذه الهوية تشكل حلاً دفاعياُ يمنحه متعة الانتماء لرمز يزوده بقيمة تجريدية عالية للذات بمواجهة التهشيم اليومي لكل مظاهر الحياة السوية حوله.
3- ترسّبَ عفوياً في "لاشعوره" أن ثمة مسافة شاسعة تصل حد الهوة بين أسرته ومجتمعه المحلي من جهة، وبين الدولة من جهة أخرى، والتي تلاشت الى حد كبير واضمحلت أدواتها المؤثرة في ادراك الناس، باستثناء مظاهرها المسلحة الرثة المتداخلة بغموض مع نشاط الجماعات المسلحة المنفلتة والمخترقة لأجهزة الدولة نفسها. وأدى ذلك، بمنظور علم النفس الادراكي الاجتماعي، الى نشوء صورة نمطية في العقل الباطن للطفل العراقي مفادها إن لا مقدسات تحمي أي حكومة من احتمالات التغيير وإنْ كان بالقوة والفوضى. وهذه واحدة من أهم عناصر التفكير الثوري بصرف النظر عن المنظومة القيمية التي تقف خلفه.
4- تراكمت في أعماقه نزعات توترية عنفية باحثة عن التفريغ، بفعل الإحباط الحاد الذي تعرضت له حاجاته الطبيعية للأمان والانتماء، مما قد يدفعه للتعبير عن هذه الانفعالات المكبوتة في مراحل لاحقة من حياته بأساليب بنّاءة أو هدامة حسب مقتضيات وخصائص الموقف الاجتماعي الذي ستتسم به تلك المراحل.

إن التمعن بنتائج الامتزاج الدينامي المحتمل لهذه العناصر الأربعة (المعرفية – الانفعالية) في شخصية الطفل العراقي الحالي، يقود الى سؤال احتمالي لا يخلو من الأمل :
((هل يصبح جيلُ الأطفال العراقيين المقهورين الحالي، جيلَ العراقيين الثوريين غداً، الباحثين عن تغييرات عدالوية الطابع مستمدة من نبذ كل ما هو احتكاري وغيبي في معالجة الأزمات الواقعية المتأصلة في وجودهم الاجتماعي؟!))، مع التوكيد إن مفهوم "الثورية" هنا له دلالاته السياسية والنفسية القابلة للتطور والانفتاح على مديات جديدة بتجدد التأريخ وتراكم خبرات البشر وتعقد أصناف القيود التي تحد من تفتحهم الحر؛ وهو بذلك مفهوم شامل يستوعب حتى "الاصلاح الجذري" ذي الطابع السلمي.
إن البنية الحضارية العقلانية للمجتمع العراقي، وقاعدة الظلم الاجتماعي الواسعة فيه، توفران كل الامكانيات الموضوعية لنمو الاتجاهات الفكرية المؤمنة بمشتركية الحقوق والثروات والمصير. وإذا كانت التيارات اليسارية العراقية التقليدية قد دخلت في غيبوبة الاحتضار لأسباب لا مجال لبحثها الآن، فإن الدفاع المستميت الذي تبديه الشخصية العراقية في الوقت الحاضر عن خصائص الاعتدال والتسامح والتنوير فيها، ضد ظلامية التحالف الهش بين الرأسمالية العسكريتارية العابرة للقارات والدولة الثيوقراطية المحلية، يفضي الى ضرورة التمسك بالسؤال الاحتمالي السابق، وجعله إطاراً نظرياً هادياً لفلسفة الممارسة لدى التيارات اليسارية العراقية القادمة.
تدلنا التجارب البشرية الحية ونتائج الدراسات الاجتماعية الموثقة، إن العذابات الانفعالية ذات الأساس اللاعقلاني في حياة الفرد والجماعة، يمكن أن تولد سمواً أخلاقياً ذا تعبيرات وسلوكيات عقلانية لديهم في ظروف معينة. فالتأريخ البشري لم تصنعه النوايا الحسنة المباشرة وحدها، كما لم يصنعه التشاؤم وحده. وكل ما كان يبدو مستحيلاً في عصر ما، أصبح بديهياً في عصور أخرى لاحقة.
وهذا ما يجدر انتظاره بتفاؤل من الطفل العراقي!



#فارس_كمال_نظمي (هاشتاغ)       Faris_Kamal_Nadhmi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنماط الشخصية العراقية الحالية وآفاق الوحدة المجتمعية
- شارع المتنبي في الذاكرة العراقية الجمعية
- كيف ينظر المثقف العراقي للولايات المتحدة الأمريكية؟ - تقصي م ...
- وداعاً -عبدالله مهدي الخطيب- آخر فلاسفة الشيوعية في العراق
- قلق الموت لدى الأستاذ الجامعي العراقي – دراسة ميدانية
- مفهوم العدالة في الفكر الاجتماعي (من حمورابي الى ماركس) 3 - ...
- مفهوم العدالة في الفكر الاجتماعي (من حمورابي الى ماركس) 2 - ...
- (مفهوم العدالة في الفكر الاجتماعي (من حمورابي الى ماركس)(1 – ...
- عقدة (الطابور) في الشخصية العراقية
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية(دراسة ميداني ...
- هل كان (مؤيد نعمة) معالجاً نفسياً؟
- الهوية الاجتماعية العراقية...إلى أين؟
- يحملون الجنسية العراقية ويسكنون في العراء وتحت الجسور
- سيكولوجية (الحصة التموينية) لدى فقراء العراق
- الثقافة الدستورية لدى سكان مدينة بغداد – دراسة ميدانية
- اللغة البشرية بين فطرية جومسكي وبنيوية بياجيه
- الـدمـاغ والـعـقـل:جدلية متجددة
- سيكولوجية الحب الرومانسي لدى المرأة
- الاضــطرابـات الـنـفـســية الناجمة عن استخدام الحاسوب والانت ...
- الثقافة العلمية والصحة النفسية للمجتمع


المزيد.....




- رئيس لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان يندد بالإبادة الجماعي ...
- البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل لترحيل طالبي اللجو ...
- -طعنها بآلة حادة-.. داخلية السعودية تعلن إعدام الرويلي بعد إ ...
- انتشال 19 جثة لمهاجرين غرقى بسواحل صفاقس التونسية
- غارتان إسرائيليتان تستهدفان خيام النازحين في حي زعرب برفح
- جندته عميلة أوكرانية.. اعتقال المشتبه به الثالث في محاولة اغ ...
- الحكومة اليمنية تطالب الأمم المتحدة بإعادة النظر في التعامل ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى إجراء تحقيق دولي بشأن المقابر الجماعي ...
- مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: نحاول إعادة تشغيل مستشفى الأ ...
- الأمم المتحدة: توزيع مساعدات على نحو 14 ألف نازح حديث في الي ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - فارس كمال نظمي - الطفل العراقي .. ورأسمالية الحروب .. وسيكولوجية الثورة