أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فارس كمال نظمي - شارع المتنبي في الذاكرة العراقية الجمعية















المزيد.....

شارع المتنبي في الذاكرة العراقية الجمعية


فارس كمال نظمي
(Faris Kamal Nadhmi)


الحوار المتمدن-العدد: 1869 - 2007 / 3 / 29 - 11:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عبر تأريخ كل المدن الشرقية الغافية على ضفاف الظلم وانتظار المعجزات، تزدهر شوارع كبرى بعينها، في حقب سياسية/ اجتماعية/ ثقافية بعينها، كالشرايين المغذية للقلب، لتغدو متحفاً شاسعاً يؤرخ لتلاقح التأريخ بالمكان، أو يؤرشف لتماهي الانسان بالعمارة المفكرة!
وإذا كانت شوارع "السعدون" و"الرشيد" و"ابي نؤاس" و"غازي" (الكفاح) وغيرها من تلك التي تزامن ازدهارها مع اشتداد عود الدولة العراقية العلمانية الحديثة (بصرف النظر عن نظم الحكم المختلفة التي تعاقبت عليها)، قد أمست من أهم معالم الهوية البغدادية اليومية لأجيال متلاحقة من العراقيين الذين امتصتهم هذه الشوارع، ثم تمثـّلتهم على هيأة انتفاضات وايديولوجيات وفنون، وكذلك مشروعات عمر وصداقات حميمة ونزهات أليفة لا تـُنسى لدى النخبة والعوام على حد سواء؛ فإن "شارع المتنبي" النابض في قلب بغداد القديمة، يعد تجريداً وتجسيداً في آن معاً، لقدرة المكان المسالم المتحضر على صيانة الهوية الثقافية العقلانية لمدينة تقاطر على حكمها كل أنواع الطغاة والسايكوباثيين والميثولوجيين!

ثقافة دينية أم نشاط فكري ديني؟
قبل الخوض في موضوعة الوظيفة الارتقائية التي اضطلع بها شارع المتنبي، لا بد أولاً من محاورة اولئك الذين ينظـّرون اليوم لبزوغ ما يسمونه بثقافة عراقية دينية الطابع، وقولهم بعدم جواز اختزال الثقافة العراقية الى بُعد علماني واحد منفرد. لا اعتراض أو انكار لوجود هذا "النشاط الفكري الديني" سواء لدى المؤسسات الفقهية أو لدى جمهورها المسحور بها، إلا إن محاولتهم لتوصيف الثقافة العراقية بطابع ديني أو مذهبي معين لا يعدو كونه "تفكيراً رغبياً" Wishful Thinking ذا طابع ايديولوجي متعصب. فكل مجتمع بشري لا بد أن تتوزعه ثقافات متنوعة في أنماطها الفلسفية والجمالية، تبعاً لتنوع فئاته الاجتماعية وعياً وأهدافاً. وهذه الثقافات إذا ما افتقدت العنصرين: "الجمالي" و"الفلسفي"، وظلت مقتصرة على العنصر الايديولوجي الجامد بوصفه المرجع المطلق (دنيوياً أودينياً) لصياغة نتاجاتها العقلية، أمست تياراً عقائدياً فحسب، ولا يجوز اقحامها تحت مظلة الثقافة. وبمعنى أدق، إن مفهوم "الثقافة" يرتبط بالتغير والتفلسف والتمثل الجمالي للوجود، فيما ترتبط الايديولوجيا (الدنيوية والدينية) بالمسلـّمات والمطلقيات واليقينيات المسبقة. وكلما ازدادت البنية الايديولوجية مرونة وقدرة على التسامح الفكري، كلما اقتربت من كونها ثقافة حية وابتعدت عن كونها اسطورة ميتة. وبالعكس، كلما ازدادت البنية الثقافية تيبساً وابتعاداً عن التفلسف وتذوق الجمال، كلما اقتربت من كونها تياراً عقائدياً محدوداً، وابتعدت عن كونها حاضنة لتجليات العقل الحر. إلا إن التفاعل بين الثقافة والايديولوجيا في الوقت ذاته أمر حتمي لا مفر منه، إغناءاً أو إفقاراً لأحدهما أو كليهما.
وهكذا، فإن مفهوم"الهوية الثقافية" التي تطبع مجتمعاً معيناً، يستمد عناصره وآلياته وقوانينه من البناء السيكولوجي والمزاج الحضاري للشخصية الاجتماعية الأكثر شيوعاً في ذلك المجتمع، فيما تظل الايديولوجيات المنتشرة في ذلك المجتمع تستمد بنيتها الفكرية من الجماعات الاجتماعية الفرعية، المقيدة بمصالحها الاقتصادية أو بمعاييرها الأخلاقوية، ولا يمكن لأي من هذه الايديولوجيات (ومنها الدينية)،ومهما بلغت مديات تأثيرها، أن تشكل طابعاً ثقافياً عمومياً يسم المجتمع بأكمله، سوى في المجتمعات البدائية ذات البنية العشائرية الضيقة، والتي تختزل فيها الثقافة أصلاً الى طقوس ميثولوجية المنشأ.
فكيف هو الحال مع مجتمع متحضر لا يريد أن ينهزم، تعوّد أغلب مواطنيه منذ أربعة سنوات أن يتنفسوا الشعر والموسيقى إلى جانب الرعب والفواجع، على موائد الجوع، وسط ليال مقفرة يضيئها دخان الفوانيس الشاحبة وانفلاق قذائف المورتر المنطلقة من عصور ما قبل الحضارة؟!!

ما معنى شارع المتنبي؟!
يقودنا التحليل السابق إلى حقيقة أن الثقافة العراقية اليوم، بوصفها نتاجاً غير مباشر للشخصية العراقية المعاصرة، هي في توجهها الاجمالي العام "يسارية" بطابعها الأخلاقي العدالوي؛ وهي "منفتحة" بخصائصها التسامحية الأممية على كل الثقافات العالمية الأخرى وبنزوعها المتشهي للجمال والتجديد؛ وهي "علمانية" بنفورها المعلن من أي احتكار دنيوي أو لاهوتي للحقيقة.
وقد أفلح شارع المتنبي بسنواته السبعين في التمترس الباهر خلف هذه المنظومة القيمية المتجانسة. فلا نكشف سراً إذا ما حددنا بوضوح أن القمع الدموي الموجه نحو العنصرين البشري والمادي لهذا الشارع، ابتداءاً من الأجهزة الأمنية الفاشستية السابقة، وامتداداً إلى الجماعات العصابية المنفلتة اليوم، هو في محصلته الموضوعية جزء أساسي من العنف الهادف إلى تقويض قيم "العدالة" و"الانفتاح" و"التسامح" و"الجمال" بوصفها أركان الشخصية المثقفة في العراق؛ إذ نجد حتى المكتبات الدينية فيه تمارس أداءها المهني بصفة المروج المتسامح لنمط من التفكير والمعرفة، والمتآخي مع الأنماط الأخرى المجاورة والمخالفة له، في إطار من التعددية العقلانية الفريدة، وكأننا أمام مكتبة أكاديمية ضخمة، تصطف فيها مختلف التيارات الفكرية، دون تناحر أو طغيان لصنف على آخر. ولذلك فإن أي مكتبة شخصية في بغداد مهما كانت التوجهات الفكرية لصاحبها، لا بد أن تكون قد ولدت جزئياً أو كلياً من رحم شارع المتنبي.
وبمنظور أكثر حرثاً في التربة الاجتماعية، فإن شارع المتنبي (برواده وطبّاعيه وباعة كتبه) هو ببساطة شديدة عينة سوسيولوجية ممثلة، برهنت أن عملية انتاج الثقافة التنويرية في العراق، والترويج لها، والحفاظ البطولي عليها، هي آليات "أخلاقية – اقتصادية" لها بنيتها التركيبية والأدائية المستقلة والمقاوِمة لمجمل الهزات الرجعية التي ما برحت تضرب البنية الحضارية للمجتمع العراقي منذ بدايات ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم، والتي أريد لها أن تفتت نزعة "التفتح الذهني" بوصفها واحدة من أبرز سمات الفرد العراقي.
لقد التهمت الحرائق المكان، بشراً رساليين، ومؤلفاتٍ نادرة، ومقاهٍ حوارية أثيرة، وإرثاُ معمارياً أليفاً، في مشهد ميلودرامي يتساوق مع التهديم المنظم الذي يطال البنية المجتمعية العراقية برمتها. ولكن نتساءل: هل استطاعت أي حرائق من أي نوع، وفي أي عصر أسود من عصور الانحطاط، أن توقف تقدمَ الادراك البشري؟ أو أن تمنع الذاكرة َ الجمعية في أي مجتمع له قواعده الثقافية المتراكمة، من فرز الآثام عن الفضائل؟ أو أن تقصيه عن التمييز بين المعنى والعبث، وصولاً الى الامساك بأفق الحياة وسط فوضى الاندثارات؟!
إن شارع المتنبي بعد أن كان مكاناً لإنتاج طرائق التفكير بالحياة، أصبح بعد احتراقه رماداً محفزاً على التفلسف بكيفية اعادة انتاج الحياة نفسها. فأين هو الحريق اذن؟ وكيف أمكن لكل هذا الخراب أن يصبح محتقناً بالجمال الى هذا الحد ، ومحرضاً فاعلاً على تمجيد العقل في لحظة اغتياله؟ّ!



#فارس_كمال_نظمي (هاشتاغ)       Faris_Kamal_Nadhmi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف ينظر المثقف العراقي للولايات المتحدة الأمريكية؟ - تقصي م ...
- وداعاً -عبدالله مهدي الخطيب- آخر فلاسفة الشيوعية في العراق
- قلق الموت لدى الأستاذ الجامعي العراقي – دراسة ميدانية
- مفهوم العدالة في الفكر الاجتماعي (من حمورابي الى ماركس) 3 - ...
- مفهوم العدالة في الفكر الاجتماعي (من حمورابي الى ماركس) 2 - ...
- (مفهوم العدالة في الفكر الاجتماعي (من حمورابي الى ماركس)(1 – ...
- عقدة (الطابور) في الشخصية العراقية
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية(دراسة ميداني ...
- هل كان (مؤيد نعمة) معالجاً نفسياً؟
- الهوية الاجتماعية العراقية...إلى أين؟
- يحملون الجنسية العراقية ويسكنون في العراء وتحت الجسور
- سيكولوجية (الحصة التموينية) لدى فقراء العراق
- الثقافة الدستورية لدى سكان مدينة بغداد – دراسة ميدانية
- اللغة البشرية بين فطرية جومسكي وبنيوية بياجيه
- الـدمـاغ والـعـقـل:جدلية متجددة
- سيكولوجية الحب الرومانسي لدى المرأة
- الاضــطرابـات الـنـفـســية الناجمة عن استخدام الحاسوب والانت ...
- الثقافة العلمية والصحة النفسية للمجتمع
- ثقافة السلاح تنخر شخصية الطفل العراقي
- سيكولوجية الانتخاب لدى الفرد العراقي


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فارس كمال نظمي - شارع المتنبي في الذاكرة العراقية الجمعية