أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام عبدالله - تفكيك الأصولية والهوس الديني














المزيد.....

تفكيك الأصولية والهوس الديني


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1924 - 2007 / 5 / 23 - 12:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في أوائل القرن التاسع عشر أدرك "هيجل" Hegel (1770 – 1831) أن حضارة الغرب الصناعية، وسوقه العالمية، سوف تنسف المناخ الذي كانت الحضارات الأخرى ترى فيه نفسها، والذي كان يسبغه عليها إنتاجها الخاص.
هذا القضاء على الاختلافات بين الحضارات، وعلى سماتها المميزة، لن يترك لأمة سبيلاً للشعور بوجودها إلا بالتأكيد المجرد لذاتيتها المستمدة من تاريخها ولغتها، ومن مجموعة التكاليف والنواهي التي يمليها عليها دينها أو معتقداتها كنوع من " الحصانة الذاتية " . فضلاً عن التصاعد المتنامي للأصولية والعنصرية، والنظر إلى المستقبل باعتباره ماضيًا سوف يتكرر ... أي ضياعه ضياعًا مؤكدًا !
لقد كان " هيجل " سابقا لأوانه بزمن طويل ، ولم يكن من السهل قبل أكثر من مئتي سنة ، أن يتنبأ أحد بالمأزق الراهن للأصوليات المختلفة في ظل حضارة كوكبية واحدة، وإن كان الحال في عالمنا العربي والإسلامي أشد تأزمًا، حيث الهوس الديني هو السمة الغالبة .
والأصولية تجعل الإنسان أشبه بمن يقطن قطعة من الأرض لا يستطيع أن يتعدى حدودها، ومن ثم لا يملك سبيلاً إلا الدوران في حلقة مفرغة ؛ ومما يعمل على هذا الانحباس وتكريسه، تلك النزعة المطلقية والتطابقية التي ينتحي إليها، إذ يصب كل همه نحو إحالة جميع أفراده إلى ما يشبه الشخص الواحد، وكأنه قد جهز قالبًا واحدًا، يعمل على صب جميع أفراده فيه، هكذا فعلت الأصوليات الدينية المختلفة، حيث قضت على ملامح التباين والتنوع والاختلاف، وتم وأد التفرد والاستقلال الفكري (والإبداع)، طالما وأن جميع الأفراد يدورون في حلقة مفرغة، وينتهون من حيث بدأوا، ثم يدورون دورتهم من جديد لكي ينتهوا المرة تلو المرة إلى نفس النقطة التي بدأوا منها.
ولأن طبيعة المعتقدات هي طبيعة استكاتيكية ساكنة وليست دينامية ثائرة، فإن المهوس دينيا يمارس هذه العادة الوجدانية بغير تجديد في جوهر الاعتقاد ذاته، فقد يتعمق في اعتقاده وقد يحياه بكامل طاقته النفسية، ولكنه لا يستطيع عن طريق الاعتقاد أن ينفتح على العالم الخارجي الموضوعي المحيط به، لا يستطيع أن يأخذ ويعطي، وإنما يصبح كل همه هو أن يترجم الواقع الخارجي بأسره في ضوء معتقده هو . فهو أشبه بمن ينظر إلى الأشياء وقد ارتدى منظارًا ذا لون معين. وكل ما يصل إلى بصره من مرئيات يكون في الواقع مصبوغًا بلون منظاره الذي يضعه أمام عينيه.
معنى ذلك أن الهوس الديني يمنع الفرد من أن يستقبل الخبرات الخارجية، وحتى إذا تسنى له استقبالها، فإنها تظل في قوامه الخبري كما هي بغير أن تخضع للعمليات التفاعلية . إنه فقط يستطيع أن يقوم بإصدار الأحكام في ضوء معتقداته، وينفذ هذه الأحكام بيده وبطريقة عنيفة ومدمرة ، فهو يحكم على الأشخاص والأشياء ، وكل ما يشاهده أو يقع تحت يديه ، بأنه حلال أو حرام ، مؤمن أم كافر . ويضع القوانين الإلهية – من وجهة نظره - موضع التنفيذ ويصبح هدفه الأسمي فرض الفضيلة ، وبالتالي يقصي ويقوض كل ما هو مختلف أو مغاير ، أو قل كل ما هو " آخر" ، ليس فقط من باب انه ينفذ شرع الله وعدله علي الأرض ، وإنما أيضا بدافع تحصين ذاته وحمايتها أساسا .

ومصطلح "الحصانة الذاتية" هذا ، طرحه جاك دريدا عقب زلزال 11 سبتمبر ، ليغدو مصطلحًا فلسفيًا يشير إلى الأصولية بصفة عامة والهوس الديني علي وجه الخصوص، ومن ثم فإن المجتمعات التي تمضي إلى تكريس هذا المصطلح، تحاول أن تضمن لنفسها ولأنظمتها تحصين الذات والحفاظ على الخصوصية.
وتبني الحصانة الذاتية يعني ضمنًا أن هناك تهديدًا مستمرا يحدق بالذات ويستهدفها. وهكذا يستحيل الإرهاب "سمًا وترياقًا"؛ فهو الترياق لأنه سيحقق "الحصانة الذاتية" ، وهو السم لأنه كفيل بـ "تقويض" (الآخر) الذي يهدد الوجود، والهوس بفكرة العودة إلى الدين عند الأصولية تنبثق أساسًا من فكرة العودة إلى "الأصل" - origin، بكل تجلياته ... فالأصولية هي العودة إلى نقاء الأصل والتطهير من التلوث الطارئ على الأصل من العالم، ومن تاريخه ودياناته وثقافاته الأخري !.



#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأصولية .. هنا وهناك
- الهوس الديني والفتن الطائفية
- الإيمان والعلم
- موت الحداثة في مصر
- اختفاء البكوش
- الفعل التواصلي
- جزيرة العقلاء
- يوتوبيا ما بعد الحداثة
- لا وعي اليوتوبيا الباطن
- اليوتوبيا ويوتوبيا الضد
- الانتماء - ما قبل - الوطني
- العولمة والهوية الثقافية
- اللعب في الثقافة
- الجسد بين الثقافة والإعلام
- دريدا وصديقه الياباني
- صداقة المفاهيم
- نظرات علي عالم اليوم
- شباب وأحزاب‏..‏ ولغة سرية وعولمة
- دعوة إلي كتاب الحوار المتمدن
- في الذكري الخمسين للعدوان الثلاثي علي مصر


المزيد.....




- -نساء الزرافات- في تايلاند..هكذا وثق مغامر إماراتي واحدة من ...
- كيف تحوّلت ألعاب الفيديو إلى ساحة لتجنيد المتطرفين؟
- فاديفول في زيارة رسمية لأوكرانيا تأكيدا لمواصلة الدعم الألما ...
- حرب السودان.. عندما يصبح الصحفي سائقا والمهندس مزارعا
- هل تحتوي الإيصالات الورقية على مادة سامة؟
- هل تنجح ضغوط واشنطن في التوصل إلى صفقة تنهي حرب غزة؟
- سلاح حزب الله بين الضغوط والجدل اللبناني وترقب الرد
- أوسع هجوم روسي منذ بدء الحرب.. رسالة حادة للغرب
- غروسي ينسف رواية ترامب.. مشروع إيران النووي لم يُقبر بعد
- ضربات ترامب على إيران تعزز تمسّك كوريا الشمالية بترسانتها ال ...


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام عبدالله - تفكيك الأصولية والهوس الديني