|
النزيل
محمد المهدي السقال
الحوار المتمدن-العدد: 1917 - 2007 / 5 / 16 - 10:41
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
فتحت الباب على وجهٍ رأيتُه في هذا الشهر مرتين , جاء مع مُحضِر إبلاغ الحكم القاضي بالإفراغ ، صباح اليوم الثالث من عيد الفطر السعيد، ثم جاء زوال فاتح ماي المشؤوم ، و كان للحق بشوش المحيا في الأولى ، لم تبد عليه مظاهر رعونة بعض أعوان السلطة، رغم أن ملامحه في أحشائي تفوح برائحة نتنة ، قدم نفسه ومن معه، مصطنعا أدبا تتمايل له أطرافه كأن بها مسّاً من التخنث اللعين، لعله وهم جهلي بمعرفته ، أو ربما اختلطت عليه الأوجه ، فهذه الأيام تشهد أكبر عملية إفراغ السكان المكترين بأحكام قضائية لا يقول عنها أحد إنها نزيهة ، ثم أخذ يقرأ عليَّ بيان الحكم الصادر، كنت أعرف سلفاً منطوقه ، لكن الأجل المحدد للتنفيذ ، بقي معلقا بيد من يقدر الوقت المناسب ، خوفا من ردود فعل الناس التي تعاني أحلك ظروف معاشها ، لذلك لم تكن زيارته مفاجئة ، بل كنت أتطلع إلى قدومه، حتى نبدأ في تنظيم العد العكسي ، أبلغنا بالحكم ، ودون تحية وداع كما فعل في مقدمه ، انسحب مُعرِّجاً إلى اليمين ، كم سخر مني جاري حين حكيت له تلك اللقطة ، قال بأني لم أفهم رأسي، ثم استدرك : - كان عليك أن تفاوضه . لم أحتج إلى سؤاله ، ليس يوجد واحد يجهل أفضال الرجل في التأجيلات التي تعرف مساومات عسيرة ، سمعت من أحد ضحاياه ، أنه علَّل له ارتفاع السومة بوجود آكلين آخرين من خلفه . أما المرة الثانية التي التقت فيها عينانا ، فقد كانت من خلف ظهر زوجتي ، سبقتني إلى الباب قبل معاودة الطرق ، اعتذرتْ لي عن استعجالها ، حين وجدتني مطرق في التفكير فيما أبلغنا به من جديد، ولم يمر على زيارته الأولى أكثر من أسبوع ، لم يأت لإفراغنا ، جاء فقط يحذرنا من مغبة إلحاق أدنى ضرر بمرافق البيت الحيوية ، تساءلتْ " مليكة " كيف تصور أحدهم إمكانية العبث بشيء ، لم أردَّ عليها ، لعنته علانيةً بما تبقَّى في سرِّها بعد توديعه ، تذكَّرتُ جاري و الرشوة التي رفضتُ الدخول في عبثها مع المأمور ، فخفت وطأة زيارته على نفسي ، ثم كان ذلك الصباح ، اقترب مني صاحبي متشوقا لسماع بقية الحكاية ، الوحيد الذي أرتاح له في هذا النزل البئيس ، أجاهد في خفض صوتي ، لئلا أجرح الليل المبحوح بألوان الأنين بين النزلاء في هذا العنبر المختنق . - كان صْباح مبروكْ ابتسمت بملء شدْقيَّ دون تمكُّنه من تفرُّس وجهي في الظلمة ، - جئنا في الموعد المحدد.... - أعرف ، لكني كنت أنتظر قدومك لاستعطافك في مهلة يوم واحد ، سمع صراخ حفيدي الأصغر ، - لعله يبكي من تأخر جدته بالمطبخ ، ساعة حليبه ، بأدب كبير ، اعتذر الرجل عن استحالة التأجيل ، مشيرا إلى حضوره صحبة القوة العمومية ، - السي عبد السلام ، استنفذتَ فترة الاستعطاف ، عليك بالرحيل اليوم قبل الغد لإفراغ الدار لصاحبها ، وعلت محياه ابتسامة ليست إلا من شماتة بالحال ، الله يقتل صاحبها قبل هدم المسكن لإقامة عمارة شامخة ، ليت الوقت غير الوقت كنت جهرت بما يشغلني من أمر هذا الظلم الذي يلحق بالعباد ، تساءلت كيف لم يعلم بترحيلنا ليلا جل المتاع إلى بيت " خديجة "، وعيون المخزن التي لا تنام ، متربصة بالأنفاس ما صعد منها وما سفل، أحضرتُ ليلاً عربة السي" قدور" ، بعد إلحاح في مواجهة رضه المتعنت بدعوى عياء الحصان ، بينما كان السبب الحقيقي في تمنعه ، خوفه على حصانه من أصحاب الحال ، ينزعون منه حصانه، يتفاوضون معه ، و إلا ... يمنع اختراق الشارع الفاصل بين البيت في جهة حي العمارات، وجهة حي سوق الكلب ، حيث يتواجد بيت ابنتي" خديجة " - لم يتبق معنا إلا فراش نمنا عليه ما تبقى من ليلة الترحيل ، مع بعض حوائج المطبخ الأساسية ، مما يمكن حمله في نقلة واحدة ، لذلك استمهلتك يوما واحدا فقط ، - و لماذا تمانع في المغادرة الآن ؟ تنبهت إلى لفظة الممانعة ، فتوجست شرا من ردة فعله إزاء استمهالي يوما واحدا لا أكثر لم أبادر بالجواب ، تنفست عميقا قبل اجترائي على قول ما ترددت فيه، ليس حبا في مصادقته ، ولكن اتقاء تسرُّعه بما يمكن ألا تحمد عقباه : - كل ما في الأمر ، أن ابني الأكبر مسافر ، اصطحب زوجته إلى العاصمة لمعرفة نتيجة التحليلات . تمنيت أن أجد الجرأة في إخباره بحقيقة مرضها ، هل يمكنه التعاطف معنا ، إن هو علم بثديها المهدد بالاستئصال ، - نخاف إذا عاد ، يمكن ألا يعرف أين نحن ، قال إنه سيأتي هذا المساء، اطمئن ، يمكن أن نخوي المكان الليلة . عاود الرجل النظر إلى صاحبه ، و هذه المرة سمعت حديثهما ، بديا مقتنعين بإمهالي ما تبقى من اليوم ، كان المأمور معنيا بإبلاغي موافقتهما : - غدا ، وقبل الثامنة ، و إلا ستضطرنا إلى ... - الاقتحام ، قلت في نفسي ، ونسيت ختم اللقاء بسلام الشكر لصنيعه. - وهل رحلتَ في الموعد المحدد بتلك المهلة الاستعطافية ؟ قبل هذا السؤال ، كنت أعتبر صاحبي ممن يصطلح عليهم ظلما بالمجانين في المحاضر الرسمية ، أيقنت من لهجته ، أنه مثلي يوجد خطأ في المكان الخطأ . محمد المهدي السقال المغرب
#محمد_المهدي_السقال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خلف الصمت
-
اعترافات عاشق من زمن الرصاص
-
المحاكمة
-
المسألة الأمازيغة /من الأصل إلى القضية
-
العراف
-
ملحق حول :ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية
...
-
- أفول الليل -يوميات من سنوات الرصاص
-
حكاية وزير مرتعب
-
لعنة - بن لادن
-
العرافة
-
فراغ من زجاج
-
الإضراب
-
المسألة الأمازيغية العد العكسي
-
حكايتي مع السيد المفتش
-
رقصة الكلاب
-
قراءة في عنوان مقالة* ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتو
...
-
مشروع تركيب إيقاعي من الطويل والبسيط
-
رائحة المرأة و الشيطان
-
العار
-
عبث اللحاق
المزيد.....
-
نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من
...
-
روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي
...
-
طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب
...
-
الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو
...
-
الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض
...
-
الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة(
...
-
شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و
...
-
في وداعها الأخير
-
ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
-
عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|