محمد المهدي السقال
الحوار المتمدن-العدد: 1679 - 2006 / 9 / 20 - 05:27
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
مُهْداة إلى التي كَشَفَتْ لي عن عَوْراتِكُمْ.
الفقيدة مليكة مستظرف
وأُزَفُّ عَروسةً عذْراءَ في هَوْدَجٍ خَشبيٍ كباقي النساءْ , -
حولي الزغاريد مبهمة تشيعني لليلة الدخلة ؟
- وحين تنزلينَ عن صَهْوة من لحم وعظم , أحملكِ بين يديَّ هاتين , هامِساً في أذنِكِ اليُسرى ,
أُحِبُّكِ .
- من لحمٍ وعظم ؟
أليس لَهُمْ دم ؟
يُمزِّقُ سؤالَكِ الإنكاريَّ تَقَطُّعُ سُخريةٍ هادئة ,
ثم تستدركين أنْ لا كرامةَ لنبيٍّ في وطنه .
- جَفّتْ عروقهم من خَجَلٍ يواجهُ سُقوطَهم ,
كُلَّما وقفوا أمامَ المرآة.
- أنتَ تتفلسف ,
وسَكَتَتْ عميقاً ,
لعلَّها أدركتْ أن الذين عَنَيْتُهم هم كَتَبَةُ الديوان السلطاني ,
- دَعْكَ من هؤلاء اللقطاء وسمَّتْهُمْ بأولاد....
أستوقفُ اللحظةَ التي تواعَدْنا بعدها بلقاءٍ لنْ يَتِمَّ إلى الأبد , فيُدَمِّرُني اشتياقي لِصرْخاتِها كُلَّما تسرَّبَ كالشيطان إلى تهامسنا , حديثُُ ُ عن مِحْنة الإبداع الأدبي في هذا البلد الأمين ,
توقّفتْ بنا سيارةُ الأجرة في زنقة " سوسة " ,
خِلتُ أننا أخطأْنا العنوان ,
فطِنَتْ لانشغالي ,
لَعلَّها تصوَّرتْ أنّي أربطُ بين العنوان ,
والسُّوسة التي تُسَوِّدُ بياض عاج الأسنان ,
فاجَأَتْني :
السوسة هي بنو آدم
توارد خواطر كالعادة , ونظرت إليها تحدق في وجهي ,
مُسَـفِّـلةً تنهيدةً مترهلة ,
- اتْبَعني , المكتب خلف هذه الواجهة الزجاجية ,
- وابتسمتْ ,
أتمنى يوماً أن ينْكَسِرَ هذا الزجاجُ الواقي على رؤوسهم ,
فتنكشف عوراتُهُم في عزِّ النهار ,
من هنا ,
وسرتُ إلى جانبها محمولةً على عَصَوَيْن ,
ألا تقول بأنكَ " عكازي " الثالث ؟
اسْندني ,
ضحكتُ قائلا : مِنْ أين ؟
وضحكتْ حبيبتي بملْءِ فيها ,
من أي جانبٍ ترى أنني بحاجةٍ إلى إسناده ,
حين كنتُ أسألها مازحاً عن إصرارها على ارتداء السروال ,
دون الجلباب البلدي أو القميص الذي يتجاوز ركبتيها ,
لم تكن تتحجج بصعوبة الحركة معهما وهي تتأبط ما تتأبط ,
ظلت تجد في السؤال مناسبة للتَّمَوْقُفِ ضد شيء آخر ,
كنتُ أحب أن أستفزها للتعبير بطريقتها عن رفضه ,
هل تريدُ أن تراني بصورة خفاش ؟
الإطارُ النحاسيُّ يعلن في المدخل عن الشقة المخصصة لزبانية الكتاب ,
عَتَبَةُُُ ُ بِعُلُوٍّ يعوقُ اعتمادَها على نفسها الحَـرَّى ,
بادرتُ إلى مساعدتها ,
مهلاً ,
عَقَـرْتَني ,
تخطَّتِ العتبة , و هي تُلقي نظرة بائسةً على أدراج السلم ,
كيف نسيتُ أن مُحَرِّكَ الدم في ذراعها الأيسر ؟
كيف نسيتُ أن الجُرْحَ يَنْفتِحُ كلَّ إثنيـن وأربعـاء وجمعة ؟ قالت : الله يعفو عْلِيٌا ,
بحثْتُ عن بوَّابةٍ تكون لِمِصْعَد ,
سألتها مُنْكِراً كيف يبلغون قمة العمارة ؟
عجَّلَتْ بسؤالٍ أكثرَ إِنْكاراً ,
تَبْغي الوصولَ على طريقتهم ؟
يوجد في الخلف مدخل خاص مفروش بالزرابي الْبَلْدِيَّةْ ,
على يمينه مصعد لسعادته ,
أنتِ سوسةُ العَظْم , لَمْ تَتْعَبي من النَّخْر بعد ؟
يا ريت , على الأقل , سيعرفون معنى هشاشة عظامي ,
كلُّ هذا الألم الذي ضجَّ منه سُكون الليالي ,
ولم يسمع هؤلاء بعدُ أنيني ؟
لمْ أحظَ بآخر ما تحظى به آخر كَلْبَةٍ في فراشهم...
سألت " مليكة " عمَّا إذا كانت هذه أول زيارة لهذا الوكر,
لم تجبني ,
كانتْ منشغلةً بالتفافِ السُلَّم إلى اليمين ,
" زوينة " كلمة الوكر ,
تمنَّيتُ عليهم أن يقاسوا لبُرهةٍ واحدةٍ كَمَدَ الإحساس بمرارة الحاجة إلى كَلْوَة ,
سيسمعونكِ أيتها الحَمْقَى ,
لا يهمني ,
همْ الذين استدعوني لتقديم ملفي الطبي ,
أستوقفُ اللحظة ,
أتذكَّرُ طول انتظارها لغودو المغربي ,
حاملاً إليها رسالةً منهم بعد ألف وعد و وعيد ,
حين وقفت في معرض الكتاب باسطة قطعة القماش الأبيض , تستنكر ما آلت إليه وضعيتها الصحية ,
مازحتها :
أنتِ تنسجين كفنك بيديك ,
قالت : يمنعونني من الحياة ,
لا أريد منهم شفقة ولا صدقة ,
فقطْ قليل من الاعتبار ,
كثيرُُ عليهم أولاد...
انفتح السلّمُ على بهْوٍ في مؤخرة مَمرّ ضيق ,
تَلَفَّتتُ ,
كانتْ تسبقني إلى غرفةٍ أطَلَّ منها رأس كثيف شعر الوجه ,
ها هو ,
افتعلْتُ الاِنْشغالَ برُؤْيةِ الإطاراتِ المُعلَّقة ,
صورُ الجداراتِ باهِتَة ؟
دَعْكَ منْها .
#محمد_المهدي_السقال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟