أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باقر الفضلي - إشكالية خطاب المقاومة: ملاحظات أولية...!؟















المزيد.....

إشكالية خطاب المقاومة: ملاحظات أولية...!؟


باقر الفضلي

الحوار المتمدن-العدد: 1900 - 2007 / 4 / 29 - 11:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المقاومة؛ تلك الكلمة الساحرة، الكلمة التي لا تعدلها كلمة أخرى في شمولية المعنى، ومقاصد الهدف. الكلمة التي يمكنها أن تجمع خلفها الملايين من البشر، لتقذف بهم الى المحيط أو تحط بهم في ربوع الجنة..! لها من القوة والسحر والمكنة، ما تعجز عنه كل كلمات اللغة وبلاغة البيان..!

إن تقاوم المرض، تربح نصف العلاج، وإن تقاوم الضعف تكسب القوة والعزيمة، وإن تقاوم الإهانة تستعيد الكرامة، وإن تقاوم النزوات تصون النفس، وإن تقاوم العدو تربح النصر، وإن تقاوم الإحتلال تستعيد السيادة .. فالمقاومة في كل تجلياتها وفي مختلف صورها، زرعت ثقافة تأصلت في النفوس ، حتى باتت تشكل قاعدة للفكر وبالتالي منطلقاّ للخطاب البشري في كل الميادين، بما فيها ميادين العلم والطبيعة..! ولكنها وفي جميع الأحوال، لايمكن أن تعطي ثمار نشاطها بعيدا عن قوانين التحكم الموضوعية العلمية..!

وفي مجاهل الميدان السياسي- الإجتماعي على وجه التحديد، فإن المقوامة وبجميع مقاييسها، أخذت ومنذ القدم وحتى اليوم تتصدر الخطاب السياسي، بل وتمثل اللب المحرك لهذا الخطاب، على كافة الأصعدة والمستويات، بما فيها الحروب والثورات والإنقلابات والعصيان والتمردات والسياسة..الخ، حيث يجد المرء أن "المقاومة" تحتل مكان الصدارة في هذا الخطاب ، حتى مع إختلاف أهدافها. وليس من باب الصدفة أن تستخدم كلمة "المقاومة"، على سبيل المثال عند القول: "مقاومة الإرهاب" كمرادف ل "مكافحة الإرهاب"..!

ويمكن أن تأخذ المقاومة وجها آخر، وهو وجهها السلبي؛ فمقاومة الإصلاح ، هي تعبير عن مقاومة معكوسة، كما هي مقاومة الإستماع للآخر، ومقاومة حرية العقيدة وحرية الرأي، أو مقاومة حق المرأة في التحرر من العبودية؛ جميعها تشكل الوجه السلبي للمقاومة. أما الحدود الفاصلة بين الوجهين، فتحددها طبيعة الشيء الذي ينصب عليه فعل المقاومة، وأحيانا قد يختلط الوجهان..!

فثقافة "المقاومة" على الصعيد الإجتماعي بما تقدمه من معان مختلفة، أصبحت جزءّ من إيديولوجية مستخدميها ومحركا دينامياّ يهدف الى تحقيق نتائج "إيجابية" من وجهة نظر "أصحابها" أو المتمسكين بها كسلاح تقليدي يصلح في كل مكان ويعمل في كل زمان..!

كما وإكتسبت في هذا الميدان طابعاّ رومانسياّ أضفى عليها مسحة من الحرمة والقدسية، مكتسبة ذلك من طبيعة الأهداف المعلنة، التي تجد شرعيتها، في أغلب الأحوال، في إقرار المجتمع وإعترافه بأحقية تلك الأهداف؛ وهذا هو الطابع الغالب على " المقاومة " بإعتبار أنها عمل مشروع ذو غايات نبيلة..! أو بمعنى آخر ما يعكس الوجه الإيجابي للمقاومة في أطرها السياسية..!

فبعد الحادي عشر من ايلول/2001 طرأت أمور بات معها، من الصعب أحيانا التفريق بين وجهي المقاومة نفسها، فهي يمكن أن تفسر من قبل من وقع عليه فعلها بأنه عمل إرهابي، في الوقت الذي يعلن أصحابها بأنها أعمال مشروعة..! وهذه الإزدواجية في فهم المقاومة سياسياّ، قد جعل منها إشكالية تحتاج الى الكثير من البحث والإهتمام في عالمنا الحاضر..!

كما وأصبح التداخل بين المقاومة كفعل محدد الإتجاه والهدف، وبين القائمين على هذا الفعل وكأنهما شيء واحد، وأصبح التمييز بين الفعل ومنشأه، حالة واحدة لا تقبل الفصل. وهذا ما أضفى على خطاب المقاومة بوجهه الإيجابي، نوعاّ من الحصانة ضد النقد أو المحاسبة..!

وطبقاّ لهذه الحالة فقد غدا من الأمور المسلم بها، فرض "القبول" على الآخرين بالإقرار بكل النشاطات والممارسات التي تقدم عليها المنظمات التي تضفي على نفسها صفة "المقاومة" ، حتى في حالة تعارض هذه الممارسات مع تطلعات المجتمع نفسه، أو لاتتلائم مع الظروف السياسية والأجتماعية في اللحظة المعينة..! وهذه الإشكالية تبدو أكثر ملموسية في أمثلة محددة على الصعيد السياسي في منطقة الشرق الأوسط، بل وتدفع في أحيان كثيرة الى صراعات وتأزمات داخلية بين طوائف المجتمع الواحد..!

فالتعارض بين الهدف وصلاحية الممارسة في الزمان والمكان، رغم جدلية العلاقة بينهما، ينجم في أكثر الأحيان من حالة الشعور بقدسية المهمة ونبل الغاية..! وبالتالي فمن هذا المنطلق تعتقد المنظمة المعنية وذات الشأن، بحقها "المطلق" بوحدانيتها في إتخاذ القرارات، وتنفيذهاعلى صعيد الواقع، هذا في أحسن الأحوال، أما في الأحوال التي تكون فيه المنظمة صاحبة الشأن، لا تمتلك إستقلالية قرارها أو يشوبه شبهة من ذلك، وبأي شكل من الأشكال، تراها تعمد الى رفض أي نقد أو ملاحظة توجه لذلك القرار و لكافة نشاطاتها الأخرى..!

أما إذا كان التعارض حاصلاّ بين الهدف والممارسة، حيث توجه الممارسة ليس بالإتجاه الذي يخدم الهدف، بل وحتى بالإتجاه الذي يسبب أضراراّ بالجهات ذات المصلحة في تحقيق الهدف المذكور، فإن المنظمة التي تحاول أن تلبس لبوس المقاومة، تفقد هذه الصفة، وتضع نفسها في المواجهة العكسية مع تلك الجهات، وفي هذه الحالة تتولد الصراعات ليس مع العدو المقصود، بل ما بين من يعنيهم أمر المقاومة والقائمين عليها من جهة وبين فصائل أو جهات أخرى لها نفس المصلحة في تحقيق الهدف نفسه..!

ومما هو جدير بالقول، إن خطاب المقاومة على الصعيد السياسي، رغم سحر جاذبيته، فإن حاله حال اي مفهوم أو أسلوب نضالي _ سياسي آخر، يخضع الى التعامل معه من منظورين مختلفين؛ فهو لا يعدو أن يكون خطاب "مقاومة" فقط من وجهة نظر أصحابه، أو ما يقرره المنادون به، طالما أن مشروعه من الناحية السياسية لا يصب في مصلحة النتائج المبتغاة من وراء التمسك به، أو لا يأخذ بالحسبان الظروف والعوامل التي تحيط بمجمل "العملية السياسية" على كافة الأصعدة؛ والمقصود هنا تلك الظروف التي تحدد مسار عملية المقاومة نفسها، من آليات ودعم مادي ومعنوي، وظروف سياسية محلية وأقليمية ودولية؛ ظروف تكون في مستوى الملائمة والقبول، من حيث الأسباب والنتائج..!

فليست هناك مقاومة من أجل المقاومة، وإلا أصبحت إنتحاراّ جماعياّ، وتفريطاّ بالهدف المبتغى تحقيقه، والذي من أجله شرعت المقاومة. ومن خلال هذا المنظور تدخل "المقاومة" بخطابها "المسلح" تخصيصاّ، في تعارض صارخ مع مصالح الفئات أو الطبقات الإجتماعية، التي تعلن هي نفسها ("المقاومة")، أنها أجترحت من أجلها. بل تتحول تلك "المقاومة" المعلن عنها الى مهنة إحترافية، لا تجيد غير خطاب العنف، طريقاّ لتحقيق الأهداف. وبالتالي يتحول شعار المقاومة النبيل الى شعار معرقل في الوصول الى الأهداف التي خط من أجلها، وغير قليلة الأمثلة حول ذلك. رغم ما قد يسوق من تضخيم وتهويل يلصق بكل عمل أو نشاط تقدم عليه تلك القوى التي تتمسك بهذا الشعار بإعنباره الخيار الوحيد لتحقيق الأهاف المعلنة، بل ويبدو وكأن (المقاومة) هي وحدها الهدف المنشود، أو أنها في منأى من التأثر بالتغيرات التي تفرضها التحولات الأجتماعية السياسية في البلد المعني..!

ضمناّ فأن شعار "المقاومة"، هو حالة سياسية قد تفرضها ظروف إستحقاقية محددة، وفي غالبيتها ظروف الدفاع عن النفس ضد خطر داهم، أو إزالة وضع لا شرعي، عجزت عن تغييره كل محاولات التغيير الأخرى. فهو في النتيجة حالة أو أسلوب محدد يلجأ اليه عند الضرورة، وليس خطة إستراتيجية ثابتة لا تتغير، والتمسك به مرهون بطبيعة المتغيرات السياسية والإجتماعية ومجموعة المتغيرات الأخرى، وأن يحضى بتأييد وأحياناّ إجماع من قبل من لهم المصلحة من أبناء الشعب نفسه في التمسك بهذا الإسلوب..! حيث من غير المنطقي أن تستحدث أساليب نضالية تستهدف تحقيق مصالح تهم سائر أوساط المجتمع دون أن تحضى بدعمه أو تأمن عدم معارضته..!

كما ومن غير الطبيعي أن تلجأ مثل تلك الأوساط الى إنتهاج هذا الأسلوب وهي مدركة في الوقت نفسه، ما قد يجره ذلك الإنتهاج من نتائج سلبية، أو ما ستؤول اليه تداعياته على المجتمع نفسه من ويلات ومعاناة، إذا ما كانت ظروف التمسك به غير مهيأة لذلك، أو إذا كان مجال نشاطه ينصب على الشعب المنقسم في رؤاه نحو الهدف والوسيلة، أما ضحاياه، فستكون من أبناء ذلك الشعب، حتى وأن جرى ذلك بحسن نية، ولإهداف نبيلة..!

الحاضنة الوحيدة لما يمكن أن يعتبر( مقاومة) في صيغتها الإيجابية، هو شعب موحد في كلمته، وظروف سياسية ولوجستية موائمة، ومجتمع دولي داعم، وقيادة موحدة في قرارها، وإلا وبعكسه، يمكن القول؛ بأنه ليس جميع صيغ المقاومة المعلنة، تمتلك حالتها الإيجابية المشروعة، أو تحضى بأجماع شعبي عام. بل إن هنالك من بعض صيغ خطاب المقاومة، و"المسلحة" منها تحديدا، ما يتداخل مع خطاب العنف الذي تمارسه بعض المنظمات التي تعتبره الشكل الوحيد لنشاطها السياسي اليومي ، بل وتعمل على فرضه على الجميع في أي مكان أو زمان تبتغيه، كما هو مجسد في ممارسات منظمة القاعدة على سبيل المثال..!

فالمقاومة و"المسلحة " منها بالذات، كأسلوب نضالي، لا يمكنه وحده أن يهيء الظروف المناسبة لنشاطه وفعاليته، حيثما كان وأينما وجد ، كما وليس وحده الأسلوب الناجع في تحقيق الأهداف المبتغاة من وراء إنتهاجه وحسب، بل هنالك من الأساليب والطرق التي من خلالها، يمكن حتى الأستعاضة عنه ونبذه، وفي مقدمتها على سبيل المثال، أسلوب الحوار المدعوم شعبياّ _ وهو شكل من اشكال المقاومة في صيغتها الايجابية_، حتى لو تطلب الأمر الجلوس على مائدة واحدة مع العدو والتفاوض بكل شجاعة حول ما ينبغي الإتفاق حوله. وقد علمنا التأريخ أشياء كثيرة وكبيرة دون أن يفقد المرء فيها ماء وجهه، أويضع نفسه في خانة المهزومين..!

أما التمسك بصيغة خطاب "المقاومة المسلحة" وحده كثابت لا يمكن التزحزح عنه، فإنه لايخدم مصلحة أي شعب يطمح للعيش بحرية وأن يمتلك سيادته على أرضه وأن ينعم بالسلام والطمأنينة، إن لم يكن العكس، رغم ما تمتلكه المقاومة المسلحة من قدسية وطهارة لا غبار عليهما، طالما وجدت نفسها في المكان والزمان الملائمين، يحددها الأتجاه والهدف المدعومين بإجماع وطني وقبول عام، وعندما يصبح لا مناص من اللجوء اليها، بعد ان تعدم جميع الأمكانات الأخرى..!

فمن يعتقد أنه بتمسكه بخطاب المقاومة، إنما يمسك بكل أوراق اللعبة السياسية، فإنما هو واهم في تقديره وحساباته. ومن بدهيات السياسة ، أن يأخذ المرء بالحسبان، أن الخصم أو الطرف الآخر يمتلك هو الآخر بعضاّ من أوراق اللعبة نفسها، خاصة إذا ما كانت الظروف المحيطة بخطاب المقاومة لا تمنح أصحابه الدعم المناسب ولا الأرضية الصلبة؛ من إجماع وطني، ومؤازرة ودعم المجتمع الدولي..!

كما وليس من عبث القول؛ الحديث عن ما يسمى ب"سلاح المقاومة" الذي بات يشكل عنواناّ ثابتاّ لخطاب المقاومة، لدرجة أختزل فيه معنى ومضمون (المقاومة) نفسها ، الى مجرد "سلاح" يمكن حمله أو إقتناءه بل وحتى إستخدامه في أي ظرف أو مناسبة مهما كانت، لدرجة أفقدت (المقاومة) قدسيتها وطهارتها بل وأحيانا حتى شرعيتها التي تعارفت عليها الشعوب، خاصة عندما تختلط فيه المقاصد والاهداف المشروعة مع غير المشروعة من خلال الممارسات اليومية المنفذة بهذا السلاح. وكأنه لم يعد أمام (المقاومة) من مدلول آخر غير مدلول "السلاح" ولا وسيلة غيره، وما عداه من أساليب ووسائل إنما تصب في خدمة أهداف الخصم كما يدعى..!؟
حتى أصبح وفي كثير من الأحيان، من العسير على المرء أن يجد خطوطاّ فاصلةّ بين حاملي " السلاح" فيما إذا كانوا من فصائل المقاومة، أو من مليشيات الأحزاب والمنظمات السياسية، أو من ميليشيات السلاح والتهريب، أو حتى من عصابات القتل والمافيات، مما بات يلقي ظلالاّ رمادية على كامل المشهد السياسي بلا إستثناء، ويعرض رومانسية خطاب المقاومة نفسه، الى الضبابية والتساؤل، في وقت أصبح فيه تأثير المجتمع الدولي، يلعب دوراّ غاية في الأهمية والتفاعل، مما يفرض على الجميع أخذ ذلك الأمر بالحسبان ..!

ومهما أراد المرء أن يدفع بصيغة "سلاح المقاومة" وإعتبارها كافية لتوضيح المقاصد من حمل السلاح، فإنه وعلى الصعيد العملي، يبقى إقتناء وحمل السلاح كممارسة يومية وما قد يترتب عليها من إحتمالات إساءة الإستخدام من قبل حاملي هذا "السلاح"، حالة غير شرعية إذا ما مورست في ظل وجود سلطات حكومية منتخبة لها أجهزتها التنفيذية الشرعية التي كفلها القانون ومؤسساتها الديمقراطية. ناهيك لما يتركه حمل السلاح، ومن قبل أي كان، من تأثيرات نفسية سلبية على نفوس المواطنين، وما يخلقه من مشاهد الرعب والخوف والإثارة، أو ما قد يجره من مهالك وكوارث إنسانية في صفوف من هم أقرب من العين للحاجب بالنسبة للمقاومة؛ هذا إذا ما أفترض المرء حسن النوايا ونبل المقاصد ..!

نعم إن المقاومة بمعناها السياسي حق مشروع للشعوب وقد كفلته لها كل الشرائع والقوانين بما فيها ميثاق الأمم المتحدة والأعلان العالمي لحقوق الأنسان، ولكن كل ذلك لا يحصر المقاومة بشكل أو طراز أو نوع محدد من أنواع المقاومة، بل منحها الحق المشروع في إختيار ما تراه مناسباّ وما يتلائم مع طبيعة الظروف التي تكتنف الحالة التي تفرض عليها مبدأ المقاومة، من أساليب وأشكال الكفاح التي تحقق أهدافها، وبالتالي فإن اللجوء الى طرق أخرى غير إعتماد السلاح كخيار وحيد – إلا في حالات خاصة- لا يفقد المقاومة شرعيتها أو يضعف من تأثيرها، بل يمنح المقاومين هامشاّ واسعاّ ورحباّ من المناورة، بإتجاه تحقيق أهدافها بأقل الخسائر الممكنة وتجنيب شعوبها ضرراّ كبيراّ، ربما يدفع بإتجاهه العدو نفسه..!
والمقاومة، كأسلوب نضالي، وتأسيساّ على ذلك وبالمعنى العام للكلمة، ليست حكراّ على فئة محددة أو فصيل معين، بسبب تفرده بحمل "السلاح" دون شرائح المجتمع الأخرى، التي تكون قد شقت طريقها للمقاومة بطرق وأساليب أخرى..! فهي حق لكافة أفراد الشعب الذي يدفع برفع الظلم عن كاهله وبشتى الوسائل المستطاعة..!

بل و ليس من المغالاة القول، بأن التركيز في الخطاب السياسي اليوم على خيار المقاومة المسلحة - كخيار وحيد في الساحة السياسية - ومن خلاله ينبغي أن تسوى كل الخلافات في الساحة الداخلية بين الفرقاء والطوائف السياسية المتعارضة في عدد من بلدان المنطقة تحديدا، قد أفضى الى غياب خطاب الحكمة والتعقل، وفتح الطريق أمام حالة الفوضى السياسية والأمنية، وأدى الى تقويض دعائم الحياة المدنية الديمقراطية بأحزابها السياسية ومؤسساتها البرلمانية، لدرجة أختزلت فيه المسميات المعلنة لبعض الأحزاب السياسية الى مجرد لافتات تحمل تسمية (المقاومة). بل وحتى طرحت جانباّ مهمة التوحد بين أبناء الشعب في هذه البلدان وراء الأهداف المعلنة للمقاومة، لتعلو بدلها لغة القوة والتهديد بالسلاح، وإرغام الأطراف الأخرى على قبول مشيئة المتحكمين بهذا السلاح..!؟

إنها الطامة الكبرى إذا ما إنحرف "سلاح المقاومة" عن الإتجاه والهدف الذي أعلن من أجله، ليتحول الى مجرد وسيلة للضغط والإكراه، وطريق الى حل المنازعات الداخلية، وتحقيق المصالح..!؟ فما تمثله الميليشيات المسلحة لبعض الأحزاب السياسية في الساحة العربية اليوم، يعطي دليلا واضحاّ على الأختلاط والتشابك بين المكونات السياسية والمنظمات المسلحة، ويعبر عن حالة الارتباك والتشوش وسيادة الفوضى الأمنية وتعدد السلطات، بل ويهدد في تقويض مقدمات اسس بناء الدولة الديمقراطية المستقلة التي هي مطمح وهدف الجميع.؟!

وفي جميع الأحوال، إذا ما أستثنينا بعض الحالات وفي ظروف محددة، فإن الشعوب هي من يدفع ثمن كل تداعيات القرارات الخاطئة والممارسات الغير مشروعة، التي تقف وراءها بعض فصائل المقاومة، هذا إذا ما نحينا جانباّ مكونات "الميليشيات المسلحة" المنفلته، والتي لاتجمعها مع فصائل المقاومة المعروفة في ساحة النضال الوطني العربي، غير وضعية حمل "السلاح" ليس غير، فإن لهذه الميليشيات حديثا آخر..!

في هذه المقالة المكثفة لم أهدف الى البحث بتفاصيل الخريطة السياسية لفصائل المقاومة المنتشرة في المنطقة ولا الى الأستراتيجيات المرسومة من قبل تلك الفصائل وخلفياتها الأيديولوجية ومكوناتها البنيوية السياسية وعوامل وأسباب تشكلها، فألامر أكبر من أن تحتويه مقالة بهذا الحجم، بقدر ما رغبت في لفت النظر الى بعض المفاهيم والملابسات التي تكتنف مفهوم (المقاومة) وما تعكسه من تصورات ومعتقدات بلغت في تداولها في الشارع السياسي حد المسلمات التي لا يمكن مناقشتها، بل ولربما وبسبب ذلك، قد تخفي وراءها مواقف وأجندات سياسية تبدو وكأنها ترسم لشعوب المنطقة طريقاّ أبدياّ لا محيد عنه، ضمن دائرة مغلقة من الألم والمعاناة..!



#باقر_الفضلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفط مصدر ثراء أم لعنة للعراق..؟
- المثلث الساخن والصراع الخفي...!!
- ألأعلام ألألكتروني: حرية النشر..؟
- من يزرع الريح يحصد العاصفة..!!
- مطلب الإنسحاب من العراق وآفاق تطبيق خطة بيكر..!
- المثقف المبدع في الزمان والمكان..!
- الفدرالية: الأقاليم ودستورية تأسيسها..!
- الفدرالية: ما هو المبتغى..؟
- برلمان بلا قيود وديمقراطية بلا حدود..!
- المؤتمر الثامن: نحو البرنامج...!
- الملف النووي الإيراني: أسئلة وأجوبة..!؟
- القضاء: هل كان صدام دكتاتوراّ..؟
- إشكالية (الحرب ضد الإرهاب) وحقوق الإنسان(*)..!2-2
- إشكالية -الحرب ضد الإرهاب- وحقوق الإنسان..! 1-2
- العراق: إشكالية الفدرالية والتوازن الإجتماعي..!
- المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي: وقفة أولية..!
- الدستور: إشكالية علم العراق..!
- المندائيون يستغيثون...!
- الأنفال : مسؤولية المجتمع الدولي..!
- الملف -النووي- الإيراني، خطر على من..؟!*


المزيد.....




- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا لـ-حزب الله- في جنوب لبنان (فيد ...
- مسؤول قطري كبير يكشف كواليس مفاوضات حرب غزة والجهة التي تعطل ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع ومظاهرات في إسرائيل ضد حكومة ن ...
- كبح العطس: هل هو خطير حقا أم أنه مجرد قصة رعب من نسج الخيال؟ ...
- الرئيس يعد والحكومة تتهرب.. البرتغال ترفض دفع تعويضات العبود ...
- الجيش البريطاني يخطط للتسلح بصواريخ فرط صوتية محلية الصنع


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باقر الفضلي - إشكالية خطاب المقاومة: ملاحظات أولية...!؟