بهلول الكظماوي
الحوار المتمدن-العدد: 1865 - 2007 / 3 / 25 - 07:11
المحور:
كتابات ساخرة
( بغداديات )
بعد ما استتبّ الأمر لأبي العباس السفّاح , وسقطت مقاليد امور الدولة الاسلامية بيده , بعد أن استطاع أن يتخلّص من أول حلفائه المشكوك في ولائهم و الذين يخاف منهم منافستهم له الملك , تخلّص من ابي مسلم الخراساني ( تماماً كما تخلّصت ما يسمّى بحكومة الثورة البيضاء للبعث سنة 1967 من حلفائها في الثورة ,( عبد الرزاق النايف و عبد الرحمن الداوود ) .
ذهبت تلك الايام بالسفاح و ذهبت بالذي بعده , الى أن استتب الامر لهارون الرشيد , و يجد ( هارون ) في منافسيه البرامكة أشد وطأة عليه ممن سلفهم على ابي العباس السفاح .
فكانت ثورة البرامكة المسطورة بالتاريخ .
( تماناً كنكبة الخمسة و الخمسين عضواًً في قيادة حزب البعث الحاكم , وكان على رأسهم عدنان حسين الحمداني سنة79 ) .
و أنا هنا لست بصدد التأريخ للمرحلة , بقدر ما اردت ان اجيب على رسائل وردتني في البريد اللالكتروني تستوضح مني عن منطقة الكرخ و شارع حيفا الذي ذكرته في آخر ( بغدادية ) لي , وكانت بعنوان ( بسمار جحا ) .
هنا أستعير تعريفاً لنشوء منطقة الكرخ من بغداد اذكره من كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي الذي ارّخ للربع الاخير من القرن السادس الهجري و حتى الربع الاول من القرن السابع :
يروي ياقوت الحموي في معجم بلدانه : أن موالي اهل بيت الرسول محمد ( ص ) وهم الذين لم يكن لهم نصيب في الحكم و دوائر الدولة في العهدين الاموي و من بعده العباسي , فكانوا يمتهنون الصناعات اليدوية و الحرف الشعبية , فيدورون في بضاعتهم و ينادون عليها في الاسواق مستخدمين اشعاراً والفاظاً و تعابير لتسويق هذه البضائع و المنتوجات اليدوية على الوافدين الاجانب لبغداد ( الرصافة ) التي رصفها المنصور الدوانيق حينها , اذ لم يكن هناك جانب ثان مسكون لنهر دجلة اسمه الكرخ كما هو الآن .
غير أن منطقة ( الشونيز ) وهي تبعد اربعة فراسخ كان بها سكن الى جوار مقابر قريش و سميّت ( الشونيز ) بعدها بالكاظمية اثر دفن الامام موسى ابن جعفر و كنيته الكاظم ( ع ) .
نعود الى الصناع و الحرفيين و صبيتهم المنادين على بضائعهم في الازقّة و الطرقات من بغداد المرصوفة , فكان ندائهم وسيلة أعلام تعكس مظلوميتهم و مظلومية ذويهم , تلك المظلومية الواقعة عليهم من السلطة الحاكمة , وخصوصاً اذا علمنا ان شرطة الرشيد و عسسه كانت طليقة اليد في أخذ الاتاواة ( الخاوة ) من هؤلاء الكسبة و في تضييق سبل العيش الكريم عليهم ( كما هم حال جلاوزة البلدية عند شعوبنا في ايامنا الحاضرة ) .
اشار احد دهاقنة التجار اليهود على الرشيد بأن يكرخهم ( للكسبة الشيعة ) الى خارج الرصافة , و ايده بعد ذلك دهاقنة آخرون , و اقترحوا أن تكون كرختهم الى الجانب الآخر من النهر .
أوعز الرشيد بكرخهم ( كما تكرخ المياه من وبر الابل و صوف الاغنام المبتلّة ) , وبذلك سميت المنطقة التي كرخوا اليها بـ ( الكرخة ) , ومن بعدها خففت الكلمة كرخة الى ( كرخ ) , فاصبح منذ ذلك الحين لنهر دجلة من بغداد جانبان , أو صوبان ( صوب الكرخ و صوب الرصافة ) .
تنويه و استدراك مهم :
في قناعاتي : لم يكن العباسيون و قبلهم الامويون يمثلون السنة , و كذلك لم يكن ابو مسلم الخراساني و بعده البرامكة يمثلون الشيعة بقدر ما هم طلاّب حكم و طلاّب دنيا يمثلون انفسهم و اطماعهم .
امّا التلبّس بلبوس ديني او لبوس أيّ مذهب من المذاهب من قبل أي من هؤلاء فما هو الاّ لبوس لتسويغ مآربهم و بلوغ أهدافهم و ليس حباً بالطائفة او المذهب الذي تلبسوا به .
( البغدادية )
( عذره انجس من فعله )
بعد عملية كرخ الشيعة وجد الرشيد أن تبريرات اعماله لا يصدقها الناس, بل يصفون كل تبريرات و اعذار اخطاء اعماله : هي امرّ و العن من افعاله .
لذلك استدعى الرشيد بن عمه ابي وهب ( البهلول ) ليسأله عن : كيف يكون المرء عذره انجس من فعله ؟
فما كان من البهلول الاّ و فاجأ الرشيد بأن نقره ببعصة على آليته !
تفاجأ الرشيد باستغراب و استهجان عملة بن عمه البهلول له .
اذ كيف و هو ( هارون الخليفة ) و واجب الطاعة و يستهزء به البهلول و يبعصه امام الملأ من دهاقنة الحاشية المقربة من الخليفة .
حين ذاك استدرك البهلول الموقف معتذراً للرشيد قائلاً له :
عفواً حضرة الخليفة , لم اقصدك انت الذات , ولكني خانتني ذاكرتي و خانني نظري , اذ تخيلتك و ضننت بأن زوجتك السيدة زبيدة هي التي تقف امامي فبعصتها ....!
عند ذاك زاد استغراب الرشيد و قال للبهلول :
ما عذرك هذا الذي هو اقبح من فعلتك الشنيعة ؟
فاجابه البهلول : هذا هو جوابي لسؤآلك الذي سألتنيه قبل قليل عن كيفية أن يكون العذر اقبح و انجس من الفعل ! .
و ألآن عزيزي القارئ الكريم :
تنشر وسائل الاعلام منذ فترة ليست بالوجيزة و لا تزال أخباراً عن انقلاب مزعوم سيقوم به الدكتور اياد علاوي على حكومة المالكي , ولربّما التعمّد في نشر هذه الاخبار , بل تضخيمها هو جزء من الحملة الاعلامية التي تشنها الاجهزة التابعة للموتورين , وهم اعضاء و كوادر و عملاء النظام البائد بالعراق , و بالطبع ليس حبّاً باياد علاوي بقدر ما هو كرهاً و بغضاً بالمالكي و حزبه و الائتلاف المنضوي فيه , اضافة الى الرعب الذي اصاب الموتورين من نجاح خطة المالكي لفرض سيادة القانون في العراق الجديد , مما له دلالاته بانقطاع آخر خيط من خيوط الامل لعودة بعض مكاسب و امتيازات هؤلاء الموتورين , بل انكشاف ما تبقى ممن لم يزل مستوراً منهم أو مندسّاً بالاجهزة الامنية أو مجلس النواب أو بقية مرافق الحياة في الدولة العراقية الجديدة .
و على كل حال , فان هذا لا يبرر اخطاء الدكتور اياد علاوي .
فتصريح الدكتور علاوي الاخير حين زار الكويت و الذي تناقلته وسائل الاعلام ( و لا تزال شبكة الاخبار العالمية – الحوراء ) لا تزال على صفحتها الالكترونية الاولى تنشر الخبر , ومفاد هذا التصريح يقول :
ان حكومة المالكي و الائتلاف مخلب ايران في المنطقة !
و انه ( علاوي ) شيعي و لا يشرفه ان تمثله حكومة شيعية كحكومة المالكي !.
و انا كاتب هذه السطور قطعاً ضد التدخل الايراني في الشأن العراقي فضلاً عن ان يكون لأيران مخلب في العراق .
غير اني اتسائل : هل لايران وحدها مخلب في العراق ؟ , أم ان هناك في العراق مخالب كثيرة ليس للقطط فقط , بل لذئآب مثل بن جرار الحبل ( حفيد كلوب ) و عصابته , و حلف السنتو ( حلف بغداد الجديد ) المتكون من السعودية و الاردن و مصر و حشروا فيه تركيا و الباكستان مؤخرا .
و بنفس الوقت فاني اتصور ان من حق الدكتور علاوي ان لا يتشرف بان تمثله حكومة شيعية كحكومة المالكي , ولكنني اتسائل كيف له ان يتشرف بان يضع يده بيد حكومة مستقبلية يتحالف بها مع البعثيين :
صالح المطلك , خلف العليان , عدنان الدليمي , محمد الدايني , ظافر العاني , عبد الناصر الجنابي .... الخ .
اني ليست لي مشكلة مع احد و ليست لي مصلحة مع اي واحد سواء كان المالكي او علاوي , بل كل ما اتمناه ان يأمن اصحاب مسطر عمال البناء في ساحة الطيران و مدينة الصبر و بقية المساطر , و يأمن طلبة الجامعة المستنصرية و بقية الجامعات و يأمن الباعة و الكسبة و اصحاب البسطيات في سوق السراي و في سوق الصدرية , و يأمن الكسبة و التجار في الشورجة , ان مصلحتي تكمن في ان يأمن كل هؤلاء فئات الشعب العراقي من ضربات و تفجيرات و مفخخات اولاد الحرام الذين يتغذون على مهاتراتنا و مناوشاتنا و حزازياتنا .
و أختم بالقول :
اتمنى أن اكون كسميي البهلول ( رحمه الله ) الا في حالة واحدة لا اتمناها , وهي :
أن لا اضرب مثلاً لعلاوي بكيفية أن يكون العذر اقبح من الفعل .
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟