أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - عيد الأم أشعر أني ملكة














المزيد.....

عيد الأم أشعر أني ملكة


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 1862 - 2007 / 3 / 22 - 12:31
المحور: الادب والفن
    


لم أستطع تخطي صوت الهاتف صباحا وأن أخرج من بيتي وأنا حاملة سلّة عطاءاتي التي تمتليء جعبتي بها كل يوم, دون رفع السمّاعة ومعرفة هويّة طارق بابي ...
لم يكن الطّارق سوى فتاة في مقتبل العمر, دون العشرين , أمّ لطفلين وحامل في طفلها الثالث.
تسارعت الكلمات في فيها وأنا صامتة أحاول لملمة أجزاءه ( أي الكلام) كي أخرج بنتيجة ما من وراء مكالمة العشر دقائق التي يلزمها ساعتين أو ربما يومين كي تطال أذني الأحداث المتراكمة.
صرخت, كذّبتُ أذني وطلبت منها أن تذكر لي الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة, فإذا بها تسرد لي قصة حياة تناسب أمرأة في السبعين, أو ربما أمرأة تحدّت شرور العالم وآفاته في ثمانين سنة...

هي إحدى الأمهات العاقلات, هكذا ادّعت, هي إحدى دعاوى الحب الأول, وإحدى اللواتي خسرن الحب ولم يخسرن العمر, هي أم لثلاث ثمرات جميلة.
وبعد,
سألت نفسي : ما مدى خسارة الأم في هذا العالم الذي يحترق يوميا سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا الخ, كبيرة جدا, كبيرة, متوسطة, قليلة, قليلة جدا, لا شىء, هل قام أحد بهذا التقييم الهام من قبل؟ لا أعتقد !

تمنيّتُ لو تترك بعض النساء ولائم الثرثرة , التشبّع ( تشويه الحقيقة), التّماهي والمبالغة, لفترة معينة وتقمن برصد وإحصاء الحقائق, حتى لو كانت مرّة مرّ العلقم, لكن وللأسف تبقى المرأة وخاصة الأم, وكما تعوّدت, حضور مأتم الصراحة, تتبادل نظرات التنكر, تلبس أقنعة الصبر, تصمت أمام صوت الصراخ, تفضحها يديها المرتعدة ويستفزها منديلها الملوح بعصبية في فراغ الوجود, ولا تنسى أن منديلها أصبح متعدد التلويحات, أستعمل مرّة يوم زفافها أولا, ويوم زفاف عزيز لها, التلويح لسفر الأعزاء, أو خروجهم من البيت دون رجعة !
ويستعمل أيضا تلويحا وتعبيرا عن مأساة كبرى بفقدان عزيز , مسكينة هي الأم ومنذ حصولها على هذا اللقب الجميل الثمين .

حكاية الأم الطفلة أعادتني الى صور الماضي . نظرت فيها, حاولت أن أنتقي منها بعض الذكريات الجميلة, حصلت على العديد منها مع ابتسامة مصطنعة تفتقر من السعادة.
طلبت من عشر نساء العثور على خمسين صورة تذكارية, لهن, من الماضي والحاضر, وتصنيفها حسب:
أشعر بأني ملكة, سعيدة, ماشي الحال, تعيسة, تعيسة جدا...
وجمت وجوه العشرة أمام الكم الهائل الذي وضع تحت مظلة الرقم الثالث, أي (ماشي الحال), وسرعان ما أستبدلت معظمها الى الخانة الرابعة, (تعيسة).

وجاء عيد الأم , أسرعت الى فتاتي التي خابرتني صباحا تطلب مشورتي, أخذت معي بعض الصوّر الجميلة لأماكن كثيرة زرتها سابقا, وطلبتُ منها أن تبادلني اللعب في تصنيف الصوّر, إحتارت وكلمتني بعصبية:
- أنا لا أحبّ اللعب بالورق, لا أملك من الصبر لهذه اللعبة ! ثم اليوم هو عيد الأم .
- هل تنتظرين هديّة ما, أرى الحشود منهمكة والحوانيت كادت تنفجر من المشترين !
- لا أحب اللّعب , أنا متعبة جدا !
- لكنك دون العشرين ربيعا يا عزيزتي وبمقدورك اللعب والاستمتاع بالورق .
- لكن هذه الصور ليست ورقا ؟
- بإمكانها أن تصبح ورقا !

صمتت أمام جوابي, بادلتني نظرة حائرة, ما لبثت أن تغيرت النظرات الحادّة الى هادئة, ابتسمت, ضحكت واعتلى ضحكها ليتحول الى قهقهات متتالية, ثم الى ضحكات متقطعة, سكتت ثم :
- هل لي أن أطلب من والدتي المجيء بصورها واللعب معنا .
- وهل والدتكِ تملك صورا ؟
- طبعا, وخالتي, ربما أيضا عمتي وابنة خالتي, و...
- لماذا ؟
- لسبب واحد , هو أننا جميعنا أمّهات !

امتلأت الطاولة بالصّور, توسطت الطاولة باقة ورد حمراء جميلة اشتريتها خصيصا للأمهات في عيدهن اللاتي سيشرفنني بالزيارة من أجل اللعب بأوراق الأزمنة, وسرعان ما أهملت فوضعت الباقة في زاوية ما.

لعبنا, كانت التي وجمت أمام صور الذكرى, والتي ضحكت لذكرى جميلة, والتي غطّت بدموعها بعضها, والتي لمست بأناملها تكرارا بعض الشخصيات داخلها, التي خبأت بعضها تحت سترتها, والتي تناولت الورق بكل استخفاف, والتي مزّقت بعض الذكرى, والتي أصرّت على عدم النظر في الماضي, والتي أصرّت على أن تتحدث مستذكرة الحدث بالشخصيات, والتي تباهت بالشخصيات المنقوشة, و... الخ

وكم فرحت بالمفاجأة عندما قامت الأم الطفلة باعداد كيكه كبيرة خصيصا بهذه المناسبة الخاصة. تناولنها, وكأنهن يتناولن الصبر وطول البال, تشاركن المائدة وهن مستبشرات خيرا, واضعات الآهة خلف ظهورهن, مبتسمات متفائلات ليوم 21 مارس آخر كي يحتفلن بعيدهن وكي يلعبن مجددا الورق بالصّور .



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثامن من آذار
- قبعتان وغمزة
- طائرات العيد
- هل بقي ما نحتفل من أجله !
- قصة قصيرة-المُهرج الباكي
- المرآة الهشّة لا تخفي الحقيقة
- (عقارب) قصة قصيرة
- كائنات في الظل
- اللوحة الخالدة
- صندوق بريد
- لماذا لا تبكي جدتي
- عيون الليل الحزين
- السماء لا تمطر أقنعة
- وتر بلا عازف
- استسلام بكبرياء
- ناطحة سحاب وبرج حمام
- وفي قلمها ينطوي العالم الأكبر...!!!
- ناجي ظاهر بين التفاؤل والحزن والتعلق بالمكان
- في يوم المرأة العالمي وعيد الأم أناجي أمومتي
- لماذا نخفي رؤوسنا ونغمض أعيننا أمام الشعارات الزائفة


المزيد.....




- حارس ذاكرة عمّان منذ عقود..من هو الثمانيني الذي فتح بيوته لل ...
- الرسم في اليوميات.. شوق إلى إنسان ما قبل الكتابة
- التحديات التي تواجه الهويات الثقافية والدينية في المنطقة
- الذاكرة السينما في رحاب السينما تظاهرة سينما في سيدي بلعباس
- “قصة الانتقام والشجاعة” رسمياً موعد عرض فيلم قاتل الشياطين D ...
- فنان يعيش في عالم الرسوم حتى الجنون ويجني الملايين
- -فتى الكاراتيه: الأساطير-.. مزيج من الفنون القتالية وتألُق ج ...
- مسرحية -أشلاء- صرخة من بشاعة الحرب وتأثيرها النفسي
- الجمعة.. انطلاق نادي السينمائيين الجدد في الرياض
- غدا.. اجتماع اللجنة الفنية للسياحة العربية بمقر الجامعة العر ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - عيد الأم أشعر أني ملكة