أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرضا المادح - الخبّز وعبدُالله *














المزيد.....

الخبّز وعبدُالله *


عبدالرضا المادح

الحوار المتمدن-العدد: 1862 - 2007 / 3 / 22 - 12:27
المحور: الادب والفن
    


في عصر أحد الأيام وكعادته بعد العمل، توجه إلى البيت سالكاً ذلك الطريق الأسفلتي المحشور بين أشجار النخيل الممتدة على جانبيه، حيث يترك خلفه إنتهاء إمتدادات البيوت من محلة التحسينية. خيوط الشمس المتكسرة على حافات سعف النخيل تتراقص على الأسفلت فينعكس وهَجها على جبهته، لتتدحرج قطرات تحمل بقايا تعب عمال البناء المنثورين في ذاكرة الأغاني التي يحفظها عن ظهر قلب، لتنساب مع الألحان الشجية لفرقة " الطريق البصرية " والتي كان هو أحد المبدعين فيها بصوته الجهوري المتوارث من ثوار الزنج.
للحظات يشعر بوحشة الطريق فيدندن مع نفسه:
ـ عمال واحنه تعــابه... حط ايديك بيديـّـه ...
ـ أويــلاه ... يايــابه ... يايــابه.... يايــابه...
ـ كل يومي بثلثميــه...
ـ كل يومي بثلثميــه...
ـ كل يومي بثلثميــه... **
فتترنح جذوع النخيل على نغمات صوته العذب بحركات تشبه رقصة الهيوة التي يعشقها.
ـ السلام ورحمة الله...هله خويَـه ( أخي ). لايكلّ من ترديد السلام أو المبادرة بذلك للقادمين من كوت الحُجاج، فهو يعرفهم جميعاً بلا استثناء، تلك المحلة ـ القرية، المنعزلة المطوقت بالنخيل والمتميزة ببساطتها وطيبة أهلها اللامحدودة. ( موسكو الصغرى ) هكذا كان يحلو لشبابها أن يطلقوا عليها، رغم أن بيوتها أشبه ببيوت الطين وكلها من طابق واحد، جدرانها منغلقة على غرف قليلة يتوسطها حوش ( باحة ) في الوسط.
من النادر أن تمر في الشارع سيارة متجهة إلى كوت الحُجاج، حيث لايملك أحد هناك سيارة. يخلو الأسفلت من اثار إطارات. ترسم التشققات خرائط هلامية على السطح الأملس بفعل التمدد اللانهائي. قطعت الشارع ضفدعة كانت تنطّ مسرعة، لترتمي على التربة بين الحشائش المتطفلة على جذور النخيل البارزة في أسفل سيقانها الواقفة كأعمدة الكهرباء.
لاحت على يمين الشارع بين النخيل وإستطالات ظلالها وعلى بعد أمتار، امرأة لفّت نصف جسدهها السفلي بعباءتها السوداء. إنحنت قليلا بقامتها النحيفة وهي تقوم بحركات متناسقة لتنشر عجين الخبز بين كفيها ثم تدوّره في الهواء بحركة بهلوانية فيهبط قرص العجين ليستقرّ على المْلِـزگة، المصنوعة من القماش المحشي بليف النخيل على شكل دائري. كان الدخان الأبيض الخفيف يمتزج مع اللهب الصاعد من التنور. إمتلأ البستان برائحة الخبز الشهية، المشوي على السعف المتيبس. إلتفت إلى مصدر الرائحة التي إستفزت عصارة معدته الخاوية فأنفجر صوته ليملأ المكان:
ـ أيـــّــــها الخُبز حين اهتديت إلى النــــار ...
ـ يحملك الفقرااااء...
ـ راااااعشاً...
ـ بين ايديــهم الراعشـــات... ***
لم تتركه تلك المرأة أن يكمل أغنيته حيث غزا الصوت فؤادها لتنادي كأم حنون:
ـ تعـال يُمّـه...تفضل.
وقدمت له ما اشتهت نفسه من ذلك التنور، المتجدد يومياً بطقطقة كرب النخيل وسعفه.
علت البسمة وجهه مشوّبة بحمرة إمتزجت بسمار التمر المشوي بحرارة الشمس اللزجة.
ـ شكرا الله يطول عمرچ ( عمرك ).
إختفى الجسد في إنحنائة الشارع الأسفلتي. بينما تواصلت إرتعاشات الكفين لتخطف الأقراص من باطن التنور الطيني الأحمر.

* عبدالله أحمد عبود السالمين ـ الشيوعي البطل الذي تحدى الجلادين بصموده، ليستشهد تحت التعذيب في أقبية الأمن الصدامية في بغداد بتاريخ 04 09 1980.
** إحدى أغاني اوبريت " المطرقة " 1970 ، للشاعر علي العضب وتلحين الفنان طالب غالي .
*** إحدى أغاني اوبريت " الطريق " والذي لم ينجز بسبب مضايقات النظام، للشاعر عبدالكريم كاصد، وتلحين الفنان طالب غالي .

13 03 2007



#عبدالرضا_المادح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَشهدْ
- جرافّة الموتى
- هل فقد الجواز العراقي مصداقيته وشرعيته...!؟
- حقائق إضافية حول - قصة الشيعة في العراق-
- هل سيُسقط صدام حكومة المالكي...؟
- الوهم
- درب التبانه
- مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي والتطبيق
- مشروع النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي ملك الشعب
- بجرّة قلم ألغى العلم
- !... ألقطط ألسمان وألشحمة ألنفطية


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرضا المادح - الخبّز وعبدُالله *