أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرضا المادح - جرافّة الموتى














المزيد.....

جرافّة الموتى


عبدالرضا المادح

الحوار المتمدن-العدد: 1823 - 2007 / 2 / 11 - 11:31
المحور: الادب والفن
    


31 01 2007
في قرية منزوية بين الجبال حيث لا شرطة انضباط تلاحقه، كان الجندي الفار يتكيء على وسادة مسندة الى الجدار، ممدداً قدميه بأسترخاء ليزيل ماتبقى من التوترات العصبية والعضلية التي كان يعاني منها على خطوط الجبهة لأشهر عديدة، بالرغم من انه لم يشارك في المعارك كمقاتل، فقد خدمته مهنته كسائق جرّافة " شفل" ليكلف بأعمال حفر الخنادق أو شقّ الطرق الترابية لمرور العربات العسكرية، فهوت امام آلته الجبارة المئات من اشجار النخيل ودمر اراض زراعية شاسعة تنفيذاً لاوامر العسكر الصارمة.
كان يتحدث بلغة عربية ذات لكنة خفيفة، ليستمع اليه أهله وضيفان من الانصار* بأندهاش واضح. اخرج من جيب سرواله مسبحةً بنية اللون، ليبدأ بتحريك حباتها فتصطدم ببعضها وتصدر صوت طقطقة خفيفة تتناغم وصوته الحزين، كان ضوء المصباح الزيتي يترك على وجهه آثار انفجارات قنابل من بعيد.
جاءته الاوامر ليتحرك نحو الخطوط الامامية، ويحفر مقبرة جماعية للجثث المتناثرة على خط الجبهة بعد معركة شرسة دامت لعدة ساعات، كان قرار القيادة عدم تسليم الجثث لأهلها خوفا من انتشار الرعب والغضب بين الناس والجنود.
جلس خلف المقود وضغط على زرّ ليدير المحرك، بدأت الجرّافة ترتعش وهي تزمجر ليطغي صوتها على اصوات الجنود الذين لايكفّون عن الحركة في باحة الموقع، وهم ينقلون العتاد والتموين وأشياء اخرى. إنطلقت الجرّافة على الشارع الترابي بحركة بطيئة حذرة، كانت الحفر التي خلفتها القنابل والصواريخ ترسم خارطة منخورةً للمكان، لاتزال رائحة البارود تغلف جزيئات الهواء المحصورة بين بقايا الأليات المحطمة المنثورة على جانبي الطريق. بدأت الصورة المأساوية تقترب من عينيه، جثث ممزقه تمددت وتكورت بشكل افقي مع امتداد الخنادق القتالية، رؤوس، أذرع، اقدام تَركت اصحابها بلا عنوان، تربة اصطبغت بلون احمر قانٍ تشوهه كتل الذباب، رائحة انتشرت تمزق الحواس، ابتعد كلب يحمل بين اسنانه كفاً إلتمع على احد اصابعها خاتم ذهبي. شعر بألم في بطنه ورغبة في التقيؤ، فكر بالعودة ولكن مشاهد فرق الاعدام اثنته عن ذلك، غرس مقدمة الماكنة في الارض ليبدأ مراسيم الدفن بلا دفان، رفع كتل الاجساد ليلقي بها الى الحفرة، كرّر العملية وهو اقرب الى حالة الاغماء، ليستفيق على صرخة واهنة جاءته من مقدمة الماكنة:
ـ الله يخليك لا تدفنني...!
قفز من خلف المقود ليشاهد جسد ممزق فوق الركام المكدس في الرافعة ينظر اليه بعينين متوسلتين، خفت فيهما بريق الحياة.
هرول نحو الموقع ليخبر الضابط ، عسى ان يرسل مجموعة لنقل الجريح.
ـ ادفنه معهم فلسنا بحاجة الى معوقين. قال الضابط بحزم.
كانت قدماه تجرجره بتثاقل نحو الماكنة الهمجية، الشمس خلف ظهره بدأت تنغرز في رمال صحراء الزبير، سحب عتلة لتهوي الاجساد مع الانين الى قعر الحفرة، لم يستطع دفن المشهد في قبر الذاكرة،
بريق الذهب في كف زوجته يحمله بلا وعي الى المقبرة.

* الانصار ـ مقاتلي الحزب الشيوعي العراقي في شمال العراق ضد نظام البعث.



#عبدالرضا_المادح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل فقد الجواز العراقي مصداقيته وشرعيته...!؟
- حقائق إضافية حول - قصة الشيعة في العراق-
- هل سيُسقط صدام حكومة المالكي...؟
- الوهم
- درب التبانه
- مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي والتطبيق
- مشروع النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي ملك الشعب
- بجرّة قلم ألغى العلم
- !... ألقطط ألسمان وألشحمة ألنفطية


المزيد.....




- فيلم -الست-: تصريحات أحمد مراد تثير جدلا وآراء متباينة حول ا ...
- أبرز إطلالات مشاهير الموضة والسينما في حفل مهرجان البحر الأح ...
- رغم حكم بالسجن بتهمة -القيام بأنشطة دعائية-... المخرج الإيرا ...
- المشاهير العرب يخطفون الأنظار في المهرجان الدولي للفيلم بمرا ...
- خمسون عاماً على رحيل حنة آرنت: المفكرة التي أرادت إنقاذ التف ...
- احتفاء وإعجاب مغربي بفيلم -الست- في مهرجان الفيلم الدولي بمر ...
- عيد البربارة: من هي القديسة التي -هربت مع بنات الحارة-؟
- افتتاح معرض فن الخط العربي بالقاهرة بتعاون مصري تركي
- عام فني استثنائي.. 5 أفلام عربية هزت المهرجانات العالمية في ...
- صناع فيلم -الست- يشاركون رد فعل الجمهور بعد عرضه الأول بالمغ ...


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرضا المادح - جرافّة الموتى