أوروبا - أميركا : وتغيير السلوك السوري

ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)

الحوار المتمدن-العدد: 1858 - 2007 / 3 / 18 - 06:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تأخرت القيادة السورية كثيراً في قراءة مفردات الخطابين الأوروبي والأميركي الموجه إليها, طيلة العاميين الماضيين وما تخللهما من أحداث وفواجع متسارعة , اقتضت العجالة في التعامل بدون أي خمول أو تراخي في اتخاذ المواقف الصائبة والمفضية إلى حلحلة المشاكل العالقة.
التأخر الأول كان في تجاهل الأصوات والنداءات الأوروبية المشددة على ضرورة تهدئة الأوضاع المفتعلة في الساحة اللبنانية , وذلك بدءاً من التمديد القسري إلى الاغتيال الفاجع , وما استتبعهما مجموعة من القرارات الجسام على عقلية السياسة السورية, الرافضة للتعاطي معها باطنياً وتأييدها ظاهرياً , باعتبار أنها تحترم الشرعية الدولية وجميع القرارات الصادرة منها على الدوام, ولتتجنب الاتهام والزج مع إسرائيل , كونها الطرف الأكثر تملصاً في تنفيذ القرارات الدولية .
من أبرز هذه القرارات القرار رقم 1680 الداعي إلى ترسيم الحدود بين لبنان وسورية والتبادل الدبلوماسي بينهما, إضافة إلى البت في هوية مزارع شبعا التائهة , وحتى الآن لم تتم مناقشة أي منها على الإطلاق, لأسباب مصلحية محضة لا تستطيع سورية الإقدام عليها دون جني الثمن المقابل .
فترسيم الحدود تصر سورية على ربطه بقضية مزارع شبعا ليصار إلى تحديد هويتها في نهاية المطاف, التي قيل مراراً على الشفاه بأنها لبنانية , والقصد السوري من وراء هذا الربط التأخير قدر المستطاع لموضوع التبادل الدبلوماسي , اللهم إلا إذا فرض فرضاً في حالة غير مسبوقة في العلاقات الدولية , لأنّ مصير الترسيم وهوية شبعا في السلوك السوري مرهونتين بتحرير الجولان المحتل أولاً من قبل إسرائيل , إذاً الرسالة السورية تتلخص في نقطة واحدة , لا ترسيم طالما بقي الاحتلال الإسرائيلي جاثماً في هضبة الجولان .
ثبات السلوك السوري في غرف السياسة المغلقة , أغضب الأوروبيون كثيراً , خصوصاً إيطاليا وبلجيكا اللتان أرسلتا الإشارات والمطالب إلى سورية لتقتنع من تلقاء نفسها بأهمية وجود القوات الدولية ( يونيفيل) حسب مقتضيات القرار الدولي 1701 على حدودها مع لبنان, والسبب يكمن في قطع طرق الإمداد العسكري لحزب الله من إيران عبر سورية, بعدما تبين لهم أن الحدود السورية – اللبنانية , هي مصدر التسريب الوحيد لسلاح حزب الله , بينما كانت ألمانيا في غاية الوضوح عندما قالت مستشارتها أنجيلا ميركل في الصيف الماضي, إن مشاركة بلادها في القوات الدولية هو لحماية إسرائيل وليس لبنان .
لم يكن مستغرباً من الدعوة التي وجهها خافيير سولانا المنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إلى تغيير السلوك السوري , فيما يتعلق بشؤون لبنان والمنطقة , هذا يعني كما أن سورية جزء من الحل فهي جزء من المشكلة أيضاً , مع كامل الالتزام بالرأي العام الأوروبي الصادر من قمة بروكسل مؤخراً , القائل بأن سورية جزء من الحل ولا يجوز عزلها .
واللافت أنّ تصريح سولانا يتقاطع بشكل أو بآخر مع تصريحات كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية, الداعية بالقدر نفسه إلى تعديل السلوك السوري إزاء مختلف القضايا , وعليه, فإن التلاقي بدا واضحاً في نبرة السياستين الأوروبية والأميركية تجاه سورية , التي سبق أن خيّم عليها أجواء من الفرقة وعدم التفاهم , من الجهة الأخرى كان الرد السوري حول أحاديث العزلة صارماً , على لسان وزير الإعلام محسن بلال , الذي قال من يريد أن يعزل سورية فقد عزل نفسه, في إشارة واضحة في تحدي فرنسا ورئيسها جاك شيراك , الذي أعلن اعتزاله العمل السياسي .
في خضم التصريحات الأميركية المتصاعدة والزيارات الأوروبية الخاطفة يبقى أمام سورية لتغيير سلوكها المطلوب تغييره , خياران لا ثالث لهما , فإمّا أن تقبل مسبقاً بالدور الذي ستحدده لها أوروبا نيابة عن أميركا الغارقة في العراق , وثمن ذلك التجاوب بات معروفاً لدى الجميع , فك طوق العزلة المطبق على رقاب السوريين , من خلال تحريك ما تجمد في مسار الشراكة المتوسطية ضمن الشروط المرعية ,
أو أن تتحمل التداعيات المترتبة عن سلوكها هذا , بحيث لن يكون حجمها مساوياً لحجم العزلة , بل قد تلجأ أوروبا لتطبيق سياسة الخنق البطيء التي امتازت بها , والجاري تطبيقها الآن على إيران في مجلس الأمن الدولي , كبديل عن أسلوب الأميركيين في شن الضربات الوقائية ذات النتائج الكارثية .

#ثائر_الناشف (هاشتاغ)       Thaer_Alsalmou_Alnashef#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل