أوسلو : 7-8-2003
قبل أيام قام عازف البيانو اليهودي الشهير دانيال بارنبويم بتوجيه انتقادات شديدة وحادة لسياسة الاحتلال الإسرائيلي اتجاه الفلسطينيين،وقال لا يحق لأي شعب أن يكون قوة احتلال.هذا الكلام جميل لأنه يأتي من يهودي يعي ويعرف ما سيترتب على سياسة الاحتلال مستقبلا وقد جاء هذا الكلام في خضم الأحاديث عن الأسرى وأزمتهم وعملية إطلاق سراحهم،وكذلك في ظل الوضع الهش للهدنة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.باعتقادنا أن الكلام وحده لا يكفي ،إذ يجب ربطه بالأفعال والعمل من أجل وضع حد للاحتلال وأزالته هو والمستوطنات وقطعان المستوطنين الذين يعتبرون بمثابة عصابات إرهابية خارجة عن القانون،حيث لا يوجد أي قانون محلي يحاسب تلك القطعان من الوحوش الضالة،وهؤلاء يشبهون لحد كبير العصابات الاستيطانية البيضاء التي استوطنت أمريكا وأبادت الهنود الحمر سكانها الأصليين،كما كانت استعبدت الزنوج،جماعة كونداليسا رايس وكولن باول.
هذا العمل لا يمكن أن يأتي بدون جهد من الذين تشجعوا للسلام من الطرفين،فإمكانية تحقيق السلام لن تكون بدون مواجهة الاحتلال،لأن الاحتلال هو الإرهاب،وهو الذي يمارس كل أنواع الأجرام ،ويتفنن في تعذيب سكان الأرض الفلسطينية المحتلة.كما أن مواجهته يجب أن تكون مركزة ومبرمجة،وشاملة على مستويات عدة و على نطاق واسع،لتعم العالم كله وتصبح حاضرة في كل المحافل الدولية،لكن هذا لا يتم بدون برنامج عمل يشمل كل دعاة السلام الذين يناهضون الاحتلال والاستيطان،ويعترفون بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.ويتحدد نجاح تلك الحملات السلمية بسبل ونتائج العمل المشترك الذي سيشارك فيه دعاة السلام ومناهضي الاحتلال والاستيطان.
أما أن يكتفي دعاة السلام بعقد اللقاءات والسفر والمؤتمرات والأحاديث التي لا تقدم ولا تؤخر،فهذا العمل ليس أكثر من مضيعة للوقت وضحك على الذقون واستهتار بخطورة الأوضاع التي تهدد حياة الجميع في المنطقة.
نقول هذا لأننا لا نرى ولا نلمس أعمالا كبيرة يقوم بها دعاة السلام من الجانبين،وبالذات من الجانب الإسرائيلي الذي شهد انحسارا كبيرا وتراجعا خطيرا في معسكره السلمي،هذا المعسكر الذي كان قد شهد بعض الازدهار بعد عملية سلام الشجعان في أوسلو،وذلك بسبب كثرة التنازلات والانبطاح المجاني من قبل اللاهثين الفلسطينيين وراء سراب سلام الشجعان.لكن ورغم قلة حيلة وضعف هؤلاء في الجانب الإسرائيلي،هذا الذي لم ينضج سلميا لغاية الآن،فأن من الملفت للنظر وبشكل كبير،كان التطور الذي شهدته برامج عمل مجموعات السلام الأوروبية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني،حيث أصبحت تمارس دورا تضامنيا ميدانيا،تكلل بعدد من الشهداء قدمتهم تلك المجموعات على مذبح السلام الحقيقي.إن هذا التطور الذي طرأ على عمل المجموعات المناصرة والمتضامنة يجب أن يكون عبرة للجماعات الإسرائيلية التي تريد السلام وترفض الحرب والاحتلال والاستيطان.فانضمام معسكر السلام الإسرائيلي الحقيقي لتلك المجموعات وطلائعها في المناطق الفلسطيني المحتلة يعطي نتائج، ولا بد أنه سيعطي تلك المعركة الحضارية والجديدة من أجل السلام الحقيقي والجديد بعدا أضافيا جديدا ونقلة نوعية،قد تكون ذات تأثير كبير على تطور الأمور ميدانيا.
فاستمرار الهدنة ولو بالشكل الأعرج الذي هي عليه الآن،نتيجة الخروقات الإسرائيلية اليومية،تلك التي حرصت إسرائيل على القيام بها،لأجل إفشال الهدنة،بالإضافة لخارطة الطريق المليئة أصلا بالعاهات والتي لا ترقى لحل مثل تلك الأزمات.هذا كله قد يمكن مجموعات السلام من تحصين مواقعها في مواجهة الدبابات والجنود المدججين بالسلاح،كما في وجه سياسة الإرهاب والأجتثات التي يقودها شارون بكل ذكاء وهدوء.فشارون الذي يعتبر العدو الأقوى والأساسي للسلام مع الفلسطينيين،لا يملك أي برنامج سلام ولا توجد عنده حتى النية للقيام بأية خطوات تعطي الآخرين أملا في تبدل سياساته المعادية للسلام.
كما أصبح من الضروري أيضا أن تتبنى مجموعات السلام برنامج عمل يكون شعاره وعنوانه الأساسي الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون ومعتقلات الاحتلال،لأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام والسجون تكتظ بالأسرى والمعتقلين من أبناء فلسطين.فحرية هؤلاء الأسرى مقدسة،كما أنها ضرورة لكي يكون هناك حديث عن السلام،لأنه بدون حريتهم لن يكون هناك أي سلام مرتكز على أجماع أو أغلبية في فلسطين،لأن أغلبية الشعب الفلسطيني تريد حرية الأبناء وإطلاق سراحهم من سجون الإرهاب والقمع والإذلال،حيث يقبع المئات منهم في تلك السجون منذ سنوات طويلة،تعرضوا خلالها لكل أصناف الاستبداد والتعذيب والتنكيل والمهانة،ومنهم من قضى في السجون أكثر من 20 عاما،كما هو الحال مع الأسرى،سمير العتبة،(1977)،نائل البرغوثي (1978)،فخري البرغوثي (1978)،سمير القنطار (1979)،أكرم منصور (1979)،محمد محمود (1980) وغيرهم العديد من الأسرى الصابرين والصامدين،بالرغم من بطش وظلم السجان.
ومن الملاحظ أن إسرائيل لا تعير هؤلاء الأسرى أي اهتمام يذكر فهم بالنسبة لها مجرمون يجب أن يعاقبوا لأنهم قتلوا إسرائيليين أو قاتلوا ضد إسرائيل،لذا نجد أن أية عملية تبادل أو إطلاق سراح أسرى تتم بعد اتفاقيات مسبقة مع السلطة،تكون خالية من الأسرى القدامى أو أنها تشمل من انتهت مدة اعتقالهم أو الذين أوشكوا على إنهاء عقوبتهم،بالإضافة للمعتقلين الإداريين أو الجنائيين. وهذا ما حدث في المسرحية الأخيرة التي كانت درسا جديدا يضاف للدروس التي تعلمها الجانب الرسمي الفلسطيني المفاوض.إن أية عملية تفاوض مع الإسرائيليين يجب أن لا تتم قبل أطلاق سراح كافة الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية،لأنه لم يعد هناك أي مجال للمساومة في هذه القضية خاصة أن سلطات السجون بادرت للعديد من الأعمال العدوانية والعقابية بحق الأسرى،فضيقت عليهم الخناق وأكثرت من أعمال الإهانة والإعاقة والاعتداء عليهم والتحرش والتنكيل بهم وأهانتهم وإهانة ذويهم وحتى محاموهم الذين يريدون زيارتهم. وآخر تلك الأعمال التعسفية كان بناء الجدار الزجاجي الذي يمنع الأسير من التواصل مع زائره بشكل طبيعي،لكن فقط عبر الماكروفون. هذه الأعمال سوف تقود لثورة كبرى داخل السجون والمعتقلات،لأنها تمس الأسرى في الصميم وتحد من تلك الحرية القليلة التي يحصلون عليها إثناء الزيارة.والأيام القادمة سوف تكون حبلى بسيرة وأخبار السجون والمعتقلات،وهنا بالذات يبرز دور قوى المناصرة والتضامن والمؤسسات الشعبية والمدنية الفلسطينية والعربية والعالمية،فالدور المطلوب من تلك المؤسسات هو حماية الأسرى ومشاركتهم كفاحهم من أجل تحسين ظروف اعتقالهم وأساسا من اجل إطلاق سراحهم.
إذا نجحت حملات التضامن في كسر الجبروت الإسرائيلي، وهدم الجدار الزجاجي العنصري في السجون،فأن مهمتها في هدم الجدار العنصري الذي يتم بناؤه الآن في الضفة الغربية تكون أسهل بكثير.وهكذا يكون العمل لأجل نصرة السلام وهزيمة أعداؤه معسكر شارون و موفاز في الحكم وبيريس وزملائه في المعارضة.