أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن الهويدي - منهج الفساد في سورية..خطوط...دوائر وزوايا جزء من حكاية















المزيد.....

منهج الفساد في سورية..خطوط...دوائر وزوايا جزء من حكاية


حسن الهويدي

الحوار المتمدن-العدد: 1851 - 2007 / 3 / 11 - 13:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنت صغيراً في قرية نائية تقع على ضفاف نهر البليخ، حافي القدمين عاري الجسد بعد أن جردت الثورة والدي من أملاكه كونه "إقطاعي"، إلا إن عائلتي لا زالت حينها تحافظ على وزنها الاجتماعي الذي لم يستطع البعث سحقه رغم كل المحاولات، وهذا يعود إلى طبيعة المنطقة والانتماء العشائري، كان لعائلتي "مضافة" كبيرة الحجم تطل على منطقة زراعية واسعة الامتداد، مما يجعلها تجذب سكان القرية للجلوس على شرفتها، منهم البعثيون، والامنيون ودوريات المخابرات.

أما الدرك فكانوا يأتون علي خيول عربية يمتطونها، متجهين إلى المضافة كونها الجامع الوحيد لأبناء القرية لرؤية المختار أو إبلاغ احد الأهالي أمرا،

أو لاستدعاء البعض من شباب القرية للجندية، كانوا يطلقون على أنفسهم الدرك بينما الأهالي يطلقون عليهم (أبو عريف) وهو مرض يصيب الطيور عند الأهالي وتنفق معظمها نتيجته، وهو ما يشبه الآن ( أنفلونزا الطيور) الذي لم يصل إلى سورية بل إلى منطقتنا رغم أنها قريبة جداً من المناطق التركية المصابة ؟؟..
كانوا –الدرك- الذين تحولوا مع مصطلحات الثورة إلى شرطة وبدلوا الخيول العربية بسيارة جيب خضراء اللون مكشوفة السقف، يفرضون على أهالي المطلوبين المبلغين, لغض الطرف عنهم، أن يطهوا لهم وجبة من الطعام وهي منسف من لحم ديوك الدجاج على شرف الدرك والرفاق البعثين ومختار القرية. أما في موسم الحصاد والأعياد الدينية فيأتون لأخذ الإتاوة، التي يطلقون عليها اسم ( الشرية)*، ومن بعدها تحول إلى مصطلح وبأسم جديد (البقشيش)**، ثم (الإكرامية) وهذا الأخير هو المصطلح الأكثر تماسا ومداعبة لجغرافيا المشاعر في المنطقة كونه اشتقاق من كلمة (كرم) الأصلية.
لم يمض على الثورة سوى بضع سنوات، حيث بدأ الفساد يدب في حياة الناس العامة، بدأ بالديك وسار بهدى (التقرير) ليتطور ويصل إلي مقاعد الدراسة التي كنت احد طلابها في المرحلة الابتدائية.
كان المعلمون يعتاشون على نفقة أهل القرية، من كساء وطعام وكان معظم المعلمين يجتمعون مع الأهالي في المدرسة بعد انصراف الطلاب. لم نكن نغادر المدرسة بل نجلس خلف النوافذ نسمع الحديث الذي يدور بين المعلم الرفيق، "والرفاق" وكلمة رفيق انتشرت وشاعت بين سكان القرية، و إذا لم تخني الذاكرة، فقد كان معظم الحديث عن عائلتي الإقطاعية وكيفية التصدي لها، وأن الرفاق هم أبناء هذا الوطن الاشتراكي، وأبناء الثورة وحماة القائد والوطن بينما كنا نحن في محاور أحاديثهم "عملاء الرجعية والاستعمار والرأسمالية", و أن والدي وأقاربي هم الذين "يمتصون" عرق وجهد ودماء الفلاحين، وكان دائما يطرح الشعار الشهير (الأرض لمن يعمل بها).
هذا المعلم الذي كان يطلب مني بالأمس القريب أن اجلب له الطعام والخبز واللبن والبيض الغطاء والفراش النظيف من منزل والدي، الفراش الذي كان يرغب في أن ينام عليه، والطعام الذي يتلذذ بمذاقه، ويرفض أن ينام على أغطية وفرش رفاقه البعثيين من فلاحي القرية وكان يقول أنها قذرة، ووسخة للغاية.
مع نهاية العام الدراسي يغادر إلى بلده محملاً بغنائم علمه ومحاضراته الحزبية من الجبن والصوف والسمن العربي، يتم توديعه على عربة يجرها حصان حتى الطريق الرئيس الذي يبعد مسافة عن القرية، مؤكدا عليهم السير بمسيرة الثورة وأنه سوف يأتي في العام القادم حتى يكمل المشوار معهم.
كنا ننتظر سيارة عابرة تقل معلمنا إلى المدينة مرت شاحنة كبيرة على متنها رجال وعلم البعث يرفف من حولهم يهتفون بأصوات مرتفعة (يا إقطاعي منك منا شيل جلالك وارحل عنا) ***، والجبن والصوف على ظهر العربة، ينتظران الرحيل إلى مدينة أخرى، هكذا بقي الحال إلى ان انتقلت الى المدينة لكي اكمل دراستي الإعدادية ، المدينة التي هي اكبر وأوسع من قريتي إلا أنها أشبه بقرية كبيرة.
عام دراسي جديد من الاحتفالات بأعياد الثورة المجيدة لا يمضي شهر أو أسبوع إلا ونحتفل بمناسبة عيد أو زيارة مسؤول، يتم حجز الحافلات من باصات الهبوب هوب والجرارات وشاحنات القطاع العام والخاص لنقل المحتفلين من كل قرية كبيرة وصغيرة، عمالا وفلاحين وطلبة وموظفين، فُتحت الاعتمادات المالية للدوائر الحكومية على مصراعيها، وتُصرف الأموال دون حسيب أورقيب ويتم ذلك على يد لجان المشتريات، لشراء الأعلام و الصور واللافتات والزينة الضوئية، تكلفة اللافتة الواحدة التي تترواح إبعادها مابين عرض 60 سم وطول ثلاثة أمتار مبلغ وقدرة الفان وحمسائة ليرة سورية ، والصورة المرسومة بألوان زيتية مرسومة على قطعة كبيرة من القماش تكلفتها من عشرة الاف الى خمسة عشر الفا من الليرات السورية

بعد زيارة الرئيس الراحل أنور السادات لإسرائيل ، لم يكن يمر أسبوع في الشهر الا ونخرج بمسيرة استنكار، ضد زيارته، تتعطل الدروس كافة، و قبل ايام من خروجنا بتلك المسيرة، باستثناء درس "التربية العسكرية" حيث يتم تدربينا على النظام المنظم وحفظ الشعارات التي نلتزم بترديدها، وإلزامنا بحمل الصور وتسليمها بعد انتهاء المسيرة لمكتب التربية العسكرية، في مبنى اتحاد "شبية الثورة" خوفا من هروب بعض الطلبة أثناء المسيرة، حتى الحمار الذي كانوا يجلبونه ليشاركنا المسيرة كان مأجورا، الحمار الذي يلصقون على جسده صورا وعبارات تنعت (السادات) بخائن وصوت مطربة البعث (دلال الشمالي) يطرب مسامعنا. فيطفوا على السطح مصطلح جديد *(حج قاسم ناصيف) الذي رافق حياتنا لسنوات كمواطنين يدس يده في جيوبنا الفارغة وبطوننا الخاوية.

لم يتحقق العيش الهنيء والحرية والرفاه والعدالة الاجتماعية، كما ودعتنا الثورة، تحرير الجولان وفلسطين ولواء اسكندرون وعربستان من اولياتها، ورفع شعار (التحرير والتصحيح)ها قد مرت من حياة المجتمع السوري اربعون عاما، وهو يرزح تحت قوانين الثورة الاستثنائية، كقانون" الطوارىء والاحكام العرفية"، كوننا البلد الوحيد المعني بتحرير الارض والبشر، والعمل على تحقيق أهداف الثورة في" الوحدة والحرية والاشتراكية"، بينما بقي الفساد ينخر بنا من كل نحو وصوب، وزاد الفقير فقرا، ورعاة الفساد ازدادوا ثراء، هل لنا أمل بعد غابت عن مناهج "التربية الوطنية"عربستان واللواء السليب، هل لنا أمل في مسيرة التطوير والتحديث.
وكم من عديد السنين علينا الانتظار؟؟؟؟........
-----------
*الشرية: هي كمية من القمح تعطى اثناء موسم الحصاد
**البقشيش:مبلغ من المال يقدم كرشوة بعد انجاز أي عمل في دائرة حكومية
***(يا إقطاعي منك منا شيل جلالك وارحل عنا)دعوة لطرد الاقطاع من بلدهم وأرضه
****(حج قاسم ناصيف)مصطلح لتقاسم الأموال مناصفة.



#حسن_الهويدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تدمر في الذاكرة.. مملكة الرماد.. مجرد موت واحد
- (1)تدمر في الذاكرة ..سجانو الرغبات
- تدمر في الذاكرة.... سجانو الرغبات 1
- تدمر في الذاكرة ...في الطريق الى تدمر...مشاهد من التعذيب في ...
- تدمر في الذاكرة ..في الطريق الى تدمر ..مشاهد من التعذيب في س ...
- تدمر في الذاكرة ..في الطريق إلى تدمر..مشاهد من التعذيب في سج ...
- تدمر في الذاكرة.. في الطريق إلى تدمر... مشاهد من التعذيب في ...
- تدمر في الذاكرة في الطريق إلى تدمر
- تدمر في الذاكرة في الطريق إلى تدمر.. تدمر في الذاكرة في الطر ...
- الطريق الى تدمر...مشاهد من التعذيب في سجون التحقيق2:
- تدمر في الذاكرة ..الطريق إلى تدمر مشاهد من التعذيب في سجون ا ...
- الطريق الى تدمر...مشاهد من التعذيب في سجون التحقيق
- تدمر في الذاكرة12في الطريق الى تدمرشهادات عن التعذيب1
- تدمر في الذاكرة -10- (ضحايا تشابه الأسماء)
- تدمر في الذاكرة (9) محاكم استثنائية
- الإعلام السوري طنة ورنة ومدارات:
- في مؤتمره القادم هل يعتذر حزب البعث للشعب السوري
- تدمر في الذاكرة8 ليلةمن2000يوم وليلة
- تدمرفي الذاكرة(6): شبح عون المخيف 1989
- تدمر في الذاكرة(5) طبابة متميزة


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن الهويدي - منهج الفساد في سورية..خطوط...دوائر وزوايا جزء من حكاية