أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسن الهويدي - تدمر في الذاكرة.. مملكة الرماد.. مجرد موت واحد














المزيد.....

تدمر في الذاكرة.. مملكة الرماد.. مجرد موت واحد


حسن الهويدي

الحوار المتمدن-العدد: 1684 - 2006 / 9 / 25 - 10:46
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


قبل أيام كان جسده يتحرك صامدا، بعد مجيئه من جلسة" المحكمة" سقط جسد ابو الحارث ممدا في الأرض، ينتظر الوداع، وجوه شاحبة ودموع من احبوه تسيل، والشيخ ابو حذيفة يجلس عند رأسه يمسح له جبينه، باكياً تارة وأخرى يمد ذراعيه إلى ربه متوسلا أن يرحم من سيرحل إليه
كان يوما صعبا للغاية نزفت دماء كثيرة، تشوهت وجوه وكسرت أضلاع، كل جسَدَ ينتظر الرحيل، وإخوته صامتون عاجزون قد جفت أعينهم بانتظار لحظة الوداع.
ساعات تمر بنا ببطء، الموت والخوف رفيقان في السجن يتربصان بنا، أما نحن فموعدنا إذا لم يكن اليوم فغدا، جسده تلفه قماشة بيضاء رائحته كالمسك طيبة كطيبة قلبه، كان يحلم بالحرية، ويبكي على رفقة العمر: زوجة أحبها وأطفال تركهم هناك ينتظرون، يترقبون ظلا يفرحهم، نحيل الجسد قوي الإرادة مؤمن صادق يحب الله كثيرا ويخاف منه. كان لينا وقاس، مزّاحا وباك تشده الرجولة إلى الموت وترجعه الحياة لحبها، كان كورقة "الغرب" مزهر ومخضر ومتبسم دائما، وعند الشدائد يشدنا متقدما كرجل، فلتبك أيتها السماء، واذرفي الدمع يا أيتها "الناطرة" عند مدخل الحي واصرخ أنت من هناك وناد لمحب أثقله طول انتظار، عيناه مكحلتان بأثر الكرابيج والعصي شاخصتان إلى سقف المهجع يلوح يهما يبحث عن ثغرة في ذاك السقف المحصن راجيا أن ينعم برؤية السماء، متشفعاً ثم يسدلها، تستفيق ثم تغفو، العرق يتصبب من جبينه الشامخ المتورم، جلست بجانبه نظر إلي وتبسم، وسالت قطرة الدمع من طرف عينه وتوقفت عند منتصف خده الذي تعرض لصفعات الجلاد حيث ارتسمت معالم أصابع كفه لترسم خطوطا ملونة مابين زرقاء وحمراء وصفراء وعلى أطرافها لون بني داكن، إنها أجمل من ألوان قوس قزح، صديقي رفيقي، لا تودعني وابق عينيك مفتوحتين، سنخرج معا، نفرح بالحرية ونتسامر كما وعدتني، سنجلس على ضفاف الفرات، بين شجيرات الغرب والحور، وكأس الشاي التي سنشربها معاً، وعدتني أن نمر من أمام بيوتنا، اصبر أيها الجميل أبق معنا لليلة أخرى، فأنا محتاج إليك، كما تحتاج صحراء قاحلة إلى قطرة ماء، ابو الحارث يا وجعا، يا ألما، انتظر حتى بزوغ الفجر، لا تتركني مع صرخات الجلاد وبوطه العسكري وتهديدات الموت، بالأمس كنا نتبادل أطراف الحديث، كنت تناديني بالأحمر، وأناديك بالأخضر، كنت أغني لك من أغاني أحمد قبور، كنت تنشد لي في حب الرسول، لا استطع أن أقاوم لحظة الفراق، سالت الدمعة وأنا أمسك بأطراف أصابع يده المنتفخة، أزيل منها بقع الدم المتجمد، فسقطت قطرة الدمع وانحل القليل منه، ثم سالت بين حبيبات الشعر الذي تكسو إطراف معصمه النحيل، كنت أحس بحرارة جسده تتلاشى شيئا فشيئا، جلس بجانبي المسؤول الصحي واخذ مني معصمه، ثم وضع عليه إطراف أصابعه ليجس نضبه الذي يقاوم في لحظاته الأخيرة، سحب يده من يد المسؤول الصحي ووضعها في يديه هامساً كالقمر يعبر السهوب ويجتاز الأنهار، كان ينطق من عينيه بكلمات، الرجاء، الحب، الحياة، كان ينطق بشفاه مرتعشة صوت الرقيب في الخارج ينادي بالمسؤول الصحي..
- افتح شراقة الباب يا عرصى.... فاسقط منها علبتين من الدواء وهن عبارة عن ظرفين ملبس واحد مسكن للألم والأخر مضاد حيوي وفي كل ظرف عشرة حبات
فرح المسئول الصحي جدا بعد خمس عشر يوما من المطالبة به، كم من الدماء سفحت من أجل علبتين من الدواء، فتح علبة الدواء وطلب كأس من الماء ثم جلس إلى جانب ابو حارث كي يعطيه جرعته وعندما اسند رأسه إلى قدميه، لوّح بعينيه وودع الجميع...
وبقية حبة الدواء بيد المسؤول الصحي، وكأس الماء التي تتناثر منها القطرات مرتجفة، خائفة، وحزينة .
عند المساء جاؤوا إلينا...فتحوا الباب دون أن نشعر بقدومهم بينما كان الصمت يخيم على المكان قبل قدومهم
طلبوا رئيس المهجع والمسئول الصحي وسألوه عن سبب الوفاة فقال لهم لقد وقع في الحمام على رأسه ومات
وهذه هي العبارة التي حفظّونا اياها كلما رحل من بيننا سجين، دخل مساعد السجن إلى داخل المهجع تفوح من بين خطواتة رائحة الموت الممزوجة بعطره المميز ودخان سيجارتة التي لا تنطفىء....
صوته ردد في أسماعنا يا أبنائي ديروا بالكم على حالكم وخاصة في الحمام لا تضعوا قطع الصابون على الأرض. تسبب لكم الموت حتماً، وخاصة من بينكم سجناء عاجزين وكبار في السن وعميا ن كمان...
وعلى كل حال غسلوه وكفنوه واربطوا الكفن جيدا وبعد عشر دقائق، سيخرج مفهوم رئيس المهجع يا كلب.. مفهوم سيدي..ثم خرج
وبعد اقل من نصف ساعة كان جثتة جاهزة للخروج ربطناه في شر شف ابيض، تبرع به احد السجناء وهو الغطاء الوحيد لديه، ادخله معه عندما جاء من فرع التحقيق ولم يصادروه منه عند دخوله إلى السجن.
وضعناه على بطانية عسكرية ومددناه قرب الباب، وتركنا الغطاء من ناحية الوجه شبه مفتوح، حيث مر السجناء يلقون عليه نظرة الوداع الأخيرة وفي تلك الأثناء صاح الرقيب... رئيس المهجع ابن القحبة.. الكلب جاهز..
صاح نعم أنا جاهز سيدي... بينما كانت خشخشة المفاتيح تحاول إيجاد ثقب القفل فتح المزلاج المعدني الذي يصدر صوتا مدويا يبعث في نفوسنا الخوف والرجفان

يللا....يا عرص طالعوه. ..
أمسكت بطرف البطانية من ناحية قدميه بينما امسك الآخرون الأجزاء الأخرى وخرجنا به إلى الباحة طلب احدهم أن نضع جثته على الأرض وطلب المسوؤل الصحي، وقال فك عن الرباط من ناحية الوجه ففعل المسئول الصحي ذلك، ثم نادوا إلى رئيس المهجع، عندما كشف وجه ابو الحارث تماما وضع احدهم حذائه على وجهه، ورد قائلا مسوؤل صحي هذا هو. اقترب المسئول الصحي من الجثة بينما هو لا زال يضع أسفل حذائه على وجهه، قال تأكد يا عرص انه هو..
نعم سيدي هو،
رفع حذائه ثم استدار ورفس المسئول الصحي على وجهه
سالت قطرات الدم من انفه مباشرة على أطراف الكفن الأبيض، ثم حملوه وذهبوا ولا أحد منا يعلم أين سيكون مثواه الأخير.

* سجينا سياسيا سابق



#حسن_الهويدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (1)تدمر في الذاكرة ..سجانو الرغبات
- تدمر في الذاكرة.... سجانو الرغبات 1
- تدمر في الذاكرة ...في الطريق الى تدمر...مشاهد من التعذيب في ...
- تدمر في الذاكرة ..في الطريق الى تدمر ..مشاهد من التعذيب في س ...
- تدمر في الذاكرة ..في الطريق إلى تدمر..مشاهد من التعذيب في سج ...
- تدمر في الذاكرة.. في الطريق إلى تدمر... مشاهد من التعذيب في ...
- تدمر في الذاكرة في الطريق إلى تدمر
- تدمر في الذاكرة في الطريق إلى تدمر.. تدمر في الذاكرة في الطر ...
- الطريق الى تدمر...مشاهد من التعذيب في سجون التحقيق2:
- تدمر في الذاكرة ..الطريق إلى تدمر مشاهد من التعذيب في سجون ا ...
- الطريق الى تدمر...مشاهد من التعذيب في سجون التحقيق
- تدمر في الذاكرة12في الطريق الى تدمرشهادات عن التعذيب1
- تدمر في الذاكرة -10- (ضحايا تشابه الأسماء)
- تدمر في الذاكرة (9) محاكم استثنائية
- الإعلام السوري طنة ورنة ومدارات:
- في مؤتمره القادم هل يعتذر حزب البعث للشعب السوري
- تدمر في الذاكرة8 ليلةمن2000يوم وليلة
- تدمرفي الذاكرة(6): شبح عون المخيف 1989
- تدمر في الذاكرة(5) طبابة متميزة
- تدمر في الذاكرة(4) طبابة متميزة


المزيد.....




- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسن الهويدي - تدمر في الذاكرة.. مملكة الرماد.. مجرد موت واحد