أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسن الهويدي - تدمر في الذاكرة(5) طبابة متميزة















المزيد.....

تدمر في الذاكرة(5) طبابة متميزة


حسن الهويدي

الحوار المتمدن-العدد: 1064 - 2004 / 12 / 31 - 09:34
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


يتعب الجسد أحيانا، وجسد السجين متعب ومتألم دائماً، وعندما يكبر الألم فما عليك سوى أن تستجيب له أو تتخلص من مسبباته، والعيادات الخارجية في تدمر تكلف السجين الكثير من الدماء وغالباً ما تكلفه حياتة التي هي رهينة للموت، وألم الأسنان التي تصيب السجناء في سجن تدمر تتعبهم كثيراً وخاصة الألم الناتج عن اللكم والرفس على الوجه والفكيين من قبل عناصر الشرطة وأعوانهم (البلدية*) وأغلبهم يرتدون أبواط عسكرية تحمل في مقدمتها (نضوة) وهي قطعة معدنية على شكل هلال ويحملون في أيدهم قضبانا معدنية، وعندما يتعرض ا لسجين للضرب بها تحدث تهشم في الأسنان وكسور في الوجه والفكيين وأحيانا تحدث جروح عميقة ينتج عنها انسلاخ اللحم عن العظام، مرة من كل عام تتكرم إدارة السجن بالخروج للسجناء لمراجعة العيادة السنية، صاح أحدهم بنا من الخارج بمراجعة العيادة السنية يكون مستعدا وطلب من رئيس المهجع عددهم وكنا خمسة سجناء نستعد للخروج بالرغم من نصائح البعض بعدم الخروج لأننا لن نستفيد شيئاً سوى العذاب، خرجنا كما هي العادة المتبعة في تدمر أعيننا مطمشة وتقودنا البلدية برتل أحادي مرورا بمهاجع أخرى إلى أن وصل عددنا/ 25/ سجينا وطلب أحدهم من البلدية بأخذنا إلى باحة الطعام جمعونا هناك إلى إن وصل عددنا بحدود /60/سجين وطلبوا منا الركوع على الأرض باتجاه الحائط وعدم النظر اليهم ركعنا وركع كل شيء من حولنا .
بدأ احدهم برفسنا من الخلف ويطلق بنا من الألفاظ كل ما حفظه في حياتة البذاءات والألفاظ الدنيئة مرة ينعتنا بالخونة ومرة أخرى بالزناة والصراصير وهذا كان من ألطف الألفاظ التي سمعتها في سجن تدمر، من سوء حظي الطميشة التي وضعوها على عيني كانت مثقوبة من العين اليمنى بقدر/4مم/ بحيث استطعت أن أشاهد بعض الأشياء( الطميشة هي عبارة عن قطعة من البلاستك الأسود المطاطي مصنوعة من أطار عجلات السيارات يضعها السجين على عينيه طوال فترة وجوده في السجن وخاصة أثناء النوم ليلا وهذه تجعل السجين في حالة متوترة بشكل دائم وهي من الاساسيات بالنسبة للسجين والسجان و شيء مقدس لايمكن الاستغناء عنه أبداً حيث أصبحت جزءا من حياة السجين وعندما تضعها تنقلك ألى عالم الظلمات وتعزلك عن كل شيء صامت ومتحرك من حولك، ومحاولة إزالتها أو تحريكها تكلف السجين الكثيرمن الدماء ولأيام طويلة وفقد العددين أعينهم نتيجة تبلي عناصر الشرطة بتحريكها) أمرنا أحدهم بالوقوف والاصطفاف رتلاً احاديا ومن المضحك المبكي ان يكون السجين معصوب العنين أن يصطف بر تل أحادي وكيف يستطيع أن يميزالجهات الأربعة أو يدرك ما يدور من حوله البعض منا ذهب يساراً وآخرون يميناً والى الوراء والأمام؛ أشتد غضبهم علينا وغضبت السياط والعصي معهم، ومن سوء حظي أيضا بما أنني أرى بعض الأشياء التي تحدث انتابني خوفٌ مزدوج إذ كيف لي ان أتصدى لأحدهم وهو قادم إلي ويرفع سوطه إلى الأعلى .
طلبوا منا الجلوس أرضاً كلٌ في مكانه دون حركة، طلب احدهم من البلدية بأن يساعد على اصطفافنا في رتل الموت، نظرت من ذلك الثقب اللعين فشاهدت أحدهم يرتدي ثياباً أنيقة يجلس على كرسي وأمامه طاولة خشبية يضع فوقها حقيبة سوداء ونادى به أحدهم الكل جاهز يا دكتور، هذا هو الطبيب وقف وهو يضع يديه حول خاصرة وقال كلكم يا أولاد القحبة مصابين بألم الأسنان، صاح بالممرض فذهب إليه وسلمه ملقط معدني. وقال له ابدأ من أول الصف، بدأ والصراخ ملأ المكان حاولت أن استرق النظر قدر المستطاع وأن اجس بعص الاشياء بالرغم من حالة التوتر التي أعيشها فشاهدت السجين الاول من الصف مقيد من قبل عناصر البلدية والممرض يدس ملقطه المعدني داخل فم السجين بطريقة متوحشة وعندما ينتهي من قلع ضرسه تجره البلدية الى الجدار المقابل وتأمره بالجلوس وعدم الحركة ويأتي دور من بعده ، وأنا أنتظر ولاأعرف كيف سأعيش تلك الحالة وكيفية التعامل معها فوجدت الممرض قريباً مني بقيت بالانتظار إلى إن وصل إلي وطلب مني فتح فمي إلى أقصى حد فعلت ذلك وأنا أرتجف من الخوف، وخوفي أن يدس ملقطه في عنقي، ونادى بالبلدية فبصق بفمي وقال هذا هو المخدر ومسك بذراعي بشدة من الخلف وأن أرفع رأسي إلى الأعلى وهذه هي المرة الأولى التي ارفع بها رأسي في سجن تدمر ثم جاء آخر وأطفئ سيجارة على رقبتي وقال لي هذا سحب العصب ولن تؤلمك أسنانك بعد اليوم ياابن الزانية ، أحسست بآلة معدنية تتحرك بداخل فمي يصدر منها أصوات الطقطقة ، أحسست بألم شديد جداً بحيث أجبرت للقيام ببعض الحركات الممنوعة لأتخلص من الذي أنا فيه ولكن شعرت بضربة قوية على رأسي من الخلف ولم اعد أحس بأي ألم ولا أسمع شيئاً من قوة الضربة التي تلقيتها وبعذلك وجدت نفسي جالساً بين البعض من السجناء مقابل جدران أحد المهاجع حركت لساني داخل فمي للتأكد من الضرس الذي ألمني، ولكن اكتشفت أن هناك مساحة كبيرة من الفك السفلي خالية من الأضراس تم قلعها، وبعدما استعدت جزء بسيط من وعي أدركت بأنه قد تم قلع أضراس الذين من قبلي بالملقط ذاته بدون تخدير للمنطقة المصابة وهذه كارثة لأن أغلب السجناء مصابين بداْ السل الرئوي والتهاب الكبد المعدي، همس أحد الذين يجلس بجانبي يسألني من أي مهجع أنا فلم أرد عليه تصورت أنه من عناصر الشرطة أو البلدية يجلس معنا ليتجسس علينا ، فرد قائلاً لطمأنني أنا من الباحة السادسة البارحة كان عندنا في الباحة تنفيذ أحكام هل خرج أحد من مهجعكم رددت عليه بهمس شديد لا، و حول حديثة للذي بجانبه وبدأ يتجاذب معه أطراف الحديث وبصوت أحياناً مسموع وبدا لي يسأله عن البعض هل يعرفهم ومن ثم أنتقل إلى الآخر وتبين لي أنه قادم للتعارف والتقاط الأخبار وليس كما ظنتتة لمرة الأولى، وهاهو يضحي بحياتية من أجل خبرٍ أو معلومة قد تفيده وفهمت أيضاً انه سجين قديم منذ عام /1981/ وفجأة وبشجاعة مني سألته ماذا يعني تنفيذ الأحكام فرد من أين انت قلت له من الباحة الثانية فقال هل مجيئك إلى السجن حديث قلت له نعم ، فقال تنفيذ الأحكام ، قد أعدم البارحة شنقاً حوالي خمسة سجناء كلهم من الأخوة و الحمد لله الجنة لهم خالدين فيها بإذن الله وأن يطعمنا الشهادة جميعاً وبدا لي مسروراً جداُ عندما يلفظ كلمة الشهادة وانتقل بكلامه الى الذي أمامنا وبدأيطرح عليه بعض الاسئلة وقد ارتفع صوته بعض الشيء مما جعل أحدهم يتنصت عليه وطلب منه الخروج من الصف وسلمه إلى الرقيب وأعلمه أنه كان يتبادل الحديث مع الذي بجانبه بطحوه ارضاً وتجمعوا من حوله والعصي الغليظة والقضبان المعدنية بدأت تعزف له لحنها التدمري وهوصامت لم يصرخ أو يتوسل بهم مما جعلهم يستشيطون غيضا اذ شعروا بأنه يتحداهم بصمته ووضعوه ضمن دائرة هم يشكلون محيطها بحيث يتنابون على ضربه إلى فقد وعيه وهم مايزالون ينهالون عليه ضربا وطلبوا من البلدية عن يأتوا ببطانية وحملوه لاندري الى اين!
لحظة صمت، الخوف أبعدني عن اللحظة التي كنت أناجي فيها الخلاص علّها تبعدني عن هذا المكان الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا وقد لا نجد في تاريخنا الحديث مثالا لتدمر، وقد لا نجد قصة أكثر وحشية وبربرية من قصصها
ها قد انتهى الجميع من "المعالجة"؛ واقفاً صاح احدهم الباحة الأولى إلى هنا الثانية ...الثالثة.... والى الخ، كنت بأول الرتل ماشياً وصاحب البيجامة الزرقاء يقودني ماسكا ًبي من عنقي الذي لف حوله السوط ليجرني كما يُجَّر الكلب المريض ويرتدي بقدمه بوط عسكري مليء بالشحار الأسود وتفوح منه رائحة المازوت ويطلق عليّ من الألفاظ ما ربّاه عليه "الجيش العقائدي" إلى إن وصلنا إلى باحة المهجع وصاح رئيس المهجع يا أبن العرصة يا أبن الشلكة ألم تسمع كم عرصى خرج من عندك فرد رئيس المهجع المسكين قائلاً خمسة حضرة الرقيب أول عدهم يا إبن...إبن.....العدد كامل حضرة الرقيب عدنا رئيس المهجع ومازلنا خارج المهجع وكأنه فخ نصب لرئيس المهجع على خروجنا، كامل يا ابن القوادة تعال إلى، هنا فتح الباب ،دخلنا وخرج رئيس المهجع وبدأو بضربه على جسده المنهك وكان ضربهم له رفساً بأرجلهم وثم رطمه بجدار المهجع وهم يحذرونه من عدم تكرار ذلك اوابلاغهم عن أي مريض كان، ادخلوه صريعاً بين الحياة والموت ، الموت في تدمر أمنية في كثير من الأحيان كما أنه قريب منك جداً ولكن عندما تشتهيه يبتعد وعندما يغادر أحدهم نحزن ونفرح وكلما سمعنا صوت أبو غضب وأبو كاسر في الباحة نحسب في حساباتنا قد يرحل واحد منا وهم يستخدمون أرجلهم للضرب ، وضربه واحدة بقدم أحدهم كافية لتجعلك في عداد الأموات.
ويأتي يوم جديد تدمى فيه الجراح وتثقل الثواني ويصبح عدها مستحيلا حيث لا حساب للزمن عندما تتحرك السياط وصوت الجلاد يصطدم مع صوت الحريه، وأجسادنا الفقيرة الدامية ستظل ملكهم المشاع وغبار القوافل مايزال يمربنا دون أن يذكرنا احد سوى الأحبة حيث الابواب موصدة، وحريتنا الوحيدة أن نوسّع مكان نومنا وليس لنا أمل بالخروج من تلك الأبواب المتراكمة وكلما حل بنا الدورلمواجهتهم تتشكل من حولنا دوائر ضيقة ننظر من خلا لها الى بئر محفور لاندري الى أي عمق ويهبط العالم على صدورنا والدموع تحاول ألا تذرف .
هنا نعيش جميعا ًفي ذعر وخوف وليس جبن، الا من سولت له نفسه وسلمها رخيصة ليحقق مكاسب ضيقة على حساب دماء الآخرين هم في أغلب الأحيان يعيشون كنعامة الصحراء ...
---------------------
• راجع مقالنا الأول حول تعريف البلدية
سجين سابق



#حسن_الهويدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تدمر في الذاكرة(4) طبابة متميزة
- تدمر في الذاكرة (4): الثمن الباهظ
- تدمر في الذاكرة3...حمامات الدم الساخن
- العيد في سجن تدمر
- الكرد والمغمورون في سوريا
- فوبيا المؤامرة


المزيد.....




- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...
- مسؤول أمريكي: قرار وقف النار وتبادل الأسرى بيد السنوار.. وقد ...
- بيان للولايات المتحدة و17 دولة يطالب حماس بالإفراج عن الأسرى ...
- طرحتها حماس.. مسئول بالإدارة الأمريكية: مبادرة إطلاق الأسرى ...
- نقاش سري في إسرائيل.. مخاوف من اعتقال نتنياهو وغالانت وهاليف ...
- اعتقال رجل ثالث في قضية رشوة كبرى تتعلق بنائب وزير الدفاع ال ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسن الهويدي - تدمر في الذاكرة(5) طبابة متميزة