أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسن الهويدي - تدمر في الذاكرة (4): الثمن الباهظ



تدمر في الذاكرة (4): الثمن الباهظ


حسن الهويدي

الحوار المتمدن-العدد: 1057 - 2004 / 12 / 24 - 08:31
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


مرتان رأى فيهما العالم مشهداً مهيبا، مرة عندما عاد الخميني منتصراً إلى وطنه ومرة عندما رحل إلى جوار ربه، ولكن عندما ألقى بظلاله في سجن تدمر لم يشهده إلا السجناء..
في السادس من حزيران 1989شهد سجن تدمر مشهدا ًمتميزاً من مشاهد التعذيب التي وصلت إلى ذروتها، ففي صباح اليوم التالي وعلى غير العادة سمعنا في الإذاعة الداخلية للسجن صوت قارىء القرآن يتلو من آيات الذكر الحكيم ما تيسر له!!، دهشنا بهذا ولكننا لا نعلم شيئا مما يحصل خارج تلك الأسوار ساد السجنَ السكونُ والهدوء وتأخر طعام الإفطار بالمجيء، ترقّب حذر وخوف من المجهول، بعض السجناء ترتعش أطرافهم، والبعض الآخر أصابته حالة من الهستيريا، وآخرون يعقدون جلسات في داخل المهجع لتقيم الأوضاع: ماذا يجري في الخارج وما المصير الذي سنلقاه ؟؟
ولكن وبعد برهة من الزمن متزامنةً مع صمتنا علمنا عندما كان احد الحراس يتكلم مع أحدهم في الجهة المقابلة له من الطرف الآخر،( الخميني في ذمة الله مترحما عليه)، باتت الصورة تتضح لنا داخل المهجع ومن عادة السجناء التقاط الكلمات التي تصدر أحياناً من بعض العناصر المحددين الذين يحاولون إيصال بعض الرسائل،
مرت دورية راجلة على سطح المهجع وأمرونا بالانبطاح .. بقينا على هذه الحالة حوالي ساعة وبعدها سمعنا رئيس المهجع ينادي على الجميع الخروج إلى الباحة وبدون استثناء (والاستثناء للذين لهم علاقات وشاية لإدارة السجن) خرجنا جميعا إلى أرض الباحة وكانت حرارة الشمس مرتفعة جداً، أمرونا بالانبطاح أرضاً وأيدينا خلف ظهورنا, القضبان المعدنية تصدر صوت رنين عندما اصطدمت بالأرض والدواليب المطاطية والعصي والكابلات الفولاذية، صاح أحدهم من أعلى السطح الجميع تابع الزحف، زحفنا وكل منا يحاول أن يضع رأسه تحت قدمي الذي أمامه خوفا من الضرب الذي أنهال علينا كالمطر والقضبان المعدنية تقع على ظهورنا كأنها الصواعق والشيء الذي فاجئنا هو رمي الصخور والقرميد (البلوك) علينا من أعلى سطح المهجع، لم نعد نعلم من أين نتلقى الضربات سقط العديد منا بحالة إغماء نتيجة الضرب العشوائي وسقوط البلوك والحجارة من الأعلى على رؤوسنا، والذين فقدوا الوعي جلدوهم حتى تفجّرت أقدامهم؛ اختلطت الدماء بالتراب وحاصرونا في زواية ضيقة وبقينا على هذا والضرب بنا من كل ناحية .
دخلنا إلى المهجع ولا ندري متى دخلنا وكيف أدخلنا الذين كانوا بحالة غيبوبة، المسؤول الصحي رأسه مشوه ويداه متورمتان لا يستطيع معالجة نفسه حتى، الجميع من حولي لا يستطيعون الحركة، الكل يئن ويتألم.
لم يكن من السهل التعرف إلى ملامح أي من السجناء نتيجة التشوهات؛ ضمدت جراح البعض منهم وبمساعدة الذين يستطيعون ان يقوموا بحركة بسيطة.
وفي الطرف الآخر سجين في أرض المهجع يئن ويتألم ثيابه ممزقة تماما، نظرت اليه رأيت على ظهره كتلة تشبه البالون كلما تنفس تعلو وتهبط، وعندما تحسن وضع المسوَول الصحي فحصه وتبين من خلال الفحص بأن رئتة ممزقه ويحتاج إلى عملية جراحية اسعافية وإلا فقد حياته.
طبعا هذا غير متاح في (سجن تدمر) ونقله إلى خارج السجن من المستحيلات أما إذا تكرمت إدارة السجن بإرسال أحد السجناء المرضى إلى المشفى وهذا لا يحدث الا مصادفة كل سنة أو سنتين واحد من الألف؛ فما علينا إلا أن نفكر بطريقة قد تنقذ حياته فقام المسؤول الصحي بربط قطعة قماش ولفها حول صدر وظهر المريض لعدة مرات.
وأما من كسرت يده أو ساقه فتبرع بعض السجناء بحصتهم من الخبز وإعادة عجنها مرة ثانيه مع قطع من الثياب المهترئه ومن ثم لفها حول الساق أو اليد المكسورة للمرضى .
في المساء وحوالي الساعة الواحدة ليلا قدمت دورية من على سطح المهجع وطلبوا من الحارس الليلي أن ينادي على رئيس المهجع وطلبوا منه أن يجمع جميع السجناء في دورات المياه عراة ويمنعوا من النوم حتى الصباح، وهكذا بقي حالنا ولمدة خمسة عشر يوماً التعذيب في الليل والنهار وقلة النوم وطعام أقل من القليل، و سجن تدمر يتأثر مباشرة بأي حدث أو حتى عَرَضٍ سياسي داخليا كان أم خارجيا وخاصة الحرب العراقية الإيرانية حيث دفع سجناء تدمر ثمناً باهظا خلالها فكلما اشتدت المعارك على تلك الجبهة أشتد التعذيب داخل السجن، التعذيب في سجن تدمر مبرمج وممنهج وكل حركة فيه مدروسة وحتى الضرب العشوائي مدروس بطرق فنية ومنها الضرب على الرئة والكلية والمعدة والرأس وذلك في أغلب الأحيان يؤدي إلى النزيف الداخلي ومن يشفى ويكتب له عمرا جديداً فما عليه الا إن يستعد ليوم جديد ومن يرحل فرحيله رحمة من رحلة العذاب.
هكذا تسير الأمور... ما مرت علينا ولو لحظة واحدة من الأمان حتى نشعر بها أو نعيشها في الذاكرة، فالموت والحياة عدوان لنا وفاتورة السجن باهظة الثمن والكل يدفعها حتى أولئك الذين يحاولون التقرب من إدارة السجن ( الاستثناء) عندما تصل الأمور إلى هذا الحد يدفعون الثمن أيضاً
نحزن كثيراً على الذين يفارقوننا
نحسدهم أحيانا
لولا حبنا للحياة والحرية المفقودة...

--------------------

* كاتب سوري ... و سجين سابق



#حسن_الهويدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تدمر في الذاكرة3...حمامات الدم الساخن
- العيد في سجن تدمر
- الكرد والمغمورون في سوريا
- فوبيا المؤامرة


المزيد.....






- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسن الهويدي - تدمر في الذاكرة (4): الثمن الباهظ