أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - بدر الدين شنن - في التعذيب .. وضحايا التعذيب















المزيد.....

في التعذيب .. وضحايا التعذيب


بدر الدين شنن

الحوار المتمدن-العدد: 1845 - 2007 / 3 / 5 - 11:46
المحور: حقوق الانسان
    


التعذيب .. تعذيب إنسان لإنسان .. هو أحط وأقذر أشكال اضطهاد إنسان لأخيه الإنسان . وهو يتجلى شاملاً ، عندما يسود المجتمع طبقة من الساسة المستبدين الفاسدين سياسياً واقتصادياً ، ويتحكمون بحريات وكرامة الناس وبتوزيع الناتج الاجمالي المحلي بصورة غير عادلة .. حيث يؤدي هذا التحكم إلى أن يرفل قلة من المجتمع بالصحة والراحة والسعادة ، وتكابد أكثرية المجتمع من الذل والفقر والحرمانات والبؤس والجوع ، الجوع الذي لاحصر له .. جوع الغذاء والدواء .. جوع الزواج وتشكيل أسرة .. جوع التعليم والارتقاء للمستويات الإنسانية العلمية المتاحة .. جوع القانون والعدالة .. جوع الحريات .. جوع الاعتبار الإنساني . وهذا الجوع يولد موضوعياً الأزمات المتزايدة الانتشار والشدة على كل الصعد ، ويتسبب بالانفجارات السياسية والاجتماعية .. وعندما يستعصي على المجتمع إيجاد موازين جديدة للمعادلة الاجتماعية ، يتجه الضعفاء إلى التمرد .. وتتجه الطبقة السياسية الحاكمة إلى القمع ، الذي يولد العنف والعنف المضاد .. وتحدث المجزرة البشعة التي تتوالى فصولها في مراكز الأمن السياسي - الاجتماعي . وكلما كان التمرد واسعاً وشديداً وخطيراً على وجود ومصالح الطبقة السياسية الحاكمة ، كلما كانت أجهزة حرا ستها وحرا سة مصالحها أكثر عنفاً ووحشية لضمان " ا ستقرار " النظام .. و" السلم الاجتماعي " .. ؟

ولهذا ، فإننا نجد أن انفلات عنف وقمع الأجهزة الأمنية إزاء الشعب يكون بارزاً وأكثر دموية وبطشاً في البلدان ، الدكتاتورية ، الملكية والجمهورية ، التي تتفاقم فيها الأزمات الاجتماعية وسوء توزيع الدخل الوطني ، وتتوضع على تمايز طبقي حاد ومفجع ، يكون سبباً بأن تكابد أكثرية المجتمع مختلف أنواع الجوع والحرمانات . من هنا .. تظهر بشاعة ولؤم الخلفية الاجتماعية - السياسية لعملية التعذيب القمعي الأمني ، وينفضح مركز المسؤولية الجنائية والأدبية والسياسية لهذا الفعل الأكثر نذالة من أفعال الإنسان الخاطئة بحق أخيه الإنسان وبحق ذاته الإنسانية

إذ لايكفي سادة المجتمع أن يسرقوا ويفقروا ويجوعوا الناس ، بل ويحاولوا أن يفرضوا عليهم الخنوع والعبودية الأبدية الذليلة .. وإلاّ فإن لدى السادة أجهزة حراسة أمنية مدربة على أفظع أساليب التعذيب وحشية . ولدى السادة السجون لقبر أعمار المتمردين .. ولديهم مؤسسات تقنون لهم ، وتبارك لهم ، إجراءاتهم التعذيبية الطوارئية والعرفية وأخيراً الإرهابية .. لتحصين خزائنهم وخزائن السادة أ سيادهم الفائضة بالمليارات من عرق ودموع ودماء المنتجين

وعلى ذلك ، فإنه لايجوز حصر مسألة التعذيب بالسلوك الفردي أو الفرعي الأمني في قضايا جنائية أو تحقيقات أمنية ، وإنما ينبغي أن تتوسع لتشمل الخلفية السياسية - الاجتماعية لمسائل التعذيب

هناك ثلاث بلدان عربية ، يمكن من خلال مقاربة مسائل التعذيب فيها للبرهان على ذلك ، هي المغرب ومصر وسوريا . بعد الاستقلال في منصف الخمسينات ، بدأت في المغرب الصراعات السياسية - الاجتماعية حول بناء المغرب وقضايا السيادة الاجتماعية وتوزيع الدخل الوطني . وقد شهد المغرب حتى نهاية التسعينات صراعاً سياسياً حاداً بين قواه الاجتماعية - السياسية ، برز فيها ا ستقطاب حاد بين اليسار واليمين ، بين القوى الاجتماعية الفقيرة ممثلة بالأحزاب الاشتراكية واليسارية وبين قوى المخزن الاجتماعية الممثلة بالمؤسسة الملكية وطبقات الملاك والكومبرادور . ما أدى إلى تمرد الجيش أكثر من مرة وإلى سلسلة من الإضرابات والتظاهرات ، وإلى احتدام صراع شديد بلغ ذروته في اختطاف الزعيم اليساري المهدي بن بركة واغتياله ، وزج آلاف المعتقلين في السجون ، الذين تعرضوا لأشكال في منتهى الوحشية من التعذيب ، وفقد الآلاف من المعتقلين ممن يسمون في المغرب بالمخطوفين ، وباتت أسماء سجون السياسيين مثل الصخيرات وتازمامارت مثالاً بشعاً للقمع والتعذيب والإفقاد في المغرب

في عهد محمد السادس ، ولاعتبارات ا ستقرار الصراع على نمطية تداولية لميزان القوى المحلي ، حيث أثبتت قوى اليسار والتقدم والقوى السياسية الأخرى حضورها وفعاليتها المؤثرة ، وثبت فشل أ سلوب القمع في حسم الصراع لصالح قوى المخزن ، جرى التراجع عن النهج القمعي ، وأفرج عن المعتقلين السياسين ، وشكلت لجنة حقيقة ومصارحة للئم الجراح ، ودفعت تعويضات لآلاف السجناء أو ذويهم ، وتم فصل المئات من ضباط الأمن المسؤولين عن التعذيب . إلاً أن عدم إقدام المؤسسة الملكية والمخزن على محاسبة المسؤولين عن التعذيب ، والاعتذار للشعب عن المرحلة الماضية ، وطي ملف المعتقلين نهائياً ، حيث تشهد المغرب الآن اعتقالات ا ستباقية با سم مكافحة الإرهاب ، قد أفقد هذه الخطوة المتقدمة في مسائل حقوق الإنسان الكثير من قيمتها الإجرائية والأخلاقية

وقد شهدت مصر في نفس الفترة تقريباً ، هجوماً قمعياً ملتبساً على القوى السياسية لليسار واليمين ترافق مع هجوم " الثورة " لإعادة بناء المجتمع وفق مفاهيم وقيم أكثر عدالة ، في مسألة ملكية الأرض ، وتحرير مصر من الاحتلال البريطاني ، وتحرير الشركات الأجنبية ، ما أدى إلى فقدان الآليات الجماهيرية في تطبيق وحماية التحولات الجديدة ، وخلق فراغاً لم تظهر فداحته إلاً عندما اختطف الموت الزعامة الفردية ، وسقط المجتمع المصري في براثن القوى الأكثر يمينية وعداء للقوى الشعبية . وحسب معادلة أزمة شاملة - قمع ، تعرض مئات آلاف المعتقلين المصريين إلى التعذيب والاضطهاد على امتداد عهد " الثورة " ، التي هزت المجتمع وحاولت إعادة بنائه دون أساس متين ، وعهد " الثورة المضادة " ، التي أطلقت العنان لخصخصة القطاع العام والمؤسسات العامة ونشرت اقتصاد السوق وا ستسلمت لوحش العولمة الرأسمالية وعمقت إلى حدود أكثر بؤساً فقر الأكثرية الساحقة من المجتمع . ولأن الأزمة في حالة ا ستمرار وتفاقم ، فإن الاعتقال والتعذيب في حالة ا ستدامة مشينة

أما في سوريا ، فإن انطلاقة التعذيب الأمني المبرمج قد طبقت في عهد الوحدة السورية المصرية ما بين عامي 1959- 1961 ، وفي تلك الفترة ا ستشهد تحت التعذيب القائد الشيوعي فرج الله الحلو ، ثم تجدد وا ستفحل التعذيب بعد انقلاب 8 آذار 1963 ، بعد ا ستيلاء حزب البعث على الحكم . وطوال حكم البعث على اختلاف عهوده ، كان يكتنف المجتمع السوري الاحساس بالغبن وتسلط أقلية سياسية على مصيره ، وتتفاقم الأزمة . ومع التطورات اليمينية في داخل البعث ، حيث جرى التراجع وخيانة الشعارات التي طرحت في بداية الانقلاب ، ازداد الانقسام بين السلطة والمجتمع ، وقد عمقت هذا الانقسام الحرب الدموية بين الأخوان المسلمين والنظام وتوظيف النظام لتداعيات هذه الحرب لنشر القمع الشامل . ومع اكتمال هيمنة حزب البعث الحاكم على الدولة والمجتمع ، وتمكنه من إعادة تشكيل الطبقة الرأسمالية ، حيث أصبح رأ سماليو النظام هم سادة الاقتصاد والسوق ازدادت أجهزة الأمن سطوة وعدداً ، وتوسعت مهامها ، حتى باتت هي الدولة ، وتمثلت بإبداع احتضان مهمة تسوية الأزمة العامة في البلاد ، بإخضاع الآخر غير الموالي وفرض النظام بقوة القمع . وقد دفع الشعب السوري ثمن هذه المرحلة من تاريخيه آلاف الضحليل والمعذبين والمفقودين ، ومازال يكابد ويدفع ثمن خيار القمع لتسوية الأزمة العامة الشاملة

الملاحظة الأساسية في هذا السياق ، أن التعذيب والقمع هما نتيجة لمناخات الأزمة العامة وفقدان التوازن السياسي - الاجتماعي ، وأن التعذيب كأداة قمع وسحق لايغير شيئاً بمفاعيل الأزمة الأساسية ، ولايحقق التوازن الاجتماعي - السياسي ، وإنما يعمق الأزمة ويدفعها إلى الانفجار ، وخوفاً من الانفجار وجدنا مبادرة المغرب في إدانة التعذيب ولإعادة النظر في أساليب التحقيق ، ووجدنا تقليصاً وتبديلاً في أ سلوب وحجم الاعتقالات ومدد السجن في سوريا ، ونشهد في مصر حملة شعبية وسياسية رائعة ضد التعذيب

الأكثر وقاحة في تبرير التعذيب ما قاله محام مصري على شاشة التلفزيون ، أنه يخشى من ا ستقواء الشعب بالقانون ضد ضباط الشرطة الذين يمارسون التعذيب ، أن يؤدي ذلك إلى فقدان الاستقرار في البلد .. بمعنى أن التعذيب حسب هذا القانوني الفظيع ، يحقق الاستقرار ، وقد نسي أو تناسى أن تعذيباً ا ستمر نصف قرن لم يجلب سوى تعميق اللاا ستقرار الاجتماعي - السياسي - الأخلاقي

إن إدانة التعذيب لاتكفي .. إن وقف أعمال وجرائم التعذيب لا يكفي .. إنها مسألة وطنية لها أبعادها الاجتماعية والسياسية والإنسانية ، إنها تتطلب المعالجة من الجذور وذلك بتشديد النضال ضد الأنظمة التي تبيح التعذيب .. ضد المسؤولين والرؤساء الذين يأمرون بالتعذيب ، أو إذا اشتكى مواطن معذب يقدمون الحماية للمجرم الذي قام بالتعذيب ، كما تتطلب تشديد النضال لتصحيح البنى الاجتماعية - السياسية على أسس ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان ، ليس حقه بالانتخاب وبالتنظيم والتظاهر فحسب ، وإنما حقه بالغذاء والدواء والتعليم والعمل والسكن بفرص متساوية عادلة . إن البنى السياسية - الاجتماعية الفاسدة ، هي التي تستدعي القمع والاعتقال والتعذيب لصالح أسياد المجتمع الفاسدين ، وهي تفسد الإنسان الجلاد ، وتدمر الإنسان الضحية .. وتوصم بالعار الشنيع المجتمع الذي لايدينها ولايضع لها حدا .. لأنه عار مركب متعدد الأبعاد والأضرار للإنسان ولمستقبل الإنسان



#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دروب الضياع والتدمير الذاتي
- التهريب في التهريب .. المازوت مثلاً
- الميز السياسي والاستحقاقات الانتخابية
- حتى يكون مجلس الشعب برلماناً .. سلطة تشريعية
- سلطان أبا زيد .. شهيدا
- العبثية الاقتصادية .. من العمادي إلى الدردري - 2
- العبثية الافتصادية .. من العمادي إلى الدردري - 1
- حول أثرياء حرب اقتصاد الفساد
- خلفيات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
- لاديمقراطية في الشكل ولاهم شعبي في المضمون
- أية هيبة .. أية دولة .. ؟
- الملهاة .. المأساة .. في مسرحية - عمارة النظام -
- الديكتاتور حقاً قد قبر .. الشعب حقاً قد انتصر
- الحوار أول الحركة إلى أمام
- قيمة اللحظة اللبنانية الراهنة
- في - النهج التشاركي - .. من يشارك من .. ؟
- مجتمع بلا خرائط
- أكثر من صرخة من أجل بيت حانون
- الجري وراء عدل مفقود
- فقراء البرازيل .. من دروب الجوع إلى دروب الأمل


المزيد.....




- ميدل إيست آي: يجب توثيق تعذيب الفلسطينيين من أجل محاسبة الاح ...
- بعد اتهامه بالتخلي عنهم.. أهالي الجنود الأسرى في قطاع غزة يل ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة للمركز الوطني لحقوق الإنسان حول اس ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة لمركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان ح ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان حول ...
- هايتي: الأمم المتحدة تدعو إلى تطبيق حظر الأسلحة بشكل أكثر فا ...
- قبيل لقائهم نتنياهو.. أهالي الجنود الإسرائيليين الأسرى: تعرض ...
- هيومن رايتس ووتش تتهم تركيا بالترحيل غير القانوني إلى شمال س ...
- بسبب المجاعة.. وفاة طفل بمستشفى كمال عدوان يرفع حصيلة ضحايا ...
- الأمم المتحدة تحذر: الوقت ينفد ولا بديل عن إغاثة غزة برا


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - بدر الدين شنن - في التعذيب .. وضحايا التعذيب