|
أية هيبة .. أية دولة .. ؟
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1777 - 2006 / 12 / 27 - 10:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من اللافت أن النظام في سوريا ، قد انتقل بممارساته القمعية إلى مرحلة جديدة ، يتوخى منها إعطاء انطباع أنه بصدد ا ستبدال آليات الأحكام العرفية وقانون الطواريء بآليات القضاء العادي في تعاطيه مع الداخل .. أي في مواجهة الحراك السياسي المعارض ، وقد باشر تطبيق هذه المرحلة منذ أ شهر باعتقال العشرات من الناشطين السياسيين والحقوقيين ، وإحالتهم إلى " القضاء " بسبب آرائهم السياسية المعارضة . وهناك تهديد جدي بمواصلة هذه الاعتقالات والإحالات " القضائية " المزعومة لكل من يتجرأ على قول معارض
غير أن هذه النقلة لم تبدل بواقع الحال شيئاً ، وبقي الطابق كما يقال مكشوفاً ، باعتبارها قد تمت تحت سقف المادة 8 من الدستور، التي تمنح حزب " البعث الحاكم " حق امتياز قيادة الدولة والمجتمع ، التي أفضت إلى تبعيث كافة مؤسسات الدولة بما فيها مؤسسة القضاء ، وتحت سقف حالة الطواريء والأحكام العرفية آليات الاستبداد وملحقاتها من محاكم وسجون وضحايا ، التي وضعت سلطات الأجهزة الأمنية فوق سلطات القانون وفوق القضاء . فهذه النقلة الجديدة في أساليب القمع لم تكن سوى مجرد نقل مسؤولية السجن القمعي السياسي العرفي من الأجهزة الأمنية إلى القضاء ، وتحويل عدالة القضاء إلى آلية ا ستبداد ، ما ألحق المزيد من الإساءة إلى القضاء وأفرغه مما تبقى له من احترام لدى المواطنين
فبالعودة إلى إجراءات الاعتقال والتحقيق الأمني ، وإلى إجراءات الإحالة إلى القضاء ، وإلى حيثيات بناء قرار النيابة العامة الظني .. التهمة .. والمطالبة بتطبيق المواد 263 ،264 ، 285، 286 ، 287 ، 298 ذات الصلة بجرائم الخيانة الوطنية ، يتضح أن الصراع مع الاستبداد مازال مفتوحاً على مداه الواسع ، وإن اتخذ أشكالاً وألواناً جديدة ، ذلك لأن من يحدد أن انتقادات واحتجاجات المعارضة من شأنها النيل من هيبة الدولة وتوهن عزيمة الأمة ، وربطها بحالة الحرب ، هي الأجهزة الأمنية ذاتها ، التي كانت تعتقل وتسجن المواطنين عرفياً وفق هذه المحددات لسنوات عديدة أو تقضي عليهم بالموت ، وبالتالي فإن القضاء الحامل لمفهوم " دولة وأمة " البعث والمحكوم بعقلية حق " الحزب القائد " باتخاذ كافة الإجراءات ضد من ينال هيبته ويوهن من عزيمته ، فإن الأحكام التي ستصدر عنه بالقضايا ذات صلة بالصراع بين المعارضة والنظام ستكون متحيزة وغير عادلة .. وتخرج من نطاق القضاء العادي . ومن أسف أن مندوبين عن سفارات أجنبية تزعم اهتمامها بحقوق الإنسان السوري ، وأن محامين سوريين مشهود لهم بنزاهتهم القانونية وبمصداقيتهم السياسية ، يتعاطون مع هذه الظاهرة .. النقلة .. " القضائية " في حالة القمع السياسي ، ويمنحون ما يجري من تصفية قضائية للحراك السياسي المعارض شرعية قانونية غير مستحقة
وتأسيساً على ذلك ، ومن منطلق الحرص فعلاً على هيبة الدولة في سوريا ، كجزء أساسي من مكوناتها الوطنية والد ستورية ، لإشاعة الاستقرار الداخلي ، وخلق مناخات توفر التوازنات السياسية والاجتماعية لممارسة الحقوق والواجبات بما يتناسب ومصالح الفرد والجماعة ، ولإحاطة سوريا بهالة من المنعة والقوة والكرامة ، فإن السؤال الذي يفرض نفسه الآن ، من يقوم فعلاً بالنيل من هيبة .. الدولة تحديداً .. ويوهن عزيمة الأمة تحديداً ، وليس سلطة عهد عابر ، وليس حزباً يختزل الأمة بذاته ، هل هي المعارضة ، التي تطرح التغيير الديمقراطي للقضاء على الاستبداد ، الذي أفضى إلى تجويف البلاد من السياسة وصادر حق الشعب بتقرير مصيره ، وعمم الخوف والذل والفساد والفقر والعجز ، من أجل إعادة بناء سوريا ديمقراطية قوية موحدة مزدهرة عصية على مخططات الطامعين والمغامرين والمحتلين ؟ أم أنه النظام الذي يتحمل مسؤولية ما تشكو منه البلاد من بلايا ؟ من هو أولى أن يحاسب ويحاكم أمام القانون نفسه ، ولكن بادعاء غيور فعلاً على هيبة الدولة الوطن وعلى كرامة الشعب الوطن وبقضاء نزيه يرتفع بقوة القانون فوق كل السطات .. وخاصة السلطات الحزبية والأمنية ؟
بكلام آخر ، إن ما يتوخاه النظام من نقل بعض من آليات الاستبداد من فروع الأجهزة الأمنية إلى ساحة قضاء محكوم بعقلية النظام ومصالحه ، ومن الأحكام العرفية إلى سطوة ربط تعسفي وتطبيق مواد منتقاة من قانون العقوبات الجزائي العادي ضد المعارضة ، هو محاولة تجريم وتخوين وتحريم قانوني للفعل السياسي المعارض ، ومحاولة إظهار السلطة والأجهزة الأمنية بمظهر البريء من العسف أمام الداخل والخارج
ولهذا فإن التضامن الجاد مع المعتقلين المحالين إلى قضاء خاضع للاستبداد ، هو الاحتجاج على الاعتقال وعلى هذه الإحالة " القضائية " غير النزيهة معاً . ووضع الرفض للمحاكمات التي تجري أمام هكذا قضاء في مقدمة مهام الصراع ضد الاستبداد ، وفضح هذه " النقلة " القمعية الجديدة
يقول الشيخ محمد أبو بكر الرازي في معجمه مختار الصحاح " الهيبة ( المهابة ) وهي الإجلال والمخافة . وتهيبته .. خفته .. والهيوب ( الجبان ) ويقول المعلم بطرس البستاني في معجمه محيط المحيط " الهيبة والمهابة وهي الإجلال و( المخافة ) .. وهذا ما يطرح السؤال ، هل يستوي إصرار النظام على فرض هيبته على الشعب .. بالقمع والمحاكمات المزيفة والسجون .. لتجعل منه شعباً هيوباً جبانا .. مع سياسة الممانعة ، التي يعلنها ليل نهار، للهيمنة الخارجية المحيقة بالبلاد ؟ وإذا كان هناك من هو أميل لإعطاء الهيبة معنى الاحترام أكثر من المخافة .. فهل يحق لنظام لايراعي هيبة الشعب واحترام حقوقه ، بمواصلة اعتبار الشعب بحاجة إلى وصاية " الحزب القائد " وسطوة مؤسساته القمعية ، أن يطالب هذا الشعب بمراعاة هيبته واحترامه .. ؟
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الملهاة .. المأساة .. في مسرحية - عمارة النظام -
-
الديكتاتور حقاً قد قبر .. الشعب حقاً قد انتصر
-
الحوار أول الحركة إلى أمام
-
قيمة اللحظة اللبنانية الراهنة
-
في - النهج التشاركي - .. من يشارك من .. ؟
-
مجتمع بلا خرائط
-
أكثر من صرخة من أجل بيت حانون
-
الجري وراء عدل مفقود
-
فقراء البرازيل .. من دروب الجوع إلى دروب الأمل
-
حجب غير متمدن .. للحوار المتمدن
-
درس ديمقراطي أول
-
السياسات والتقاطعات المشرفة
-
قصة الجيش الأحمر السوري
-
ليس حلفاً جديداً .. !! .. ؟
-
بانتظار مبادرات نقابية وسياسية مناضلة شجاعة
-
معركة الرغيف والكرامة والديمقراطية
-
خمس سنوات إرهاب شامل
-
نظام - الحزب القائد - .. !! .. إلى متى .. ؟
-
حتى ينكسر الحصار
-
السنديان العتيق
المزيد.....
-
زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
-
دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما
...
-
الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
-
شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
-
اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا
...
-
بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس
...
-
إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
-
دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با
...
-
مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
-
هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|