أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدر الدين شنن - درس ديمقراطي أول















المزيد.....

درس ديمقراطي أول


بدر الدين شنن

الحوار المتمدن-العدد: 1706 - 2006 / 10 / 17 - 10:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لاأذكر بالضبط أين ولمن قرأت ، أن من يشتغل بالسياسة " محترف السياسة " هو أحد إثنين ، إما أن يكون قديساً أو شيطاناً ، ما يعني أن الصراع السياسي يدور بين القديسين والشياطين ، القديسون يمثلون الحق والشياطين يمثلون الباطل . إنها بصيغة أخرى ، صراع بين الخير والشر . تلك الثنائية انبنت عليها في عصرنا ، ثنائيات : الوطنية والخيانة .. الرجعية والتقدمية .. اليمين واليسار .. الأغنياء والفقراء .. ثم برزت ثنائية جديدة .. اختزلت جميع الثنائيات بثناياها وهي .. الديمقراطية والاستبداد . ما يسمح بالبناء عليه تالياً ، أنه ينبغي أن تتوفر في السياسي امتلاك الدراية في تحديد طرفي الصراع ، ومعرفة فن فك الإلتباسات التي تكتنف الصراعات السياسية ، سيما وأن الطرف الشيطاني يموه دائماً غاياته الشريرة بكثير من الخبث والطروحات الملتبسة

غير أنه ، ليس بمثل هذه البساطة تجري السياسة ، ويتعاطى السياسيون السياسة . وليس بمثل هذه البساطة يمكن مسرحة السياسة . فكل سياسي أو طرف .. جهة .. حزب .. زعيم .. يزعم أنه هو الحق والآخر النقيض هو الباطل .. وأنه هوالوطني والآخر المقابل هو الخائن . بل ويقوم هذا الطرف أو الزعيم أو ذاك بطرح مسميات وتوصيفات جديدة للثنائيات لزيادة الإلتباس ، مثل الواقعية والمغامرة .. الوطنية والشرعية الدولية .. السلام العادل والحرب المدمرة

وهنا باتفاق ضمني ، ميثاق .. أو عقد عرفي شفهي .. بين السياسيين اللاعبين الأساسيين في مجتمعاتنا المتخلفة ، تتحول السياسة إلى " خبرة " واخصاص .. إلى عمل نخبوي .. وغالباً شخصاني ، مقتصر على أجرام سياسية ومن يدور في فلكها . أما الناس البسطاء ، الذين هم موضوع السياسة ووقود الصراعات السياسية ، فما عليهم سوى التلقي والإنضواء .. والجري وراء هذه الزعامة النخبوية أوتلك .. أي الجري وراء سادة المجتمع . وهناك كتاب يعتبرون أنفسهم من نسيج تلك النخب ينحون هذا المنحى ، فهم عندما يكتبون .. يتخاطبون .. يتناقشون .. يستخدمون تراكيب جمل وا ستعارات ومفردات خاصة بهم ، ويعتبر بعضهم أن التخاطب السياسي والثقافي إن ا ستخدم اللغة المبسطة ، إنما يسيء إلى المستوى ويحط من القدر . وإذا ما سئل عما إذا كان بهذا الأسلوب مفهوماً من الناس من " العامة " لايتردد بالإجابة ، أنه يكتب ما يكتب لمخاطبة أهل المستوى " فوق " أما العامة .. الشعب .. " تحت " فهم عليهم أن يرتفعوا إلى " فوق " إن أردوا أن يفهموه . وفي كل الأحوال ، ليس مطلوباً منهم التفكير والسباحة في بحر السجالات والمعاني ، وإنما المطلوب هو الإنضواء والحركة .. حسب خطوط وحظوظ النخبة " الخاصة "

وهذه التداعيات تذكرني بأول لقاء سياسي لي في الخمسينات ، عندما كنت يافعاً في بدايات عهدي بالسياسة ، مع سياسي كبير مخضرم ، كان نائباً في البرلمان السوري
عن الحزب الوطني ، هو إحسان بك الجابري . وكان اللقاء أثناء حضوره اجتماعاً جماهيرياً في حينا الشعبي . كان إحسان بك يتفاخر في ذاك اللقاء ، بنشاطه البرلماني .. وباتصالاته العربية .. وهو للإنصاف عريق واسع الاطلاع على الأوضاع العربية .. وكان أبرز ما قاله ، أنه صاحب المبادرة لرأب الصدع في الصف العربي نتيجة قيام حلف بغداد ، وذلك بطرحه مشروع عقد سلسلة اتفاقات ثنائية بين جميع الدول العربية ، وهذا ما يساعد على خلق مناخات الوئام وعلى تكريس العمل العربي المشترك ، من أجل لم شملنا العربي وحماية مصالحنا واستقلالنا

وعنما أتاح المجال للسؤال والمناقشة .. بادرت إلى القول أن مشروعه خاطيء . وهذا ما أ ستفز المئات من أنصاره الحاضرين .. ووضعت الأيدي على المسد سات والخناجر . وبإشارة أبوية منه إبتعدت الأيدي عن السلاح .. وفتحت العيون والآذان لحوارنا .. قلت : إن أوضاع البلدان العربية غير متاجنسة ، فلو أخذنا العراق وسوريا مثلاً ، فإن هذا المشروع ، باعتبار أن العراق تحت السيطرة الاستعمارية ، كمن يخلط ماء البئر النظيف بماء البئر الوسخ .. وبهذا الخلط لاننظف ماء البئر الوسخ وإمنا نلوث ماء البئر النظيف .. أي أننا نجر سوريا إلى حلف بغداد بشكل غير مباشر
ازداد التوتر .. وانتشرت الهمهمة المتوعدة .. وهنا عاد إحسان بك يعطي الإشارة للتهدئة ، وحين تم له ذلك راح يشرح أهداف مشروعه لتجسير العلاقات بين الدول العربية ، وركز على أن همه الأساس هو بناء قدرة عربية لمواجهة صعوبات الحاضر والمستقبل ، فالشعوب العربية ينبغي أن تنهض وأن توحد صفوفها وجهودها لمواجهة أخطار جسيمة متربصة بها ، ثم أمطرني بعدد من الأسئلة ، طارحاً إياها وكأنها من البديهيات . وهذا ما زاد الهوة بيني وبينه . قال : أيستطيع حداد أن يصنع ساعات ؟ .. أيستطيع وقاد قمين بالحمام أن يصنع عطوراً ؟ .. أيستطيع رواس أن يصنع حلويات ؟ .. وأجاب نفسه .. بالطبع لا .. ثم تابع يقول : السياسة هكذا يابني هي صنعة .. صنعة الكبار .. صنعة المتعلمين والزعماء .. أليس كذلك ؟ .. لم أتركه يجيب نفسه مرة أخرى .. فاجأته .. فقلت : لا .. ليست هي كذلك

رغم التوتر الذي بات من الصعب ضبطه ، تابعت ردي عليه قلت .. إن كل إنسان سياسي بحكم علاقته بغيره من الناس وأهمها المتعلقة بظروف عمله وتحصيل رزقه .. وهي وسيلة الوصول للطموح الإنساني ، ولأن الحاة الاجتماعية لاتقوم إلاّ بشرط هذه العلاقات ، فإن السياسة يصنعها الحداد والحلواني والساعاتي والوقاد وغيرهم .. إن كل إنسان سياسي ، وليس فقط الزعماء والمتعلمون .. ونرجو من الله أن يطيل بعمرك ، لترى كيف أن هؤلاء الكادحين قادرون على صناعه السياسة ، وستكون هي السياسة الأفضل ، لأنها أكثر حرية وعدالة .. لأنها تمثل مصالح الأغلبية الساحة من المجتمع

أراد البعض أن يتصدى لي .. فوقف هو إلى جانبي وقال : ماقاله هذا الشاب هو حقه .. هو ملكه .. والزمان سيثبت من منا على حق نحن أم هو .. أو جماعته إذا كان له جماعة .. إنه منا .. ابننا .. ابن بلدنا .. أخوكم .. وغادر الحي مودعاً مع الإحترام من قبلنا جميعاً
ربما خرج إحسان بك الجابري من هذه المناظرة متضايقاً ، لكنه لم يظهر عليه سوى الرضى والارتياح . أما أنا فقد خرجت مغموراً بإحساس أني كبرت إذ حاورت هذا العملاق .. لكنني بعد تجربة مريرة من مزاولة السياسة تحت قيادة بعض الزعامات، التي لم تحصل على حق الزعامة بسلطة الديمقراطية وإنما بسلطة المركزية . التي تمنح أمثال هؤلاء إلى جانب الزعامة المطاعة ، تمنحهم ، كما يتصورون ، ملكة الفهم بكل علوم السياسة والاجتماع والكيمياء والجولوجيا والفضاء الكوني .. بل وحتى التنجيم وعلم الفلك ، وبعد معاناة أمر تحت سلطة الاستبداد ، الذي سطا على الدولة بالقوة ، وفرض قيادته للدولة والمجتمع بالقوة ، وفرض التمييز العنصري السياسي بالقوة باسم " الوحدة والحرية والاشتراكية " . أدركت أن أول درس ديمقراطي في حياتي كان على يد إحسان بك .. وليتني منذئذ اعتبرت نفسي تلميذاًيحتاج إلى المزويد .. والمزيد من الدروس .. ولم أقع بغرور الرضى عن الذات .. الذي دفعت ثمنه غالياً ، إذ فكرت أني صرت أ ستاذاً

"ولما أدركت هذه المفارقة صرت أهرب من الأستذة .. ومن كل الأساتذة .. وأرفض أن يناديني أحد بأ ستاذ .. وتثيرني التواقيع على " مقالات أو كتابات تافهة المسبوقة ب " م . " أو " د . " .. وصرت أبحث عن مصادر ومراجع للتعلم والدراسة لعلي أصبح تلميذاً حقاً قادراً على إضاءة شمعة ، ولو صغيرة ، على دروب الكادحين والمناضلين .. من أجل عالم تتاح فيه السيا سة للجميع بفرص متساوية .. منفتحة تؤمن بعالم إنساني .. كل ما فيه من قيم وعلاقات عمل .. وعلاقات اجتماعية .. وعلاقات سياسية .. هو بأبعاده اللانهائية .. إنساني

طوال سنين عديدة , وحتى الآن ، لم يخطر ببالي قط ، اين يمكن تصنيف إحسان بك الجابري ، في ثنائية السياسة التقليدية أم في ثنائية السياسة المعاصرة . لكنني بأية حال لن أسامح نفسي إذا ما اخترت تصنيفه في فئة الرجعية أو اليمين أو فئة المستبدين .. اي في فئة الشر والشيطان .. إزاء بعض التقدميين واليساريين والديمقراطيين في هذا الزمان ، الذين يرون أن الاستبداد يمكن إصلاحه ودمقرطته .. والفساد يمكن أن يحاربه الفاسدون . أو الذين يرون أن الاستسلام أمام القوة والرضى بالخضوع للمشروع الصهيو - أميركي في فلسطين والشرق الأوسط هو معيار الذكاء السياسي . أو الذين يرون أن إلقاء أ سلحتنا وراياتنا أمام أقدام الغزاة هو بداية النهوض والتقدم والإنتصار



#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسات والتقاطعات المشرفة
- قصة الجيش الأحمر السوري
- ليس حلفاً جديداً .. !! .. ؟
- بانتظار مبادرات نقابية وسياسية مناضلة شجاعة
- معركة الرغيف والكرامة والديمقراطية
- خمس سنوات إرهاب شامل
- نظام - الحزب القائد - .. !! .. إلى متى .. ؟
- حتى ينكسر الحصار
- السنديان العتيق
- التحالف الاشتراكي .. بداية جادة واعدة في حركة اليسار المصري
- أفول الأسطورة الإسرائيلية .. مهام متعددة في معركة واحدة
- لماذا ثقافة المقاومة .. ؟
- الوطنية الديمقراطية في زمن الحرب
- من هم أصدقاء أولمرت من الحكام العرب .. ؟
- حرب لبنان .. العودة إلى حقائق الصراع العربي الإسرائيلي .. 2
- حرب لبنان .. العودة إلى حقائق الصراع العربي الإسرائيلي
- حرب لبنان .. والمسؤوليات التاريخية
- حرب غزة .. والسؤال الآن .. !! ؟
- وقفة إجلال وتضامن مع حرية الصحافة في مصر
- بؤس السياسة السورية الراهنة


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدر الدين شنن - درس ديمقراطي أول