أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدر الدين شنن - التهريب في التهريب .. المازوت مثلاً















المزيد.....

التهريب في التهريب .. المازوت مثلاً


بدر الدين شنن

الحوار المتمدن-العدد: 1836 - 2007 / 2 / 24 - 12:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفساد في سوريا بات سيد الموقف .. أو سيد الاقتصاد والسياسة والمصير .. حتى صار حضوره عاماً شاملا ، إذ كلما يذكر موضوع شائك أو أزمة أو تجديد أو إصلاح يطرح الفساد مقابلاً لما يذكر ، في ثنائية عجيبة . فعلى سبيل المثال لا الحصر ، من السهل أن تقرأ هنا أوهناك ، عناوين لأبحاث ومواضيع عديدة ‘على الشكل التالي ، الغلاء والفساد ، الأسعار والفساد ، التخلف والفساد ، الاستبداد والفساد ، الإصلاح والفساد .. ألخ .. حتى صار الفساد محوراً تقاطعياً للحراك الساسي العام والرسمي

كيف جاء الفساد ؟ .. ومن جاء بالفساد ؟ هل هو نتاج محتوم لمجتمع مفوت ، أم أنه نتاج اقتصاد متخلف ، أم أنه مآل سيرورة تاريخية تداخل فيها الخاص بالعام الماضي بالحاضر ، ؟ في الشأن السوري لايجوز التجريد في صياغة الجواب . ولأن الفساد المزمن قد تجاوز مفهوم الظاهرة والتجريد . وتأصل ليغدو أكثر من عادة اجتماعية ، أو سلعة اقتصادية ، أو تجربة إنسانية ، فإن البحث فيه ، وإن كان على صلة بانعكاس شرطي ملزم بكل ذلك ، فإنه تجاوز هذه الصعد إلى الجذر الأساس .. إلى السياسة ، باعتباره نتاج منظومة سياسية حولت كل شيء في الدولة والمجتمع إلى آلية سياسية للإثراء غير المشروع يديرها ويوظفها لصالحه من بيده مقود الدولة الذي يوفر له القدرة على ارتكاب الإثم دون خوف من عقاب . وهذا يدل على أمر هام في طبيعة وماهية الفساد ، من حيث أن وجوده مخالف لقوانين نشوء الأشياء ، فجذوره لاتضرب تحت وتصعد إلى فوق ، بل تتجذر فوق ومن ثم تتفرع تنحدر إلى تحت ، كما يدل على أمر منسجم مع فيزياء حركته الأولى ، أن ا ستئصاله يسلك نفس الاتجاه من فوق إلى تحت أيضًا

لهذا ، فإن كل الإجراءات والاستعراضات ، التي يعلن عنها بصدد ا ستئصال الفساد ، يعرف القيمون عليها قبل غيرهم ، هي غير صادقة القرار والتوجه .. وفاشلة . لأنها بدأت من تحت ، وتطاول من هم تحت ، أو من كشف عنهم الغطاء في بعض المواقع الوسطى ، لغاية في نفوس أهل الكشف . ومثلما يحلف المذنب الأيمان لإبعاد الشبهة عنه فيزيد من الشك به أكثر ، يتصدر موضوع الفساد الإعلام الرسمي في هذه الأيام ، ويسلط الضوء على أنشطة ذات مستوى عال في هذا المجال ، كأن يشار إلى أن مجلس الوزراء قد بحث موضوع الفساد وأن رئيسه قد شدد على الوزراء للإهتمام بالتصدي للفساد ، أو أن تسرب في بعض مقالات الصحف أن " الحزب القائد " قد شكل حكومة ظل لتحسين أداء الدولة والاهتمام بشؤون المواطنين ، وبشكل خاص تبوأه دور الريادة في مكافحة الفساد ، وأن العمل جار لتشكيل هيئة عليا سوف ترتبط برئيس الدولة لمكافحة الفساد

ومن يتابع عن كثب نمو حجم وعدد أنواع الآليات المسخرة لمكافحة الفساد من أمنية وحكومية وحزبية ورئاسية وإعلامية دون أن تحقق تقدماً ما في هذا المجال على مدار عقود من السنين ، يتأكد من أن الفساد ليس أكبر من قدرة هذه الآليات فحسب ، وإنما هي هذه الآليات بالذات هي التي جسدت وتجسد الفساد مثلما هي جسدت وتجسد الاستبداد في آن معاً

آخر المشاهد المأساوية الهزلية في حراك الفساد والإثراء غير المشروع هو ما يجري الحديث عنه في أزمة المازوت في الأيام الراهنة على كل مستويات الدولة ذات العلاقة باستيراد وتوزيع هذه المادة ، وعلى مستوى مجلس الشعب والصحافة والسياسة ، وعلى مستوى اللاعبين الخبراء في فن اقتناص فرص الثراء وتكديس المليارات على حساب الشعب . ما يثار حول مادة المازوت على كل الصعد ، يسلك نفس المنحى التبريري السيء النوايا والذكر لإلغاء الدعم عن هذه المادة ، وصولاً لاستكمال مراحل الانتقال إلى اقتصاد السوق .. اقتصاد أسياد المال الجدد . وتطرح الأرقام في هذا السياق لإيضاح خطورة " ا ستنزاف الاقتصاد الوطني " عبر التلاعب والتهريب لهذه المادة الـمـدعـومــة . إذ تتوقع شركة توزيع المحروقات ، حسب " تشرين " و" شام برس " أن تصل مبيعاتها من جميع المشتقات بنحو428 مليار ليرة سورية حسب التكلفة ، بينما هي تبيعها حسب الدعم الحكومي بنحو 177 مليار ليرة ، أي أن هناك 251 مليار ليرة عجزاً متوقعاً نتيجة سياسة الدعم للمشتقات النفطية ، 90 % منها عجز في مادة المازوت التي سيبلغ عجزها 181 مليار ليرة . وبسبب فارق السعر لهذه المادة في الدول المجاورة عدة أضعاف عنه في سوريا ، فإن التهريب لها جار على نطاق واسع ، ما يسبب ا ستهلاكاً غير طبيعي . واللافت أن التهريب لايتم بصهاريج تعبر الحدود ، وإنما ، إذا صدق الراوي ، عبر خطوط نفط " غير شرعية " الأمر الذي يؤدي إلى خسارة أسبوعية بنحو 25، 1 مليون ليرة أي 65 مليار ليرة سنوياً ، أي أكثر من مليار دولار

وعلى ذلك ، فإن مادة المازوت تفتح ملفات الفساد حامل الثراء غير المشروع على مداها الواسع . وهي تطرح في هذا الصدد تساؤلات عدة
من يجرؤ أن يقوم بتهريب المازوت .. وخاصة التهريب بآلية ثابتة عبر خطوط أرضية معروفة ؟
من المستفيد من هذا التهريب .. من فارق السعر السوري والسعر في البلدان المجاورة ؟
كيف يتم التهريب عبر حدود تعتبر كلها محكمة الإغلاق بوجه السياسيين ونقل السلاح ؟ ومن يقود هذه العمليات ؟

ولأن التهريب من سوريا إلى خارجها فإن المهربين سوريون .. ومن من السوريين قادر على أن يتحدى الدولة ويقوم بتهريب ثرواتها ويهرب من أي عقاب من قبل الدولة ؟ . لذا ، لايمكن لعاقل أن يقبض أن تهريب مادة المازوت الذي يجري بهذا الكم الهائل وبهذه الأثمان العالية بالأساليب المذكورة إعلامياً دون علم ومشاركة أهل النظام الخبراء في هذه المجالات ، ولايمكن إلاّ أن تكون هناك صفقات مأمونة الإنجاز ، إرسالاً وأمناً وقبضاً ، لحركة تهريب عالية الخبرة والقدرة . وهذا يذكرنا بتهريب البترول الذي تبرعت به ليبيا لسوريا إبان حرب تشرين عا 1973 ، حيث تمت العملية كلها دون أن يدخل ليتر بترول واحد إلى المستودعات السورية بذريعة الحرب ، ولم يدخل من قيمته المقدرة ب 300 مليون دولار دولار واحد إلى خزينة الدولة السوري وهذا المبلغ بأسعار اليوم يبلغ 15 مليار ليرة ، بمعنى أن من يقوم بهذه الصفقات التهريبية هم من الطاقم السلطوي القابض على الثروة والسلطة وهم أصحاب مشروع اقتصاد أسياد السوق .

ولهذا ، عندما يجري عرض مشهد المحروقات بأقسامه المتعددة ، القيمة الفعلية والقيمة المطلوب بيعها حسب قانون الدعم ، التهريب المستعصي على المكافحة ، الآفاق الخطيرة لتصاعد الخسائر المليارية ، يطرح بشكل مبطن أنه في الدعم الحكومي لهذه المادة تكمن الخسارة الكبرى التي تقارب نصف ميزانية الدولة .. وتكمن الرغبة في إلغاء هذا الدعم . وبهذا تصبح أزمة المازوت مركبة ، اقتصادية وسياسية واجتماعية ، وتصبح عامل عجز جديد معوق في " إصلاح النظام " أو الأمل في " إصلاحه "

الغريب في عقلية مهند سي الاقتصاد السور ي، أنهم يخططون لرفع الدعم عن عدد من المواد الأساسية ذات الصلة بمستوى معيشة المواطن دون التخطيط بسد الفجوة الظالمة بين الأجور والأسعار ، وهنا تصبح مادة المازوت وسيلة كشف اللؤم الاجتماعي لدى هؤلاء ، فمن خلال دراساتهم يذكرون فرق سعر المازوت بين سوريا وجيرانها ، دون الإشارة إلى خزائن من يذهب التعبير النقدي لهذا الفارق ، ولايذكرون فارق الأجور والرواتب في الجهتين ، وهو فارق يتناسب طرداً مع الأسعار في
دول الجوار ويتناسب عكساً في سوريا . فالرواتب العادية والمتوسطة في البلدان المجاورة تعادل نفس معدلات فارق سعر المازوت المهرب إليهم . ولذلك ، حتى يتم رفع الدعم الحكومي في سوريا عن مادة المازوت بمنحى اقتصادي إيجابي ، ينبغي رفع الأجور في سوريا بموازاة الأجور في البلدان المجاورة
وحسب الإحصائيات والدراسات ، فإن متوسط الأجور العادية والمتوسطة في مختلف البلدان المجاورة ما عدا العراق لظروف الحرب يتراوح مابين 500 إلى 1000 دولار شهرياً بينما الرواتب في سوريا تتراوح بين 100إلى 300 دولار

إذن ، إن الفساد ليس ظاهرة يمكن أن تزول بإجراءات "حازمة " ارتجالية هنا أو هناك ، إنه منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية ، إنه يتطلب قوى وآليات أخرى غير التي ترعرعت ونمت مع الاستبداد والفساد حتى باتت جزءاً عضوياً منه

على أية حال ، لم يعد إثنان يختلفان في سوريا ، أن الاستبداد هو الأساس الذي نهض عليه واستقوى الفساد ، من خلال احتكار السياسة وقيادة الدولة والمجتمع ، وانتهاج سيا سة القمع وإقصاء الآخر وضرب كل وسائل التعبير عن الرأي وتعطيل الشفافية على كل الصعد . ما يترتب على ذلك أن ا ستئصال الفساد يبدأ من فوق ، من المصادر التي أسست له وا ستفادت منه وصنعت ورعت وطورت آلياته ، وذلك من خلال بناء نظام جديد آخر تكون أولى مهامه ، إشاعة الديمقراطية ونشوء الأحزاب وانتشار الشفافية والصحافة الحرة ومؤسسات المجمع المدني

هذه المرة كانت أزمة مادة المازوت فاضحة لإحدى ألاعيب الفساد ، لكن من يضمن .. مع التطنيش .. عن ا ستئصال الفساد والاستبداد ، أن لا تكون مادة أخرىلاحقاً اجتماعية أو سياسية حارقة للفساد والاستبداد معاً



#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الميز السياسي والاستحقاقات الانتخابية
- حتى يكون مجلس الشعب برلماناً .. سلطة تشريعية
- سلطان أبا زيد .. شهيدا
- العبثية الاقتصادية .. من العمادي إلى الدردري - 2
- العبثية الافتصادية .. من العمادي إلى الدردري - 1
- حول أثرياء حرب اقتصاد الفساد
- خلفيات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
- لاديمقراطية في الشكل ولاهم شعبي في المضمون
- أية هيبة .. أية دولة .. ؟
- الملهاة .. المأساة .. في مسرحية - عمارة النظام -
- الديكتاتور حقاً قد قبر .. الشعب حقاً قد انتصر
- الحوار أول الحركة إلى أمام
- قيمة اللحظة اللبنانية الراهنة
- في - النهج التشاركي - .. من يشارك من .. ؟
- مجتمع بلا خرائط
- أكثر من صرخة من أجل بيت حانون
- الجري وراء عدل مفقود
- فقراء البرازيل .. من دروب الجوع إلى دروب الأمل
- حجب غير متمدن .. للحوار المتمدن
- درس ديمقراطي أول


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدر الدين شنن - التهريب في التهريب .. المازوت مثلاً