أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ا‏لرغبة الحسية والرغبة الروحية في ميزان العقل والقلب














المزيد.....

ا‏لرغبة الحسية والرغبة الروحية في ميزان العقل والقلب


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8573 - 2025 / 12 / 31 - 10:27
المحور: قضايا ثقافية
    



‏مقدمة

‏تُعد الرغبة الإنسانية من أكثر الموضوعات تعقيدًا في الفلسفة وعلم النفس والدين. فهي تتراوح بين الرغبة الحسية التي تتعلق بالجسد واللذة المادية، والرغبة الروحية التي تتعلق بالمعنى والسمو والارتباط بالقيم العليا. يشكّل فهم هذه الأنماط من الرغبة محورًا رئيسيًا لفهم الطبيعة الإنسانية، إذ يتداخل في ذلك العقل الذي ينظم التفكير والتحليل، والقلب الذي يشمل المشاعر والوجدان.

‏أولاً: مفهوم الرغبة الحسية

‏طبيعتها وأصلها

‏الرغبة الحسية تُعنى بالميل إلى اللذات الجسدية والملذات الحسية، مثل الطعام، الجنس، والملذات الجسمانية الأخرى. فلسفيًا، تُعتبر هذه الرغبات جزءًا من البعد الحيواني في الإنسان، وهي ضرورية للبقاء لكنها ليست كافية لتحقيق الرفاه الروحي العميق.

‏في الفلسفة، يُنظر إلى هذا النوع من الرغبة أحيانًا باعتباره مرتبطًا بـ الإيروس في الثقافة الإغريقية، أي الحب أو العشق المادي الذي يقوده الميل الحسي نحو المنعكسات الخارجية للجمال واللذة.

‏تقييمه في الفكر الفلسفي

‏يرى بعض الفلاسفة أن إشباع الرغبات الحسية فقط يؤدي إلى رفاهية سطحية ولا يضمن سعادة مستدامة. فهذه الرغبات تدفع الإنسان نحو الاستهلاك اللحظي، وقد تخلق حالة من الاعتماد على المنبهات الحسية دون سمو نفسي أو معنوي. يرتبط هذا الطرح أيضًا بأفكار الهيدونية (الملذة القصوى)، التي ترى أن اللذة هي المعيار الأسمى في الحياة، ومع ذلك تُنتقد هذه الرؤية لأنها تغفل عن قيّم أعمق للوجود الإنساني.


‏ثانيًا: مفهوم الرغبة الروحية

‏طبيعتها وأبعادها

‏الرغبة الروحية تعبر عن ميل الإنسان نحو ما هو أعلى وأسمى من الذات المادية، مثل البحث عن المعنى، الرغبة في الحقيقة، والتواصل الروحي أو القيمي. يتمثل هذا النوع من الرغبة في اتجاه الذات نحو ما يتجاوز المتع الحسية إلى قيم غير قابلة للتمثّل البيولوجي مثل الحكمة، الجمال المطلق، والعدل.

‏وفقًا لعدد من الفلاسفة والمتصوفين، تكون هذه الرغبة موجهة إلى السمو الداخلي والتقارب من الكمال، ولا يمكن إشباعها باللذات الحسية وحدها، بل تحتاج إلى تأمل وتوجيه عقلاني ووجدانٍ عميق.

‏ثالثًا: العقل والقلب في تفعيل الرغبة

‏العقل: تنظيم وتوجيه الرغبة

‏العقل هو أداة تنظيم وتوجيه الرغبات، فهو يسمح بتقييم ما إذا كانت الرغبة الحسية أو الروحية تتماشى مع هدف أسمى. العقل يميّز بين الرغبات المؤقتة والخطرة، وبين تلك التي تصقل النفس وتدفعها نحو أفكار وقيم أعمق. وبحسب بعض المنظرين، التفكير والتحليل العقلي يُسهّلان إدراك الفروق بين أشكال الرغبات ونتائجها المحتملة.

‏القلب: مركز المشاعر والوجدان

‏يُنظر إلى القلب في التراث الفلسفي والديني أيضًا على أنه مصدر المشاعر والرغبات الداخلية. في بعض المدارس الروحية يُعامل القلب كمكان توجّه الذات نحو الجمال والقيم العليا، بينما في وقتٍ آخر يُمكن أن يكون مصدر انفعالات حسية قوية إذا لم يُنظَّم بواسطة العقل. يرتبط القلب بالمشاعر العميقة التي تتجاوز مجرد التحفيزات الجسدية لتصل إلى احتياجات وجدانية وروحية.


‏رابعًا: ميزان العقل والقلب بين نوعي الرغبة

‏التوتر والتكامل بين الجسدي والروحي

‏هناك توتر جوهري بين الرغبة الحسية والرغبة الروحية؛ فالأولى توجه نحو الإشباع اللحظي، بينما الثانية تتجه نحو السمو والاستمرارية. لذا فإن التوازن بينهما يتطلب عقلًا واعيًا يحدد أولويات الذات، وقلبًا قادرًا على الشعور بالعمق والقيمة.

‏• الغلو في الرغبة الحسية يمكن أن يقود إلى إسقاط الذات في دوامة من السعي وراء اللذات دون معنى أعمق.
‏• الانغماس المفرط في الرغبة الروحية دون وعي بالعناصر الجسدية قد يؤدي إلى إهمال الاحتياجات الحيوية للبشر.

‏دور التأمل والفلسفة

‏في التراث الفلسفي الكلاسيكي مثل فلسفة أفلاطون، يُنظر إلى العقل على أنه الوسيلة التي تُرتّب بها الرغبات في النفس، بحيث تغدو الرغبة الروحية أسمى وأعلى من الحسية، فنجد تمثيلاً لصراع النفس في أسطورة العربة المجنحة حيث يمثّل العقل الفارس الذي يوازن بين قوى الشهوة والانفعال.

‏وفي التراث الإسلامي والفلسفي، ينظر العقل والقلب ككيانين متكاملين في النفس الإنسانية:

‏العقل يقود نحو انضباط الرغبات وتوجيهها نحو الخير.

‏القلب يربط بين الذات والقيم الروحية العليا، ويكون مصدرًا للتوجّه نحو الحقيقة والمعنى.

‏خاتمة

‏يمكننا القول إن الرغبة الحسية والرغبة الروحية تمثلان جانبي الطبيعة الإنسانية: الأول مرتبط بالجسد واللذة، والثاني مرتبط بالسمو والمعنى. العقل يقوم بدور التنظيم والتقييم، بينما القلب يعكس الأبعاد الوجدانية والعاطفية. التوازن بينهما لا يعني قمع أحدهما، بل تنظيم الرغبات وفق ما يخدم نمو الذات نحو القيم العليا، والفهم العميق للوجود.


‏المراجع

‏1. كتاب فلسفة الرغبة لفريدريك لونوار – تحليل شامل لطبيعة الرغبة ودورها في الوجود الإنساني.


‏2. تحليل مفهوم الرغبة والحاجة والفلسفة الأخلاقية: تمييز بين الرغبة الحسية والرغبات الفكرية والروحية.


‏3. كتاب العقل والقلب – تفسير العلاقة بين العقل بوصفه مركز الفكر، والقلب بوصفه مركز الوجدان في الإنسان.


‏4. مفهوم الإيروس في الفلسفة الإغريقية كمثال للرغبة الجنسية/الحسية مقابل السمو نحو الجمال العام.


‏5. تعريف الهيدونية كنظرية فلسفية في قيمة اللذة وتأثيرها على تقييم السعادة.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏لماذا تدعم إسرائيل الحركات الانفصالية في العالم العربي؟
- تاريخ الحركات الانفصالية في العالم وأثرها السلبي على الشعوب
- ما الذي يُحفّز النجاح الشخصي والمهني؟
- ‏الاستراتيجيات والأدوات والأطر المفاهيمية اللازمة لإدارة الم ...
- ‏الفقر والقهر… بوابتان لتسلل التطرف واستغلاله
- ‏الرغبة الهيدونية ودورها في تعزيز القيادة ‏
- ‏التحديات التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2026
- ‏السياسة الأمنية للتاريخ الرسمي: قراءة أكاديمية في استعمال ا ...
- العنف المقدّس: قراءة تاريخية نقديّة
- ‏تنمية الذاكرة المجتمعية: مقاربة أكاديمية في المفهوم والآليا ...
- مخاطر الخطاب الطائفي على السلم المجتمعي والوطن
- ‏مدونة سلوك متقدمة للشركات النفطية
- ‏في دولة الفساد: التجاوزات بحجم الصمت
- أشكال الفساد العصرية المواكبة للتكنولوجيا وعصر المعلومات
- التداخل بين الكوميديا والمأساة في مسرحية «البخيل» لموليير
- ‏هل مهد الفكر الإغريقي لظهور الأديان؟ دراسة تحليلية ‏
- ‏المذاهب الفلسفية لإخوان الصفاء وخلان الوفاء
- التعامل مع الشخصية النرجسية
- ‏دراسة معمقة لمسرحية -الضفادع- لأريستوفانيس: الأفكار والرسائ ...
- ‏التسول الإلكتروني وأشكاله: دراسة تحليلية أكاديمية ‏


المزيد.....




- حصاد 2025.. نظرة على أبرز الاكتشافات الأثرية في الدول العربي ...
- من الأزقة إلى العالمية .. -ملاعب القُرْب- تغيّر وجه الكرة ال ...
- بلغاريا تستعد لاعتماد اليورو رسميا رغم المخاوف من التضخم
- الصين توسع مناوراتها العسكرية حول تايوان وسط قلق أوروبي
- واشنطن تدقق في ملفات هجرة أميركيين صوماليين
- زوال السلام العظيم.. هل تقترب المواجهة بين الدول الكبرى؟
- خبراء أميركيون يفككون التوافق الذي يتحدث عنه ترامب بين سوريا ...
- بسبب خصوصية الأطفال.. تغريم ديزني 10 ملايين دولار
- سرقة القرن في ألمانيا.. 30 مليون يورو تختفي من خزائن بنك
- شرطة لندن في مواجهة الماسونية.. معركة -الشفافية- وصلت القضاء ...


المزيد.....

- قواعد الأمة ووسائل الهمة / أحمد حيدر
- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ا‏لرغبة الحسية والرغبة الروحية في ميزان العقل والقلب