|
|
مونودراما (بيت بلا أم) تأليف: محمد صخي العتابي
محمد صخي العتابي
الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 01:25
المحور:
الادب والفن
الأهــداء: إلى أمي… إلى غيابك الذي لا يرحل من قلبي…
بيئـــة العرض: (غرفة شبه مهجورة، جدران متعبة، كرسي وطاولة صغيران، صور قديمة على الحائط، نافذة ضيقة، وصوت ساعة متقطع) الأبن (جالس على الكرسي يحمل صورة الأم): أمي… أمي…(يتوقف قليلاً) كم كان الغياب يثقل كاهلي قبل أن ترحلي، وكم أصبح أعمق بعد فقدك… لم يعد لدي شيء في هذا العالم… سوى صورك… وصدى صوتك يلاحقني في كل ركن… (يقف ببطء، يلتفت حول الغرفة كما لو يبحث عن أثر للأم في كل مكان): لم أكن أتعامل مع الموت كأحتمال يخصني…كان فكرة تمر بحياتي وتمضي.. ولم يكن لدي أي فكرة عن الفراغ الذي سيخلفه رحيلك… ( يتنهد) كل يوم أشعر وكأنني أختبر نفسي… أفتش عنك في تفاصيل…في رائحة الغرف في حركة الستارة في الصمت الذي يلي أسمي لكنك غائبة… (يقترب من النافذة، يضع يده على الزجاج): أتذكرين… كنتِ دائمًا تقولين لي: الحياة قصيرة، والذكريات هي ما يبقى بعد رحيلنا… احرص على صنعها بحب. لكنني… لم أصنع شيئًا… لم أملأ حياتي بالحب… كنت دائمًا مشغولًا… بالعمل… بالمشاكل… بكذبة أن غدًا سيكون أفضل… غدًا… لم يأتي… (ينحني إلى الطاولة، يمسك بصندوق خشبي قديم): هذا الصندوق… كنتِ تقولين إنه يحمل ذكرياتك الثمينة… كنت أخاف أن أفتحه… أخاف أن أواجه قلبي حقًا… (يفتح الصندوق ببطء، يخرج منديلًا قديمًا، قبعة صغيرة، ورسالة مكتوبة بخط يد الأم): كل هذه الأشياء الصغيرة… كانت عالمي كله… ولم أعطها قيمة حينها… الآن كل شيء قد مضى… (يجلس على الكرسي، ينظر إلى الصور، صوته يختلط بالبكاء): أتعلمين؟ أحيانًا أتكلم معك في صمت… أسمعك تقولين لي: لا تبكِ… الحياة تستمر… تذكر أنني أحبك. لكنني لا أستطيع… لا أستطيع أن أعيش بدونك… كل ماحولي يبدو ناقصا …كأن الأشياء تؤدي وظيفتها بلا روح (الضوء ينعكس على الصورة القديمة): أمي… أتذكرين حين كنت صغير… كنتِ تجرينني في الحديقة… كنتِ تقولين: لا تخاف من الظل، الظل ليس إلا جزءًا من الضوء… كنتِ تعطينني كل شيء… الحب، الحنان، الحماية… كنتِ عالمي… وها أنا الآن… بدونك… أحاول أن أملأ هذا الفراغ… (ينهض، يتحرك في الغرفة، يلمس الجدران): أحيانًا… أسمع ضحكتك في أرجاء البيت… أحيانًا أرى خيوط شعرك ترفرف في الهواء… وكأنك لم تغادري… لكن حين أمد يدي… لا شيء… فقط الفراغ… (يجلس على الأرض، يضم ركبتيه إلى صدره): كنتِ تقولين لي دائمًا: تعلم أن تكون قويًا… حتى لو لم أكن هنا. وها أنا أحاول… أحاول أن أكون قويًا… لكن قلبي ينهار… كل يوم… كل لحظة…(يجلس على الطاولة، يخرج الرسالة من الصندوق بيد مرتجفة. الضوء يتركز على الورقة.. يقرأ بتوتر): إذا كنت تقرأ هذه الرسالة، فأنا لم أعد معك.. لكن قلبي معك دائمًا… تذكر أن الحب هو ما يبقى، حتى بعد الرحيل… (يقف يمشي ذهابًا وإيابًا): الحب… الحب الذي كنت أشعر به منذ طفولتي… ولم أدركه… كنت أراه أمرًا مفروغًا منه… كنت أظن أن وجودك هو الحب نفسه… ولم أكن أعلم أن الرحيل سيجعلني أفتقده بهذا الشكل… (يجلس على الكرسي، ينظر بعيدًا إلى الخارج): أتذكرين حين كنت صغير، كنتِ تمسحين دموعي بابتسامة… تقولين: حتى إن تعثرت يومًا، ثق أن النهوض ينتظرك .. كنت أظن أن كل شيء سهل… والآن، بعد رحيلك، أشعر أن كل شيء ثقيل… كل شيء مؤلم… (ينهض، يقترب من الصور على الحائط، يلمسها): هؤلاء… كل هؤلاء… كانوا أصدقائي… كانوا عالمي… كل لحظة عشتها تحت جناحك كانت أمانًا… وها أنا الآن… بلا جناح… بلا أمان… (الصوت يتصاعد): كنت صغيرًا… كنت أركض في الحديقة… أصرخ فرحًا… وأنتِ تضحكين من بعيد… تقولين: احذر ألا تقع، العالم قاسي لكنه جميل..كبرت… ومع كل خطوة، كنت أبتعد قليلًا عنك… كنت أظن أنني أصبح رجلاً كبيرا… وكنت أظن أن حنانك سيظل دائمًا… لم أكن أعلم أن الموت سيأتي ليقلب كل شيء(أبتسامة حزن): أمي… أتذكرين عندما مرضت لأول مرة؟ كنتِ تسهرين طوال الليل بجانبي… تشعرين بألمي كما لو أنه ألمك… كنتِ تقولين لي: لن أتركك أبدًا، حتى لو لم أستطع أن أعيش لأجلك… (يقف، يتجه نحو النافذة، يضع يده على الزجاج، كأنه يحاول لمس الماضي): أريدك الآن… أريدك أن تعودي… أريد أن أسمعك تقولين لي: كل شيء سيكون على ما يرام… لكن لا شيء… لا شيء سوى الصمت… (يعود إلى الطاولة، يضم رأسه بين يديه، صوته يختلط بالبكاء): لقد أخطأت… لقد أهملت… لقد أخذت كل شيء كأمر مفروغ منه… لم أكن بخيلا بالحب…كنت فقط أؤجله وكأنك باقية الى الأبد. (ينهض، يتحرك في أرجاء الغرفة بعنف، وكأنه يحاول التخلص من ألم داخلي): أمي… لماذا تركتيني وحيدًا؟ لماذا؟ كنتِ كل شيء… وها أنا الآن، أبحث عنك في كل مكان… في كل ذكرى… في كل شيء… لكنكِ لست هناك (يتوقف، يلتفت نحو الجمهور، عيناه تلمعان بالدموع): هل خطر ببالك يوما أن غيابك سيجعلني أتعثر في أبسط الأشياء؟ هل كنت تعرفين أن قلبي سيشتاق إليك بهذا الشكل(يجلس على الأرض، يداه تغطيان وجهه..الضوء خافت.. يبدأ الحديث وكأنه حوار مع الأم بصوت متقطع):أمي… أمي… هل تسمعينني؟ هل تشعرين بقلبي المكسور؟ (يتنهد..يرفع رأسه كما لو يلمح ظلها على الحائط): أتعلمين؟ كل ليلة أعود إلى نفس المكان… أفتح عيني وأنتظر أن أراك… أنتِ هناك… تبتسمين… تقولين لي: لا تحزن… أنا هنا. (ينهض ببطء، يخطو خطوات صغيرة حول الغرفة) لكنكِ لم تعودي… كل شيء أصبح فارغًا… كل شيء بلا حياة… (يجلس على الكرسي، يضع يديه على الصور): أتذكرين… حين كنت أصغر من هذا العمر؟ كنتِ تحملينني على ظهرك… تقولين لي: سأحملك حتى تشعر أنك تستطيع الطيران… كنت أركض في الحديقة، أصرخ من الفرح… وكان قلبك يبتسم معي… (صوت يرتفع قليلاً، يحمل نبرة ألم وحب): الآن… كل شيء أصبح صامتًا… كل شيء… إلا صورك… التي تحمل صدى ضحكتك… (يقف، يوجه يده نحو صورة كبيرة على الحائط، كأنه يصرخ في وجهها) أمي… لماذا تركتيني؟ لماذا رحلتِ؟ ألم تعرفي أن قلبي سيظل يبحث عنك؟ أمي… أعلم أن الموت ليس خطأك… أعلم… لكن لماذا… لماذا رحلت؟ (يجلس على الأرض، يضم ركبتيه، ويبدأ يتحدث مع نفسه وكأنها الأم): كنت تقولين لي دائمًا: الحياة قاسية، ولكنها تستحق أن تعاش… كنت أعتقد أنني أستطيع مواجهة كل شيء… ولكن بدونك… كل شيء أصبح صعبًا… كل شيء مؤلمًا… (يغمض عينيه، ويبدأ بصوت منخفض): هل كنت تعرفين أنني سأحتاج إليك بهذا الشكل؟ هل كنت تعرفين أن قلبي سيشتاق إليك إلى هذه الدرجة (ينهض، يسحب صورة قديمة للأم يحدق بها): أتذكرين… يوم أول يوم دراسي لي؟ كنتِ تبتسمين وأنا أرتدي حقيبتي الصغيرة… تقولين لي: لا تخف… سأكون دائمًا معك بروحي… كنت أعتقد أن كلماتك مجرد كلمات… لم أكن أعلم أنها ستكون كل ما أملك بعد رحيلك… (يضع الصورة على الطاولة،يجلس مقابلها، يتحدث وكأنه يروي القصة لها مباشرة) أمي… لقد كبرت… لقد صرت في منتصف العمر… وكل خطوة في حياتي بدونك كانت صعبة… كل نجاح… كل فشل… كنت أحتاج أن أشاركك به… الآن… لا أحد يسمعني… إلا نفسي… (يقف، يوجه يده نحو الجمهور، كأنه يشارك الألم مع الجميع) أتعلمون؟ أحيانًا أشعر أن كل شيء حولي يتآكل… وأن كل لحظة بدونها تقتل جزءًا مني… أنتم لا تعرفون ماذا يعني أن تفقد روحًا كانت كل شيء… كل شيء… (ينحني على الطاولة، يدفن وجهه بين يديه، صوته يرتعش): لقد أهملت… لقد أخطأت… لم أعطك الحب الذي تستحقينه… لم أشكر لك كل ضحكة… كل لمسة… كل كلمة… (ينهض، يتحرك بعنف حول الغرفة): أمي… لماذا رحلت قبل أن أخبرك أنني أحبك؟ لماذا رحلت قبل أن أعتذر عن كل مرة أغضبتك فيها؟ ( بصوت ضعيف): أمي… إذا كنتِ تسمعينني الآن… اعلمي أنني أحبك… أكثر مما تتصورين… أكثر مما يمكن للكلمات أن تعبر… (يجلس على الأرض، يسند رأسه إلى الجدار، ويغمض عينيه بصوت منخفض):أمي… لقد حاولت المقاومة… حاولت أن أعيش… حاولت أن أنسى… لكني لم أستطع… لم أستطع أن أنسى ضحكتك… لم أستطع أن أنسى حنانك… لم أستطع أن أنسى كل شيء كنتِ تمثلينه لي… (ينهض..يفتح ذراعيه كما لو يريد احتضان الضوء الخارج من النافذة): أدركت الآن… أن رحيلك ليس النهاية… أن روحك ما زالت تعيش في كل شيء… في الهواء… في صوت المطر… في كل لحظة أعيشها… (يحمل صورة الأم..ويبدأ يتحدث وكأنه يراها أمامه): أمي… الآن أفهم… الحب الذي زرعته في قلبي لا يموت… لقد أصبح جزءًا مني… جزءًا من حياتي… كل خطوة أخطوها بدونك، تحمل حضورك… كل دمعة أذرفها، تحمل ذكراك… (يمشي ببطء حول الغرفة، يلمس الصور، الطاولة، الصندوق الخشبي): كنتِ تقولين لي: الحياة تستمر،حتى لو لم أكن هناك، تذكر أن الحب هو ما يبقى. الآن… أفهم… الحب هو ما يبقى… الحب هو ما يجعلني أعيش… (يجلس على الكرسي، يضع اليد على قلبه، يغمض عينيه، ويبتسم ابتسامة حزينة): أمي… لقد تعلمت أن أعيش مع غيابك… أن أقبل أن الحياة مستمرة… وأنكِ معي دائمًا، بروحك… بذكراك… في كل شيء حولي… (يضع الصورة على الطاولة أمامه، يبتسم): لن أنسى أبدًا، ولن أترك حنانك يضيع… سأحمل ذكراك في كل خطوة أخطوها… سأكون جزءًا من حبك… وأملأ حياتي به… (يقف): الحياة ليست مجرد أن نملك الأشخاص… الحياة هي أن نحتفظ بما علمونا… بما أحبونا… بما أعطونا… أمي… أحبك… وأشكرك على كل شيء..(واقفًا في منتصف الغرفة، ظهره للجمهور، ينظر إلى النافذة..صوت الساعة يتوقف للحظة، ثم يعود ببطء شديد، دقة… ثم دقة… كأن الزمن يتنفس بصعوبة): أمي… تعبت… والله تعبت… كل هذا الوقت… وأنا أرتب داخلي… أمسح الغبار عن الذكريات… أربي الحزن كما يربي الناس أطفالهم… ظننت أنني أقوى… أنني قادر على احتمال كل هذا… لكن الحقيقة؟ التعب لم يعد في جسدي فقط …وصل الى طريقة التي أفكر بها. (يتقدم ببطء نحو الطاولة، يحرك الأشياء عليها بلا تركيز، كأنه يبحث عن شيء ولا يعرف ما هو) تدرين؟ الناس تقول إن الزمن يداوي… لكن ماذا لو كان الزمن نفسه مريضًا؟ ماذا لو كانت الأيام لها حمى… تتنفس بثقل… وتترك ندوبًا بدلًا من الشفاء؟ (يمسك بالصندوق الخشبي، يفتحه، ثم يضعه بسرعة جانبًا): لم أعد أريد تذكاراتك… لا الصور… ولا الرسائل… ولا الأشياء الصغيرة التي خبأتها لنا… كلها أصبحت أثقل من قلبي… كأنها حجار… كل حجر يحمل جزءًا من حبك… وجزءًا من فقدك… (يجلس على الأرض، ظهره للجدار، يرفع رأسه نحو السقف): أمي..هل من الطبيعي أن يشعر الإنسان أنه طفل في كل مرة يبكي عليك؟ أن يعود صغيرًا… أن يتلعثم… أن يبحث عن يد ليست هنا… ولا يمكن أن تعود؟ (يغمض عينيه، صوت أنفاسه يرتجف)كنت أحاول أن أكون قويًا… كنت أقول لنفسي:هي رحلت… لكنك ما زلت هنا. لكن الحقيقة… أنني لست هنا… أنا مجرد ظل… ظل يمشي ويحاول أن يقنع نفسه أنه يعيش… (يفتح عينيه ينظر إلى الجمهور كأنه اكتشف شيئًا خطيرًا): أتعرفون…عندما تموت الأم… لا يموت إنسان واحد فقط… يموت زمن… بيت… رائحة… لغة… شيء في القلب… شيء لا يولد ثانية… (ينهض):أمي… هناك لحظة… لحظة واحدة فقط… كنت أنتظرها منذ رحيلك… لحظة الانكسار الأخير… اللحظة التي يتوقف فيها الألم عن النمو… لأن القلب يصل إلى حده… ولا يعود قادرًا على حمل أي شيء جديد. (يقترب من النافذة، يضع يده على الزجاج): وأظن… أظن يا أمي… أنني وصلت إليها الآن… هذه اللحظة… حيث لا أستطيع أن أبكي أكثر… ولا أحزن أكثر… كأن الدموع نفسها قالت لي: كفى… لم يعد فيك مكان لنا. (يعود إلى الكرسي، يجلس ببطء، يضع يده على قلبه): أمي..أنا لا أقول إنني شفيت… ولا أنني تجاوزت… لكنني… وصلت إلى الحافة… ورأيت الظلام… وفهمت شيئًا واحدًا فقط… فراق الأم لايهزم ..نحن فقط نغير طريقة الوقوف تحته. (يصمت قليلاً، ثم يضيف بصوت منخفض جدًا، كأنه يكلمها همسًا): ساعديني يا أمي… ساعديني أن أعيش… بما تركتيه في قلبي… لا بما سلبه الموت من روحي… (ما زال جالسًا على الكرسي):أمي..هناك شيء لم أقله لك… شيء دفنته طويلًا… شيء كنت أهرب منه… وأظن أن بإمكاني أن أنساه… لكنه ظل هناك… كجرح تحت الجلد… ينزف بصمت… (ينهض، يضع يده على صدره كأنه يشعر بثقل لأول مرة): أمي..أتذكرين ذلك اليوم… يوم اختلفنا آخر مرة؟ كنتِ متعبة… وأنا كنت غاضبًا… لم أفهم خوفك عليّ… لم أفهم محبتك… قلت كلامًا… لا يقال… كلمات كسرت شيئًا فيكِ… وكسرت شيئًا في أيضًا… أتذكر نظرتك… كانت نظرة أم… لكنها كانت أيضًا نظرة امرأة مكسورة… وأنا… لم أعتذر… لم أعد… تركتكِ وحدكِ في ذلك اليوم… واليوم… يقتلني أنه كان يومك الأخير… (يمسك رأسه بيده، صوته يرتعش): أمي… سامحيني… سامحيني لأنني كنت قاسيًا… سامحيني لأنني لم أعرف أن مرضك كان يسرقك مني… سامحيني لأني لم أركِ وأنتِ تتألمين… (ينهار جالسًا على الأرض، وكأنه يعترف لأول مرة بحقيقة ظل يحملها طوال سنوات): كنتِ تحتاجينني… وأنا لم أكن هناك… تركتكِ تواجهين الألم وحدك… وأنا… لم أعد أحتمل هذا الذنب… (يصمت لحظة طويلة… ثم يرفع رأسه فجأة، كأنه يسمع صوتها في داخله): لكن.. أنتِ لم تكوني يومًا من أولئك الذين يعاقبون… كنتِ دائمًا تغفرين… قبل أن نخطئ… فهل… هل ستغفرين لي الآن؟ هل ستغفرين لهذا القلب الذي ضيعك… قبل أن يخسرك؟ (ينهض.. يمسح وجهه، يتوجه نحو الصورة على الحائط):أمي..تعلمين ما اكتشفته الآن؟ أنني لم أفقدك في الحقيقة… أنا فقط فقدت الجسد… لكن الروح… روحك كانت هنا… معي… في كل لحظة… حتى حين كنت غاضبًا… وحتى حين كنت ضائعًا… (يلمس الصورة برفق، كأنه يحاول من خلالها لمس يدها): كنتِ دائمًا تقولين لي: لن تعرف قيمتي إلا حين تكبر… وحين تغيب الأشياء التي صنعتها لك. وقد كبرت… وغبتِ أنتِ… وبقيت الأشياء التي صنعتِها لي… حنانك، صوتك، خوفك، قوتك… بقيت كعلامات على طريق أعود إليه دون أن أضيع… (يتنفس بعمق) أمي..أنا لم أكن قويًا كما كنتِ تظنين… لكن حبك… كان أقوى مني… هو الذي يعيدني الآن… هو الذي يرفعني بعد كل هذا السقوط… (يجلس على الكرسي) أتعرفين ماذا فهمت؟ أن الموت… لا ينتصر على الأم… ولا يأخذها كاملة… يبقى منها شيء… شيء كبير… أكبر حتى من الوجود… (يضع يده على قلبه) هنا… هنا تسكنين… وهنا ستبقين… ما حييت أنا… وما بقي هذا القلب ينبض… (الضوء يبدأ بالاتساع.. صوت الساعة يعود منتظمًا):أمي..لقد رحلتِ… نعم… لكن الحكاية لم تنتهِ… (يبتسم):كل ما علمتِنيه… كل ما زرعتِه في صدري… كل لحظة عشق… كل درس… كل حضن… هو حياتي الآن… هو ما يجعلني أقف… وما يمنحني القدرة لأكمل… (يمد يده إلى الطاولة، يرفع صورة الأم، يقبلها): لن أبكيكِ من الآن فصاعدًا… سأذكركِ… وسأحبكِ… وسأعيش كما كنتِ تريدين لي… قويًا، صادقًا، ممتلئًا بالحب… (يتجه نحو النافذة، يفتحها قليلًا، يدخل الضوء يملأ الغرفة): انظري… الحياة ما زالت هنا… والهواء… يحمل شيئًا منك… شيئًا يشبه السلام… يشبه البداية… (يستدير نحو الجمهور، يضع يده على قلبه) وهنا… في هذا المكان… أعلن… أنني لم أعد وحدي… ولم أعد ضائعًا… لأنكِ… يا أمي… تسكنين في داخلي… حيث لا يصل الموت… وحيث لا يذبل الحب. (ينحني رأسه.. ينسحب الضوء تدريجيًا حتى ينطفئ تمامًا)
#محمد_صخي_العتابي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نص مسرحي للأطفال (عشبة الشفاء الذهبية) تأليف:محمد صخي العتاب
...
-
مونودراما (المتهم الوحيد) تأليف: محمد صخي العتابي
-
مونودراما (أعترافات رجل بلا أسم) تأليف: محمد صخي العتابي
-
نص مسرحي (شرق أوسط جديد) تأليف: محمد صخي العتابي
-
نص مسرحي(زهايمر السلطة) تأليف/ محمد صخي العتابي
-
نص مسرحي (ليلة القبض على جيفارا) تأليف: محمد صخي العتابي
-
مسرحية ( صبراً يا أطفال غزة)
-
مهدي حميد حيدر أحب وطنه وأهله بصدق/ محمد صخي العتابي
-
مسرحية تربوية للأطفال(محاكمة الذئب) تأليف: محمد صخي العتابي
-
نص مسرحي ( رسائل من غزة ) تأليف / محمد صخي العتابي
-
نص مسرحي: قبر مؤجل (مونودراما) تأليف / محمد صخي العتابي
-
مسرحية( صرخة في الظلام)
-
مسرحية (المخدرات طريق الهلاك) تأليف / محمد صخي العتابي
-
نص مسرحي للأطفال (الحكمة والقوة) تأليف / محمد صخي العتابي
-
الفن سلاح ذو حدين بناء وهدم
-
لعبة الحرب/ قصة قصيرة
-
(حراس الغابة نص مسرحي للأطفال)
-
مسرحية (جنون) تأليف/ محمد صخي العتابي
-
مسرحية المرآة ( مونودراما) تأليف/ محمد صخي العتابي
-
رسالة إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم
المزيد.....
-
جدل حول إزالة مقبرة أمير الشعراء وسط مخاوف على تراث القاهرة
...
-
بدون زينة ولا موسيقى.. السويداء تحيي عيد الميلاد في جو من ال
...
-
شانلي أورفا التركية على خريطة فنون الطهي العالمية بحلول 2029
...
-
ريهام عبد الغفور.. صورة الفنانة المصرية تحدث جدلا ونقابة الم
...
-
زلزال -طريق الملح- يضرب دور النشر في لندن ويعيد النظر إلى أد
...
-
الكوميدي هشام ماجد: أنا ضد البطل الأوحد وهذا دور والدتي في ح
...
-
فنان هندي يصنع تمثالًا لبابا نويل باستخدام 1.5 طنًا من التفا
...
-
مكتبة الحكمة في بغداد.. جوهرة ثقافية في قبو بشارع المتنبي
-
وفاة الممثل الفلسطيني المعروف محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما
...
-
قرار ترامب باستدعاء سفراء واشنطن يفاقم أزمة التمثيل الدبلوما
...
المزيد.....
-
دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس
/ السيد حافظ
-
مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
زعموا أن
/ كمال التاغوتي
-
خرائط العراقيين الغريبة
/ ملهم الملائكة
-
مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
المزيد.....
|