أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد صخي العتابي - مسرحية ( صبراً يا أطفال غزة)















المزيد.....


مسرحية ( صبراً يا أطفال غزة)


محمد صخي العتابي

الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 11:21
المحور: الادب والفن
    


رسالة الكاتب:
هذه المسرحية كتبت بدم القلب، لا بحبر القلم.
هي صرخة من أعماق الإنسانية، موجهة إلى كل من يملك قلبًا يخفق، وعينًا ترى، وأذنًا تسمع.
غزة لا تحتاج إلى تبرعات فقط.
غزة تحتاج إلى عدالة.
إلى صوت يرفع.
إلى ضمير يوقظ.
إن عرضت هذه المسرحية على مسارح العالم، فلتكن شعلة تضيء عتمة النسيان
ولتكن رسالة: أن الطفل الفلسطيني ليس رقما في تقرير هو أنسان يريد أن يعيش.
فالعالم مطالب بأن يعيد تعريف معنى الإنسان...
الأهــداء...
إلى أرواح أطفال غزة..
الذين غادروا الدنيا وشفاههم ترتجف بالسؤال : لماذا؟
وإلى الأحياء منهم...
الذين ينهضون كل صباح من بين الركام يهمسون: أريد أن أعيش.

الشخصيات:
الأم: في منتصف العمر، شديدة الصبر، تحاول حماية أطفالها رغم كل شيء.
زيد: طفل في التاسعة،يحب الرسم، فقد ساقه في القصف.
ليان :في السابعة، تمثل البراءة والأمل.
الجد خليل :متقدم في السن، يحمل ذكريات الماضي يروي قصص النكبة.
سارة :ممرضة متطوعة، جاءت تساعد الجرحى.
أبو خالد:جار مشرد فقد عائلته، يعيش بين الأحياء كشبح.
(الراوي): صوت خارجي يعلو بين المشاهد يروي ما لا يقال.

((اللوحة الأولـى: تحت الركام))
بيئـة العرض:
(الإضاءة خافتة، أنقاض حول المكان، صوت طائرات حربية بعيدة، ريح تهمس بين الحطام. زيد جالس على كرسي مكسور، يرسم على ورقة ممزقة بقلم رصاص. ليان تنام على قطعة بطانية. الأم تنظر إلى السماء من فجوة في السقف. الجد يمسك مسبحة قديمة)
الأم:(بهدوء، كأنها تخاطب السماء)
صبرا يا أطفال غزة...
هل تسمعون دعائي؟ هل ترى عيونكم ما نراه؟
نحن هنا،نتنفس غبار الموت، ونأكل من فتات الأمس.
لكننا لا نبكي... لا نبكي كثيرا.
الدموع، يا رب، صارت نادرة كالماء.
زيد:(يرفع رأسه عن الرسم، بصوت مبحوح)
أمي... هل السماء كانت يوما زرقاء حقا؟
أو أن كل ما رأيته في الكتب مزيف؟
الأم:(تقترب منه، تمسح شعره)
كانت زرقاء يا زيد... زرقاء كالحلم.
كانت تغطينا بظلالها، وترسل لنا شمسها بلا قنابل.
كانت الطيور تطير... لا تسقط محترقة.
ليان:(تستيقظ فجأة، تجلس)
أمي! حلمت أنني طائر!
طارت بي الريح بعيدا عن هنا...
وصلت إلى حديقة فيها أشجار تثمر حلوى، وماء ينزل من السحاب مثل الشاي!
الجد خليل:(يبتسم) كنت أرى تلك الحديقة...في عام 1948
كانت أرضنا تزهر بغير قنابل، وننادي صباح الخير دون خوف.
الآن، تنادي هل بقينا أحياء؟ بعد كل قصف.
(صوت قصف مدوٍ يهز المكان. الجميع ينبطحون. ليان تصرخ، زيد يسقط على جانبه. سارة تدخل من بين الأنقاض، مغطاة بالغبار، تحمل حقيبة طبية صغيرة)
سارة:لا تتحركوا.. القصف على الحي الجنوبي الآن... لكنه قد يعود.
( تنظر الى زيد)كيف حال الساق يا زيد؟
زيد:(بهدوء، كأنه اعتاد الألم)
تسألني كل يوم... أقول لك: لا أشعر بها.
لكنني أسمعها تصرخ في الليل.
سارة: (تبتسم بحزن) الجسد يصرخ حين تجرح روحه يا زيد.
أنت لا تفقد ساقا فقط... تفقد عالما كان يركض فيه.
أبو خالد:(يدخل كأنه ظل)
العالم؟ ماذا بقي من عالم؟
العالم نسي أننا بشر.
العالم يشرب قهوته ويشاهدنا... كأننا مشهد في فيلم لا ينتهي.
الأم:لا تقل هذا، يا أباخالد.
إذا فقدنا الأمل، فقدنا كل شيء.
أطفالي... ما زالوا يرسمون، ما زالوا يحلمون.
هل تعلم أن زيد رسم مدرسته اليوم؟
المدرسة التي دمرت بالأمس؟
زيد: (يرفع الرسم )أنظر.. هذا بابها، وهذه الشجرة التي كنا نلعب تحتها.
وكان هناك سبورة بيضاء... لم تكن سوداء من الدخان.
سارة:(تأخذ الرسم، تتأمله)
يا إلهي... كأنك تعيد بناء ما هدم بقلم رصاص.
هل تعلم أن هذا أقوى من القنابل؟
زيد: لا أعرف... لكني أريد أن أري المدرسة لمن يزور غزة يوما.
ليعرف أننا كنا نتعلم... كنا نضحك... كنا أحياء.
(صمت.. صوت طائرات يقترب. الجميع يتجمدون. لحظة من الرعب. ثم يمر الطيران)
ليان :(بصوت ناعم) أمي... لماذا لا يحبونا؟
نحن لا نؤذي أحدا... نريد فقط أن نلعب.
الأم:(تضمها بقوة)هم لا يكرهونك يا ليان..
هم فقط لايروك لا يرون أنك طفلة، لا تملك سلاحا، ولا تعرف ما معنى الحرب.
يرونك هدفا أليس هذا جنونًا؟
الجد خليل:الجنون بدأ منذ أن قسموا أرضنا، وشردونا من بيوتنا.
قالوا: هذه أرضكم، ثم جاؤوا بأجسام من حديد ونار وقالوا: هذه أرضنا.
ومنذ ذلك اليوم، صرنا نقتل باسم السلام.
الراوي:(صوت عالٍ من بعيد)
في كل دقيقة، يقتل طفل في غزة.
في كل ساعة، تدمر مدرسة أو مشفى.
في كل يوم، تكتب عشرات التقارير... ثم ترمى في الأرشيف.
العالم يعد الأرقام، لكنه لا يعد الدموع.
(الإضاءة تخف. يضيئون شمعة صغيرة. زيد يحاول أن يكمل رسمه. ليان ترسم أصابعها على الحائط كظل. سارة تفحص الجرحى في زاوية. أبو خالد ينظر إلى صورة قديمة في جيبه)
سارة: أمس، دفنا 30 طفلًا..
الأم :30 طفلًا... في يوم واحد.
سارة:لم يدفنوا في مقابر... بل في حفر صغيرة، تحت المنازل، خوفا من القصف.
الأم: واليوم؟
سارة:اليوم، طفلة ماتت من الجوع.
لم تضرب بقذيفة... ماتت لأنها لم تجد حليبا.
جسدها صار صغيرا جدا... كأن الزمن توقف عندها.
الجد خليل: هل تعرفون كم مرة بكى قلبي؟
ليس من الموت... بل من العدالة.
العدالة التي تمنح لبعض الناس، وتسرق منا.
نحن نحاكم كل يوم... وهم يكافؤون.
أبو خالد:(يخرج الصورة)
هذه ابنتي... سارة كانت طبيبة.
ماتت وهي تنقذ طفلًا في مشفى دمر.
قالوا: مأساة لكنها لم تكن مأساة... كانت جريمة.
زيد:( يفاجىء الجميع) أنا لا أريد أن أموت... لكنني أريد أن أنام.
أريد نوما لا أستيقظ فيه على صوت قصف.
أريد نوما طويلًا... كأنني سافرت.
الأم:(بصوت مرتجف) لاتقل هذا يازيد.
أنت ستسافر... ستسافر إلى مكان لا قصف فيه، ولا جوع.
لكن ليس الآن... ليس الآن.
ليان: (تضع يدها على وجه زيد)
أنا لا أريد أن تسافر وحدك.
خذني معك... نسافر معا، ونرسم السماء الزرقاء.
(صوت صرخة من بعيد. سارة تقفز وتنظر من الفجوة)
سارة:طفل جريح.. في الشارع لايمكن تركه.
الأم: لكن القصف قد يعود!
سارة: إذا لم نخرج، فمن سينقذه؟
هل نتركه يموت ونحن نعد الشموع؟
(سارة تخرج بسرعة. بعد لحظات، تعود وهي تحمل طفلًا صغيرا مغطى بالدم. تضعه على قطعة قماش. تبدأ بفحصه. الجميع يقتربون)
سارة: جروح في الرأس... نزيف داخلي.
لا أدوية... لا ماء كافٍ... لا ضوء
زيد:(ينظر إلى الطفل)
هل سيصبح مثل ساقي؟
سارة: لا يا زيد... هذا أسوأ.
هذا قد يصبح مثل أخيك، الذي لم يولد... لأن أمه ماتت تحت القصف.
(الصمت يلف المكان. الطفل يصدر أنينًا خفيفا)
الجد خليل: لماذا نحن هنا؟ لماذا لا يأخذنا أحد؟
لماذا يسمح لهم بالقتل، ونحن نمنع من الحياة؟
الراوي: لأن العالم، يقسم الناس إلى ضحايا يستحقون التعاطف وضحايا يجب تجاهلهم
وأنت، من الثانيين لأنك من غزة.

((اللوحة الثانيـــة: رسالة من طفل إلى العالم))

(زيد يجلس وحيدًا، يكتب على ورقة)
زيد: (يقرأ)إلى العالم...
أنا طفل من غزة.
أنا لا أحمل سلاحا.
أنا أحمل قلم رصاص، وورقة، وقلبًا صغيرًا يتألم.
أمي تقول: (صبرا يا أطفال غزة... صبرا)
لكنني لا أعرف كم صبر يكفي.
نحن نصبر على الجوع، وعلى الخوف، وعلى فقدان كل شيء.
لكن هل نصبر على الموت؟
أنا رأيت أصدقائي يقتلون وهم يلعبون.
رأيت مدرستي تحول إلى رماد.
رأيت أمي تبكي ولا تجد دمعًا.
نحن لا نريد حربًا.
نحن نريد مدرسة، ووجبة طعام، ونومًا آمنًا.
لكنكم، يا سكان العالم، ترسلون تقارير... لا ترسلون خبزًا.
تدينون... لكنكم لا تفتحون الحدود.
تقولون: نأسف... لكنكم لا توقفون القصف.
هل نحن غير مهمين؟
هل دمنا أقل حرمة من دم غيرنا؟
إذا كان الجواب نعم... فأخبروني، حتى أتوقف عن الحلم.
لكن إذا كان لا... فافعلوا شيئًا.
أنا لا أطلب أن تحاربوا عنا.
أطلب أن توقفوا أن تشاهدوا موتنا وكأنه فيلم.
أنا زيد.
أنا من غزة.
وأنا أريد أن أعيش.
صبرا يا أطفال غزة... صبرا.
لكننا لا نصبر للأبد.
(الورقة تسقط من يده. الأم تلتقطها، تبكي بصمت)
الأم: يا رب... هل سمع أحد؟
هل وصلت رسالته؟
الجد خليل: الرسائل تكتب... لكنها لا تقرأ.
لأن من يملك القوة لا يريد أن يسمع من يملك الألم.
(صوت طائرات يقترب بسرعة. إنذار بعيد. الجميع يصرخ)
سارة: هذا ليس طيرانًا عاديًا... هذا صوته مختلف!
أبو خالد: صاروخ يقترب.
(انفجار هائل. يسقط جزء من السقف. الغبار يملأ المكان. الضوء يختفي. صوت صراخ. ثم صمت)
(بعد لحظات، تظهر الأم من تحت الركام، تبحث عن أطفالها)
الأم: زيد.. ليان.. أين أنتما؟
(تجد ليان، مغطاة بالغبار، تتنفس بصعوبة)
ليان: أمي... أنا خائفة.
أنا هنا يا حبيبتي... لا تخف.
(تجد زيد، مستلقيًا، لا يتحرك. تحاول تحريكه)
الأم : زيد.. افتح عينيك.. افتح عينيك!
(زيد يفتح عينيه ببطء)
زيد: أمي... هل انتهت الحرب؟
الأم : لا يا حبيبي... لكننا سنصبر.
كما قال لك الجد خليل: الصبر مفتاح الفرج.
زيد: أمي... هل سأتمكن من الرسم غدًا؟
الأم : نعم... وسأعطيك ورقة جديدة.
وسأُري العالم رسمك.
(زيد يبتسم، ثم يغلق عينيه)
الأم : زيد؟ زيد؟ افتح عينيك.
(تكتشف أنه لا يتنفس. تصرخ)
الأم: ﻻ! لا! لا تأخذوا ابني! لم يكمل رسالته بعد.
(سارة تأتي، تفحصه، تهز رأسها)
سارة: مات... من الصدمة، والنقص في التغذية، والخوف.
الأم : (تنظر إلى السماء)
يا رب! لماذا لا تأخذني بدلًا منه ؟
أنا جاهزة... لكنه طفل.. كان يريد فقط أن يرسم.
(ليان تمسك بيد زيد تهمس في أذنه)
ليان: ﻻتقلق يا زيد... سأكمل رسمك.
وسأُري العالم أننا كنا نريد فقط أن نعيش.
((اللوحـة الثالثـــة: الصباح الأخير))

(الضوء الخافت يدخل من بين الأنقاض.الأم تجلس بجانب جثة زيد، تمسح وجهه. ليان تنام بجانبها. الجد خليل يصلي. سارة تكتب على ورقة. أبو خالد ينظر إلى الأفق)
سارة:(تقرأ ما كتبته)
اليوم، مات طفل اسمه زيد.
كان يحب الرسم.
فقد ساقه في القصف.
مات من الجوع والخوف.
لم يقتل بسلاح... بل بإهمال العالم.
هل سندفن اسمه مع الأسماء الأخرى؟
أم سنغير شيئًا؟
الجد خليل: الصباح يأتي... لكنه لا يحمل أملًا.
الصباح يذكرنا أننا ما زلنا أحياء... لكننا لا نشعر بذلك.
أبو خالد: سأذهب إلى الحدود.
سأقف هناك، وأصرخ: نحن هنا.. نحن بشر.
حتى لو لم يسمعني أحد.
الأم: (تنظر إلى زيد)
صبرا يا زيد... صبرا.
سأكمل طريقك.
سأُري العالم وجهك، ورسمك، ورسالتك.
لن أصمت بعد اليوم.
(ليان تأخذ قلم زيد، تبدأ برسم شجرة على الحائط)
ليان: (تتحدث وكأنها تخاطب العالم)
انظروا... هذه شجرة.
هذه مدرسة.
وهذا طفل يضحك.
هل ترون الجمال؟
هل تروننا؟
(الراوي يتحدث، والإضاءة تخف تدريجيًا)
الراوي:في غزة، يولد الأطفال وهم يسمعون صوت القصف.
ينامون وهم يحسبون عدد الغارات.
يتناولون الطعام وهم يتساءلون: هل سيكون آخر وجبة؟
يتعلمون أن يصمتوا عند الحديث عن الوطن.
يتعلمون أن يدفنوا أصدقائهم قبل أن يكملوا دروسهم.
لكنهم لا يتعلمون أن يكرهوا.
لأن القلب البريء لا يعرف الكراهية.
إنما يعرف الجوع... والخوف... والدمار... والموت.
لكنه يعرف أيضًا الأمل.
الأمل الذي لا يموت، حتى تحت الأنقاض.
فهل أنتم، يا سكان العالم، ستبقيون هذا الأمل حيًا؟
أم ستتركونه يدفن مع الأطفال؟
(صبرا يا أطفال غزة... صبرا)
لكن الصبر ليس استسلامًا.
الصبر هو صرخة تنتظر من يسمعها.
(تنطفئ الإضاءة.. صوت طفل يهمس: أريد أن أعيش... صمت قصير. ثم تعود الإضاءة تدريجيًا لتكشف عن يد صغيرة ترفع شمعة بين الأنقاض، إنها ليان واقفة والرسمة ما تزال على الحائط)
ليان: (تتحدث وكأنها تخاطب شقيقها)
زيد... أكملت الرسم.
الشجرة الآن لها تفاح أحمر.
والمدرسة لها باب أزرق.
وأنا رسمت طائرًا يطير... لكنه لا يحترق.
(تضع الشمعة على الأرض، تجلس بجانب جثة زيد، تضع رأسه على حجرها الصغير)
ليان: أمي قالت إنك ستسافر بعيدًا.
لكنني أريدك أن تأخذني معك.
لا أريد أن أبقى وحدي في هذا البيت المكسور.
الأم: (فجأة، تنظر إلى ليان)
لا يا حبيبتي... لا تطلبي الموت.
زيد لم يمت لأنه أراد، بل لأنه لم يعط فرصة.
نحن نعيش... لكي نذكر العالم بأننا بشر.
ليان:لكن لا أحد يسمعنا أمي.
الناس في التلفاز يتحدثون عن الصراع عن التوازن، عن الهجمات المضادة.
لكنهم لا يذكرون أنني جائعة... وأنني خائفة من الظلام.
الأم: سأجعلهم يسمعونك.
سأحملك على كتفي، وأمشي بك إلى الحدود، وأصرخ: هذه ابنتي! إنها لا تحمل سلاحًا! إنها لا تريد شيئًا سوى أن تكمل رسمها.
الجد خليل: (ينهض ببطء، يضع يده على كتف الأم)
المرأة التي تبكي بصمت هي الأقوى.
لكن المرأة التي تصرخ باسم طفلها... هي الثورة.
أبو خالد:(يعود، وجهه مغطى بالغبار، يحمل قطعة قماش ممزقة)
رأيت شيئًا... عند الحدود.
طفلة أخرى، مثل ليان، ترسم على الجدار.
رسمت بيتًا، وعائلة، وشمسًا.
قالت لي: هل سيعود أبي؟
لم أستطع أن أُخبرها أنه مات بالأمس.
سارة: كل يوم، أكتب أسماء الأطفال في دفتر صغير.
أُخفيه تحت الحصى.
إذا محيت غزة من الخريطة... فليبق الدفتر.
ليعرف العالم أننا كنا هنا.
أننا عشنا.
أننا أحببنا.
أننا لم نخلق لنقتل.
الأم:(تجمع أوراق زيد، تضعها في كيس بلاستيك قديم)
سأُرسل هذه الرسومات إلى كل بلد في العالم.
إلى كل مدرسة، كل جامعة، كل برلمان.
سأقول لهم: هذا طفلكم أيضًا.
الصامت عن الجريمة شريك فيها.
الراوي:الدم لا يمحى بالوقت.
والجريمة لا تغتفر بالصمت.
لكن الأمل... الأمل يولد من رحم المأساة.
مثل زهرة تنبت من بين الحجارة.

((اللوحة الرابعــــة: رسالة إلى الأمهات في العالم))

(الأم تقف في وسط الخشبة، تنظر إلى الجمهور مباشرة، كأنها تخاطب العالم)
الأم: أيتها الأمهات في باريس، في لندن، في طوكيو، في نيويورك،في برلين
هل تضعون أطفالكم في السرير ليلًا، وتقبلون جبينهم؟
هل تعدون لهم وجبة الإفطار بابتسامة؟
هل تنتظرون عودتهم من المدرسة، تحملين لهم حلوى؟
نحن لا نفعل ذلك.
نحن نضع أطفالنا في السرير ونحسب عدد القذائف التي سقطت اليوم.
نعد وجبة من فتات الخبز، ونخبرهم أن الحليب سيأتي غدًا.
وننتظر عودتهم من المدرسة... ونخاف أن لا يعودوا.
الأم: (بصوت مرتفع)
لكننا نحب أطفالنا مثلما تحبون أبناءكم.
قلب الأم واحد، في كل الأرض.
فكيف تسمحون لأطفالنا أن يقتلوا، وأنتم تنامون بسلام؟
كيف تشاهدون أخبارنا، ثم تعودون إلى حياتكم، كأن شيئًا لم يحدث؟
الأم:(بهدوء) نحن لا نطلب منكم أن ترسلوا جيشا.
نطلب منكم أن توقفوا صمتكم.
أن تصرخوا في وجوه حكوماتكم: كفى.
أن تقولوا: لا يمكن أن نسمح بقتل طفل آخر في غزة.
(ليان تأتي من الخلف، تضع يدها في يد أمها)
ليان:أمي... هل سأذهب إلى المدرسة يومًا؟
الأم: ستذهبين يا ليان.
سأبني لك مدرسة من الحجارة، من الورق، من الحلم.
وسأكون معلمتك.
وسأعلمك القراءة، والكتابة، والحب.
ليان: وهل سأرسم في المدرسة؟
الأم: سترسمين كل يوم.
وسأعلمك أن ترسمي عالمًا لا قصف فيه، ولا جوع، ولا حروب.
(فجأة، يسمع صوت خفيف من تحت الأنقاض. الجميع يصمتون)
سارة: اسمعوا! هناك صوت!
(يبدأ الجميع بالحفر بيديهم. أبو خالد، خليل، سارة، الأم، جميعهم يحفر بجنون. ليان تساعدهم بأصابعها الصغيرة
(ينجحون في إخراج طفل صغير، مغطى بالغبار، لكنه يتنفس)
الطفل: (بصوت خافت) أنا جائع.
الأم: (تبكي وهي تحتضنه)
الحمد لله! حي! لا يزال حيًا!
سارة: سأعطيه قطرة ماء... ببطء( الطفل يبتسم)
الطفل: رأيت ضوءًا... من بعيد. ظننته الموت.
الجد خليل: الضوء لم يمت، يا بني. كان يبحث عنك.
أبو خالد: هذا الطفل... ليس مجرد ناجٍ.
هو دليل أن الحياة تقاوم، حتى تحت الأنقاض.
الراوي: في كل مرة يدمر فيها بيت، يولد طفل جديد.
في كل مرة تسقط قذيفة، يكتب حلم جديد.
غزة لا تهزم بالقصف. غزة تولد كل يوم.
(ليان تخرج أوراق زيد، تبدأ بتعليقها على الحائط بشرائط من القماش. كل ورقة تمثل فصلًا في مدرستها الخيالية)
ليان: هذا فصل الرسم. وهذا فصل القصص.
وهذا فصل عن كيف نحب العالم رغم أنه لا يحبنا.
الأم: (تبتسم) وأنا سأُعلمك فصل كيف نصرخ دون أن نفقد الأمل.
سارة: وأنا سأُعلم كيف ننقذ حياة بيد فارغة.
الجد خليل: وأنا سأعلم تاريخنا الحقيقي، لا الذي يحذف من الكتب.
أبو خالد: وأنا سأعلم كيف نحب، رغم كل شيء.
(يبدأون جميعًا بتعليق الرسومات والنصوص. تتحول الزاوية المدمرة إلى مدرسة. الموسيقى تعلو، لحن بسيط على عود)
الراوي: في وسط الدمار، تبنى المدارس.
ليس من إسمنت، بل من إرادة.
ليس من نوافذ، بل من أحلام.
هذا هو مقاومة غزة: لا بالسلاح، بل بالحياة.

((اللوحــة الخامسـة: الرسالة الأخيرة))

(الأم تكتب رسالة على ورقة بيضاء، تضعها في زجاجة، تغلقها بإحكام)
الأم: (تقرأ) الى العالم.
هذه زجاجة تحتوي على دموع أم، ورسم طفل، وذكرى أم.
إذا وجدتموها على شاطئ بعيد، فافهموا:
نحن لم نمت.
نحن نعيش.
نحب.
نحلم.
نقاوم بالحياة.
لا تعيدوا الزجاجة إلى البحر.
افتحوها.
اقرأوا.
ثم افعلوا شيئًا.
الأم، من غزة.
أم زيد.
أم ليان.
أم كل طفل مات ونحن نصمت.
(تعطي الزجاجة لليان)
ليان: أين سأضعها؟
الأم: في البحر ليحملها الموج إلى كل شاطئ في العالم.
ربما يجدها طفل مثلك... في مكان بعيد.
وسيقول: أريد أن أساعد هؤلاء الأطفال.
(أشعة الشمس تدخل من بين الأنقاض. ليان تخرج إلى الخارج، تحمل الزجاجة. تمشي باتجاه البحر، الذي يظهر كخلفية رمزية)
(الأم تقف على باب المأوى، تنظر إلى ابنتها)
الأم:(بهدوء)
صبرا يا أطفال غزة...صبرا.
لا تموتوا من الجوع.
ولا تموتوا من الخوف.
ولا تموتوا من اليأس.
فالأمل... لا يزال يمشي على قدم طفل.
(ليان تصل إلى الشاطئ، ترمي الزجاجة في البحر. تنظر إلى الأمواج)
ليان: (تهمس) صباح الخير، أيها العالم.
نحن هنا.
نريد أن نعيش.
(الإضاءة تعلو تدريجيًا. تظهر خلفية بحرية رمزية. تعزف موسيقى حزينة لكنها تحمل بصيص أمل. تظهر أسماء الأطفال الذين ماتوا مكتوبة على الشاشة أو الخلفية، واحدة تلو الأخرى)
الراوي:(بصوت عميق)
غزة ليست مجرد بقعة على الخريطة.
غزة هي قلب ينبض تحت القصف.
غزة هي طفل يرسم، وامرأة تبكي، ورجل يصلي، وطبيب ينقذ، وشجرة تزهر في وسط الدمار.
غزة هي صبر... لكن الصبر ليس ضعفًا.
الصبر هو ثورة صامتة، تقول: نحن هنا، وسنبقى.
فاصبروا، يا أطفال غزة...
لكن لا تطيلوا الصبر...
فالعالم مطالب بأن يستيقظ.
قبل أن يصبح صوتك الأخير... صوتًا ميتًا.
(الإضاءة تنطفئ تدريجيًا. تسمع آخر كلمات من ليان، تهمس)
ليان: أريد أن أعيش...
فقط أريد أن أعيش..

((الرسالة الإنسانية)):
((هذه المسرحية ليست مجرد عمل فني، بل صرخة إنسانية.
تجسد معاناة أطفال غزة، الذين يعيشون تحت الحصار، القصف، الجوع، والدمار.
تذكر العالم أن وراء كل رقم، هناك وجه طفل، وقلب ينبض، وحلم يقتل قبل أن يولد.
المسرح هنا وسيلة لاختراق القلوب، قبل أن تصل الرسائل الدبلوماسية إلى الجدران))
(الإضاءة تنطفئ تماما. صوت طفل يهمس: أريد أن أعيش...أريد أن أعيش)
((صمــــت))
ملاحظــة: ((لايجوز أخراج هذا النص أو الأقتباس منه أو أعداده دون موافقة المؤلف))



#محمد_صخي_العتابي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهدي حميد حيدر أحب وطنه وأهله بصدق/ محمد صخي العتابي
- مسرحية تربوية للأطفال(محاكمة الذئب) تأليف: محمد صخي العتابي
- نص مسرحي ( رسائل من غزة ) تأليف / محمد صخي العتابي
- نص مسرحي: قبر مؤجل (مونودراما) تأليف / محمد صخي العتابي
- مسرحية( صرخة في الظلام)
- مسرحية (المخدرات طريق الهلاك) تأليف / محمد صخي العتابي
- نص مسرحي للأطفال (الحكمة والقوة) تأليف / محمد صخي العتابي
- الفن سلاح ذو حدين بناء وهدم
- لعبة الحرب/ قصة قصيرة
- (حراس الغابة نص مسرحي للأطفال)
- مسرحية (جنون) تأليف/ محمد صخي العتابي
- مسرحية المرآة ( مونودراما) تأليف/ محمد صخي العتابي
- رسالة إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم
- (تلوث بيئي نص مسرحي للأطفال) تأليف محمد صخي العتابي
- مسرحية (صرخات من غزة) تأليف / محمد صخي العتابي
- الذكريات كنز لايقدر بثمن
- طفل يتيم في عيد الأضحى / قصة قصيرة
- حكاية عائلة حزينة : قصة قصيرة/ محمد صخي العتابي
- مسرحية (لغة الصمت) تأليف / محمد صخي العتابي
- الأصدقاء الشجعان : قصة قصيرة


المزيد.....




- ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق ...
- دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
- جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي ...
- أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس ...
- -جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
- ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟
- روبرت ريدفورد وهوليوود.. بَين سِحر الأداء وصِدق الرِسالة
- تجربة الشاعر الراحل عقيل علي على طاولة إتحاد أدباء ذي قار
- عزف الموسيقى في سن متأخرة يعزز صحة الدماغ
- درويش والشعر العربي ما بعد الرحيل


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد صخي العتابي - مسرحية ( صبراً يا أطفال غزة)