أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - نور جواد الدليمي - ليس قضاءً وقدراً… داء الكلب في العراق جريمة صامتة يتحمّل الجميع مسؤوليتها














المزيد.....

ليس قضاءً وقدراً… داء الكلب في العراق جريمة صامتة يتحمّل الجميع مسؤوليتها


نور جواد الدليمي

الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 16:11
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


لم يمت الشاب حمزة لأن الموت اختاره، بل لأن الإهمال سبقه.
لم يكن داء الكلب هو القاتل الحقيقي، بل سلسلة طويلة من التقاعس، والصمت الإداري، وتبادل المسؤوليات، حتى صار الفيروس أسرع من الدولة، وأقوى من القانون، وأقرب إلى جسد الضحية من أي إجراء وقائي. حين يموت شاب في بغداد بسبب عضة كلب مسعور، وحين يُترك أطفال في الناصرية يصارعون المصير ذاته، فهذه ليست حادثة صحية عابرة، بل إنذار أخلاقي وقانوني مدوٍ.

من مأساة فردية إلى خطر عام

حادثة وفاة حمزة هزّت المجتمع العراقي لأنها كشفت هشاشة منظومة الوقاية قبل العلاج. فداء الكلب ليس مرضاً غامضاً أو نادراً، بل مرض معروف، قاتل بنسبة تقارب 100% عند ظهور الأعراض، ويمكن الوقاية منه بالكامل إذا فُعِّل القانون قبل أن يتحرك الفيروس. ومع ذلك، تتكرر مشاهد العضّات، وتتكدس الكلاب السائبة في الشوارع، بينما تُدار الأزمة بردود أفعال مؤقتة لا ترقى إلى حجم الخطر.

الأخطر أن الأيام الماضية شهدت تسجيل إصابات جديدة، بينهم أطفال، أحدهم ما يزال وضعه الصحي غير مستقر. هنا لم نعد أمام واقعة استثنائية، بل أمام نمط متكرر يهدد الأمن الصحي العام، ويضع الدولة أمام اختبار حقيقي لمسؤوليتها الدستورية والإنسانية.

حين يتقدّم المجتمع لأن الدولة تأخرت

أن يجمع ناشطون في الناصرية عشرة ملايين دينار خلال ثلاث ساعات لمكافحة الكلاب السائبة، فهذا فعل إنساني نبيل، لكنه في الوقت ذاته إدانة صريحة لغياب الدولة. فمكافحة الأمراض الوبائية ليست حملة تبرعات، ولا مبادرة تطوعية، بل واجب قانوني ممول ومنظم ومفروض بقوة النص. حين يتحول المواطن إلى بديل عن المؤسسة، فذلك يعني أن الخلل لم يعد فنياٍ، بل بنيوياً.

القانون موجود… فلماذا لا يُطبّق؟

قانون الصحة الحيوانية رقم 32 لسنة 2013 لم يترك فراغاً تشريعياً. المادة (25) واضحة في إلزام أصحاب الكلاب والقطط بتسجيلها، وتلقيحها، وربطها، ومنحت السلطة الصحية البيطرية صلاحية قتل أو حجز الحيوانات السائبة غير المكمّمة دون تعويض. هذا نص صريح لا يقبل التأويل، ومع ذلك فإن الشوارع تمتلئ بالكلاب السائبة وكأن النص لم يُكتب يوماً.

أما المادة (26) فقد ذهبت أبعد، حين أوجبت تشكيل لجنة في كل محافظة، برئاسة المحافظ وعضوية الصحة والزراعة والبيئة والشرطة والبلدية والبيطرة، لتتولى الإشراف على حملات مكافحة الكلاب السائبة وتجتمع شهرياً على الأقل. السؤال المؤلم هنا: كم لجنة اجتمعت فعلاً؟ وكم حملة نُفذت وفق خطة؟ وكم تقرير رُفع إلى الرأي العام؟

الحل موجود… لكنه معطّل

المادة (28) من القانون تضع الحل العملي بوضوح: للمحافظ، بناءً على اقتراح اللجنة، التعاقد مع مختصين لمكافحة الكلاب والحيوانات السائبة في الطرقات والمناطق الريفية. أي أن القانون لا يطالب بجهود ارتجالية، بل يفتح باب التعاقد مع خبرات متخصصة وبأساليب علمية وإنسانية في آن واحد. لكن هذا الباب ظل مغلقاً، ليُترك المواطن وجهاً لوجه مع الخطر.

بين التعاطف والمحاسبة

التعاطف مع عائلة حمزة ومع الأطفال المصابين واجب أخلاقي، لكن الاكتفاء به خيانة للضحايا القادمين. المطلوب اليوم ليس فقط الحزن، بل المحاسبة: محاسبة المحافظات والبلديات التي لم تنفذ، واللجان التي لم تجتمع، والسلطات التي امتلكت النص ولم تمتلك الإرادة. داء الكلب لا ينتظر اجتماعات مطولة ولا بيانات عزاء، بل ينتظر ثغرة واحدة لينفذ منها.

الخاتمة: ما لم نتحرك الآن

إذا لم تُفعَّل مواد القانون كما كُتبت، وإذا لم تُدار حملة وطنية منظمة لمكافحة الكلاب السائبة، وإذا بقيت الوقاية آخر الأولويات، فإن حمزة لن يكون الأخير.
الصحة العامة لا تُدار برد الفعل، بل بالفعل المسبق.
وداء الكلب لا يُهزم بالصدفة، بل بالقانون حين يُطبّق، وبالدولة حين تحضر، وبالإنسان حين يُحمى قبل أن يُصاب.



#نور_جواد_الدليمي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سرقة الجوارب أمام القضاء: حين تتحول السرقة التافهة إلى ملف ج ...
- الكهرباء في العراق: لماذا خرجت بعض المناطق من الظلام وبقيت أ ...
- حين يصبح الزي الموحد جزءاً من الطريق: هل الزام اصحاب الكيات ...
- 120 مليون دولار كادت تُنتزع من العراق… كيف قلب ملف قانوني من ...
- حين يتحول الخلاف الأسري الى شروع في القتل: قراءة قانونية في ...
- جريمة السحر والشعوذة في المقابر:سرد أدبي لوقائع حقيقية
- فحص المخدرات عند التعيين… حلٌّ ناقص لظاهرة خطيرة: لماذا نحتا ...
- أخطر ثغرات دعوى منع المعارضة في القانون العراقي… وكيف تتجنب ...
- الصك بين الحقيقة القانونية والواقع: هل هو أداة وفاء أم أداة ...
- أسرار اختيار أفضل محامي في العراق: الدليل الذي يبحث عنه الجم ...
- لا تملك دليلاً مكتوباً؟ إليك الطريق السري لاسترجاع دينك
- كارثة الكوت: عندما يتحول الإهمال إلى مقصلة جماعية – قراءة قا ...


المزيد.....




- -ما وراء الخبر- يناقش دوافع قرار عباس إعادة النظر في رواتب ا ...
- غارديان: مشروع قانون كندي -على الطراز الأميركي- يستهدف اللاج ...
- كيف علق مغردون على اتفاق تبادل الأسرى في اليمن؟
- -شبكات- تتناول استنساخ الصين لأغلى آلة واتفاق تبادل الأسرى ب ...
- خبراء ومقررون في الأمم المتحدة: الحصار البحري الجزئي الأمري ...
- خبراء ومقررون بالأمم المتحدة: الهجمات الأمريكية على القوارب ...
- غارديان: مشروع قانون كندي -على الطراز الأميركي- يستهدف اللاج ...
- كيف علق مغردون على اتفاق تبادل الأسرى في اليمن؟
- -شبكات- تتناول استنساخ الصين لأغلى آلة واتفاق تبادل الأسرى ب ...
- الخارجية الإيرانية: نرحب باتفاق تبادل الأسرى بين الأطراف الي ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - نور جواد الدليمي - ليس قضاءً وقدراً… داء الكلب في العراق جريمة صامتة يتحمّل الجميع مسؤوليتها