أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - نور جواد الدليمي - حين يصبح الزي الموحد جزءاً من الطريق: هل الزام اصحاب الكيات والكوسترات باحترام الذوق العام تقييد أم تنظيم؟














المزيد.....

حين يصبح الزي الموحد جزءاً من الطريق: هل الزام اصحاب الكيات والكوسترات باحترام الذوق العام تقييد أم تنظيم؟


نور جواد الدليمي

الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 14:30
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


ليس كل قرار يُصدر لتنظيم الشارع يُقاس فقط بعدد الغرامات التي يفرضها، بعض القرارات تُقاس بما تتركه من أثر في شكل المكان، وفي شعور الناس وهم يستخدمون الفضاء العام. تعليمات مديرية المرور العامة الأخيرة بتاريخ اليوم 15/12/2025 الخاصة بحافلات النقل الجماعي من هذا النوع، لأنها لم تتوقف عند حركة المركبة وسلامتها، بل امتدت إلى صورة السائق نفسه، وملابسه، وما تمثله للناس يومياً.

المرور أعلنت حزمة توجيهات جديدة لتنظيم عمل الكيات والكوسترات، شملت أموراً معروفة تتعلق بالإجازات، والسير بالجانب الأيمن، وسعة الحافلات، ومواقع الأبواب، وتشغيل الإنارة، وتفتيش المركبة، وصولاً إلى فرض غرامة مقدارها 100 ألف دينار على المخالفين. لكن أكثر ما أثار النقاش لم يكن كل ذلك، بل فقرة واحدة قصيرة: إلزام سائقي النقل الجماعي بارتداء ملابس رسمية وغير مخلة بالحياء، حفاظاً على الذوق العام.

هنا بدأ الجدل، وكالعادة انقسم الناس. هناك من رأى في هذا التوجيه تدخلاً في الحرية الشخصية، وتقييداً لحق الإنسان في ارتداء ما يريد، وهو كلام صحيح من حيث المبدأ. فالملبس خيار شخصي، والحرية الفردية قيمة لا يجوز الاستهانة بها. لكن السؤال الذي غالباً لا يُطرح هو: هل يبقى الأمر حرية شخصية خالصة حين نخرج إلى فضاء عام، ونمارس عملاً خدمياً يتعامل يومياً مع مئات او آلاف الافراد؟

النقل الجماعي ليس مساحة خاصة، والحافلة ليست غرفة مغلقة، والسائق ليس فرداً معزولاً، بل واجهة يومية يتعامل معها المجتمع كله. مثلما نتوقع من المستشفى نظاماً ومن الدائرة الرسمية مظهراً لائقاً، فمن الطبيعي أن يكون للفضاءات العامة حد أدنى من الذوق والتنظيم، لا بدافع القمع، بل بدافع الجمال والنظام. المدن تُقرأ من تفاصيلها الصغيرة، من نظافة الشارع، من طريقة القيادة، ومن صورة العاملين فيها.

في المقابل، يُطرح اعتراض آخر لا يقل وجاهة: ما هو الذوق العام أصلاً؟ أليس مفهوماً فضفاضاً يختلف من منطقة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر؟ نعم، هذا صحيح، وهذه الإشكالية ليست جديدة، ولا تخص هذا القرار وحده. كثير من القوانين في العالم تتعامل مع مفاهيم مرنة، ويكون الفصل فيها عادة للقضاء عبر قرارات المحاكم وتراكم السوابق. لكن في هذه الحالة، يُترك التقدير لشرطي المرور في الميدان، وهو أمر قد يفتح باباً للاجتهاد الشخصي، وربما للتفاوت في التطبيق، وهو ما لا ينبغي التوسع فيه.

ولهذا، فإن الإشكال الحقيقي ليس في المبدأ، بل في السياق العام الذي صدر فيه القرار. كان الأجدر أن يأتي الحديث عن الزي والذوق ضمن منظومة نقل عام حديثة، تُدار بعقلية مختلفة، وبشراكة حقيقية مع شركات القطاع الخاص، تستثمر في حافلات منظمة، وسائقين مدربين، وخدمة واضحة المعالم. عندها، يصبح الحديث عن زي موحد أمراً طبيعياً، لا مثيراً للجدل، لأنه جزء من منظومة احترافية متكاملة، لا مجرد توجيه يُضاف إلى واقع فوضوي.

بمعنى آخر، لا يمكن تحميل سائق الكوستر او الكيا وحده عبء “صورة المدينة”، في وقت ما زال فيه النقل العام يعاني من غياب التخطيط والاستثمار الحقيقي. الذوق العام لا يُفرض فقط بالغرامات، بل يُبنى حين يشعر الجميع أن ما يُطلب منهم جزء من مشروع أكبر، لا إجراء معزول.

القرار، في جوهره، يحاول أن يقول شيئاً بسيطاً: الشارع ليس بلا ملامح، والخدمة العامة لها شكل كما لها وظيفة. وهو هدف مفهوم، بل ومطلوب. لكن نجاحه لا يتوقف على النص وحده، بل على البيئة التي يُطبق فيها، وعلى العدالة في التطبيق، وعلى وجود رؤية أوسع للنقل العام، تجعل من الزي، والنظام، والاحترام، نتيجة طبيعية لا مادة للجدل اليومي.

في النهاية، قد نختلف على التفاصيل، لكننا نتفق على شيء واحد: المدن الجميلة لا تُبنى بالصدفة، بل بقرارات صغيرة، حين تكون في مكانها الصحيح، وضمن صورة أكبر تستحق أن نصل إليها.



#نور_جواد_الدليمي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 120 مليون دولار كادت تُنتزع من العراق… كيف قلب ملف قانوني من ...
- حين يتحول الخلاف الأسري الى شروع في القتل: قراءة قانونية في ...
- جريمة السحر والشعوذة في المقابر:سرد أدبي لوقائع حقيقية
- فحص المخدرات عند التعيين… حلٌّ ناقص لظاهرة خطيرة: لماذا نحتا ...
- أخطر ثغرات دعوى منع المعارضة في القانون العراقي… وكيف تتجنب ...
- الصك بين الحقيقة القانونية والواقع: هل هو أداة وفاء أم أداة ...
- أسرار اختيار أفضل محامي في العراق: الدليل الذي يبحث عنه الجم ...
- لا تملك دليلاً مكتوباً؟ إليك الطريق السري لاسترجاع دينك
- كارثة الكوت: عندما يتحول الإهمال إلى مقصلة جماعية – قراءة قا ...


المزيد.....




- الأمم المتحدة: مقتل 100 مدني على الأقل بالمسيرات في منطقة كر ...
- آلاف الخيام تغرق بغزة ورداءة أحوال الطقس تفاقم معاناة النازح ...
- توغل إسرائيلي جديد بالقنيطرة بعد اعتقال 3 سوريين
- غضب واستنكار في اليمن عقب إعدام مواطن خارج إطار القانون
- مؤسسات الأسرى: 9300 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال
- الأردن: مصادقة لجنة بالكنيست على مشروع قانون يستهدف عمل أونر ...
- العراق يعلن اعتقال قيادي -عالي الخطورة- في تنظيم الدولة
- محاولة الانقلاب الفاشلة في بنين: اعتقال نحو ثلاثين شخصا معظم ...
- إسرائيل.. إحالة مشروع قانون فصل الكهرباء والماء عن الأونروا ...
- الأردن: مصادقة الكنيست على تشريع يستهدف أونروا خرق للقانون ا ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - نور جواد الدليمي - حين يصبح الزي الموحد جزءاً من الطريق: هل الزام اصحاب الكيات والكوسترات باحترام الذوق العام تقييد أم تنظيم؟