أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - نور جواد الدليمي - 120 مليون دولار كادت تُنتزع من العراق… كيف قلب ملف قانوني منسيّ معركة دولية وانتهى بانتصار عراقي صريح أمام القضاء الأمريكي؟















المزيد.....

120 مليون دولار كادت تُنتزع من العراق… كيف قلب ملف قانوني منسيّ معركة دولية وانتهى بانتصار عراقي صريح أمام القضاء الأمريكي؟


نور جواد الدليمي

الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 14:51
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


في عالم التقاضي الدولي، لا تُخسر الدول أموالها دائماً بسبب ضعف موقفها القانوني، بل كثيراً ما تُستنزف بسبب الإهمال، أو سوء إدارة الدعاوى القديمة، أو الاعتقاد الخاطئ بأن الزمن كفيل بإغلاق النزاعات. ولهذا، فإن إعلان وزارة العدل العراقية عن كسبها دعوى قضائية دولية أمام المحاكم الأمريكية، وتجنيب العراق دفع أكثر من مئةٍ وعشرين مليون دولار، لا يمكن التعامل معه كخبر عابر أو بيان إنجاز إداري، بل كقصة قانونية ثقيلة الوزن، بدأت منذ أكثر من عقد، وكادت أن تنتهي باستنزافٍ كبير للمال العام، قبل أن تنقلب بالكامل في اللحظات الأخيرة لصالح الدولة العراقية. هذه ليست مجرد دعوى رُبحت، بل حكم أمريكي نُقض، ومبلغ ضخم أُلغي، ودولة استعادت حصانتها القضائية داخل واحد من أعقد أنظمة التقاضي في العالم.

من أين بدأت القصة؟ عقد قديم يتحول إلى نزاع دولي
تعود جذور القضية إلى عقدٍ أُبرم في سنوات سابقة بين جهات عراقية وشركة أمريكية تُدعى Wye Oak Technology, Inc.، وهي شركة متخصصة في الخدمات التقنية والدعم اللوجستي. ومع تعقّد الأوضاع السياسية والأمنية في العراق خلال تلك الفترة، وما رافقها من اضطرابات إدارية وتعطّل في تنفيذ بعض الالتزامات، نشأ خلاف تعاقدي تحوّل لاحقاً إلى دعوى قضائية أُقيمت داخل الولايات المتحدة ضد حكومة جمهورية العراق ووزارة الدفاع العراقية. عند هذه النقطة، لم يعد النزاع تجارياً تقليدياً، بل دخل نطاق التقاضي الدولي بكل ما يحمله من حساسية، لأن مقاضاة دولة ذات سيادة أمام محاكم دولة أخرى تمثّل استثناءً خطيراً على مبدأ راسخ في القانون الدولي.

كيف قبلت المحاكم الأمريكية نظر الدعوى ضد العراق أصلاً؟
الأصل في القانون الأمريكي أن الدول الأجنبية تتمتع بحصانة تحول دون مقاضاتها أمام القضاء الأمريكي، لكن هذه القاعدة ليست مطلقة، إذ يجيز قانون حصانات الدول الأجنبية، المعروف اختصاراً بـ FSIA، استثناءات محددة، أخطرها ما يُسمّى بالاستثناء التجاري. الشركة الأمريكية بنت دعواها على أن النزاع ناشئ عن عقد تجاري، وأن أفعال العراق خلّفت أثراً مباشراً داخل الولايات المتحدة، وبذلك حاولت إسقاط الحصانة السيادية وفتح باب القضاء الأمريكي. هذا الادعاء، الذي يبدو للوهلة الأولى شكلياً، كان في الحقيقة المفتاح الذي سمح للمحاكم الأمريكية بقبول نظر الدعوى في مراحلها الأولى.

2019: حكم أولي خطير… والأرقام تبدأ بالتصاعد
في عام 2019، أصدرت المحكمة الفيدرالية في واشنطن حكماً ابتدائياً اعتبرت فيه العراق مسؤولاً عن الإخلال بالعقد، وبدأت عملية تقدير التعويضات. المطالبة الأصلية كانت بحدود أربعةٍ وعشرين مليون دولار، لكن القضية لم تتوقف عند هذا الرقم، إذ أُضيفت إليها الكسب الفائت وفوائد اضافية، ثم فوائد تأخيرية عن كل يوم تأخير. ومع توالي الإجراءات، جرى تثبيت حكم تجاوز حاجز المئة والعشرين مليون دولار، مرفقاً بغرامة يومية مستمرة، ما جعل الدعوى تسير باتجاه بالغ الخطورة على المال العام العراقي.

ماذا كان يعني تصديق هذا الحكم لو استمر؟
لو أصبح هذا الحكم باتاً ونهائياً، لكان العراق ملزماً قانوناً بدفع المبلغ، ولأمكن تنفيذ الحكم على أموال أو أصول عراقية في الخارج، وهو ما كان سيشكل سابقة خطيرة تفتح الباب أمام شركات أخرى لرفع دعاوى مشابهة. بمعنى آخر، لم تكن القضية تتعلق بمئةٍ وعشرين مليون دولار فقط، بل بتهديد قانوني واسع يمس سيادة الدولة ويفتح ثغرة قابلة للتوسع.

الانعطافة: الطعن بالاستئناف… حين تغيّر مسار الدعوى
عند هذه المرحلة، بدأ الدور الحاسم لفرق الدفاع القانوني العراقي، حيث قُدّم طعن استئنافي أمام محكمة الاستئناف الفيدرالية في دائرة مقاطعة كولومبيا. اللافت في هذا الطعن أنه لم ينشغل فقط بتفاصيل العقد أو مقدار التعويض، بل اتجه مباشرة إلى ضرب الأساس الذي بُني عليه الحكم، أي اختصاص المحاكم الأمريكية من حيث المبدأ. السؤال الجوهري الذي طُرح كان ما إذا كانت هذه المحاكم تملك أصلاً الحق في نظر دعوى ضد دولة ذات سيادة في ظروف كهذه.

محكمة الاستئناف تقول كلمتها: لا اختصاص… ولا أثر مباشر
في قرارات مفصلية صدرت تباعاً خلال عامي 2022 و2024، أعادت محكمة الاستئناف تفكيك الأساس القانوني للحكم. خلصت المحكمة إلى أن مجرد كون الشركة أمريكية لا يكفي لإسقاط حصانة دولة أجنبية، وأن تنفيذ العقد لم يكن داخل الولايات المتحدة، كما أن الأثر المالي المزعوم لم يكن مباشراً على الأراضي الأمريكية بالشكل الذي يتطلبه القانون. وبناءً على ذلك، رأت المحكمة أن الاستثناء التجاري لا ينطبق، وأن العراق يتمتع بالحصانة السيادية، مما يجعل المحاكم الأمريكية غير مختصة بنظر الدعوى، وهو ما أدى عملياً إلى انهيار الأساس الذي حمل حكم المئة والعشرين مليون دولار.

من الاستئناف إلى المحكمة العليا: المحطة الأخيرة
لم تستسلم الشركة الأمريكية عند هذا الحد، فلجأت إلى المحكمة العليا الأمريكية، محاولةً إعادة فتح الملف عبر الطعن في قرار محكمة الاستئناف. المحكمة العليا، بوصفها أعلى سلطة قضائية في الولايات المتحدة، طلبت رأي الحكومة الأمريكية في القضية، وقدمت وزارة العدل الأمريكية مذكرة قانونية بصفتها صديقاً للمحكمة، قبل أن تُترك الكلمة الفصل لأعلى هيئة قضائية في البلاد.

2025: النهاية الرسمية… رفض الطعن بالكامل
أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قرارها برفض النظر في الطعن، وهو قرار يحمل دلالة قانونية قاطعة، إذ يعني تثبيت حكم محكمة الاستئناف وإلغاء جميع الأحكام السابقة الصادرة ضد العراق. بهذا القرار، سقطت المطالبة المالية بالكامل، وأُغلقت الدعوى نهائياً داخل النظام القضائي الأمريكي دون أي التزام مالي على الدولة العراقية.

ماذا يعني هذا الانتصار فعلياً للعراق؟
هذا الحكم لا يقتصر أثره على تجنيب الخزينة العراقية دفع أكثر من مئةٍ وعشرين مليون دولار، بل يتجاوز ذلك إلى تثبيت مبدأ الحصانة السيادية، ومنع فتح باب دعاوى مشابهة مستقبلاً، وتعزيز الموقع القانوني للعراق في المحافل القضائية الدولية. وهو يؤكد أن التقاضي الدولي، مهما كان معقداً وطويلاً، يمكن كسبه حين تُدار الملفات بحرفية وصبر واستراتيجية واضحة.

خلاصة أخيرة
تكشف هذه القضية بوضوح أن العقود القديمة لا تموت، وأن الأحكام الخاطئة يمكن أن تُقلب، وأن المال العام قد يُنقذ في اللحظات الأخيرة، لكن ذلك لا يحدث صدفة. ما حدث هو نتيجة دفاع قانوني طويل النفس، وإصرار على استعادة حق الدولة داخل واحدة من أصعب ساحات التقاضي في العالم. إنها رسالة واضحة مفادها أن الدولة التي تدافع عن قضاياها القانونية بذكاء لا تُستنزف، حتى حين تُقاضى أمام أقسى المحاكم.



#نور_جواد_الدليمي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يتحول الخلاف الأسري الى شروع في القتل: قراءة قانونية في ...
- جريمة السحر والشعوذة في المقابر:سرد أدبي لوقائع حقيقية
- فحص المخدرات عند التعيين… حلٌّ ناقص لظاهرة خطيرة: لماذا نحتا ...
- أخطر ثغرات دعوى منع المعارضة في القانون العراقي… وكيف تتجنب ...
- الصك بين الحقيقة القانونية والواقع: هل هو أداة وفاء أم أداة ...
- أسرار اختيار أفضل محامي في العراق: الدليل الذي يبحث عنه الجم ...
- لا تملك دليلاً مكتوباً؟ إليك الطريق السري لاسترجاع دينك
- كارثة الكوت: عندما يتحول الإهمال إلى مقصلة جماعية – قراءة قا ...


المزيد.....




- تعاون بين سوريا و-الأغذية العالمي- لدعم القطاع الزراعي
- فيصل سباعنة.. مسن فلسطيني يصارع الموت في الاعتقال الإداري
- شهيد برصاص الاحتلال في الخليل واقتحامات واعتقالات في الضفة
- سوريا.. اعتقال 5 مشتبه بهم في تنفيذ هجوم تدمر
- أبو الغيط يدين الهجوم على قاعدة لقوات الأمم المتحدة بجنوب كر ...
- السودان.. -تأسيس- يتهم الجيش باستهداف مقر الأمم المتحدة
- اعتقال مشتبه به في إطلاق نار جامعة براون.. ولقطات ترصد عناصر ...
- السعودية تطالب بوقف الحرب في السودان إثر هجوم على مقر للأمم ...
- انطلاق أعمال الدورة الـ11 لمنتدى الأمم المتحدة لتحالف الحضار ...
- انطلاق منتدى الأمم المتحدة لتحالف الحضارات بالرياض


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - نور جواد الدليمي - 120 مليون دولار كادت تُنتزع من العراق… كيف قلب ملف قانوني منسيّ معركة دولية وانتهى بانتصار عراقي صريح أمام القضاء الأمريكي؟