أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - مقاربة تعقدية عند ادغار موران بين الكائن الثقافي بالطبيعة والكائن الطبيعي بالثقافة















المزيد.....

مقاربة تعقدية عند ادغار موران بين الكائن الثقافي بالطبيعة والكائن الطبيعي بالثقافة


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 08:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة
"خلافاً للاعتقاد الشائع، فإن الفوضى في الطبيعة أقل منها في البشرية."
في قلب الفلسفة المعاصرة، يقدم إدغار موران (1921-)، الفيلسوف والعالم الاجتماعي الفرنسي، رؤية تعقدية للإنسان ترفض الثنائيات التقليدية بين الطبيعة والثقافة. يُلخص موران طبيعة الإنسان في عبارته الشهيرة: "الإنسان هو كائن ثقافي بالطبيعة لأنه كائن طبيعي بالثقافة". هذه العبارة، المستمدة من كتابه "النموذج المفقود: الطبيعة الإنسانية" (، 1973)، تعبر عن مقاربة تعقدية ترى الإنسان ككائن يتجاوز الفصل بين الجانبين، بل يجسد تفاعلاً ديناميكياً ودائرياً بينهما. في هذه الدراسة، سنستكشف هذا المفهوم بشكل موسع، من خلال التمييز بين الأبعاد الدلالية والإجرائية، مع التركيز على السياق التعقدي الذي يميز فكر موران. سنعتمد على أعماله الرئيسية مثل "المنهج" (1977-2004) و"أرض الوطن" (1993)، لنكشف كيف يصبح الإنسان "كائن لامتناهي التعقيد"، أي كائن معقد يجمع بين العقلانية واللاعقلانية في سياق كوني. سنبدأ بالسياق النظري، ثم ننتقل إلى تحليل المفهوم، مروراً بتطبيقاته، لنختم بالآثار والتداخلات. فكيف يصف موران الكائن البشري؟ وما ما المقصود بالتعقيد؟ وأي دور تؤديه كل من الطبيعة والثقافة في تكوينيته؟ وما تأثير ذلك التكوين المعقد على مصيره كفرد ومجتمع ونوع؟
السياق النظري: المقاربة التعقدية ورفض الاختزال
"ينتج التقدم العلمي عموماً عن كل من المنافسة والتعاون. لكن المنافسة قد تتحول إلى تنافس حاد مما يضر بالتعاون"
تأتي رؤية موران ضمن إطار "الفكر التعقدي"، الذي يعارض النهج الاختزالي الذي يسود العلوم الحديثة، والذي يفصل بين الطبيعي (البيولوجي) والثقافي (الاجتماعي). يرى موران أن الواقع ليس خطياً أو منفصلاً، بل يتكون من تفاعلات متعددة تجمع بين النظام، الفوضى، والتنظيم، في ما يسميه "الكاوسموس". في سياق الإنسان، يرفض موران النظريات التي ترى الثقافة كإضافة خارجية على الطبيعة، أو العكس، معتبراً أن هذا الفصل هو "نمط مفقود" يعيق فهم الطبيعة الإنسانية. نشأ هذا المفهوم من مؤتمر "وحدة الإنسان" عام 1972، الذي جمع اختصاصات متنوعة لربط البيولوجيا بالأنثروبولوجيا. في "النمط المفقود"، يؤكد موران أن الإنسان ليس مجرد حيوان عاقل ، بل كائن يجمع بين الجانب المضطرب ، أي اللاعقلاني، والجانب الثقافي الذي ينظم الطبيعة. هذه المقاربة التعقدية تعتمد على مبادئ مثل الحلقة التكرارية، حيث تُنتج الطبيعة الثقافة، والثقافة تعيد تشكيل الطبيعة، مما يجعل الإنسان ذاتي التنظيم في بيئة متكاملة. هذا السياق يعكس تأثره بالفلسفة الجدلية (هيغل، ماركس)، لكنه يتجاوزها نحو التعقيد، حيث يصبح الإنسان جزءاً من نظام أكبر يشمل الكون والمجتمع. على سبيل المثال، في "الطريقة"، يتحدث عن "الثالوث الإنساني": الفرد-المجتمع-النوع، حيث تكون الثقافة الوسيط الذي يربط هذه الأبعاد في حلقة تعقدية. لعل هذا المنهج يجعل العبارة أداة لفهم الأزمات المعاصرة، مثل "الأزمة المتعددة" ، التي تتطلب تفكيراً يجمع بين الطبيعي (البيئي) والثقافي (الاجتماعي-السياسي).
تحليل المفهوم: بين الكائن الثقافي بالطبيعة والكائن الطبيعي بالثقافة
" لقد عرّفنا الإنسان بأنه الإنسان العاقل، أي الإنسان الذي يمتلك العقل. ولا شك أن العقلانية قد تطورت عبر التاريخ البشري. لكن الإنسان العاقل ليس سوى أحد طرفي الطيف، والطرف الآخر هو الإنسان الموهوم، الإنسان الذي يعاني من الأوهام."
من الناحية الدلالية، تعبر العبارة عن تناقض ظاهري يحل بالمقاربة التعقدية. "الكائن الثقافي بالطبيعة" يعني أن الثقافة فطرية وجزء من الطبيعة البيولوجية للإنسان، حيث يمتلك الإنسان قدرات طبيعية مثل الدماغ المعقد واللغة، التي تسمح بتطور الثقافة كامتداد عضوي. فالإنسان، كقرد علوي، يولد مع استعدادات بيولوجية تجعله ثقافياً بالفطرة، مثل القدرة على الرمزية والاجتماعية. أما "الكائن الطبيعي بالثقافة"، فيشير إلى أن الطبيعة الإنسانية تُبنى وتُعدل من خلال الثقافة، حيث تحول الثقافة الغرائز الطبيعية (مثل الرغبة في البقاء) إلى أنظمة اجتماعية معقدة، مثل القوانين أو الفنون. هذا التفكيك يعتمد على مبدأ الحلقة التكرارية: الطبيعة تنتج الثقافة (من خلال الدماغ والجينات)، والثقافة تعيد إنتاج الطبيعة (من خلال التأثير على التطور والسلوك). يقول موران: "يجب التوقف عن فصل الطبيعة عن الثقافة: مفتاح الثقافة في طبيعتنا، ومفتاح طبيعتنا في الثقافة".
دلالياً، يرفض هذا النهج النظريات الاختزالية، مثل الداروينية الاجتماعية التي تركز على الجانب الطبيعي فقط، أو الثقافوية النسبية التي تنكر البيولوجيا. بدلاً من ذلك، يرى الإنسان كـ"كائن لامتناهي التعقيد"، كائن يجمع بين العقلانية واللاعقلانية، حيث تكون الثقافة أداة للتوازن في سياق تعقدي. من الناحية الإجرائية، يتجلى المفهوم في عملية "التنظيم الذاتي البيئي"، حيث يتفاعل الإنسان مع بيئته الطبيعية من خلال أدوات ثقافية، مما يؤدي إلى تطور مشترك. إجرائياً، تبدأ العملية بالغرائز الطبيعية، التي تُعدل بالثقافة (مثل تحول الغريزة الجنسية إلى أعراف زواجية)، ثم تعود لتشكل الطبيعة (مثل التأثير الثقافي على الانتخاب الجيني). هذا الإجراء التعقدي يظهر في دراسات موران عن الثقافة الشعبية، حيث تُصبح الثقافة أداة لفهم الطبيعة الإنسانية في عصر الرأسمالية، مع التركيز على اللاعقلاني كعنصر أساسي في التعقيد.
التطبيقات في المقاربة التعقدية
"من خلال التضحية المستمرة بما هو ضروري من أجل ما هو عاجل، ينتهي بنا الأمر إلى نسيان مدى إلحاح ما هو ضروري."
تجد هذه الرؤية تطبيقات في مجالات متعددة. في الأنثروبولوجيا، يفسر موران تطور الإنسان من خلال الثقافة كعامل يحول الغريزة الطبيعية إلى نظام اقتصادي، مما يجعل الإنسان "طبيعياً بالثقافة" في مواجهة البيئة. مثال: في "أرض الوطن"، يربط بين الأزمة البيئية والثقافية، داعياً إلى ثقافة كوكبية تضامنية تجمع بين الطبيعي والثقافي في مقاربة تعقدية لمواجهة الاحتباس الحراري. في التربية، يدعو موران إلى تعليم تعقدي يعلم الطلاب الربط بين الطبيعة والثقافة، كما في "الرؤوس المنظمة جيداً" (الدروس السبعة المعقدة في التعليم من أجل المستقبل ، 1999)، حيث تكون الثقافة أداة لفهم الطبيعة الإنسانية. أما في السياسة، فيؤكد على "سياسة حضارية" تعتمد على هذا المفهوم لمواجهة البربرية الحديثة، مثل الاستهلاكية التي تفصل بين الإنسان والطبيعة.
في علم النفس، يُبرز كيف تحول الثقافة الرغبات الطبيعية إلى هويات اجتماعية، مع التركيز على "الاعتمادية" كرابط تعقدي بين الروابط الطبيعية والثقافية. هذه التطبيقات تظهر كيف يصبح الإنسان، من خلال المقاربة التعقدية، كائناً قادراً على التكيف، لكنه معرض للأزمات إذا انفصلت الثقافة عن الطبيعة.
التشابهات والتداخلات مع مقاربات أخرى
"من الخطورة بمكان أن نُظهر للإنسان مدى مساواته بالحيوانات دون أن نُظهر له عظمته، بل والأخطر من ذلك أن نُظهر له عظمته دون أن نُظهر له دناءته. والأخطر من ذلك كله أن نتركه جاهلاً بكليهما." باسكال، ذكره ادغار موران
رغم التركيز على التعقيد، يعترف موران بتداخلات مع فلاسفة آخرين، مثل ليفي ستروس في الثقافة كبنية، أو هيغل في الجدل. لكنه يتجاوزهم بالحلقة التكرارية، حيث لا تكون الثقافة هيمنة بل تفاعل. كما يتداخل مع الفلسفة البيئية، مثل نظرية غايا، حيث تكون الثقافة امتداداً للنظام الطبيعي في سياق تعقدي.
خاتمة
"لقد أمضيت حياتي أفكر في معنى أن تكون على قيد الحياة." ادغار موران
في نهاية المطاف، تمثل رؤية موران للإنسان بين "الكائن الثقافي بالطبيعة" و"الكائن الطبيعي بالثقافة" تحولاً في الفلسفة التعقدية، حيث يصبح الإنسان كائناً معقداً يجمع بين الجانبين في حلقة مستمرة. هذا المفهوم ليس نظرياً فقط، بل عملياً يدعو إلى فكر متعدد التخصصات لمواجهة التحديات المعاصرة. الدراسات المستقبلية قد تستكشف تطبيقه في الذكاء الاصطناعي، حيث يصبح "الثقافي" جزءاً من "الطبيعي" الرقمي، مع الحفاظ على التعقيد الإنساني. ألم يقل موران:" التضامن والمسؤولية هما من الضروريات الأساسية لمجتمع يتمتع أفراده بالحرية." فكيف يمكن توظيف الفكر المعقد في المجال العملي؟
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول أنطونيو غرامشي كفيلسوف ديمقراطي بين تشاؤم العقل وتفاؤل ا ...
- لغة الضاد بين التكلم عن معاناة الشعوب المضطهدة والنطق باسم ا ...
- مقاربة بسيكوسوسيولوجية للكائن البشري عند ايريك فروم
- جدلية التخلف والتقدم عند العرب بين النماذج الغربية والبدائل ...
- في عالم الخداع الشامل، يصبح قول الحقيقة فعلاً ثورياً
- خلفيات الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والتفريط في حقوق الشعوب ...
- اهتمام الذات الباحثة في مجال الفكر الفلسفي
- فلاسفة في الطريق إلى الحقيقة، ما بين التأمل الميتافيزيقي وال ...
- الكائن البشري بين الطموح اللامتناهي نحو المطلق والإقرار بالت ...
- ما بين سبينوزا والسبينوزية، مقاربة أخلاقية سياسية
- الحقوق الفلسطينية في الدولة والعودة والإعمار وجذورها الراسخة ...
- السياسة عند فولتير بين أول الفنون وآخر المهن، مقاربة تنويرية ...
- الشعوب الحرة هي التي تصنع تاريخها بإرادتها، مقاربة حضارية
- صدور كتاب لم نحتاج الفلسفة في زمن الذكاء الاصطناعي؟
- القيمة الدائمة للفلسفة هي التطوير المستمر للفكر في كل فرد وك ...
- مشروع القرار الأمريكي بشأن مستقبل غزة والموقف الفلسطيني منه
- الإبستمولوجيا في الفلسفة الحديثة والمعاصرة
- الحرب هي النواة الإشكالية لأهم المعارك الجيوسياسية بين القوى ...
- القرار الأنطولوجي الحاسم للذات الجمعية بفك الارتباط بالمركزي ...
- أسلوب المقاربات بين المعنى اللغوي والدلالة الاصطلاحية والمفه ...


المزيد.....




- -أكره ظهورها-.. شاهد أول تعليق من ترامب على أحدث الصور المنش ...
- بالتعاون مع السعودية.. شرطة سلطنة عُمان تُحبط تهريب مخدرات ل ...
- الولايات المتحدة تطارد ناقلة نفط تقترب من فنزويلا
- العثور على 12 جثة في 3 أيام قرب مدينة غواتيمالا
- هزيمة ساحقة للاشتراكيين في الانتخابات الإقليمية الإسبانية
- مصرع سائحة إيطالية في تصادم مركبين سياحيين بجنوب مصر
- اليابان تستعد لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية في العالم
- إدارة ترمب تنفي محاولة التستر على قضية إبستين
- أحكام -قياسية- بالسجن على المئات من أعضاء عصابة في السلفادور ...
- تركيا: لا يبدو أن -قسد- لديها نية للاندماج مع دمشق


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - مقاربة تعقدية عند ادغار موران بين الكائن الثقافي بالطبيعة والكائن الطبيعي بالثقافة