أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - موريس صليبا - من يمكن أن يكون يسوع؟ الحلقة الثالثة















المزيد.....

من يمكن أن يكون يسوع؟ الحلقة الثالثة


موريس صليبا

الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 13:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نشر هذه الدراسة العالمان الفرنسيّان الشهيران ميشال ايف بولوره (Michel-Yves Bolloré) واوليفيه بوناسي (Olivier Bonnassies) في كتابهما الشهير [الله، العلم، البراهين. فجر ثورة] (Dieu, la science, les preuves. L’Aube d’une révolution)
لقد بيع منه أكثر من ستمائة ألف نسخة، وترجم الى لغات عديدة. صدرت الطبعة الأولى عام 2021، ثمّ توالت طبعات أخرى. وبما أنّ هذا الفصل لم ينشر في الطبعة العربية، فرأينا من المستحبّ ألا يحرم القارئ العربي منه واعطائه الفرصة للاطلاع عليه والحكم على مضمونه. بعد ، الحلقة الثانية أمس، اليكم اليوم الحلقة الثالثة وعنوانها:

هل كان يسوع مجنونًا ومدّعيًّا ؟

لا بدّ من طرح هذا السؤال، لأن بعض معاصريه عبّروا عن شكوكهم حول صحّته العقليّة. يتحدّث إنجيل مرقس عن قلق بعض أقارب يسوع الذين ارتبكوا بسبب كرازته وتصرّفاته:
"ولمّا سمع أهل بيته خرجوا ليمسكوه، لأنّهم قالوا: "إنّه مختلّ" (مرقس3، 21).
في ذلك الوقت كانت تعتبر الاضطرابات النفسيّة التي يُساءُ فهمها، تسلّطا أو مسّا شيطانيّا. لذلك اعتقد كثيرون أن يسوع كان واقعًا تحت سلطة الشيطان: "قال الكثير منهم: لديه شيطان، وهو يَهذي. لماذا تستمعون إليه؟" (يوحنا 10، 20) أو مرّة أخرى: "قال اليهود: ألسنا نقول حسنا: إنك سامريّ وبك شيطان؟" (يوحنا 8، 48).
بعد مرور عشرين قرنًا تقريباً، ظهر مفكرون مثل ديفيد ف. شتراوس وفريدريك نيتشه وتساءلوا في كتاباتهم عن التوازن العقليّ عند يسوع. ثم بحث المتخصّصون البارزون في حالة يسوع وأجروا تشخيصاً. فكشف الطبيب الفرنسي شارل بينيه سانجلا في كتابه المعنون "جنون يسوع" La Folie de Jésus (1915) عن جنون العظمة الدينيّة عنده. كذلك حذا الطبيب النفسي الأميريكي ويليام هيرش حذوه وأعلن أن يسوع كان مصابًا بجنون العظمة، وهو تشخيص شاركه فيه الطبيب النفسيّ السوفيّيتي ا. ف. مينتس Mints Y.V..
في الواقع، وبعد تفحّص كلمات يسوع الحمقاء المشار إليها أعلاه في الحلقة الثانية، يبدو من المعقول الاعتراف بذلك والقول بأنّه كان مجرد إنسان فقط وليس ابن الله، وبالتالي كان مجنوناً.
هذا الافتراض الذي وافق عليه متخصّصون بارزون، هو بالتأكيد جذّاب، ولكن هل هو مقنع حقًا؟

1. انّه كلام مربك، لكنّه حكيم للغاية

على عكس كلامه الجامح والمربك، قال يسوع أيضا كلاما آخر ذا مغزى عميق وحكيم صمد أمام اختبار الزمن. فما زال جميع المسيحيّين وغير المسيحيّين يردّدونه باستمرار حتّى اليوم. إليكم ثلاثة أمثلة رائعة من بين العديد من كلام الحكمة التي نطق بها يسوع:

"•أعط لقيصر ما لقيصر ولله ما لله" (متى 22، 21).
ليس من الضروري إثبات أهميّة هذا المبدأ الذي استُخدم في جميع العصور، ولاسيّما في عصرنا، بهدف التشديد على الفصل بين المجالين السياسيّ والدينيّ. أما السؤال الذي طرح في الأصل على يسوع، والذي دفعه إلى هذا الجواب، "هل علينا دفع الجزية لقيصر، نعم أو لا؟ (متى22، 17)، فكان فخًّا نُصِب له في البداية. فلو أجاب يسوع بـ"نعم"، لأثار عداء اليهود الأتقياء والأصوليّين. ولو أجاب بـ "لا"، لكان قد أدين من قبل الرومان بحكم التمرّد. لذلك، جاء جوابه غير عاديّ لسببَين: أولًا، تجنّب الوقوع في الفخّ، وثانيًا، علّم جميع الأجيال أنّه من الممكن التفاهم والتصالح بين الدين والسياسة.

"•من منكم بلا خطيئة، فليرجمها بحجر" (يوحنا 8، 7).
بعد ألفي عام، دخلت هذه الجملة أيضًا اللغة المشتركة بين كلّ الناس. أعطى مرّة أخرى هذا الجواب الحكيم لتجنّب سؤال مخادع. في الواقع، أوتي إلى يسوع بامرأة بشكل مفاجئ كانت متّهمة بجريمة الزنا، فسألوه: "في الناموس أمرنا موسى برجم هؤلاء النساء. وانت ماذا تقول؟" (يو 8، 5). إنّه سؤال صعب ومحرج... لو أجابهم "لا ترجموها"، لناقض ناموس موسى، وعرّض نفسه لخطر الإدانة. ولو أجابهم "نعم أرجموها"، لأثار غضب الشعب ضدّه، الممتعض من هذه الشريعة البدائيّة والبربريّة، وناقض بالتالي كلامه ودعوته إلى الحب والرحمة. ولكنّه في جوابه هذا، أصاب عصفورين بحجر واحد. من جهة، تجنّب الفخّ عن طريق قلب الوضع، ومن جهة أخرى، بثّ في نفس الوقت تعاليم رائعة: الله وحده هو الذي يحكم ويدين، أما الخاطئ فبإمكانه دائما أن يتصرّف بوقته ليتوب ويكفّر عن خطاياه. ثمّ قال للمرأة: "اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَبدا" (يوحنا 8، 11).

"•يا أبتاه، اغفر لهم ، لأنّهم لا يعرفون ماذا يفعلون" (لوقا 23، 34).
أثناء صلب يسوع، أخذ أعداؤه يتفرّجون على عذابه بفرح شديد ويستهزئون به، قائلين: "خلّص آخرين أما نفسه فلم يخلّصها، فلينقذ نفسه" (لوقا 23، 35). و"إن كان هو المسيّا، ابن الله، فلينزل عن الصليب فنؤمن به" (متى 27، 40-42). وقد رافق ذلك هرج ومرج. لكنّ يسوع، على الرغم من معاناته، وجد القوّة ليقول بصوت عالٍ: "يا أبتاه اغفر لهم، لأنّهم لا يعرفون ما يفعلون" (لوقا 23، 34). تشكّل هذه الكلمات أعلى مستوى من الحكمة والرحمة، لدرجة أنّها تزعج حتى المسيحيّين. كما أنّ بعض النسّاخ غضبوا من ذلك وحذفوا في بعض الأحيان هذه الآية.
كان بإمكاننا مضاعفة أمثلة الحكمة التي بثّها يسوع، مثل حكاية "السامريّ الصالح" التي أصبحت تعبيرًا شعبيًا، أو "السبت إنّما جُعل من أجل الإنسان وليس الإنسان لأجل السبت" (مرقص 2، 27)، أو حتّى حاجة الإنسان إلى عدم بناء بيته، أي حياته، على الرمال، ولكن على الصخر (متى 7، 24-27)، وغيرها. لدى كلّ إنسان مراجعه الخاصّة، وما أكثرها. لذلك تبنّت الحِكم الشعبيّة الكثير من الحِكم الإنجيليّة. وهذه الامثلة تكفي للتشكيك بجدّيّة الفرضيّة التي تقول بأنّ يسوع كان مجنوناً.

2. لماذا تحدّث التلمود عن أفعال مجنون؟
إذا كان يسوع مجرد إنسان مجنون وغريب الأطوار نوعًا ما، فلماذا منحته إذاً بعض النسخ المختلفة من التلمود هذه الأهميّة وجعلت منه رجلاً متآمرًا خطيرًا وساحرًا شيطانيّا؟ فلو كان يسوع حقًا مجرد إنسان أحمق فقير، لكانت الإشارة إلى ذلك أكثر من كافية لفقدان مصداقيّة رسالته بشكل كامل ونهائيّ.

3. قداس جنائزيّ لمجنون
لو كان يسوع إنسانًا حكيمًا، لما أحاط نفسه بمجموعة من المخادعين والكذّابين. ولو كان مجنونًا، لما وجد إنسانًا واحدًا يفكّر في الانضمام إليه ومرافقته على طريق الجلجلة، باستثناء ربّما بعض الحمقى الآخرين الذين، بعد موته، كانوا سيبذلون جهودًا لا تُصدَّق لتنظيم حفلة تنكّريّة لقيامته الزائفة، وبعدها كانوا سيتنقّلون حول العالم، معرّضين حياتهم للخطر في سبيل نشر هذا الخبر.

هذه الرواية بمعناها الحقيقيّ، ليست إلا قصّة مجانين.
ومع ذلك، فإن فرضيّة جنون يسوع هذه يجب أن تؤخذ على محمل الجدّ. بالنسبة لبعض الكتبة المدافعين عن الدين، مثل سي. آس. لويس، فقد اعتبر في كتابه الذي نشره بعنوان "أسس المسيحيّة" Les fondements du christianisme، مسألة جنونه مرحلة إلزاميّة. فتحديد هويّة يسوع تواجه بنظره ثلاثة شروط. هل يسوع هو الله أم لا. وإن لم يكن هو الله، فهو يعرف ذلك، ولكنّه تظاهر عكس ذلك، أو أنّه يعتقد أنّه هو الله، ولكنّه يخادع لأنّه مجنون.
لذلك كان من الممكن التحقيق في احتمال جنون يسوع، غير أنّ هذا المسار لا يؤدي إلى أيّة نتيجة.

في قاعة المحكمة الوهميّة هذه، استمعنا حتى الآن إلى شهادات تدعم ثلاث فرضيّات مختلفة تسعى لتحديد شخصيّة يسوع. ولكن لم تصمد أيّ منها. والآن ننتظر أربع شهادات أخرى على المنصّة.

والى اللقاء غدا في الحلقة الرابعة.



#موريس_صليبا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسوع المسيح أمام محكمة التاريخ. الحلقة الثانية
- يسوع المسيح أمام محكمة التاريخ. ألحلقة الأولى
- يسوع المسيح أمام محكمة التاريخ
- محمّد الموسويّ، عابر عراقيّ من الإسلام إلى المسيحيّة (2)
- محمّد الموسويّ، عابر عراقيّ من الإسلام إلى المسيحيّة (1)
- ياسر إريك، إسلاميّ سودانيّ يصبح أسقفًا أنغليكانيًّا
- اليكم ماأنجزه الوجود الفرنسي خلال 132 سنة في الجزائر. رسالة ...
- حمدان عمّار، مفكّر ثائر على الفكر الإسلاميّ المدمّر
- كيف كفرت بالإسلام مسلمة سلفيّة في فرنسا
- سالم بن عمّار: يا شعوب إفريقيا الشماليّة، ألم تدركوا بعد أنّ ...
- هوبار لومار (26)ز خواطر ختاميّة
- هوبار لومار يسأل (25): هل من حلّ لخروج المسلمين من مأساة الإ ...
- هوبار لومار يسأل (24): متى ستستيقظون أيّها المسلمون؟!
- هوبار لومار يسأل (22):هل تعرفون كيف تسيئون لأولادكم؟
- هوبار لومار يسأل (22): ماذا تعرفون عن أحوال العالم الإسلامي؟
- هوبار لومار يسأل (21): هل سمعتم بمبدأ -المعاملة بالمثل-؟
- هوبار لومار يسأل (20): ماذا تقولون عن هجرة المسلمين إلى الغر ...
- هوبار لومار يسأل (19): ماذا تعرفون عن -المسلم المعتدل-؟
- هوبار لومار يسأل (18): هل تعرفون أنّ الرجل المسلم متسلّط؟
- هوبار لومار يسأل المسلمات (17): ماذا تعرفن عن الحجاب؟


المزيد.....




- لماذا يشهد يهود بريطانيا أكبر تحول لهم منذ 60 عاماً؟
- هل يحل تصنيف حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية في السودان ...
- هجوم سيدني: رئيس الوزراء يعتذر عما مرت به الجالية اليهودية و ...
- تقرير: مؤسسات أوروبية موّلت منظمات مرتبطة بالإخوان
- بعد هجوم سيدني.. وزير خارجية إسرائيل يوجه رسالة إلى اليهود
- 917 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى.. وإبعاد أحد حراسه
- الكنيست يبحث فرض عقوبات على الحركة الإسلامية والإخوان المسلم ...
- عيد الميلاد في غزة بلا زينة والمسيحيون يكتفون بالصلوات
- اللواء موسوي: اغتيال اليهود مخطط اسرائيلي للايحاء بمعاداة ال ...
- إقامة قداس عيد الميلاد بالكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في غزة ا ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - موريس صليبا - من يمكن أن يكون يسوع؟ الحلقة الثالثة