أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - موريس صليبا - يسوع المسيح أمام محكمة التاريخ. الحلقة الثانية















المزيد.....

يسوع المسيح أمام محكمة التاريخ. الحلقة الثانية


موريس صليبا

الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 16:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نشر هذه الدراسة العالمان الفرنسيّان الشهيران ميشال ايف بولوره (Michel-Yves Bolloré) واوليفيه بوناسي (Olivier Bonnassies) في كتابهما الشهير [الله، العلم، البراهين. فجر ثورة] (Dieu, la science, les preuves. L’Aube d’une révolution)
لقد بيع منه أكثر من ستمائة ألف نسخة، وترجم الى لغات عديدة. صدرت الطبعة الأولى عام 2021، ثمّ توالت طبعات أخرى. وبما أنّ هذا الفصل لم ينشر في الطبعة العربية، فرأينا من المستحبّ ألا يحرم القارئ العربي منه واعطائه الفرصة للاطلاع عليه والحكم على مضمونه. بعد ، الحلقة الأولى أمس، اليكم اليوم الحلقة الثانية وعنوانها:

يسوع كان انسانًا حكيمًا عظيمًا

نشر إرنست رينان Ernest Renan عام 1863 كتابا عنوانه "حياة يسوع "Vie de Jésus، وختمه بهذا الجملة الشهيرة: "تعلن كل الأجيال بين البشر أنّه لم يولد أعظم من يسوع." هذا يعني بكلام آخر بالنسبة لرينان، أنّ يسوع كان أعظم حكيم عرفته البشريّة، ولكن فقط كرجل مثل الآخرين، وبالتالي ليس هو المسيح ولا ابن الله.

يعود بلا شكّ النجاح الكبير الذي حقّقه كتابه إلى رائحة الفضيحة التي أحاطت بنشره. من الواضح أنّ الإشارة في هذا الكتاب إلى إيحاءات مذهلة لا تُصدّق، مثل "يسوع لم يكن موجودًا"، أو "كان مجرّد إنسان حكيم" أو حتّى "كان متزوجًا من مريم المجدليّة"، أثارت اهتمام النقّاد والفضول لدى القراء وضمنت شهرة واسعة للمؤلف.

جاء كتاب رينان في الوقت المناسب لدعم وتبرير المفكّرين الأحرار الذين أخذت أعدادهم بالتكاثر. اعتبر هؤلاء كلامه عن يسوع كـ"إنسان حكيم" أقلّ استحالة وأقلّ عدوانيّة من الكلام عن يسوع الأسطورة. غير أنّ هذه الفرضيّة اثارت الكثير من التشكّيك في إطار ثقافيّ يدعمه مؤرّخ مشهور.
مع ذلك بدت هذه الفرضيّة أكثر عبثيّة، كما استحال قبولها بين كلّ الفرضيّات الممكنة.

ولتفنيد كلّ ما ورد فيها، يكفي أن نقرأ كلام يسوع مثلما ذكره كتبة الإنجيل، فهو كلام لا يجرؤ أي إنسان حكيم على النطق به:

1. كلامه سخيف، كلام مجنون

"انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه" (يوحنا 2، 19)
"مغفورة لك خطاياك" (متى 9، 5 ؛ مرقص 2، 10 ؛ لوقا 7، 48)
"أنا هو الخبز الذي نزل من السماء" (يوحنا 6، 41)
"أنا هو القيامة والحياة" (يوحنا 11، 25)
"قبل أن يكون إبراهيم أنا موجود" (يوحنا 8، 5)
"من آمن بي وان مات فسيحيا" (يوحنا 11، 25).

2. كلامه ادّعاء جنونيّ

"بدوني لا تستطيع أن تفعل شيئًا" (يوحنا 15، 5)
"السماء والأرض تزولان، و كلامي لن يزول" (متى 24، 35)
"أُعطِيَتْ لِي كُلَّ قُوَّةٍ فِي السَّمَاءِ وَفِي الأَرْضِ" (متى 28، 18)
"من رآني فقد رأى الآب [الله]" (يوحنا 14، 9)
"أنا نور العالم" (يوحنا 8، 12 و9، 5)
"أنا الطريق والحق والحياة" (يوحنا 14، 6)
"من هو للحق يسمع لصوتي" (يوحنا 18، 37)
"حقًا، جاءت [ملكة سبأ] من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وهناك أكثر بكثير من سليمان هنا" (متى 12، 42).

3. كلامه غير قابل للتطبيق

"إن كان أحد يأتي إليَّ ولا يفضلني على أبيه وأمّه وزوجته وأولاده وإخوته وأخواته، وحتى نفسه أيضا، فلا يقدر أن يكون لي تلميذا" (لوقا 14، 26)
"إذا صفعك أحدهم على خدّك الأيسر، حوّل له خدّك الأيمن" (متى 5، 39)
"إذا أراد أحد أن يتبعني، فلينكر نفسه، ويحمل صليبه ويتبعني" (متى 16، 24)
"سمعتم أنّه قيل: العين بالعين والسنّ بالسنّ. حسنًا، أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشرّ" (متى 5، 38).

4. كلماته تدنيس

•"مغفورة لك خطاياك" (متى 9، 5 ؛ مر 2، 10 ؛ لوقا 7، 48)
"انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه" (يو ، 19)
"ابن الإنسان [يتكلم عن نفسه] هو رب السبت" (مرقص 2، 28)
"الحقّ الحقّ أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد الإنسان [هو ، يسوع] وإذا لم تشربوا دمه ، فليس لكم حياة فيكم" (يوحنا 6، 53).
صدمت هذه الكلمات الأخيرة أتباعه لدرجة كبيرة. فابتعد عنه كثيرون، لأنّهم استاؤوا وتعذّر عليهم فهم كلامه. "منذ ذلك الوقت، رجع العديد من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه" (يوحنا 6، 66 ).
إذا لم يكن يسوع هو "الإله الذي تجسّد" كما يدّعي، فلا يمكن أن تصدر هذه الكلمات إلا على لسان إنسان مجنون ومدّع، وليست على لسان رجل حكيم بأي حال من الأحوال.

5. حكيم عظيم على رأس عصابة من الكذّابين والمحتالين؟

من المنطقيّ أن يسعى إنسان حكيم كبير إلى إحاطة نفسه بالطامحين إلى الحكمة، فيدعهم يلتفّون حوله لسماع كلامه والتأمّل في أفكاره. ومن الطبيعي أيضا ألا يسعى أيّ "حكيم عظيم" إلى البحث فقط عن رفاق من الكذّابين واللصوص. ولكن هذا ما كان سيفعله يسوع لو قبلنا بهذه الفرضيّة.
بعد موته، أسرع فعلا جميع تلاميذه إلى الإعلان عن قيامته. فعلوا ذلك بالإجماع، أي أنّهم اتّفقوا جميعًا للذهاب إلى قبر يسوع وفتحه في ليلة مكتمل فيها القمر، وسرقوا جثّته سرّا، وأعادوا دفنها في مخبأ سريّ للغاية بحيث لم يُعثر عليها إطلاقا منذ ذلك الحين. جرى كلّ ذلك بدون علم أحد وبدون أيّ تسرّب من أفراد تلك المجموعة. غير أن هذا الأمر لا يمكن تصوّره، لأنّ سرقة الجثث كان يُعاقَب عليها بالإعدام في القانون اليهوديّ كما في القانون الرومانيّ. فانعكاسات الإقدام على عمليّة كهذه كانت خطيرة للغاية.
وبالرغم من ذلك، أخذ الرسل يتجوّلون في كل مكان ويردّدون أنّ سيّدهم قام من بين الأموات، كما حافظوا جميعا وبلا استثناء على هذه الرواية الخياليّة والخاطئة حتى وفاتهم.

يقول رينان إنّ "أعظم إنسان حكيم عرفته الأرض على الإطلاق" لم يجنّد حوله إلا كذّابين ولصوص ومحتالين فقط. بعد ذلك أكمل هؤلاء شعوذتهم ونشر أخبار عن معجزاتٍ نسبوها إلى يسوع، هذا الرجل الحكيم الذي لم يكن قادرًا على تحقيقها. كذلك تخيّلوا كلاما وخطابات لم يتفوّه بها أبدًا. أخيرًا ذهبوا لنشر هذه الكوميديا في العالم أجمع، حتّى استُشهدوا حفاظا على مصداقيّتها. إضافة إلى ذلك، كان هؤلاء الرسل، المحتالين والكذّابين، مجرّدين تماما من أيّ حسّ إنسانيّ سليم، لأنّ السيناريو الذي استنبطوه وحاولوا تطبيقه لم يكن يتّسم بأيّ ذرّة من العقلانيّة.
لذلك يتعيّن نبذ فرضيّة رينان، التي لم ير من خلالها إلا إنسانا حكيمًا في شخص يسوع. ولكنّ هذه النظريّة لن ترضي إلا أولئك الذين يريدون التخّلص من السؤال المحرج "من يمكن أن يكون يسوع؟" فهم يفضّلون تأيّيد فرضيّة بسيطة لا تضارب فيها ولا تحتاج إلى فحص دقيق. "يسوع هو فقط إنسان حكيم"، شخصيّة ناعمة وسلسة. هذا هو الخيار السهل الذي يتبنّاه الضعفاء والحريصون على الدنيا وملذّاتها الفانية.

كتب المفكّر سي .آس. لويس (C.S. Lewis ): "عليكم أن تختاروا: إما أن هذا الرجل كان ولا يزال ابن الله، وإما كان مريضا نفسيّا، أو أسوأ من ذلك بكثير. يمكنكم أن تُخرسوه لأنّه مجنون. يمكنكم أن تبصقوا عليه وتقتلوه لاعتباره شيطانا. ويمكنكم أخيرًا أن تجثوا أمامه وتدعونه "ربي وإلهي". ولكن أرجوكم أن لا تأتوا إليه مع هذا الإطراء الصغير السخيف والمحطّ قائلين إنّه رجل أخلاقيّ عظيم. فهو لم يترك لنا هذا الاحتمال."

والى اللقاء غدا في الحلقة الثالثة.



#موريس_صليبا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسوع المسيح أمام محكمة التاريخ. ألحلقة الأولى
- يسوع المسيح أمام محكمة التاريخ
- محمّد الموسويّ، عابر عراقيّ من الإسلام إلى المسيحيّة (2)
- محمّد الموسويّ، عابر عراقيّ من الإسلام إلى المسيحيّة (1)
- ياسر إريك، إسلاميّ سودانيّ يصبح أسقفًا أنغليكانيًّا
- اليكم ماأنجزه الوجود الفرنسي خلال 132 سنة في الجزائر. رسالة ...
- حمدان عمّار، مفكّر ثائر على الفكر الإسلاميّ المدمّر
- كيف كفرت بالإسلام مسلمة سلفيّة في فرنسا
- سالم بن عمّار: يا شعوب إفريقيا الشماليّة، ألم تدركوا بعد أنّ ...
- هوبار لومار (26)ز خواطر ختاميّة
- هوبار لومار يسأل (25): هل من حلّ لخروج المسلمين من مأساة الإ ...
- هوبار لومار يسأل (24): متى ستستيقظون أيّها المسلمون؟!
- هوبار لومار يسأل (22):هل تعرفون كيف تسيئون لأولادكم؟
- هوبار لومار يسأل (22): ماذا تعرفون عن أحوال العالم الإسلامي؟
- هوبار لومار يسأل (21): هل سمعتم بمبدأ -المعاملة بالمثل-؟
- هوبار لومار يسأل (20): ماذا تقولون عن هجرة المسلمين إلى الغر ...
- هوبار لومار يسأل (19): ماذا تعرفون عن -المسلم المعتدل-؟
- هوبار لومار يسأل (18): هل تعرفون أنّ الرجل المسلم متسلّط؟
- هوبار لومار يسأل المسلمات (17): ماذا تعرفن عن الحجاب؟
- هوبار لومار يسأل (16) المرأة المسلمة: ماذا تعرفين عن وضعك في ...


المزيد.....




- المجلس المركزي لليهود في ألمانيا يدعو إلى -انتفاضة جديدة للأ ...
- مسجد -فخر المسلمين- في الشيشان.. تحفة معمارية إسلامية تجذب ا ...
- مستوطنون إسرائيليون يقتحمون باحات المسجد الأقصى
- حفريات تقتفي آثار الماضي اليهودي في واحة جنوب المغرب
- تفاؤل حذر.. وضع يهود المغرب عقب هجوم حماس ونشوب الحرب في غزة ...
- لوموند: مرة أخرى الإسلام في قلب جدل كبير بكندا
- حكومة كردستان تعطل الدوام الرسمي الخميس المقبل بمناسبة ميلاد ...
- هل استعاد تنظيم -الدولة الإسلامية- تأثيره في سوريا؟
- هل يستفيد تنظيم الدولة الإسلامية من ترؤس أحمد الشرع السلطة ل ...
- إيران تعدم رجل دين أُدين بالتجسّس لصالح إسرائيل


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - موريس صليبا - يسوع المسيح أمام محكمة التاريخ. الحلقة الثانية